(الصفحة 241)
الاجماع عليه(1) ، ويمكن الاستدلال عليه مضافاً إلى قاعدة : «الميسور لا يسقط بالمعسور»(2) بأنّ بدلية الايماء عن الركوع ، فيما لو عجز عنه ، إنما هو لاشتمال الايماء على خفض ورفع ، الذي هو نظير الانحناء ثم الانتصاب ، فلو كان قادراً على الانحناء بمقدار يسير غير بالغ للحدّ الشرعي ، فالاجتزاء به مع صدق معنى الركوع عليه كما عرفت ، أولى من الانتقال إلى الايماء كما لايخفى .
الثالث : لو كان المصلّي منحنياً خلقة ، أو لعروض كبر ، أو مرض ، فربّما قيل: بأنّه يجب عليه أن يزيد في انحنائه في حال الركوع ، ليكون فارقاً بين القيام والركوع(3) ، وفي المحكيّ عن جامع المقاصد ، أنّه لو كان انحناؤه على أقصى مراتب الركوع ، ففي ترجيح الفرق أو هيأة الركوع تردّد(4) ، وذكر صاحب الجواهر(قدس سره) أنّه قد يمنع أصل وجوب الفرق بالأصل ، وبأنّه قد تحقق فيه حقيقة الركوع ، وإنما المنتفي هيأة القيام(5) ، انتهى .
وما ذكره(قدس سره) وإن كان حسناً في بادئ النظر ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال: بأنّ وجوب الانتقال من حال القيام إلى الركوع في غير المنحني ، ربما يدلّ على أنّه يعتبر في الصلاة التي هي عبارة عن الخضوع والخشوع في مقابل المولى ، بعد حال القيام ، تغيير الكيفية والخضوع بنحو آخر ، يكون أكمل من الحالة الأولى ، وهذا المعنى لايتحقّق في المنحني إلاّ بعد أن ينحني بمقدار زائد على انحنائه الأصلي .
نعم، في الفرض الذي ذكره جامع المقاصد ، ربما يتوجه الإشكال من حيث
- (1) المعتبر 2 : 193 .
- (2) عوالي اللآلي 4 : 58 ح205 .
- (3) المبسوط 1: 110; المعتبر 2: 194; قواعد الأحكام 1: 276; المنتهى 1 : 282 .
- (4) جامع المقاصد 2 : 289 .
- (5) جواهر الكلام 10 : 81 .
(الصفحة 242)
خروجه عن صدق الركوع ، لو زاد الانحناء ولو بمقدار يسير، فتدبّر .
الرابع : لو صلّى قاعداً ، نافلة كانت أو فريضة ، يجب عليه الانحناء إلى حدّ يتمكّن معه من وضع اليدين على الركبتين في الصلاة قائماً ، بمعنى حصول النسبة التي كانت بين فقرات الظَهر بعضها مع بعض ، ومجموعها مع شيء آخر مفروض فوقها في الركوع في الصلاة قائماً فيها أيضاً ، فمجرّد الانحناء بمقدار يسير ـ كما ربما يرى ـ لا يكفي في تحقق الركوع أصلا .
هنا مسائل :
المسألة الأولى : وجوب الطمأنينة في الركوع
من واجبات الركوع الطمأنينة ، والمراد بها ليس استقرار الاعضاء في حال الركوع ، بل المراد أنّه إذا بلغ انحناؤه إلى الحدّ المعتبر شرعاً ، فلا يرفع رأسه فوراً ، بل يبقى على ذلك الحال بقدر ما يؤدّي الذكر الواجب ، واعتبارها في الركوع ممّا لا شبهة فيه(1) ، ولم يخالف فيه أحد من المسلمين إلاّ أبو حنيفة ، فإنّ المحكيّ عنه في الخلاف أنّه قال : إنّها غير واجبة(2) ، والأخبار أيضاً تدلّ على ما ذكرنا ، وقد ورد في بعضها ، وهي الرواية المشتملة على قصّة الأعرابي أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال له بعد الأمر بإسباغ الوضوء، واستقبال القبلة، والتكبير، وقراءة ما تيسّر له من القرآن : «ثم
- (1) الخلاف 1: 348 مسألة 98; الغنية : 79; المسائل الناصريات: 223; المعتبر 2: 194; تذكرة الفقهاء 3: 166 مسألة 248; المنتهى 1 : 282; جامع المقاصد 2: 284; جواهر الكلام 10 : 82 ; مستند الشيعة 5 : 199; مفتاح الكرامة 2 : 416 .
- (2) المغني لابن قدامة 1: 500; المجموع 3: 410; الخلاف 1: 348 مسألة 98 .
(الصفحة 243)
اركع حتّى تطمئنّ راكعاً ثم ارفع رأسك حتّى تعتدل قائماً ثم اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً . . .»(1) .
المسألة الثانية : وجوب الذكر والتسبيح في الركوع
التسبيح من واجبات الركوع أيضاً ، ويقع في هذا المقام جهات من الكلام :
الجهة الأولى:
في أنّه هل يكون التسبيح في الركوع واجباً أو مستحباً؟ لا خلاف ولا إشكال عند الإمامية في وجوب التسبيح(2) ، لاستمرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) على ذلك ، مضافاً إلى دلالة الأخبار المرويّة عن أهل البيت(عليهم السلام) عليه أيضاً(3) .
والمحكيّ في الخلاف عن عامّة الفقهاء هو القول بعدم الوجوب(4) ، ومستندهم في ذلك هي الرواية المتقدمة المتضمّنة لقصّة الأعرابي(5) ، فإنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لم يأمره بذلك لا في الركوع ولا في السجود ، مع كونه في مقام بيان تعليم الصلاة ، واستمرار عمله(صلى الله عليه وآله) على ذلك لا ينافي الاستحباب ، لأنّ العمل أعمّ من الوجوب .
ولكنّه لا يخفى أنّ عدم أمره(صلى الله عليه وآله) بالتسبيح في الركوع والسجود ، لعلّه كان لعلمه بأنّ الأعرابي كان عالماً بهذه الجهة ، ورفع اليد عمّا استمرّ عليه عمل النبي(صلى الله عليه وآله)
- (1) سنن البيهقي 2 : 88 .
- (2) المقنعة : 105; الإنتصار: 149; المقنع: 93; الخلاف 1: 348 مسألة 99; التهذيب 2: 81 ; الكافي في الفقه: 142; المهذّب 1: 97; المراسم: 69; الوسيلة : 93; شرائع الإسلام 1: 1: 85 ; الدروس 1: 177.
- (3) الوسائل 6: 299. أبواب الركوع ب4 .
- (4) المغني لابن قدامة 1: 501; المجموع 3: 414; الخلاف 1 : 348 مسألة 99.
- (5) سنن البيهقي 2: 88 ; صحيح البخاري 1: 176 كتاب الأذان; سنن الدارقطني 1: 220; سنن النسائي 2: 10 كتاب الأذان.
(الصفحة 244)
استناداً إلى أنّ العمل أعمّ من الوجوب لا يجوز ، بعد وضوح أنّ كيفية الصلاة قد ثبتت بعمل النبي(صلى الله عليه وآله) خصوصاً مع قوله : «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» ، ولذا قد عرفت أنّ التمسّك بأصالة البراءة عن الوجوب في مثل ذلك ممّا لا يجوز .
وبالجملة: فلا إشكال في وجوب التسبيح وعدم كونه على سبيل الاستحباب .
الجهة الثانية:
في كيفية التسبيح المعتبر في الركوع وكميته ، وقد وردت في هذا الباب روايات مختلفة بحسب الظاهر ، فطائفة منها تدلّ على أنّ المراد به هي ثلاث تسبيحات، وهي رواية مسمع عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا يجزي الرجل في صلاته أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ»(1) ورواها في الوسائل في موضع آخر هكذا ، قال : «يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا، وليس له ولا كرامة أن يقول سبّح سبّح سبّح»(2) .
ورواية داود الأبزاري عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «أدنى التسبيح ثلاث مرّات وأنت ساجد لا تعجل بهنّ»(3) .
ورواية سماعة المشتملة على قوله : قلت: كيف حدّ الركوع والسجود؟ فقال: «أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله ثلاثاً»(4) .
ورواية أبي بصير قال : سألته عن أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع والسجود، قال : «ثلاث تسبيحات»(5) .
- (1) التهذيب 2 : 79 ح297; الاستبصار 1 : 323 ح1208; الوسائل 6 : 303 . أبواب الركوع ب5 ح4 .
- (2) التهذيب 2: 77 ح286; السرائر 3: 602; الوسائل 6: 302. أبواب الركوع ب5 ح1.
- (3) التهذيب 2 : 79 ; الاستبصار1 : 323 ح1209; الوسائل 6 : 303 . أبواب الركوع ب5 ح5 .
- (4) التهذيب 2: 77 ح287; الإستبصار 1: 324 ح1211; الوسائل 6: 303. أبواب الركوع ب5 ح3.
- (5) التهذيب 2: 80 ح299; الإستبصار 1: 323 ح1210; الوسائل 6: 303. أبواب الركوع ب5 ح6.
(الصفحة 245)
ورواية معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: «ثلاث تسبيحات مترسّلا تقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله»(1) .
وطائفة تدلّ على أنّ المراد بالتسبيح هي ثلاث تسبيحات بالتسبيحة الكبرى ، وهي رواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): أيّ شيء حدّ الركوع والسجود؟ قال : «تقول سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاثاً في الركوع وسبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاثاً في السجود، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبّح فلا صلاة له»(2) .
ورواها في الوسائل في موضع آخر من الباب الرابع من أبواب الركوع ، لكن مع الاختلاف ، حيث روى عن أبي بكر الحضرمي أنّه قال : قال أبو جعفر(عليه السلام)تدري أيّ شيء حدّ الركوع والسجود؟ قلت : لا ، قال : «سبّح في الركوع ثلاث مرّات سبحان ربّي العظيم وبحمده، وفي السجود سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبّح فلا صلاة له»(3) .
وكيف كان، فظاهرها أنّ الفرض تسبيحة واحدة ، والتسبيحتان الأخيرتان لهما مدخلية في تحقق الكمال ، لا في أصل الصحة .
ورواية هشام بن سالم قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن التسبيح في الركوع والسجود؟ فقال : «تقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم وفي السجود سبحان ربّي
- (1) التهذيب 2: 77 ح288; الإستبصار 1: 324 ح1212; الوسائل 6: 303. أبواب الركوع ب5 ح2.
- (2) التهذيب 2 : 80 ح300; الوسائل 6 : 300 . أبواب الركوع ب4 ح5 .
- (3) الوسائل 6: 301 ب4 ح7 .