(الصفحة 169)
لايفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم (1)، وقال في تفسيره المسمّى بالتبيان : روى أصحابنا أنّ «ألم نشرح» مع «الضحى» سورة واحدة لتعلّق بعضها ببعض ، ولم يفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأوجبوا قراءتهما في الفرائض في ركعة ، وإلاّ يفصل بينهما ، ومثله ذكر الطبرسي في مجمع البيان(2) ، وعن البحار نسبة ذلك إلى الأكثر(3)، واستظهره المحقّق في الشرائع(4) ، ويؤيده ما روي عن أُبيّ بن كعب من أنّه لم يفصل بينهما في مصحفه(5) ، والوجه فيه أنّه لم يعهد من أحد من المسلمين القول بكون البسملة الواقعة في أثناء السورة آية مستقلّة لتلك السورة ، نعم وردت في سورة النمل بعضاً من الآية إلاّ أنّ المراد بها حكاية البسملة الواقعة في كتاب سليمان ، فلا يكون من قبيل البسملات الواقعة في أوائل السور ، وينبغي نقل عبارة الشيخ في الخلاف في مسألة جزئيّة البسملة ، حتّى يظهر أنّ الفصل بينهما بالبسملة إنما هو لأنّ المعروف عندهم كونهما سورتين لا سورة واحدة .
قال في الخلاف : «بسم الله الرحمن الرحيم» آية من كلّ سورة من جميع القرآن ، وهي آية من أوّل سورة الحمد. وقال الشافعي : إنّها آية من أوّل الحمد بلا خلاف بينهم ، وفي كونها آية من كلّ سورة قولان : أحدهما: أنّها آية من أوّل كلّ سورة ، والآخر: أنّها بعض آية من كلّ سورة ، وإنما تتمّ مع ما بعدها فتصير آية . وقال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيدة ، وعطاء ، والزهري ، وعبدالله بن المبارك: إنّها آية من أوّل كلّ سورة حتّى أنّه قال : من ترك «بسم الله الرحمن الرحيم» ، ترك مائة وثلاث عشرة آية . وقال أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي،
- (1) الإستبصار 1: 317 .
- (2) التبيان 10: 371; مجمع البيان 5 : 507 .
- (3) بحار الأنوار 82 : 46 .
- (4) شرائع الاسلام 1 : 73 .
- (5) مجمع البيان 5 : 544 .
(الصفحة 170)
وداود : ليست آية من فاتحة الكتاب ، ولا من سائر السور .
وقال مالك، والأوزاعي، وداود : يكره أن يقرأها في الصلاة بل يكبّر، ويبتدي بالحمد إلاّ في شهر رمضان ، والمستحبّ أن يأتي بها بين كلّ سورتين تبرّكاً للفصل ، ولا يأتي بها في أوّل الفاتحة .
وقال أبو الحسن الكرخي : ليس عن أصحابنا رواية في ذلك ، ومذهبهم الاخفاء في قراءتها ، فاستدللنا بذلك على أنّها ليست من فاتحة الكتاب عندهم ، إذ لو كانت منها لجهر بها كما يجهر بسائر السور ، وكان أبو الحسن الكرخي يقول : ليست من هذه السورة ، ولا من سائر السور سوى سورة النمل . هكذا روى عنه أبوبكر الرازي ، وقال أبو بكر : ثم سمعناه بعد ذلك يقول : إنّها آية تامّة مفردة في كلّ موضع أثبتت فيه إلاّ في سورة النمل ، فإنّها بعض آية في قوله تعالى :
{إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرحمن الرحيم}(1) انتهى .
والمحكيّ في تفسير الزمخشري عن بعض العامة أيضاً القول بالوحدة ، وعدم الفصل بالبسملة(2) ، وهذا يدلّ على أنّ الوحدة مستلزمة لعدم الفصل ، مضافاً إلى أنّ ملاحظة المعاني والارتباط بينها تقضي بعدم الفصل بينهما حتى بالبسملة ، كما يظهر بالتدبّر فيها .
هذا ، والوجه في اعتبارها إنما هو ثبوتها في المصاحف بضميمة الاجماع على عدم التحريف بالزيادة ، ولكن قد تقدّم أنّ المروي عن أُبيّ بن كعب ، إنّه لم يفصل بينهما بالبسملة ، مضافاً إلى أنّ الفصل إنما هو لتوهّم كونهما سورتين ، ومعهودية الفصل بها بين السور ، فالظاهر عدم الافتقار إلى البسملة بينهما ، كما هو المشهور
- (1) المجموع 3: 332 ـ 334; المغني لابن قدامة 1: 48; التفسير الكبير 1: 172 ـ 173; الجامع لأحكام القرآن 1: 93 ـ 96; الخلاف 1: 328 مسألة 82 .
- (2) الكشاف 4 : 801 .
(الصفحة 171)
بين المتقدّمين(1) ، وذهاب كثير من المتأخّرين إلى لزومها(2)، لا يقدح بعد عدم كون فتواهم كاشفاً عن الدليل المعتبر ، بخلاف فتوى القدماء من الأصحاب كما عرفت ذلك مراراً .
- (1) راجع 2 : 169 .
- (2) السرائر 1: 221; التحرير 1: 39; التنقيح الرائع 1: 204; مجمع الفائدة والبرهان 2: 244; الروضة البهيّة 1: 269.
(الصفحة 172)
(الصفحة 173)
الجهر والاخفات
لا إشكال ولا خلاف بين المسلمين ـ العامة والخاصة ـ في أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يجهر بالقراءة في الركعتين الاُوليين من المغرب والعشاء الآخرة ، وفي صلاة الفجر ، ويقرأ اخفاتاً في بقية الركعات والصلوات(1) ، ولذا حكي عن ابن عباس أنّه قال بعدم وجوب القراءة في الصلوات الاخفاتية ، معلّلا بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) سكت فيها ، وحكي عن أبي حنيفة وجماعة القول بعدم وجوب قراءة شيء في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر والعشاء ، وفي الركعة الأخيرة من المغرب(2) ، وهذا يدلّ على أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) حيث كان يقرأ إخفاتاً لم يفهموا أنّه يقرأ ، بل فهموا مجرّد السكوت ، ولذا حكموا بعدم وجوب شيء في مواضع الاخفات .
- (1) المجموع 3: 389; سنن البيهقي 2: 44; المقنعة : 141; المبسوط 1: 108; الغنية: 78; الكافي في الفقه: 117; المهذّب 1: 92; السرائر 1: 223; شرائع الإسلام 1: 72; تذكرة الفقهاء 3: 151; مفتاح الكرامة 3: 363; كشف اللثام 4: 14; مستند الشيعة 5: 156; جواهر الكلام 9: 364.
- (2) بداية المجتهد 1: 181 ـ 182; التفسير الكبير 1: 188 .