(الصفحة 255)
اختصاص وجوب استئناف الصلاة لأجل ترك الركوع نسياناً بهذه الصورة ، فتصلح الرواية لأن تصير مقيّدة لمثل الرواية المتقدمة التي تدلّ بإطلاقها على الوجوب في غير هذه الصورة ، مثل ما رواه ابن مسكان عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل نسي أن يركع؟ قال : «عليه الإعادة»(1) . فإنّ اطلاقها يقيد بما إذا تذكر بعد السجدتين .
وأمّا رواية رفاعة المتقدمة فلا تصلح للتقييد لكون القيد فيها مذكوراً في كلام الراوي دون الإمام(عليه السلام) .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع، قال : «فإن استيقن فليلق السجدتين اللّتين لا ركعة لهما، فيبني على صلاته على التمام، وإن كان لم يستيقن إلاّ بعدما فرغ وانصرف فليقم فليصلّ ركعة وسجدتين ولا شيء عليه» . ورواه الصدوق في الفقيه هكذا : «في رجل شكّ بعدما سجد أنّه لم يركع، فقال : يمضي في صلاته حتّى يستيقن أنّه لم يركع، فإن استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين . . .»(2) .
وحينئذ فلا يبقى مجال للإشكال في الرواية باضطراب المتن ، من حيث كون السؤال عن حكم صورة الشكّ والجواب متعرّض لبيان حكم صورة الاستيقان كما هو ظاهر ، وهذه الرواية التي استند إليها الشيخ(3) ، لما ذهب إليه من التفصيل بعد حملها على الركعتين الأخيرتين ، جمعاً بينها وبين الأخبار المتقدمة .
والإشكال على الاستدلال بها باشتمالها على ما لا يقول به أحد من وجوب
- (1) التهذيب 2 : 149 ح584; الإستبصار1 : 356 ح1346; الوسائل 6 : 313 . أبواب الركوع ب10 ح4 .
- (2) الفقيه 1: 228 ح1006; التهذيب 2: 149 ح585; الإستبصار 1: 356 ح1348; السرائر 3: 592; الوسائل 6: 314. أبواب الركوع ب11 ح2.
- (3) المبسوط 1 : 119 .
(الصفحة 256)
صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع ، كما هو المحكيّ عن الرياض(1) .
مندفع بأنّ القائل بعدم بطلان الصلاة فيما إذا أيقن ترك الركوع بعد السجدتين في الركعة الثالثة أو الرابعة ، ووجوب الرجوع للتدارك يلزمه القول بذلك ، لصيرورة الركعة الثالثة حينئذ ثانية ، والرابعة ثالثة ، فتكون الفريضة ناقصة ركعة ، فإذا ركعها بعد التمام جاء بها على وفق القاعدة .
نعم يرد عليه عدم الشاهد على هذا الجمع ، فيمكن حملها على النافلة ، كما في الوسائل(2) ، ولعلّه يجىء الكلام حول هذا المقام في مبحث الخلل إن شاء الله تعالى .
المسألة الرابعة : وجوب رفع الرأس من الركوع
قد عُدّ من واجبات الركوع رفع الرأس منه ، بمعنى أنّه لا يجوز أن يهوي للسجود قبل رفع الرأس من الركوع ، وكذلك الطمأنينة في الانتصاب ، بمعنى أن يعتدل قائماً ويسكن ولو يسيراً ، واعتبارهما وإن كان ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم(3) ، إلاّ أنّ عدّهما من واجبات الركوع غير خال عن المسامحة ، لأنّهما متأخّران عن الركوع كما هو واضح .
- (1) رياض المسائل 4 : 206 .
- (2) الوسائل 6: 315. أبواب الركوع ب11 ذيل الحديث 3 .
- (3) الخلاف 1: 351; الغنية: 79 ; المعتبر 2: 197; مدارك الأحكام 3: 389; جامع المقاصد 2: 288; مفاتيح الشرائع 1: 139; مستند الشيعة 5: 201; جواهر الكلام 10: 87 ; كشف اللثام 4: 73; مفتاح الكرامة 2: 420.
(الصفحة 257)
السادس من أفعال الصلاة : السجود
اعتبار السجود في الصلاة وجزئيته لها ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف(1) ، بل ربما يعد من الضروريات ، كوجوب أصل الصلاة ، ويجب أن يكون على سبعة أعظم ، للروايات الكثيرة التي رواها العامة والخاصة .
فمن طريق العامة ما رواه عمرو بن دينار عن طاووس، عن ابن عبّاس، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : «اُمرنا أن نسجد على سبعة أعظم»(2) . وما رواه عبدالله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس قال : قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «اُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين»(3) .
ومن طريق الخاصة ما رواه زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) : قال
- (1) المقنعة: 105; النهاية: 82 ; الغنية: 79; الوسيلة: 93; المراسم: 69; تذكرة الفقهاء 3: 184; المنتهى 1 : 286; مستند الشيعة 5 : 231; جواهر الكلام 10: 127 .
- (2 و 3) سنن البيهقي 2 : 101 و 103 .
(الصفحة 258)
رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «السجود على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، والابهامين من الرجلين، وترغم بأنفك ارغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة، وأمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي(صلى الله عليه وآله) »(1) .
وما رواه عبدالله بن جعفر في قرب الإسناد عن محمّد بن عيسى، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) قال : «يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه ورجليه، وركبتيه، وجبهته»(2) .
وبالجملة: لا خلاف عندنا في أنّه يجب أن يكون السجود على الأعضاء السبعة المذكورة في الروايات ، وعن أبي حنيفة ومالك : عدم وجوب السجدة على غير الجبهة(3) ، لقول النبي(صلى الله عليه وآله) : «سجد وجهي»(4) ، ولو ساواه غيره لما خصّه بالذكر ، ولأنّ وضع الجبهة يسمى سجوداً، ولا كذا غيره فينصرف الأمر المطلق إلى ما به يحصل مسمّاه ، ولأنّه لو وجب على غير الجبهة لوجب كشفه كالجبهة .
وأجاب عنه المحقّق في المعتبر: لا نسلّم أنّ اختصاصها بالذكر يدلّ على عدم الوجوب عن غيرها ، لجواز أن يكون الاختصاص بالذكر لما يختصّ به سجوداً ، من مزية الخضوع الذي يحصل بها ، وقوله : «وضع الجبهة يسمى سجوداً» ، قلنا : حقّ، وكذا ما ينضمّ إليها، وقد قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «سجد لحمي وعظمي وما أقلّته قدماي»(5). وقوله : «لو وجب على غير الجبهة لوجب كشفه»، قلنا : لو نسلّم فما
- (1) التهذيب 2 : 299 ح1204; الإستبصار1 : 327 ح1224; الخصال: 349; الوسائل : 6/343 . أبواب السجود ب4 ح2 .
- (2) قرب الاسناد : 36 ح69; الوسائل 6 : 345 . أبواب السجود ب4 ح8 .
- (3) المجموع 3: 423 و 427; المغني لابن قدامة 1: 591; الشرح الكبير 1: 591; تذكرة الفقهاء 3: 185 مسألة 256 .
- (4) و(5) صحيح مسلم 6 : ص48 ح201; سنن ابن ماجة 1: 335 ح1054; سنن البيهقي 2 : 109 .
(الصفحة 259)
الجامع ثم يبدي الفارق(1) ، انتهى .
ويرد على ما أجاب به عن الدليل الثاني أنّ وضع الجبهة يسمى سجوداً بلا إشكال ، وأمّا وضع سائر الأعضاء مجرّداً فلا يسمى سجوداً كما يظهر بمراجعة العرف ، فلا يقال لمن وضع يديه على الأرض: أنّه سجدت يداه كما هو واضح .
ويدلّ على عدم مدخلية وضع سائر الأعضاء في تحقق حقيقة السجود ، ما ذكروه من أنّ زيادة الركن تتحقق بوضع الجبهة على الأرض مرتين أو مراراً ، وإن لم تتحقق الزيادة بالنسبة إلى وضع سائر الأعضاء .
وحينئذ فبعد قيام الدليل الشرعي على وجوب كون السجود على سبعة أعظم ، لابدّ وأن يقال: إمّا بكون وضع سائر الأعضاء واجباً في حال السجود ، وإن لم يكن ركناً ، أو يقال بأنّ الواجب في الصلاة هي الكيفية الحاصلة من السجود ، ومن وضع سائر الأعضاء الست على الأرض ، ولعلّه يجىء الكلام على هذه الجهة في مبحث ركنية السجود .
وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في وجوب السجدة على الجبهة ، وعدم كفاية ارغام الأنف والسجدة عليه ، كما دلّت عليه الروايات المتقدمة ، والمراد بالجبهة هو ما بين قصاص الشعر وطرف الأنف طولا وبين الجبينين عرضاً ، فالسجدة على أحد الجبينين غير مجزية .
والواجب من ذلك هو مسمّى السجود على الجبهة ، وما به يتحقّق عرفاً ، لأنّه من الأفعال التي تصدق بالبعض ، مضافاً إلى دلالة النصوص الكثيرة على ذلك مثل ما رواه زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) قال : قلت : الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال : «إذا مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه»(2) .
- (1) المعتبر 2 : 207 .
- (2) الفقيه 1: 176 ح833 ; التهذيب 2: 85 و 236 ح314 و 931; الوسائل 6: 355. أبواب السجود ب9 ح1.