(الصفحة 111)
فليسعك فعلت أو لم تفعل»(1) .
ويظهر من البعض الآخر تعيّن التسبيح ، مثل رواية عمر بن اُذينة عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) المتقدّمة(2) ، ومرسلة الفقيه عن الرضا(عليه السلام) قال : «إنما جعل القراءة في الركعتين الأوّلتين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله من عنده وبين ما فرضه الله من عند رسوله(صلى الله عليه وآله) »(3) ، وما أرسله المحقّق في المعتبر(4) عن عليّ(عليه السلام)إنّه قال: «إقرأ في الأوّلتين وسبّح في الأخيرتين»; ورواية عبيدالله بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحانه الله والله أكبر»(5) .
والظاهر كما في التهذيب ، إنّ كلمة «لا» في قوله : لا تقرأ ، للنفي لا للنهي ، وجواب الشرط قوله : «فقل» كما يؤيده ذكر الفاء .
ويظهر من بعض تلك الأخبار التخيير بينهما ، كرواية عليّ بن حنظلة المتقدّمة(6) ، وغيرها ممّا تقدّم ، وهذه الطائفة شاهدة للجمع بين الطائفتين ، بالحمل على التخيير ، ويؤيده فتوى المشهور(7) على طبقها ، وكونها معمولا بها دونهما .
وبالجملة: فالظاهر إنّه لا إشكال في المقام من هذه الجهة أصلا .
- (1) التهذيب 2 : 99 ح371; الاستبصار : 1 / 322 ح1202; الوسائل 6 : 126. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح11 .
- (2) الكافي : 3 / 273 ح7; الوسائل : 6 / 109. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح6 .
- (3) الفقيه 1 : 202 ح924; الوسائل 6 : 124. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح4 .
- (4) المعتبر 2: 165; الوسائل 6: 124. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح5.
- (5) التهذيب 2 : 99 ح372; الإستبصار 1 : 322 ح1203; الوسائل 6 : 124. أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح7 .
- (6) التهذيب 2: 98 ح369; الإستبصار 1: 321 ح1200; الوسائل 6: 108. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح3.
- (7 ) راجع 2 : 105 .
(الصفحة 112)الجهة الثانية : ما يقوم مقام القراءة في الأخيرتين
الجهة الثانية : المشهور بينهم أنّ ما يقوم مقام القراءة في الأخيرتين هو التسبيح(1) ، وإن اختلفوا فيه كيفية وكمية ، ففي المعتبر أنّه يجزي بدل الحمد في الأواخر تسبيحات أربع ، صورتها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، وحكى هذا القول عن المفيد، وحكى أيضاً من علم الهدى ، والشيخ ، وابن أبي عقيل القول بأنّه مخير بين القراءة وعشر تسبيحات ، صورتها أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرّات ، وتزيد في الثالثة والله أكبر . وعن حريز بن عبدالله السجستاني ، وأبي جعفر بن بابويه القول بتسع تسبيحات ، بإسقاط التكبير من الثلاث ، وعن الشيخ في النهاية القول بأنّه تكرّر ذلك ثلاث مرّات، مع كلّ مرّة والله أكبر فيكون إثنى عشر فصلا(2) .
هذا، وقد ظهرلك ممّا تقدّم أنّه لا ينهض شيء من الأخبار المتقدمة على وجوب تكرار التسبيحات الأربع ثلاث مرّات ، لأنّ رواية رجاء المتقدّمة ـ مضافاً إلى أنّها تتضمن حكاية فعل الإمام(عليه السلام) ، فلعلّه كان يعمل بالاستحباب ـ قد عرفت أنّه نقلها في البحار من دون تكبير وقال : الموجود في النسخ القديمة الصحيحة كما نقلنا بدون التكبير ، واستظهر كون الزيادة من النسّاخ تبعاً للمشهور .
ورواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) المتقدّمة التي رواها الصدوق في الفقيه وابن إدريس في موضعين من السرائر ، نقلا من كتاب حريز ، قد عرفت ثبوت الاختلاف فيها ، ففي الفقيه أسقط التكبير مع زيادة قوله : تكملة تسع تسبيحات ،
- (1 ) راجع 2 : 110 .
- (2) المعتبر 2: 188 ـ 189; المقنعة : 113; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 33; المبسوط 1: 106; وحكاه عن ابن ابى عقيل في مختلف الشيعة 2 : 142 مصباح المتهجد: 440; السرائر 3: 585 عن كتاب حريز بن عبدالله، الفقيه 1: 256، النهاية: 76.
(الصفحة 113)
وفي السرائر وإن رواها في باب كيفية الصلاة مع ذكر التكبير ، إلاّ أنّه مضافاً إلى أنّه نقلها في المستطرفات مع إسقاطه ، قد عرفت أنّه حكي عن العلاّمة المجلسي أنّه قال : إنّ النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على إسقاط التكبير ، وذكر صاحب المفتاح أنّ الموجود في النسخة القديمة الصحيحة ترك التكبير في الموضعين .
هذا ، واحتمال أن يكون زرارة رواها على الوجهين ، وأوردهما حريز في كتابه بعيد جدّاً ، وحينئذ فيدور الأمر بين زيادة قوله : تكملة تسع تسبيحات ، وإسقاط التكبير ، وبين حذف ذلك القول ، ولا يخفى أنّ إسقاط التكبير وإن كان غير بعيد ، إلاّ أنّ إضافة ذلك القول سهواً ، مستبعد جدّاً ، وهذا بخلاف إسقاطه ، فإنّه يمكن أن يصير السهو سبباً لعدم ذكره ، واضافة التكبير يمكن أن يكون من باب التبعية للمشهور ، كما ذكره المجلسي .
ويؤيدذلك إنّه نسب في المعتبر كماعرفت القول بلزوم تسع تسبيحات إلى حريز.
وبالجملة : فلم يثبت كون التكبير مذكوراً في الرواية ، فوجوب تكرار التسبيحات الأربع ثلاث مرّات ممّا لم يقم عليه حجّة .
ويمكن أن يقال: إنّه يستكشف الوجوب من فتوى الشيخ في النهاية(1) وحكم البعض بالاستحباب(2) ، وذكر بعض آخر أنّ الأحوط ذلك(3) ، لوجود نصّ مشتمل عليه ، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا ، أو كان مذكوراً في بعض النصوص المتقدّمة، كرواية زرارة، وكيف كان فمقتضى إطلاق ما رواه الكليني بإسناده عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) الاجتزاء بالمرّة(4) ، ولكنّ الأحوط التعدد . هذا مقتضى
- (1) النهاية: 76.
- (2) مسالك الأفهام 1: 212.
- (3) شرائع الإسلام 1: 74 .
- (4) الكافي 3: 319 ح2; الوسائل 6: 109. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح5.
(الصفحة 114)
مدلول الأخبار الواردة في هذا الباب .
ولو قلنا بعدم استفادة حكم المسألة من الأدلة الاجتهادية ، ووصلت النوبة إلى الاُصول العملية ، فهل الأصل يقتضي البراءة أو الاشتغال؟
فنقول : ذكر الشيخ(رحمه الله) في رسالة البراءة في التنبيه الثالث ، من تنبيهات الشبهة الحكمية الوجوبية ، أنّ الظاهر اختصاص أدلة البراءة بصورة الشك في الوجوب العيني ، أمّا لو شكّ في الوجوب التخييري ، والاباحة ، فلا يجري فيه أدلة البراءة ، لظهورها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلّف ، بحيث يلتزم به ، ويعاقب عليه(1) . انتهى موضع الحاجة من كلامه(قدس سره) .
والمقام وإن كان مغايراً لموضوع كلامه ، حيث انّ مفروضه ما إذا كان الأمر دائراً بين الوجوب التخييري والاباحة ، وفي المقام نعلم بالوجوب التخييري ونشكّ في بعض أطرافه من حيث القلّة والكثرة ، إلاّ أنّ الكلام في اشتراكه معه من حيث الحكم ، وإنّه هل تجري البراءة بالنسبة إلى الزائد ، كجريانها في الأقل والأكثر الارتباطيين في الواجب النفسي ـ بالوجه الذي تقدّم في مسألة الصلاة في اللباس المشكوك ، لا بالوجه الذي ذكره الشيخ في الرسالة ، فإنّه لا يخلو عن إشكال ، كما عرفت في تلك المسألة ـ أو أنّ الأصل في المقام يقتضي الاشتغال ، ولو قلنا بجريان البراءة في الأقل والأكثر في الواجب النفسي؟
فيه وجهان : من أنّ الوجه في جريان البراءة في تلك المسألة ، وهو تبعّض التكليف الواحد ، وتنجزه ببعضه المعلوم ، جار في المقام أيضاً ، لأنه يعلم فيه أيضاً بعض التكليف المتعلّق بالمردّد بين الأقل والأكثر ، فلا مانع من تنجزه بذلك البعض المعلوم ، وجريان البراءة بالنسبة إلى بعضه المشكوك ، ومجرّد كون مفروض المقام عبارة عمّا كان بعض أطراف الواجب التخييري مردّداً بين الأقل والأكثر ، لا يصلح
- (1) فرائد الاُصول : 231 .
(الصفحة 115)
فارقاً بينه وبين تلك المسألة ، بعد اشتراكهما في ذلك الوجه الذي تقدّم منّا ، ومن ثبوت الفرق بينهما ، فإنّ العقاب المترتّب على المخالفة في تلك المسألة ، إنما هو لكونه تاركاً للأقل الذي علم تنجّز التكليف بالنسبة إليه ، وفي المقام لا يترتب العقاب على مجرّد ترك الأقل ، وإن كان تعلّق التكليف به معلوماً ، بل إنما يترتب على تركه ، وترك الطرف الآخر الذي لا ترديد فيه من حيث القلّة والكثرة .
وبالجملة: فالمسألة محل إشكال .
المقام الثاني : وجوب السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين
اعلم أنّه محل خلاف بين المسلمين ، فالمشهور بين العامة عدم الوجوب ، والمحكي عن بعض أصحاب الشافعي هو الوجوب(1) ، وهو محكيّ ظاهر الشيخ في التهذيبين والخلاف(2) ، وأكثر المتقدّمين(3) .
وذهب بعض المتأخّرين كصاحبي المدارك والمعالم ، إلى الاستحباب(4) ، ويمكن استظهاره من كلام الشيخ في المبسوط حيث قال: الظاهر من المذهب أنّ قراءة سورة كاملة مع الحمد في الفرائض واجبة، وأنّ بعض السورة أوأكثرهالايجوز مع الاختيار، غير أنّه إن قرأ بعض السورة أو قرن بين السورتين بعد الحمد ، لا يحكم ببطلان الصلاة، ويجوزكلّ ذلك في حال الضرورة ، وكذلك في النافلة مع الاختيار(5) . انتهى.
- (1) المجموع 3: 388 ـ 389; المغني لابن قدامة 1: 568 ; الشرح الكبير 1: 568; بداية المجتهد 1: 184; تذكرة الفقهاء 3: 130 مسألة 219.
- (2) التهذيب 2: 70; الإستبصار 1: 314; الخلاف 1: 335 مسألة 86 .
- (3) المقنعة: 105 و 112; المقنع: 93; الإنتصار: 146; المهذّب 1: 92; الكافي في الفقه: 117; الوسيلة: 94.
- (4) مدارك الأحكام 3: 347; منتقى الجمان 2: 10 .
- (5) المبسوط 1 : 107 .