(الصفحة 105)
الرابع من أفعال الصلاة : القراءة
لا إشكال عندنا في وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الركعتين الاُوليين من الصلاة ، سواء كانت ثنائية ، أو ثلاثية ، أو رباعية(1) ، وفي عدم وجوبها تعييناً في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة ، والركعة الأخيرة من الثلاثية(2) ، والكلام في باب القراءة إنما هو في مقامين :
أحدهما : فيما يقوم مقام القراءة في غير الاُوليين من الثلاثية والرباعية ، وإنّه هل هو مطلق الذكر أو خصوص التسبيح؟ وفي كيفيته وبيان مقداره .
ثانيهما : في وجوب انضمام السورة إلى القراءة في الركعتين الاُوليين واستحبابه .
- (1) المقنعة: 137; المبسوط 1: 99; النهاية: 75; الخلاف 1: 327; الإنتصار: 142; المسائل الناصريات: 216; المقنع: 93; الوسيلة: 93; المهذّب1: 92; الكافي في الفقه: 117; المعتبر2: 164; تذكرة الفقهاء3: 128; مستندالشيعة 5: 68.
- (2) الخلاف 1: 341 مسألة 93; النهاية: 76; الإنتصار: 142; مختلف الشيعة 2: 146; المهذّب 1: 97; المراسم: 69; الكافي في الفقه: 117; السرائر 1: 222; تذكرة الفقهاء 3: 128 مسألة 218.
(الصفحة 106)المقام الأوّل : الذكر في الأخيرتين
أمّا الكلام في المقام الأول فملخّصه: إنه لم يظهر من أحد من القائلين بوجوب قراءة شيء في الأخيرتين من العامة من التسبيح ذكر ولا أثر ، نعم ذكر أبو حنيفة إنّه لا يجب شيء في الأخيرتين(1) ، بل الظاهر أنّ التسبيح إنما هو مذكور في كلمات الإمامية فقط .
وحينئذ فهل الواجب في الأخيرتين تخييراً هو مطلق الذكر أو خصوص التسبيح منه؟ وعلى الثاني هل يكفي مطلق التسبيح المتحقق بقول سبحان الله ولو مرّة ، أو يلزم التسبيح بكيفية خاصّة ونحو مخصوص؟ وعلى الثاني هل يكفي الإتيان به مرّة أو يجب ثلاث مرّات؟
وجوه واحتمالات منشؤها اختلاف الأخبار الكثيرة الواردة في هذا الباب، وقد جمعها في الوسائل في الباب 42 و 51 من أبواب القراءة(2) ويرتقي المجموع إلى واحد وعشرين ، أربعة منها متعرّضة لأصل ثبوت القراءة في الأخيرتين وعدمه ، من دون تعرّض للذكر أو التسبيح ، وهي رواية جميل بن دراج ب42 ح4 ، ومنصور بن حازم ب51 ح11، ومعاوية بن عمّار ب51 ح8 ، وزرارة ب51 ح6 .
وواحد منها يدلّ على التخيير بين القراءة ومطلق الذكر وهي رواية علي بن حنظلة عن أبي عبدالله(عليه السلام) ب42 ح3 قال : سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال : «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء قال : قلت : فأيّ ذلك أفضل؟ قال : هما والله سواء، إن شئت سبّحت وإن شئت قرأت» وذكر التسبيح في الذيل يحتمل أن يكون من باب أنّه مصداق للذكر ، ويحتمل أن
- (1) المغني لابن قدامة 1: 561; الشرح الكبير 1: 560; المجموع 3: 386; التفسير الكبير 1: 189; الخلاف 1: 377 مسألة 88 ; تذكرة الفقهاء 3: 144 مسألة 229.
- (2) الوسائل 6: 107 ب42 و: 122 ب51 .
(الصفحة 107)
يصير قرينة على أنّ المراد بالذكر المذكور في الصدر هو التسبيح .
وسبعة منها تدلّ على أصل التسبيح ، من دون تعرّض لكيفيته ، وهي رواية معاوية بن عمّار ب42 ح2 ومحمّد بن حكيم ب51 ح10 ومحمّد بن قيس ب51 ح9 وابن سنان ب51 ح12 ومرسلة الفقيه عن الرضا(عليه السلام) ب51 ح4 وما أرسله المحقّق في المعتبر عن عليّ(عليه السلام) ب51 ح5 وما رواه في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان(عليه السلام)ب51 ح14 .
وأربعة منها تشتمل على بيان التسبيح بنحو الاجمال، وهي رواية عبيد بن زرارة ب42 ح1 قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر؟ قال : «تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء» .
وظاهرها إنّ قراءة الفاتحة في الأخيرتين إنما هي لاشتمالها على التحميد والدعاء ، لا لمجرّد الحكاية وقراءة القرآن ، كما في الاُوليين ، فالرواية تدلّ على أنّ الواجب في الأخيرتين هو مطلق التحميد والدعاء ، غاية الأمر أنّ الفاتحة أيضاً مصداق لهما .
ورواية عمر بن اُذينة عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ب42 ح6 قال : «عشر ركعات ركعتان من الظهر وركعتان من العصر وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء الآخرة لا يجوز فيهن الوهم ـ إلى أن قال ـ : وهي الصلاة التي فرضها الله وفوّض إلى محمّد(صلى الله عليه وآله) ، فزاد النبي في الصلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء، فالوهم إنما هو فيهنّ . . .» .
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) ب42 ح7 قال : «أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله» .
(الصفحة 108)
ورواية عبيد الله بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) ب51 ح7 قال : «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر» .
والخمسة الباقية مشتملة على كيفية التسبيح ، وبيان المراد منه بالنحو المتعارف ، وهي رواية أبي خديجة ب51 ح13 الدالة على أنّ المراد به سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ولكنّها تدلّ على التفصيل بين الإمام والمأموم بنحو لا يقول به أحد من الأصحاب .
ورواية رجاء بن أبي الضحاك ب42 ح8 إنّه صحب الرضا(عليه السلام) من المدينة إلى مرو ، فكان يسبّح في الاُخراوين يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ثلاث مرّات ثم يركع .
قال في مفتاح الكرامة بعد نقل استدلال البهبهاني(قدس سره) على وجوب اثنتي عشرة تسبيحة بهذا الخبر ما هذه عبارته .
قلت : إنّ خبر ابن أبي الضحاك رواه في البحار بدون تكبير ، ثم قال : بيانٌ : في بعض النسخ زيد في آخرها والله أكبر والموجود في النسخ الصحيحة القديمة كما نقلنا بدون التكبير ، والظاهر إنّ الزيادة من النساخ تبعاً للمشهور(1) ، انتهى .
وما رواه الكليني عن محمّد بن إسماعيل النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : «أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وتكبّر وتركع»(2) .
ورواية محمّد بن عمران ب51 ح3 في حديث إنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) فقال :
- (1) مفتاح الكرامة 2 : 376 . بحار الانوار 82 : 88 .
- (2) الكافي 3 : 319 ح2; التهذيب 2: 98 ح367; الإستبصار 1: 321 ح1198; الوسائل 6 : 109. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح5 .
(الصفحة 109)
لأيّ علّة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال : «إنما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عزّوجلّ فدهش فقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة» .
وما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) إنّه قال : «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين مع الأربع الركعات المفروضات شيئاً إماماً كنت أو غير إمام» قال : قلت : فما أقول فيهما؟ قال : «إذا كنت إماماً أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرّات، تكملة تسع تسبيحات ثم تكبّر وتركع»(1) .
قال في الوسائل : ورواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب حريز مثله ، إلاّ أنّه أسقط قوله : تكملة تسع تسبيحات وقوله : أو وحدك ، ورواه في أوّل السرائر أيضاً نقلا من كتاب حريز مثله إلاّ أنّه قال : «فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ثلاث مرّات ثم تكبّر وتركع» ثم قال : أقول : لا يبعد أن يكون زرارة سمع الحديث مرتين مرّة تسع تسبيحات ، ومرّة اثنتي عشرة تسبيحة ، وأورده حريز أيضاً في كتابه مرتين(2) ، انتهى .
والمحكيّ عن العلاّمة المجلسي في البحار أنّه قال : إنّ خبر السرائر الذي استدلّ به أيضاً على هذا القول ، رواه ابن إدريس في موضعين : أحدهما في باب كيفية الصلاة وزاد فيه والله أكبر ، وثانيهما في آخر الكتاب فيما استطرفه من كتاب حريز ، ولم يذكر فيه التكبير ، قال : والنسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على إسقاط التكبير. ويحتمل أن يكون زرارة رواه على الوجهين، ورواهما حريز في كتابه وهو بعيد ، والظاهرزيادة التكبير من قلمه أو من النسّاخ ، لأنّ سائر المحدّثين رووا هذه الرواية
- (1) الفقيه 1: 256 ح1158; الوسائل 6: 122. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح1 .
- (2) السرائر 3: 585 وج1: 219; الوسائل 6: 123. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح2.