(الصفحة 491)
عدم المغايرة بينه وبين القول الثاني ، لوضوح أنّ الحكم بكونها متمّمة إنّما هو فيما إذا كانت الصلاة ناقصة ، لأنّه لا معنى للحكم بأنّ الاحتياط تمام مع فرض عدم نقصانها كما هو واضح .
وإن كان المراد أنّ الاحتياط في خصوص صورة النقص تمام من وجه وصلاة منفردة من وجه فلا معنى له أصلاً ، لأنّ الحكم بكونه تماماً إنّما هو لأنّ وظيفة المصلّي مع الشكّ في عدد الركعة لم ينقلب من الإتيان بالصلاة المشتملة على أربع ركعات ، بل لابدّ من الإتيان بها ، إمّا متّصلة وإمّا منفصلة ، ولا يلائم ذلك مع الحكم بكونه صلاة منفردة أيضاً من وجه كما لا يخفى .
فانقدح أنّ الأقوى ـ كما هو مقتضى النصوص وفتاوى القدماء ـ كون صلاة الاحتياط جزءً وتماماً ، وتخلّل الحدث بينها وبين الصلاة إنّما هو كتخلّله بين شيء من أجزائهما .
ثانيها : الشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع
المشهور أنّه يجب عليه البناء على الأكثر وإتمام الصلاة ثم الإتيان بركعتين قائماً وركعتين جالساً(1) ، وحكي عن الصدوق أنّه حكم بثبوت التخيير بينه وبين الإتيان بركعة قائماً وركعتين جالساً(2) .
أمّا الروايات الواردة :
فمنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن
- (1) المقنعة : 146; الانتصار : 156; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3 : 37; المبسوط 1 : 123; الخلاف 1 : 445; السرائر 1 : 254; المعتبر 2 : 393; تذكرة الفقهاء 3 : 343 مسألة 356; الدروس 1 : 203; مسالك الأفهام 1 : 294 .
- (2) الفقيه 1 : 231 ذح1021; وحكاه عن والد الصدوق أيضاً في مختلف الشيعة 2 : 384 .
(الصفحة 492)
أبي إبراهيم(عليه السلام) قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : رجل لا يدري أثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فقال : «يصلّي ركعة من قيام ثم يسلّم ثم يصلّي ركعتين وهو جالس»(1) .
ومنها : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل صلّى فلم يدر أثتنين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال : «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثم يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم ، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة ، وإلاّ تمّت الأربع»(2) .
وعن الفقه الرضوي قال : «وإن شككت فلم تدر أثنتين صلّيت أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فصلّ ركعة من قيام وركعتين من جلوس»(3) .
ومستند الاكتفاء بركعة واحدة قائماً وركعتين جالساً إن كان هو الفقه الرضوي فيرد عليه عدم اعتباره كما مرّ مراراً ، وإن كان هو صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج فيرد عليه ـ مضافاً إلى غرابة سنده ، لأنّ الظاهر ثبوت كلمة «(عليه السلام)» بعد أبي إبراهيم كما في نسختين من الفقيه المصححتين اللّتين أجاز رواية إحداهما المولى ميرزا الشيرواني للعلاّمة المجلسي ورواية أخراهما العلاّمة المجلسي لتلميذه ـ أنّ في بعض النسخ بدل ركعة ركعتين ، وهذا المقدار يكفي في عدم تماميّة الاستدلال ، ولايحتاج إلى استظهار كون الصادر كلمة ـ ركعتين ـ كما في مفتاح الكرامة(4) نظراً إلى أنّ الصدوق قال بعد ذلك : «وقد روي أنّه يصلّي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس»(5) .
هذا ، والظاهر أنّه على تقدير صحّة نسخة «ركعة من قيام» يتم الاستدلال ،
- (1) الفقيه 1 : 230 ح1021; الوسائل 8 : 222 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح1 .
- (2) الكافي 3 : 353 ح6; التهذيب 2 : 187 ح742; الوسائل 8 : 223 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح4 .
- (3) فقه الرضا (عليه السلام)
- : 118; مستدرك الوسائل 6 : 411 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب12 ح1 .
- (4) مفتاح الكرامة 3 : 354 .
- (5) الفقيه 1 : 231 ح 1024; الوسائل 8 : 223 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح3 .
(الصفحة 493)
ولا مجال لما ذكره في المفتاح ، وذلك لأنّ الصدوق نقل بين هذه العبارة وبين رواية عبدالرحمن بن الحجاج روايتين :
1 ـ رواية عليّ بن أبي حمزة ، عن رجل صالح(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يشكّ فلا يدري أواحدة صلّى أو إثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً تلتبس عليه صلاته؟ قال : كلّ ذا؟ قال : قلت : نعم قال : «فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان ، فإنّه يوشكّ أن يذهب عنه»(1) .
2 ـ ما رواه سهل بن اليسع في ذلك عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال : «يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهّد تشهّداً خفيفاً(2) ، ثم قال الصدوق : وقد روي أنّه يصلّي . . .» . ولا يعلم أنّ المراد من مرجع الضمير في قوله «يصلّي» هو الشاك بين الإثنتين والثلاث والأربع ، مضافاً إلى أنّ في بعض النسخ أيضاً بدل ـ ركعة من قيام ـ في عبارة الصدوق هو الركعتان ، وحينئذ فلا يبقى وجه للاستظهار المتقدّم كما لايخفى .
وكيف كان ، فلم يثبت في المقام ما يدلّ على جواز الاكتفاء بركعة من قيام وركعتين من جلوس ، بل الظاهر بمقتضى مرسلة ابن أبي عمير لزوم أن يصلّي ركعتين وهو قائم وركعتين وهو جالس . ويؤيّده الشهرة العظيمة بين الفقهاء على ذلك كما عرفت .
ثمّ إنّه هل يجب تقديم الركعتين من قيام على الركعتين من جلوس على ما هو مقتضى العطف بكلمة «ثمّ» في مرسلة ابن أبي عمير وصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج المتقدّمتين ، أو يتعيّن العكس كما حكي عن بعض(3) ، أو يتخيّر بينهما كما هو
- (1) التهذيب 2 : 188 ح746; الإستبصار 1 : 374 ح1421; الفقيه 1 : 230 ح1022; الوسائل 8 : 229 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح4 .
- (2) الفقيه 1 : 230 ح1023; الوسائل 8 : 223 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح2 .
- (3) حكاه عن ابن ابي عقيل في مختلف الشيعة 2 : 384 .
(الصفحة 494)
مقتضى العطف بالواو في كثير من العبارات؟ وجوه ، لا سبيل إلى الوجه الثاني بعد خلوّه عن مستند ظاهر ، بل ثبوت الدليل على خلافه .
وأمّا الوجه الثالث ، فيبتنى على إلغاء الخصوصية من النصوص الظاهرة في وجوب تقديم الركعتين من قيام ، بدعوى أنّ إيجاب الركعتين من قيام إنّما هو لتدارك نقصان الصلاة على تقدير كونها ركعتين ، وإيجاب الركعتين من جلوس إنّما هو لتدارك نقصانها على تقدير كونها ثلاث ركعات ، ولا فرق في مقام تدارك النقص المحتمل بين تقديم جبران النقص الأكثر وبين تقديم تدارك النقص الأقلّ .
ولكنّ لا يخفى أنّ دعوى إلغاء الخصوصية إنّما تصحّ فيما لو لم يكن في البين خصوصية محتملة ، لأن تكون دخيلة أصلاً ، مع أنّه ليس الأمر في المقام كذلك ، فإنّه يحتمل أن يكون الشارع قد اعتبر أصالة عدم الإتيان بالأكثر المقتضية لكون الصلاة ناقصة بركعتين من هذه الجهة ، أي إيجابها لوجوب ركعتين منفصلتين قائماً ، وإن لم يعتبرها من حيث وجوب البناء على الأقلّ والإتيان بركعتين متصلتين ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مجال لدعوى إلغاء الخصوصية فتدبّر .
ثمّ إنّ الشهيدين في الذكرى والروضة ذكرا : أنّ القول بالاكتفاء بركعة قائماً وركعتين جالساً أقوى من حيث الاعتبار ، ولكنّه مخالف للنص والاشتهار(1) . ويرد عليهما منع الأقوائية ، بل الظاهر تساوي هذا القول مع القول الآخر من حيث الإحتياج إلى ورود التعبد لأجل المخالفة للاعتبار ، وذلك لأنّ لازم القول بلزوم الاتيان بركعتين من قيام وركعتين من جلوس أنّه لو كانت الصلاة ناقصة بركعة يكون الجابر لها هو الركعتين من قعود المأتيّ بهما بعد الركعتين قائماً ، وحينئذ فيلزم تحقق الفصل بين الصلاة وبين ما يكون جابراً لنقصها بركعتين قائماً .
ولازم القول بالاكتفاء بركعة واحدة قائماً وركعتين جالساً أنّه لو كانت الصلاة
- (1) الذكرى 4 : 77 ; الروضة البهيّة 1 : 330 ; مستند الشيعة 7 : 154 .
(الصفحة 495)
ناقصة بركعتين يكون الجابر لها هو مجموع الصلاتين ، مع أنّه يلزم تحقق التسليم وتكبيرة الإحرام ونظائرهما في أثناء الصلاة ، فكلّ من القولين يحتاج إلى ورود التعبّد لأجل مخالفته للإعتبار من جهة ، فالأوّل من جهة تحقق الفصل ، والثاني من جهة التسليم وتكبيرة الإحرام ونظائرهما ، زائداً على ما يلزم ، بناءً على كلّ من القولين .
ثمّ إنّه أفتى العلاّمة(قدس سره) في القواعد بالتخيير للشاك في المقام بين أن يصلّي ركعتين قائماً وركعتين جالساً ، وبين أن يصلّي ثلاث ركعات من قيام بتسليمتين(1) ، ومرجع ذلك إلى أنّه لا يجب بعد الركعتين من قيام أن يصلّي ركعتين جالساً ، بل يتخيّر بينه وبين أن يصلّي ركعة قائماً .
بدعوى أنّ إيجاب الركعتين جالساً إنّما هو لأجل تدارك نقص الصلاة على تقدير كونها ثلاث ركعات ، كما أنّ إيجاب الركعتين قائماً إنّما هو لتدارك نقصها على تقدير كونها اثنتين . وحينئذ فلا فرق في جبر نقصان الركعة بين أن يصلّي ركعتين جالساً وبين أن يصلّي ركعة قائماً . كما أنّه في الشكّ بين الثلاث والأربع لا يتعيّن عليه خصوص الإتيان بركعتين جالساً بل يتخيّر بينه وبين ركعة قائماً على ما هو مقتضى النصوص الواردة فيه وسيأتي .
ولكن لا يخفى أنّه مع احتمال ثبوت الفرق بين المقام وبين تلك المسألة لا مجال لرفع اليد عمّا يدلّ عليه ظاهر النصوص المتقدّمة ، ومنشأ هذا الاحتمال أنّ في تلك المسألة تكون الركعة من قيام متصلة بالصلاة وكأنّها جزء لها ، فيمكن أن تكون جابرة للنقصان المحتمل .
وفي المقام يمكن أن تكون الصلاة ناقصة بركعة ، وحينئذ فالجابر لابدّ وأن
- (1) قواعد الأحكام 1 : 305 كتاب الصلاة ـ المطلب الرابع فيما يوجب السهو .