(الصفحة 247)
يقال بأنّ هذه الرواية من تتمّة رواية معاوية المتقدمة لا رواية مستقلّة .
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه لا إشكال في الاكتفاء بتسبيحة واحدة كبرى ، كما هو مقتضى روايتي أبي بكر الحضرمي وهشام بن سالم المتقدّمتين ، وكذلك رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ، بناءً على أحد احتماليها ، واطلاق رواية عليّ بن يقطين المتقدمة ، ولا يبعد أن يقال: بأنّ كيفيّتها هي سبحان ربّي العظيم في الركوع ، وسبحان ربّي الأعلى في السجود ، ولا تجب إضافة كلمة : «وبحمده» لرواية هشام عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، وما ذكرناه من كونها إشارة إلى ماهو المعروف بين المسلمين ، فإنّما هو مجرّد احتمال لا يصادم الظهور في الاكتفاء بما ذكره(عليه السلام) ، وعدم وجوب الزائد عنه .
ثم لا يخفى أنّه لا تعارض بين ما يدلّ على الاجتزاء بتسبيحة كبرى ، وما يدلّ على أنّ أدنى ما يجزي من التسبيح ثلاث تسبيحات ، لأنّه مضافاً إلى إمكان منع الاطلاق فيها ، والقول بأنّ المتبادر منها هي التسبيحة الصغرى ، كما قد فسّرت بذلك في بعض الروايات المتقدمة ، يمكن أن يقال: بأنّه على فرض الاطلاق لابدّ من حملها على التسبيحة الصغرى ، للأخبار الدالة على كفاية واحدة كبرى ، فانقدح أنّه لا مجال للإشكال في الاكتفاء بالواحدة الكبرى .
نعم، يقع الإشكال في أنّه هل يجتزئ بالواحدة الصغرى أم لا؟ مقتضى اطلاق رواية عليّ بن يقطين المتقدمة ، وكذا رواية زرارة بناءً على أحد احتماليها ، هو الاجتزاء ، ومقتضى الأخبار الدالة على أنّ أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود هي ثلاث تسبيحات ، هو العدم .
والحقّ أن يقال : إنّ رواية عليّ بن يقطين لا تعرّض فيها لبيان كيفية التسبيح ، لأنّ السؤال فيها إنما هو عن الكمية ، وهذا يدلّ على كون الكيفية معلومة عند السائل ، بحيث لم يكن يحتاج إلى السؤال عنها ، فالتمسّك باطلاقها لكفاية الواحدة
(الصفحة 248)
الصغرى غير صحيح ، لعدم كونها واردة في مقام بيان هذه الجهة ، وهو شرط لجواز التمسّك بالاطلاق .
وأمّا رواية زرارة ، فالظاهر أنّ المراد بالواحدة التامّة فيها هي التسبيحة الكبرى ، لاستمرار عمل المسلمين من صدر الإسلام إلى زماننا هذا على قراءتها في الركوع والسجود ، بل يمكن أن يقال: بأنّه لو لم يكن في بعض الروايات المتقدمة تصريح بجواز التسبيحة الصغرى ثلاثاً ، لأشكل استفادته من الأخبار المطلقة الدالة على أنّ أدنى ما يجزئ من التبسيح في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات ، لمعهودية كون التسبيح فيهما هي التسبيحة الكبرى .
وكيف كان، فلو فرض ثبوت الاطلاق لرواية عليّ بن يقطين ، فالواجب تقييده بسبب رواية زرارة ، الدالة على أنّ الواحدة المقيّدة بكونها تامّة تجزئ ، لكون ظهورها في دخالة القيد أقوى من ظهور تلك الرواية في الاطلاق ، فظهر أنّ الواحدة الصغيرة لا تجزئ .
نعم، مقتضى رواية معاوية بن عمّار المتقدمة الاجتزاء بها للمريض ، بناءً على أن تكون تتمّة لروايته الاُخرى المتقدمة ، لأنّها حينئذ ظاهرة في كون المراد بالتسبيحة هي التسبيحة الصغرى ، وأمّا بناءً على أن تكون رواية مستقلّة ، فيشكل ذلك ، اللّهم إلاّ أن يتمسّك باطلاقها .
وأيضاً مقتضى رواية عليّ بن أبي حمزة الاكتفاء بالواحدة للمستعجل في النافلة حيث قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل المستعجل ما الذي يجزئه في النافلة؟ قال : «ثلاث تسبيحات في القراءة وتسبيحة في الركوع، وتسبيحة في السجود»(1) . وليعلم أنّ ما حكي عن العلاّمة(2) من عدم وجوب القراءة في النافلة ،
- (1) الكافي 3 : 455 ح20; الوسائل 6 : 302 . أبواب الركوع ب4 ح9 .
- (2) تذكرة الفقهاء 3 : 130 .
(الصفحة 249)
يمكن أن يكون مستنده هذه الرواية ونظائرها ، فالاعتراض عليه كما عن المتأخّرين بخلوّه عن الدليل(1) غير وارد عليه .
الجهة الثالثة:
إنّ القول الواجب أو المستحبّ في الركوع والسجود، هل هو مطلق الذكر ، بحيث لا يكون للتسبيح خصوصية ، بل كان الاجتزاء به من باب أنّه بعض مصاديق الذكر ، أو أنّه يتعيّن التسبيح؟ وجهان، بل قولان(2) .
ولا يخفى أنّ الخلاف في ذلك إنما وقع بين أصحابنا القائلين بوجوب قول في الركوع والسجود ، وأمّا عامّة مخالفينا القائلون بالاستحباب ، فالظاهر اتّفاقهم على تعيّن التسبيح(3) ، وأنّه هو المستحب ، نظراً إلى استمرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) .
وكيف كان، فظاهر أكثر الروايات المتقدمة هو تعيّن التسبيح ، ولكن مقتضى رواية مسمع المتقدمة الدالة على كفاية ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ(4) هو الاكتفاء بغير التسبيح ، لأنّ المراد بقوله : «أو قدرهنّ» هو مقدار ثلاث تسبيحات ، وإن لم يكن تسبيحاً ، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أكبر؟ قال : «نعم كلّ هذا ذكر الله» . ورواه في الكافي عن
- (1) مدارك الأحكام 3: 337; الذكرى 3: 300; مستند الشيعة: 71 ; جواهر الكلام 9: 286; الحدائق 8 : 94 .
- (2) أمّا القائلين بكفاية مطلق الذكر فهم كصاحب المبسوط 1: 111; والسرائر 1: 224; وتذكرة الفقهاء 3: 169; وإيضاح الفوائد 1: 112; وجامع المقاصد 2: 286; ومدارك الأحكام 3: 392; ومسالك الأفهام 1: 215; ومستند الشيعة 5: 203.
- وأمّا القائلين بتعيّن التسبيح فهم كصاحب المقنعة: 105; والإنتصار: 149; والمقنع: 93; والخلاف 1: 348; والتهذيب 2: 81 ; والكافي في الفقه: 142; والمهذّب 1: 97; والمراسم: 69; والوسيلة: 93; وشرائع الإسلام 1: 85; والدروس 1: 177 .
- (3) راجع 2 : 243 .
- (4) الوسائل 6: 303 . أبواب الركوع ب5 ح4 .
(الصفحة 250)
ابن المغيرة، عن هشام بن الحكم نحوه(1) .
وروى الشيخ بإسناده عن سعد، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد بن عثمان، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته يجزي عنّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله إلاّ الله والله أكبر؟ قال : «نعم»(2) . والروايتان صريحتان في أنّ القول الواجب في الركوع والسجود هو مطلق الذكر ، وعليه فالتخيير بين التسبيح وغيره من الأذكار تخيير عقليّ لا شرعيّ ، لأنّ متعلّق الوجوب أمر واحد ، وهو مطلق الذكر ، والعقل يحكم بكون المكلّف مخيّراً بين مصاديقه .
وقد يستشكل في الأخذ بمقتضى الروايتين من جهة استمرار العمل من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) إلى زمان صدورهما ، ومن ذلك الزمان إلى زماننا هذا ، على قراءة التسبيح في الركوع والسجود ، وهذا ممّا لا وجه له ، بعد كون الروايتين تامّتين من حيث الدلالة والسند .
ولا يخفى أنّ كفاية مطلق الذكر والاجتزاء بغير التسبيح مكانه لا ينافي ما ذكرنا في الجهة الثانية من وجوب الثلاث ، وعدم إجزاء الواحدة ، لأنّ السؤال في هاتين الروايتين إنما هو عن إجزاء قول آخر مكان التسبيح ، وظاهره أنّه هل يكون للتسبيح خصوصية أم لا؟ فلا يكون فيهما تعرّض لبيان الكميّة .
وحينئذ فلا يضرّ بذلك الاقتصار في ذيل رواية هشام بن سالم على مجرّد التهليل والتكبير ، مضافاً إلى احتمال أن يكون السقط مستنداً إلى الناسخ . وكيف كان، فلا شبهة في أنّ مفاد الروايتين هو كفاية مطلق الذكر ، ولا تعرّض فيهما لبيان الكمية أصلا .
- (1) التهذيب 2: 302 ح1217; الكافي 3: 329 ح5 ; السرائر 3: 603; الوسائل 6: 307. أبواب الركوع ب7 ح1.
- (2) التهذيب 2: 302 ح1218; الكافي 3: 321 ح8 ; الوسائل 6: 307. أبواب الركوع ب7 ح2.
(الصفحة 251)
المسألة الثالثة : السهو عن الركوع
لا إشكال ولا خلاف في كون الركوع ركناً تبطل الصلاة بالإخلال به عمداً أو سهواً ، وكذا بزيادته(1) ، واعتبار عدم الزيادة وإن لم يكن مستفاداً من مجرّد كونه ركناً ، لما عرفت في مبحث القيام; من أنّ معنى ركنية شيء لشيء هو شدّة احتياجه إليه; بحيث لا يكاد يمكن أن يتحقّق بدونه ، وأمّا كون الزيادة أيضاً كالنقيصة مانعة عن تحقّقه ، فلا يستفاد من مجرد الركنية ، بل لابدّ من دليل آخر يدلّ على مانعية وجوده الثانوي ، إلاّ أنّه لا إشكال في المقام في أنّ الزيادة مبطلة أيضاً .
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه لو سهى عن الركوع حتّى فرغ من الصلاة ، فلا إشكال ولا خلاف في وجوب الاستئناف ، كما أنّه لا خلاف في أنّه لو سهى عنه قبل أن تتحقّق منه السجدة ، يجب عليه أن ينتصب قائماً ، ويركع ويتمّ الصلاة(2) .
إنما الخلاف فيما لو ذكر ذلك بعد السجدتين أو بعد السجدة الواحدة ، فالمحكيّ عن المبسوط إنّه قال : وفي أصحابنا من يسقط السجود ويعيد الركوع ، ثم يعيد السجود ، واختار هو إنّه إن أخلّ به في الاُوليين مطلقاً أو في ثالثة المغرب بطلت صلاته ، وإن كان في الأخيرتين من الرباعيّة وتركه ناسياً وسجد السجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة وقام وركع وأتمّ . انتهى .
والمحكيّ عن ابن الجنيد وعليّ بن بابويه أنّهما ذهبا إلى أنّه لو نسي الركوع
- (1) المعتبر 2: 192; تذكرة الفقهاء 3: 165 مسألة 246; الدروس 1: 176; جامع المقاصد 2: 283; الذكرى 3: 364; مستند الشيعة 5 : 192; جواهر الكلام 10 : 69; مفتاح الكرامة 2 : 414 .
- (2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 36; المراسم: 90; الوسيلة: 99; المهذّب 1: 156; السرائر 1: 240; جامع المقاصد 2: 488; مفاتيح الشرائع 1: 138; شرائع الاسلام 1: 106; المعتبر 2: 377.