(الصفحة 245)
ورواية معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: «ثلاث تسبيحات مترسّلا تقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله»(1) .
وطائفة تدلّ على أنّ المراد بالتسبيح هي ثلاث تسبيحات بالتسبيحة الكبرى ، وهي رواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): أيّ شيء حدّ الركوع والسجود؟ قال : «تقول سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاثاً في الركوع وسبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاثاً في السجود، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبّح فلا صلاة له»(2) .
ورواها في الوسائل في موضع آخر من الباب الرابع من أبواب الركوع ، لكن مع الاختلاف ، حيث روى عن أبي بكر الحضرمي أنّه قال : قال أبو جعفر(عليه السلام)تدري أيّ شيء حدّ الركوع والسجود؟ قلت : لا ، قال : «سبّح في الركوع ثلاث مرّات سبحان ربّي العظيم وبحمده، وفي السجود سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبّح فلا صلاة له»(3) .
وكيف كان، فظاهرها أنّ الفرض تسبيحة واحدة ، والتسبيحتان الأخيرتان لهما مدخلية في تحقق الكمال ، لا في أصل الصحة .
ورواية هشام بن سالم قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن التسبيح في الركوع والسجود؟ فقال : «تقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم وفي السجود سبحان ربّي
- (1) التهذيب 2: 77 ح288; الإستبصار 1: 324 ح1212; الوسائل 6: 303. أبواب الركوع ب5 ح2.
- (2) التهذيب 2 : 80 ح300; الوسائل 6 : 300 . أبواب الركوع ب4 ح5 .
- (3) الوسائل 6: 301 ب4 ح7 .
(الصفحة 246)
الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنّة ثلاث، والفضل في سبع»(1) . واقتصاره(عليه السلام)على قوله : سبحان ربّي العظيم وسبحان ربّي الأعلى ، من دون إضافة كلمة : «وبحمده» ، ليس لكون المراد هو ذلك ، بل للإشارة إلى ما هو المعروف بين المسلمين كما لا يخفى .
وطائفة ثالثة من الأخبار تدلّ على كفاية تسبيحة واحدة ، التي هي عبارة عن سبحان الله ، وهي رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قلت له : ما يجزي من القول في الركوع والسجود؟ فقال : «ثلاث تسبيحات في ترسّل، وواحدة تامّة تجزي»(2). بناءً على أن يكون المراد بالواحدة التامّة هي الواحدة الصغيرة المذكورة في حال الركوع ، لا في الهوي إليه أو القيام منه ، ويحتمل أن يكون المراد بها هي الواحدة الكبيرة .
ورواية عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الأول(عليه السلام) قال : سألته عن الركوع والسجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال : «ثلاثة وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض»(3) ورواها في الوسائل في موضع آخر من الباب الرابع من أبواب الركوع ، لكن مع الاختلاف في العبارة حيث قال : سألته عن الرجل يسجد كم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال : «ثلاث، وتجزئه واحدة»(4) .
ورواية معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له: أدنى ما يجزئ المريض من التسبيح في الركوع والسجود، قال : «تسبيحة واحدة»(5) ، ولا يبعد أن
- (1) التهذيب 2 : 76 ح282; الاستبصار 1 : 322 ح1204; الوسائل 6 : 299 . أبواب الركوع ب4 ح1 .
- (2) التهذيب 2 : 76 ح283 ; الاستبصار 1 : 323 ح1205 ; الوسائل 6 : 299 . أبواب الركوع ب4 ح2.
- (3) التهذيب 2: 76 ح284; الإستبصار 1: 323 ح1206; الوسائل 6: 300. أبواب الركوع ب4 ح3.
- (4) الباب الرابع ح4 .
- (5) الكافي 3 : 329 ح4; الوسائل 6 : 301 . أبواب الركوع ب4 ح8 .
(الصفحة 247)
يقال بأنّ هذه الرواية من تتمّة رواية معاوية المتقدمة لا رواية مستقلّة .
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه لا إشكال في الاكتفاء بتسبيحة واحدة كبرى ، كما هو مقتضى روايتي أبي بكر الحضرمي وهشام بن سالم المتقدّمتين ، وكذلك رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ، بناءً على أحد احتماليها ، واطلاق رواية عليّ بن يقطين المتقدمة ، ولا يبعد أن يقال: بأنّ كيفيّتها هي سبحان ربّي العظيم في الركوع ، وسبحان ربّي الأعلى في السجود ، ولا تجب إضافة كلمة : «وبحمده» لرواية هشام عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، وما ذكرناه من كونها إشارة إلى ماهو المعروف بين المسلمين ، فإنّما هو مجرّد احتمال لا يصادم الظهور في الاكتفاء بما ذكره(عليه السلام) ، وعدم وجوب الزائد عنه .
ثم لا يخفى أنّه لا تعارض بين ما يدلّ على الاجتزاء بتسبيحة كبرى ، وما يدلّ على أنّ أدنى ما يجزي من التسبيح ثلاث تسبيحات ، لأنّه مضافاً إلى إمكان منع الاطلاق فيها ، والقول بأنّ المتبادر منها هي التسبيحة الصغرى ، كما قد فسّرت بذلك في بعض الروايات المتقدمة ، يمكن أن يقال: بأنّه على فرض الاطلاق لابدّ من حملها على التسبيحة الصغرى ، للأخبار الدالة على كفاية واحدة كبرى ، فانقدح أنّه لا مجال للإشكال في الاكتفاء بالواحدة الكبرى .
نعم، يقع الإشكال في أنّه هل يجتزئ بالواحدة الصغرى أم لا؟ مقتضى اطلاق رواية عليّ بن يقطين المتقدمة ، وكذا رواية زرارة بناءً على أحد احتماليها ، هو الاجتزاء ، ومقتضى الأخبار الدالة على أنّ أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود هي ثلاث تسبيحات ، هو العدم .
والحقّ أن يقال : إنّ رواية عليّ بن يقطين لا تعرّض فيها لبيان كيفية التسبيح ، لأنّ السؤال فيها إنما هو عن الكمية ، وهذا يدلّ على كون الكيفية معلومة عند السائل ، بحيث لم يكن يحتاج إلى السؤال عنها ، فالتمسّك باطلاقها لكفاية الواحدة
(الصفحة 248)
الصغرى غير صحيح ، لعدم كونها واردة في مقام بيان هذه الجهة ، وهو شرط لجواز التمسّك بالاطلاق .
وأمّا رواية زرارة ، فالظاهر أنّ المراد بالواحدة التامّة فيها هي التسبيحة الكبرى ، لاستمرار عمل المسلمين من صدر الإسلام إلى زماننا هذا على قراءتها في الركوع والسجود ، بل يمكن أن يقال: بأنّه لو لم يكن في بعض الروايات المتقدمة تصريح بجواز التسبيحة الصغرى ثلاثاً ، لأشكل استفادته من الأخبار المطلقة الدالة على أنّ أدنى ما يجزئ من التبسيح في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات ، لمعهودية كون التسبيح فيهما هي التسبيحة الكبرى .
وكيف كان، فلو فرض ثبوت الاطلاق لرواية عليّ بن يقطين ، فالواجب تقييده بسبب رواية زرارة ، الدالة على أنّ الواحدة المقيّدة بكونها تامّة تجزئ ، لكون ظهورها في دخالة القيد أقوى من ظهور تلك الرواية في الاطلاق ، فظهر أنّ الواحدة الصغيرة لا تجزئ .
نعم، مقتضى رواية معاوية بن عمّار المتقدمة الاجتزاء بها للمريض ، بناءً على أن تكون تتمّة لروايته الاُخرى المتقدمة ، لأنّها حينئذ ظاهرة في كون المراد بالتسبيحة هي التسبيحة الصغرى ، وأمّا بناءً على أن تكون رواية مستقلّة ، فيشكل ذلك ، اللّهم إلاّ أن يتمسّك باطلاقها .
وأيضاً مقتضى رواية عليّ بن أبي حمزة الاكتفاء بالواحدة للمستعجل في النافلة حيث قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل المستعجل ما الذي يجزئه في النافلة؟ قال : «ثلاث تسبيحات في القراءة وتسبيحة في الركوع، وتسبيحة في السجود»(1) . وليعلم أنّ ما حكي عن العلاّمة(2) من عدم وجوب القراءة في النافلة ،
- (1) الكافي 3 : 455 ح20; الوسائل 6 : 302 . أبواب الركوع ب4 ح9 .
- (2) تذكرة الفقهاء 3 : 130 .
(الصفحة 249)
يمكن أن يكون مستنده هذه الرواية ونظائرها ، فالاعتراض عليه كما عن المتأخّرين بخلوّه عن الدليل(1) غير وارد عليه .
الجهة الثالثة:
إنّ القول الواجب أو المستحبّ في الركوع والسجود، هل هو مطلق الذكر ، بحيث لا يكون للتسبيح خصوصية ، بل كان الاجتزاء به من باب أنّه بعض مصاديق الذكر ، أو أنّه يتعيّن التسبيح؟ وجهان، بل قولان(2) .
ولا يخفى أنّ الخلاف في ذلك إنما وقع بين أصحابنا القائلين بوجوب قول في الركوع والسجود ، وأمّا عامّة مخالفينا القائلون بالاستحباب ، فالظاهر اتّفاقهم على تعيّن التسبيح(3) ، وأنّه هو المستحب ، نظراً إلى استمرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) .
وكيف كان، فظاهر أكثر الروايات المتقدمة هو تعيّن التسبيح ، ولكن مقتضى رواية مسمع المتقدمة الدالة على كفاية ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ(4) هو الاكتفاء بغير التسبيح ، لأنّ المراد بقوله : «أو قدرهنّ» هو مقدار ثلاث تسبيحات ، وإن لم يكن تسبيحاً ، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أكبر؟ قال : «نعم كلّ هذا ذكر الله» . ورواه في الكافي عن
- (1) مدارك الأحكام 3: 337; الذكرى 3: 300; مستند الشيعة: 71 ; جواهر الكلام 9: 286; الحدائق 8 : 94 .
- (2) أمّا القائلين بكفاية مطلق الذكر فهم كصاحب المبسوط 1: 111; والسرائر 1: 224; وتذكرة الفقهاء 3: 169; وإيضاح الفوائد 1: 112; وجامع المقاصد 2: 286; ومدارك الأحكام 3: 392; ومسالك الأفهام 1: 215; ومستند الشيعة 5: 203.
- وأمّا القائلين بتعيّن التسبيح فهم كصاحب المقنعة: 105; والإنتصار: 149; والمقنع: 93; والخلاف 1: 348; والتهذيب 2: 81 ; والكافي في الفقه: 142; والمهذّب 1: 97; والمراسم: 69; والوسيلة: 93; وشرائع الإسلام 1: 85; والدروس 1: 177 .
- (3) راجع 2 : 243 .
- (4) الوسائل 6: 303 . أبواب الركوع ب5 ح4 .