(الصفحة 265)
آخر . ويبعد هذا الاحتمال أنّ اعتبار عدم كون الارتفاع زائداً على ذلك المقدار إنما هو لمراعاة تحقق السجود ، وحصول الكيفيّة الخاصة الراجعة إلى عدم ثبوت الاختلاف الكثير بين مواضع السجود ، ومن المعلوم أنّ الموقف في حال القيام ممّا لا ربط له بحال السجود ، خصوصاً بعد عدم كونه موضعاً لشيء من الأعظم السبعة .
ضرورة أنّ موضع الابهامين وكذا موضع الركبتين ، إنما هو واقع في طرفي الموقف في حال القيام ، والمحاذي له إنما هو الساق الذي يكون متجافياً عن الأرض في حال السجدة ، ولا يكون له اعتماد عليها كما هو واضح .
ثالثها : أن يكون المراد به هو موضع البدن ، وما استقرّ واعتمد عليه في حال الجلوس للسجود ، ومن المعلوم أنّ البدن في حال الجلوس يكون معتمداً على القدمين والساق والركبتين ، فالمراد بموضعه هو محلّها من الأرض الذي هو مقدار ذراع تقريباً .
وهذا الاحتمال وان كان أقرب من الاحتمال الثاني ، إلاّ أنّه يبعّده ما عرفت من أنّ ملاحظة موضع البدن في حال الجلوس ممّا لا ربط له بحال السجود الذي يصير البدن في ذلك الحال بكيفية اُخرى ، ويتغير مستقرة ومعتمدة كما لايخفى .
رابعها : وهو أظهر الاحتمالات ، أن يكون المراد به هو موضع البدن ومستقرّه في حال السجود ، ومن المعلوم أنّ استقراره في ذلك الحال إنما هو على الأعظم السبعة المعتبر وضعها على الأرض في السجدة ، فمرجع هذا الاحتمال إلى أنّه يلزم أن لا يكون التفاوت بين مواضع السجود بأزيد من مقدار لبنة .
ولكن يقع الكلام في أنّه هل يلزم ملاحظة ذلك بالنسبة إلى جميع مواضع السجود ، بأن لا يكون موضع الجبهة عالياً بذلك المقدار ، لا عن موضع اليدين ، ولا عن موضع الركبتين ، ولا عن موقف الابهامين ، أو يقال: بأنّ المراد بموضع البدن في حال السجود ، هو موضع الركبتين والابهامين فقط ، لأنّ عمدة استقراره
(الصفحة 266)
في ذلك الحال إنما هو عليهما ، إذ لو فرض عدم وضع اليدين لما يضرّ ذلك بتحقق السجود ، ولا بالانحناء المعتبر فيه كما لا يخفى .
ومن هنا يمكن أن يقال : بأنّ المعتبر إنما هو موضع الركبتين فقط ، هذا ، ولكنّ الأحوط هو الوجه الأول ، كما أنّ الأظهر هو الوجه الأخير ، ويمكن أن يستفاد الوجه الأول عمّا حكي من نهاية الأحكام ، من أنّه يجب تساوي الأعالي والأسافل ، أو انخفاض الأعالي(1) ، إذ الظاهر أنّ المراد بالأعالي هو اليدان والجبهة ، وبالأسافل هو الركبتان والابهامان .
وكيف كان ، فلا يخفى أنّه لا معارضة بين هذه الرواية الدالة على اعتبار موضع البدن بالمعنى الذي ذكرنا ، وبين الرواية الاُخرى لعبدالله بن سنان المتقدمة(2) ، التي عبّر فيها بالمقام ، لأنّ الظاهر أنّ المراد بالمقام هو مكان المصلّي وموضعه ، لا موضع القيام ، وقد عرفت أنّ الأظهر بنظر العرف من ملاحظة مكان المصلّي ، هو موضعه في حال السجود ، لعدم ارتباط حال القيام ، وكذا حال الجلوس ، ببتحقق كيفية السجود المعتبرة فيه ، والانحناء الذي هو الغرض منه ، فلاتنافي بين الروايتين .
فرعٌ: لو سجد على موضع مرتفع سهواً
لو سجد فوقعت جبهته على موضع مرتفع بأزيد من مقدار لبنة سهواً ، ففي جواز رفع الرأس ثم وضعه على محلّ يصح السجود عليه ، أو وجوب الجرّ وعدم جواز الرفع ، وجهان بل قولان ، حكي الأول عن المعتبر ، والمنتهى ، وجامع المقاصد ، وكشف اللثام ، والبيان(3) ، وغيرها ، وذهب إليه صاحب الجواهر ،
- (1) نهاية الأحكام 1 : 488 .
- (2) الوسائل 6: 357. أبواب السجود ب10 ح1.
- (3) المعتبر 2: 212; المنتهى 1 : 288; جامع المقاصد 2: 299; كشف اللثام 4: 87 ; البيان: 89 ـ 90.
(الصفحة 267)
واختاره في المصباح(1) . ولكن المحكيّ عن السيد صاحب المدارك هو الثاني(2) .
وحيث إنّ القول بعدم جواز الرفع يمكن أن يكون مستنده لزوم الزيادة في الصلاة المبطلة لها ، فلابدّ لنا من التكلّم في هذه الجهة.
فنقول: ظاهر كلمات الأصحاب وفتاويهم هو الاتّفاق على أنّ زيادة السجدة الواحدة مبطلة للصلاة عمداً ، وزيادة السجدتين مبطلة لها مطلقاً ، عمداً كانت أو سهواً(3) ، وهذا الحكم وإن لم يكن منصوصاً بالخصوص ، إلاّ أنّه يستكشف من ذلك ـ أي من اتفاق الأصحاب ـ وجود نصّ معتبر ، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا .
وحينئذ يقع الكلام في أنّ المراد بالسجدة الزائدة المبطلة للصلاة هل هي السجدة التي كانت واجدة لجميع ما اعتبر فيها ، من طهارة المسجد ، ووقوعها على ما يصح السجود عليه ، وعدم كون موضعها أعلى من سائر المواضع بأزيد من مقدار لبنة ، وغير ذلك من الأمور المعتبرة فيها ، أو أنّ المراد بها هي طبيعة السجدة ولو لم تكن كذلك؟
وبعبارة اُخرى هل المراد بها هي السجدة الشرعية القابلة للوقوع جزءً من الصلاة ، أو طبيعة السجدة ولو لم تكن شرعية بل كانت عرفية؟
لايبعد أن يقال: بأنّ الظاهر هو الوجه الثاني ، لأنّه لو فرض أنّه سجد بعد السجدتين على موضع نجس ، أو على شيء لا يصحّ السجود عليه ، لعدم كونه من الأرض ونباتها ، فالظاهر أنّهم يحكمون ببطلان الصلاة بسببه ، مع أنّها لا تكون سجدة شرعية .
- (1) جواهر الكلام 10: 159; مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 345.
- (2) مدارك الأحكام 3 : 408 .
- (3) المبسوط 1: 112; الغنية: 111; المهذّب 1: 153 و 156; المراسم: 89 ; الكافي في الفقه: 119; السرائر 1: 240 ـ 241; جواهر الكلام 10: 127 و 130; مستند الشيعة 5: 231; تذكرة الفقهاء 3: 184 مسألة 256.
(الصفحة 268)
ثم إنّه يقع الكلام أيضاً في أنّ المراد بالزيادة هل التي كانت من أوّل تحقّقها متّصفة بهذه الصفة ، ولازمه حينئذ أن لا يصدق عنوان الزائد على شيء إلاّ بعد حصول المزيد عليه ، أو أنّ المراد بها هي التي لا تقع جزءً للصلاة ، سواء كانت متقدّمة على المزيد عليه ، أو متأخّرة عنه .
غاية الأمر إنّ عدم وقوع الزيادة المتقدمة جزءً للصلاة ، إنما يكون مستنداً إلى عدم كونها واجدة لجميع الاُمور المعتبرة في صيرورة نوعها جزءً للصلاة ، وإلاّ فلا وجه لعدم وقوعها جزءً لها كما لا يخفى ، وأمّا الزيادة المتأخّرة فيمكن أن تكون متصفة بها مع كونها واجدة لجميع تلك الاُمور .
هذا ، والظاهر أنّ المراد بزيادة السجدتين هو الإتيان بأربع سجدات في ركعة واحدة ، فإذا شرع في السجدة الثالثة أو الرابعة يتحقق معنى الزيادة ، لعدم كون الزائد على السجدتين معتبراً في ركعة واحدة ، وهذا لا فرق فيه بين أن تكون السجدتان الاُوليان واجدتين لجميع شرائط صحة السجود ، أو لم تكن . ففي الصورة الثانية أيضاً تكون السجدتان الأخيرتان زائدتين ، وإن كانتا واجدتين لجميع شرائطها .
وحينئذ فلا يصلح شيء من السجدات للوقوع جزءً من الصلاة ، لعدم كون الاُوليان واجدتين لما يعتبر في السجود الصلوتي ، وكون الأخيرتان زائدتين ، لا يمكن أن يلتئم منهما الصلاة .
هذا ، ومقتضى ما ذكرنا أنّ الاتصاف بالزيادة دائماً إنما يتحقق عند تحقق الأمر الزائد ، ولا يتوقّف على شيء آخر ، ولو أغمض عن ذلك .
فدعوى اعتبار الاتّصاف بها من أوّل تحقّقه كما في المصباح(1) وغيره ، ممّا لا
- (1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 345 .
(الصفحة 269)
وجه له ، لأنّه بناءً عليه أيضاً يكون حصول المزيد عليه كاشفاً من اتّصاف الزائد بها من أوّل وجوده ، لا أن يكون حصوله موجباً لاتّصافه بها من حين حصول المزيد عليه كما هو واضح .
فانقدح ممّا ذكرنا أنّ رفع الرأس في المقام من الموضع المرتفع ، ووضعه على ما دونه ، يستلزم زيادة سجدة واحدة عمداً ، وقد عرفت الاتفاق على كونها مبطلة ، وأمّا ما يظهر من الجواهر(1) ، من عدم كون وضع الجبهة على الموضع المرتفع بأزيد من لبنة مصداقاً للسجود ولو عرفاً ، فلا تبتحقق زيادة السجدة ، ففساده أظهر من أن يخفى ، ضرورة أنّ وضع الجبهة على موضع مساو للبنة ، أو على موضع أزيد منه بقليل ، ممّا لا فرق بينهما في نظر العرف أصلا .
فدعوى صدق عنوان السجود في الأول دون الثاني تحكّم صرف ، نعم قد تكون الزيادة كثيرة جدّاً بحيث لا يصدق عنوان السجود عند أهل العرف أيضاً ، فلا بأس حينئذ في الرفع ، هذا كلّه ما تقتضيه القاعدة ، مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في الباب .
وأمّا الأخبار ، فمنها : رواية معاوية بن عمّار، قال : «قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، ولكن جرّها على الأرض»(2) . والنبكة بالنون والباء المفتوحتين واحدة النبك ، وهي أكمة محدودة الرأس ، وقيل : النباك التلال الصغار .
ودلالة الرواية على عدم جواز الرفع ، ووجوب الجرّ في المقام ، مبنية على أن تكون النبكة شاملة لما يرتفع عن مواضع غير الجبهة من محال السجود بأزيد من
- (1) جواهر الكلام 10 : 159.
- (2) الكافي 3 : 333 ح3; التهذيب 2 : 302 ح1221; الإستبصار 1: 330 ح1238; الوسائل 6 : 353 . أبواب السجود ب8 ح1 .