(الصفحة 121)
لكان اللاّزم أن يكون البيان أكثر ممّا عرفت ، فإنّ هذا الأمر الذي مخالف لجمهور العامة ـ حيث إنّهم يقولون بالاستحباب ـ لو كان ثابتاً عند أئمّة الشيعة صلوات الله عليهم أجمعين ، لتكرّر ذكره في كلماتهم ، بحيث لا يبقى لشيعتهم الشكّ فيه ، وذلك لأنّ هذا الأمر لكونه موافقاً لعمل النبي(صلى الله عليه وآله) ، ولمواظبة الشيعة عليه ، صار بحيث لايحتاج إلى البيان أصلا .
ولذا قد عرفت أنّ أكثر الأخبار الواردة في المقام إنما يكون متعرّضاً لبعض الخصوصيات كالقرآن والتبعيض ونظائرهما ، ويستفاد منه كون أصل الوجوب مفروغاً عنه عند السائلين ، بحيث لم يكونوا يحتاجون إلى السؤال عنه، كما هو غير خفي .
وبالجملة: فالعمدة في هذا الباب هو عمل النبي(صلى الله عليه وآله) ومداومته على قراءة سورة بعد الحمد ، واستمرار عمل المسلمين بعده ، ومواظبتهم عليه ، بحيث إنّه حكي أنّه صلّى معاوية بالناس في المدينة وقرأ سورة بعد الحمد من دون البسملة ، فلمّا فرغ من صلاته صار مورداً لاعتراض أهل المسجد وايرادهم عليه بقولهم : أسرقت من الصلاة أم نسيت؟(1)
فانظر أنّ مجرّد ترك البسملة مع كون اعتقادهم على أنّها لست جزءً للسورة كيف يكون مستبعداً عند المهاجرين والأنصار ، بحيث يعترضون بسببه على خليفة الوقت، مع غلبة سلطنته وشدّة اقتداره ، وليس ذلك إلاّ لكونه مخالفاً لعمل النبي(صلى الله عليه وآله) والخلفاء بعده ، وقد عرفت أنّ ذهاب الجمهور إلى الاستحباب ليس إلاّ لبعض الأخبار الدالة عليه(2) ، فالأحوط بل الأقوى هو القول بوجوب سورة تامّة .
- (1) التفسير الكبير 1: 180 ; الحجّة الرابعة.
- (2) سنن البيهقي 2: 61 باب الإقتصار على فاتحة الكتاب.
(الصفحة 122)الأمور التي تسقط معها السورة :
منها : المرض ، ويدلّ على سقوطها معه رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله المتقدمة الواردة في صلاة المريض على الدابة ، ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوّع بالليل والنهار»(1) .
وبالجملة: فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه(2) ، وإنما الإشكال في اختصاص الحكم بالمرض الذي يشقّ معه قراءَة السورة أو يعمّ جميع الأمراض ، وكذا الإشكال في شموله للمرض العارض في بعض الوقت ، والزائل في بعضه الآخر .
ومنها : الضرورة ، ويدلّ على السقوط معها رواية الحلبي المتقدمة ، ورواية الحسن الصيقل قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أيجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شيء؟ قال(عليه السلام) : «لا بأس»(3) .
ورواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يكون مستعجلا يجزيه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتابوحدها؟قال : «لابأس»(4).
وبالجملة: فأصل السقوط مع الضرورة ممّا لا إشكال فيه أيضاً وإنما الكلام في اختصاص الحكم بالضرورة ، أو شموله لمطلق الاستعجال ، ولو لم يبلغ حدّ الاضطرار ، كما هو ظاهر اطلاق الروايات المذكورة ، وكذا الإشكال في شموله للضرورة الناشئة من قبل حرمة قطع الصلاة ، كمن شرع فيها ثم نسي السورة ،
- (1) الكافي 3 : 314 ح9; التهذيب 2: 70 ح256; الإستبصار 1: 315 ح1171; الوسائل 6 : 40. أبواب القراءة في الصلاة ب2 ح5 .
- (2) تذكرة الفقهاء 3: 131; مفتاح الكرامة 2 : 383; كشف اللثام 4 : 36; مدارك الأحكام 3: 347; بحار الأنوار 82 : 12 .
- (3) التهذيب 2 : 70 ح255; الإستبصار 1 : 314 ح1170; الوسائل 6 : 40 . أبواب القراءة في الصلاة ب2 ح4.
- (4) قرب الإسناد: 179 ح10; الوسائل 6: 41. أبواب القراءة في الصلاة ب2 ح6.
(الصفحة 123)
فإنّ الاضطرار حينئذ إنما جاء من قبل حرمة القطع ، إذ بدونها لا اضطرار أصلا .
ومنها : ضيق الوقت ، والمحكي عن المحقّق الكركي الجزم بعدم سقوطها لذلك(1) ، ولكن المعروف بين المتأخّرين المعاصرين السقوط(2) ، واستدلّ عليه في الجواهر(3) بالاجماع المدعى في الرياض على سقوطها حال الضرورة(4) ، أو مع زيادة الاستعجال ، كالمحكيّ عن المعتبر والتذكرة (5).
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ ضيق الوقت لا يعدّ ضرورة ولا استعجالا ، كما ستعرف أنّ الاجماع على تقدير تحقّقه لا يجدي في مثل المقام ، ممّا لا تكون المسألة من المسائل الأصلية المتلقّاة عن الأئمة(عليهم السلام) ، بل تكون من المسائل التفريعية المستخرجة من تلك المسائل الأصلية ، وذلك لما حقّق في محلّه من أنّ وجه حجية الاجماع إنما هو كشفه عن ثبوت نصّ معتبر لم يصل إلينا ، وهذا إنما يجري في خصوص المسائل الأصلية كما مرّت الإشارة إليه مراراً ، فالاستدلال بالاجماع في أمثال المسألة في غير محلّه .
نعم قد يستدلّ على السقوط بصدق الاستعجال ، بل الضرورة على الضيق ، ولكن يرد عليه أنّ الاستعجال هنا ليس إلاّ لأمر ديني حتمي ، وهو إدراك مجموع الصلاة في وقتها ، ومن المعلوم أنّ وجوب إدراكه كذلك فرع عدم وجوب السورة ، إذ المفروض أنّ الوقت لا يسع إلاّ بمقدار الصلاة بدونها .
ومن الواضح استحالة الأمر بفعل في وقت يقصر عنه ، فوجوب إتيان الصلاة
- (1) جامع المقاصد 2: 259 .
- (2) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري: 103; جواهر الكلام 9: 336; كتاب الصلاة للمحقّق النائيني 2: 105 ـ 106; كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 160 ـ 161; العروة الوثقى 1: 492.
- (3) جواهر الكلام 9 : 337 .
- (4) رياض المسائل 3: 384 .
- (5) المعتبر 2: 171; تذكرة الفقهاء 3: 131 .
(الصفحة 124)
بتمامها في وقتها متفرّع على عدم وجوب السورة ، ومتوقّف عليه ، فالاستدلال على العدم بوجوب إتيانها في وقتها يصير على وجه دائر كما لايخفى .
نعم يمكن أن يستدلّ عليه كما في الجواهر ، بفحوى عدم وجوبها على المستعجل ونحوه ، ضرورة أولويّة مراعاة الوقت من ذلك ، كما أنّه يمكن أن يستدلّ عليه بضميمة أدلة الاستعجال بوجه آخر ، وهو أن يقال: انّه يستكشف من سقوطها بالنسبة إلى المستعجل والمريض وأمثالهما ، أنّ ملاك وجوبها ليس من القوّة بحدّ يزاحم ملاك شرطية الوقت ، مع ملاحظة أهميته بالنسبة إلى سائر الشرائط ، بحيث لم يوجد مورد قدّم فيه بعض الشروط عليه ، كما يظهر بالتتبّع في موارد مزاحمة الوقت ، مع غيره من الشروط .
ويمكن أن يقال بناءً على ما عرفت من أنّ عمدة مستند الوجوب هو فعل النبي(صلى الله عليه وآله) : إنّه لم يثبت وجوبها في موارد الضيق ، لعدم ثبوت فعله(صلى الله عليه وآله) في تلك الموارد كما لا يخفى ، إلاّ أن يقال: إنّ مجرّد كون عمله(صلى الله عليه وآله) في سعة الوقت لا يوجب اختصاص الوجوب بها ، خصوصاً بعد صدور الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها مفروغية الوجوب كما عرفت .
ولذالم يستدلّ أحدللسقوط في موارد الاستعجال ونحوه، بعدم ثبوت الوجوب في تلك الموارد، بل السقوط إنما هولدلالة دليل خارجيّ عليه، كماهو واضح.
ثم إنّ ما ذكرنا إنما هو فيما لو ضاق الوقت عن إدراك مجموع الصلاة في وقتها ، بحيث لو قرأ السورة ، لوقع بعض أجزائها خارج الوقت ، ولكن ليس بحيث تكون قراءة السورة مانعة عن وقوع ركعة منها في الوقت ، وأمّا لو دار الأمر بين ترك السورة ووقوع ركعة منها في الوقت ، حتّى يشمله قوله(عليه السلام) : «من أدرك . . .»(1) ،
- (1) التهذيب 2 : 38 ح119; الاستبصار 1 : 275 ح999; الذكرى 2 : 355; الوسائل 4 : 217 ، 218. أبواب المواقيت ، ب30 ح2 و4 و5 ; صحيح البخاري 1: 163 ح580; صحيح مسلم 5: 86 ح161 ـ 165; سنن أبي داود 1: 112 ، ح412 .
(الصفحة 125)
فتقع الصلاة أداءً ، وبين قراءتها ووقوع الصلاة خارج الوقت ، فالأمر أوضح .
ثم إنّه قد يتمسّك لوجوب السورة في موارد الضيق باستصحاب وجوبها الثابت قبل تحققه ، ولكنّه معارض باستصحاب وجوب إتيان الصلاة في وقتها الثابت قبل تحقق الضيق ، كما هو غير خفيّ .
ومنها : النوافل ، ولا إشكال ولا خلاف في سقوط السورة فيها ، بل ربما يعد من الضروريات(1) ، ويدلّ عليه رواية عبدالله بن سنان ورواية منصور بن حازم المتقدّمتان ، وغيرهما من الأخبار(2) ، إنما الإشكال في سقوطها فيما لو عرض للنافلة وصف الفرضيّة ، أو عرض للفريضة وصف النفليّة .
ومنشأ الإشكال إنّه هل عنوان الفريضة المأخوذ في أدلة وجوب السورة يراد به ما هو واجب بالفعل ومحمول عليه هذا العنوان بالحمل الشائع ، سواء كان فرضاً بالذات أو بالعرض، أو أنّ هذا العنوان كناية وإشارة إلى العناوين التي تكون واجبة بالذات ومفروضة بحسب أصل الشرع ، كالصلوات اليومية ونظائرها؟ وجهان .
لا يبعد أن يقال: بأنّ المنسبق إلى أذهان أهل العرف إنما هو الوجه الثاني ، إذ لايفهمون من تلك الأدلة إلاّ اعتبار السورة في صلاة الظهر والعصر ونظائرهما من العناوين المفروضة بالذات ، من دون أن يكون عنوان الفرضية دخيلا في ذلك أصلا ، وعليه فتكون السورة جزءً للصلوات اليومية ، سواء كانت واجبة أو مندوبة ، كصلاة المعادة جماعة ، وصلاة الصبيّ ، بناءً على شرعيتها .
- (1) المعتبر 2: 171; مفاتيح الشرائع 1: 131; مستند الشيعة 5: 97; جواهر الكلام 9: 400; مدارك الأحكام 3: 347; بحار الأنوار 82: 12.
- (2) الوسائل 6: 122. أبواب القراءة في الصلاة ب51.