(الصفحة 113)
وفي السرائر وإن رواها في باب كيفية الصلاة مع ذكر التكبير ، إلاّ أنّه مضافاً إلى أنّه نقلها في المستطرفات مع إسقاطه ، قد عرفت أنّه حكي عن العلاّمة المجلسي أنّه قال : إنّ النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على إسقاط التكبير ، وذكر صاحب المفتاح أنّ الموجود في النسخة القديمة الصحيحة ترك التكبير في الموضعين .
هذا ، واحتمال أن يكون زرارة رواها على الوجهين ، وأوردهما حريز في كتابه بعيد جدّاً ، وحينئذ فيدور الأمر بين زيادة قوله : تكملة تسع تسبيحات ، وإسقاط التكبير ، وبين حذف ذلك القول ، ولا يخفى أنّ إسقاط التكبير وإن كان غير بعيد ، إلاّ أنّ إضافة ذلك القول سهواً ، مستبعد جدّاً ، وهذا بخلاف إسقاطه ، فإنّه يمكن أن يصير السهو سبباً لعدم ذكره ، واضافة التكبير يمكن أن يكون من باب التبعية للمشهور ، كما ذكره المجلسي .
ويؤيدذلك إنّه نسب في المعتبر كماعرفت القول بلزوم تسع تسبيحات إلى حريز.
وبالجملة : فلم يثبت كون التكبير مذكوراً في الرواية ، فوجوب تكرار التسبيحات الأربع ثلاث مرّات ممّا لم يقم عليه حجّة .
ويمكن أن يقال: إنّه يستكشف الوجوب من فتوى الشيخ في النهاية(1) وحكم البعض بالاستحباب(2) ، وذكر بعض آخر أنّ الأحوط ذلك(3) ، لوجود نصّ مشتمل عليه ، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا ، أو كان مذكوراً في بعض النصوص المتقدّمة، كرواية زرارة، وكيف كان فمقتضى إطلاق ما رواه الكليني بإسناده عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) الاجتزاء بالمرّة(4) ، ولكنّ الأحوط التعدد . هذا مقتضى
- (1) النهاية: 76.
- (2) مسالك الأفهام 1: 212.
- (3) شرائع الإسلام 1: 74 .
- (4) الكافي 3: 319 ح2; الوسائل 6: 109. أبواب القراءة في الصلاة ب42 ح5.
(الصفحة 114)
مدلول الأخبار الواردة في هذا الباب .
ولو قلنا بعدم استفادة حكم المسألة من الأدلة الاجتهادية ، ووصلت النوبة إلى الاُصول العملية ، فهل الأصل يقتضي البراءة أو الاشتغال؟
فنقول : ذكر الشيخ(رحمه الله) في رسالة البراءة في التنبيه الثالث ، من تنبيهات الشبهة الحكمية الوجوبية ، أنّ الظاهر اختصاص أدلة البراءة بصورة الشك في الوجوب العيني ، أمّا لو شكّ في الوجوب التخييري ، والاباحة ، فلا يجري فيه أدلة البراءة ، لظهورها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلّف ، بحيث يلتزم به ، ويعاقب عليه(1) . انتهى موضع الحاجة من كلامه(قدس سره) .
والمقام وإن كان مغايراً لموضوع كلامه ، حيث انّ مفروضه ما إذا كان الأمر دائراً بين الوجوب التخييري والاباحة ، وفي المقام نعلم بالوجوب التخييري ونشكّ في بعض أطرافه من حيث القلّة والكثرة ، إلاّ أنّ الكلام في اشتراكه معه من حيث الحكم ، وإنّه هل تجري البراءة بالنسبة إلى الزائد ، كجريانها في الأقل والأكثر الارتباطيين في الواجب النفسي ـ بالوجه الذي تقدّم في مسألة الصلاة في اللباس المشكوك ، لا بالوجه الذي ذكره الشيخ في الرسالة ، فإنّه لا يخلو عن إشكال ، كما عرفت في تلك المسألة ـ أو أنّ الأصل في المقام يقتضي الاشتغال ، ولو قلنا بجريان البراءة في الأقل والأكثر في الواجب النفسي؟
فيه وجهان : من أنّ الوجه في جريان البراءة في تلك المسألة ، وهو تبعّض التكليف الواحد ، وتنجزه ببعضه المعلوم ، جار في المقام أيضاً ، لأنه يعلم فيه أيضاً بعض التكليف المتعلّق بالمردّد بين الأقل والأكثر ، فلا مانع من تنجزه بذلك البعض المعلوم ، وجريان البراءة بالنسبة إلى بعضه المشكوك ، ومجرّد كون مفروض المقام عبارة عمّا كان بعض أطراف الواجب التخييري مردّداً بين الأقل والأكثر ، لا يصلح
- (1) فرائد الاُصول : 231 .
(الصفحة 115)
فارقاً بينه وبين تلك المسألة ، بعد اشتراكهما في ذلك الوجه الذي تقدّم منّا ، ومن ثبوت الفرق بينهما ، فإنّ العقاب المترتّب على المخالفة في تلك المسألة ، إنما هو لكونه تاركاً للأقل الذي علم تنجّز التكليف بالنسبة إليه ، وفي المقام لا يترتب العقاب على مجرّد ترك الأقل ، وإن كان تعلّق التكليف به معلوماً ، بل إنما يترتب على تركه ، وترك الطرف الآخر الذي لا ترديد فيه من حيث القلّة والكثرة .
وبالجملة: فالمسألة محل إشكال .
المقام الثاني : وجوب السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين
اعلم أنّه محل خلاف بين المسلمين ، فالمشهور بين العامة عدم الوجوب ، والمحكي عن بعض أصحاب الشافعي هو الوجوب(1) ، وهو محكيّ ظاهر الشيخ في التهذيبين والخلاف(2) ، وأكثر المتقدّمين(3) .
وذهب بعض المتأخّرين كصاحبي المدارك والمعالم ، إلى الاستحباب(4) ، ويمكن استظهاره من كلام الشيخ في المبسوط حيث قال: الظاهر من المذهب أنّ قراءة سورة كاملة مع الحمد في الفرائض واجبة، وأنّ بعض السورة أوأكثرهالايجوز مع الاختيار، غير أنّه إن قرأ بعض السورة أو قرن بين السورتين بعد الحمد ، لا يحكم ببطلان الصلاة، ويجوزكلّ ذلك في حال الضرورة ، وكذلك في النافلة مع الاختيار(5) . انتهى.
- (1) المجموع 3: 388 ـ 389; المغني لابن قدامة 1: 568 ; الشرح الكبير 1: 568; بداية المجتهد 1: 184; تذكرة الفقهاء 3: 130 مسألة 219.
- (2) التهذيب 2: 70; الإستبصار 1: 314; الخلاف 1: 335 مسألة 86 .
- (3) المقنعة: 105 و 112; المقنع: 93; الإنتصار: 146; المهذّب 1: 92; الكافي في الفقه: 117; الوسيلة: 94.
- (4) مدارك الأحكام 3: 347; منتقى الجمان 2: 10 .
- (5) المبسوط 1 : 107 .
(الصفحة 116)
فإنّ قوله : غير أنّه إن قرأ . . . ، ظاهر في عدم بطلان الصلاة بترك سورة كاملة ، فالمراد بعدم جواز قراءة البعض أو الأكثر ، ليس عدم الجواز ، بحيث ينافي صحة الصلاة ، بل عدمه من حيث كون قراءة سورة كاملة شرطاً في تحقق الكمال .
وأظهر من ذلك في الاستحباب ، كلام الشيخ في النهاية حيث قال : وأدنى ما يجزي من القراءة في الفرائض ، الحمد مرّة واحدة ، وسورة معها مع الاختيار ، لا يجوز الزيادة عليه ، ولا النقصان عنه ، فمن صلّى بالحمد وحدها متعمّداً من غير عذر ، كانت صلاته ماضية ، ولم يجب عليه إعادتها ، غير أنّه يكون قد ترك الأفضل ، وإن اقتصر على الحمد ناسياً أو في حال الضرورة من السفر والمرض وغيرهما ، لم يكن به بأس ، وكانت صلاته تامّة ـ إلى أن قال ـ : ولا يجوز أن يجمع بين سورتين مع الحمد في الفرائض ، فمن فعل ذلك متعمّداً ، كانت صلاته فاسدة ، فإن فعله ناسياً لم يكن عليه شيء ، وكذلك لا يجوز أن يقتصر على بعض سورة وهو يحسن تمامها ، فمن اقتصر على بعضها وهو متمكّن لقراءة جميعها كانت صلاته ناقصة ، وإن لم يجب عليه إعادتها(1)، انتهى .
فإنّ الحكم بالمضيّ فيما لو صلّى بالحمد وحدها متعمّداً من غير عذر ، صريح في نفي الوجوب ، فالمراد بقوله : أدنى ما يجزي . . . ، ليس هو الاجزاء المساوق للصحة ، بداهة أنّه بناءً عليه لا معنى لتفريع الحكم بالمضيّ ، والصحة في الفرع المذكور كما هو واضح .
فالتأمّل في كلامه في النهاية والمبسوط يقضي بذهابه إلى الاستحباب ، وإنّ تارك السورة متعمّداً من غير عذر إنما هو تارك للأفضل ، وعليه فلا تهافت في كلامه ، بل ولا اضطراب كما في مفتاح الكرامة(2) ، وتوجيه كلامه ـ بأنّ المراد
- (1) النهاية : 75 ـ 76 .
- (2) مفتاح الكرامة 2 : 350 .
(الصفحة 117)
بوجوب قراءة سورة كاملة هو الوجوب النفسيّ الاستقلاليّ الذي محلّه الصلاة بعد قراءة الحمد ، فلا منافاة بينه وبين مضيّ الصلاة ، وعدم وجوب إعادتها فيما لو تركها متعمّداً ـ مستبعد جدّاً . وكيف! يمكن ذلك ، مع أنّه لم يعهد من أحد القول بوجوب السورة لا بنحو الجزئية .
وكيف كان فيمكن أن يحمل كلامه في التهذيبين والخلاف ، على ما هو ظاهر كلامه في المبسوط والنهاية ، فيكون للشيخ قول واحد وهو الاستحباب .
ويمكن أن يقال: بأنّ له في المسألة قولين : القول بالوجوب ، وهو ظاهر كلامه فيها . والقول بالاستحباب ، وهو ظاهر كلامه فيهما .
وبالجملة : فالذي يستفاد منه أنّ الوجوب ليس أمراً مسلّماً مقطوعاً به بين الإمامية ، حيث قال في المبسوط: الظاهر من المذهب(1) . . . ، وعليه فليست قراءة السورة كقراءة الحمد ، في أنّ وجوبها كان ضروريّاً بحيث لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ، فالواجب النظر إلى الأخبار الواردة في المقام .
إذا عرفت ذلك فنقول : قد استدلّ للقول بعدم وجوب السورة بالأخبار التي تدلّ بظاهرها على إجزاء فاتحة الكتاب وحدها .
منها : صحيحة عليّ بن رئاب عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : «إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة»(2) .
ومنها : ما رواه عليّ بن رئاب عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إنّ فاتحة الكتاب تجزي وحدها في الفريضة»(3) . والظاهر كونهما رواية واحدة ، بمعنى أنّ سامع هذا الكلام من الإمام(عليه السلام) إنما هو الحلبي ، غاية الأمر إنّ حذفه في سند الأولى
- (1) المبسوط 1 : 107 .
- (2) التهذيب 2: 71 ح259; الإستبصار 1: 314 ح1169; الوسائل 6: 39. أبواب القراءة في الصلاة ب2 ح1.
- (3) التهذيب 2 : 71 ح260; الوسائل 6 : 40. أبواب القراءة في الصلاة ب2 ح3.