(الصفحة 388)
الأخير فيبتني على خروج المورد المفروض عن الأدلة الدالة على اعتبار المماثلة، لأنّ موردها خصوص ما إذا كان السلام بالنحو المتعارف، فليس هنا ما يدلّ على اعتبارها في المقام.
ثمّ إنّ الظاهر في الأمر الثاني هو كون عنوان المماثلة مأخوذاً بنحو الكناية عن تقديم السلام على الظرف، فالوجه الثاني من الوجوه الأربعة بعيد جدّاً. نعم يبقى الكلام في شمول الآية الشريفة لهذا النحو من السلام، والظاهر إطلاقها لصدق عنوان التحية عليه.
(الصفحة 389)
القاطع الثامن:
الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصلاة
قد ادّعى العلاّمة في المنتهى إتّفاق أهل العلم كافّة على بطلان الصلاة به(1)، وهذا يدلّ على كونه مورداً لاتفاق المسلمين، لأنّ التعبير بهذا إنّما هو في مثل تلك الموارد.
والمشهور بين الإمامية التقييد بما إذا فعل ذلك عمداً(2)، ويمكن أن يستكشف من قيام الشهرة المحقّقة على قاطعية هذا العنوان ثبوت نصّ معتبر دالّ على ذلك، وحينئذفلابدّمن الرجوع إلى العرف في تشخيص موضوع الكثرة المأخوذ في النصّ.
هذا، ولكن يستفاد من كلمات كثير من المتأخّرين أنّ المستند في ذلك ليس ثبوت نصّ دالّ بمنطوقه على قاطعية هذا العنوان، بل المناط في البطلان هو محو
- (1) المنتهى 1 : 310 .
- (2) المعتبر 2: 255; نهاية الأحكام 1: 521; تذكرة الفقهاء 3: 288 مسألة 328; جامع المقاصد 2: 350; مجمع الفائدة والبرهان 3: 69; كشف اللثام 4: 172; مستند الشيعة 7: 42; جواهر الكلام 11: 55 .
(الصفحة 390)
صورة الصلاة، كما صرّح بذلك في المدارك، حيث قال: ولم أقف على رواية تدلّ بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير، لكن ينبغي أن يراد به ما ينمحي به صورة الصلاة بالكليّة، كما هو ظاهر المصنّف في المعتبر، اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق، وأن لا يفرق في بطلان الصلاة بين العمد والسهو(1). انتهى .
ولكن لا يخفى أنّه بناءً عليه لا يكون وجه للتعبير عن الفعل الماحي لصورة الصلاة بالفعل الكثير، كما أنّه لا يكون وجه للتفصيل بين صورتي السهو والعمد كما هو المشهور.
ثمّ إنّ هنا وجهاً آخر استدلّ به في المصباح، وهو معهودية التنافي لدى المتشرّعة من الصدر الأوّل بين الصلاة وسائر الأعمال الخارجية، بحيث يرون الفرق بين الصلاةوسائرالعبادات، وأنّه ليس في الصلاة عمل خارجيّ بخلاف غيرها من العبادات; ويدلّ على مغروسيّة هذا المعنى في أذهان المتشرّعة كثرة السؤال في الإخبار عن الأفعال الجزئية التي مسّت الحاجة إلى فعلها في أثناء الصلاة، كقتل القمل، والبق، والبرغوث، ونفخ موضع السجود، وتسوية الحصى، وغير ذلك(2).
والاستدلال بهذه الأخبار ليس من جهة الحكم بالجواز المذكور فيها فإنّ المناط في هذا الحكم الجامع بين موارد السؤال هو القلّة، فتدلّ بالمفهوم على كون الفعل الكثير مبطلاً في غاية الإشكال، بل مبنى الاستدلال بها على كون السؤال فيها مشعراً بمغروسية التنافي بين الصلاة وبين الأعمال الخارجية في أذهان المتشرّعة، ولذا صاروا بصدد السؤال عن حكم مثل الأفعال المذكورة فيها.
ويدلّ على التنافي بين الصلاة وبين الأعمال الخارجية، بعض ما ورد في التكفير
- (1) مدارك الأحكام 3 : 466 .
- (2) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 411 .
(الصفحة 391)
ممّا يدلّ على أنّ التكفير عمل وليس في الصلاة عمل(1). فإنّ الظاهر أنّ المراد بالعمل هو العمل الخارجي الذي لا يكون من سنخ أفعال الصلاة، وحينئذ فيدلّ على بطلانها بفعل شيء خارج عن حقيقتها ولو كان قليلاً، فلابدّ من ورود دليل مخصّص حتّى يدلّ على الجواز في بعض الموارد.
ثمّ لا يخفى أنّ استكشاف النصّ في المسألة من الفتاوى مشكل، لأنّه لم يكن لها تعرّض في أكثر الكتب المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة(عليهم السلام)بعين الألفاظ الصادرة عنهم. نعم ذكر في المراسم في عداد ما يوجب التعمّد إليه بطلان الصلاة : وكلّ فعل كثير أباحت الشريعة قليله في الصلاة، أو كلّ فعل لم تبح الشريعة قليله ولا كثيره(2).
وقال في الوسيلة في بيان القواطع : أنّها تسعة أشياء: العمل الكثير ممّا ليس من أفعال الصلاة(3). وقال الشيخ في المبسوط الذي هو كتاب تفريعيّ له: ولا يفعل فعلاً كثيراً ليس من أفعال الصلاة(4). والظاهر أنّ هذا استنباط من تجويز الأفعال الجزئية في الشريعة، لا أن يكون بهذا العنوان ممّا قام عليه نصّ. ويؤيّده أنّه في كتاب النهاية ـ الموضوع لنقل الفتاوى المأثورة ـ إقتصر على ذكر موارد الجواز(5).
وكيف كان، فدعوى الإجماع على مبطلية الفعل الكثير بعنوانه كما عن العلاّمة وجماعة من المتأخّرين مما لا وجه لها بعد عدم وجود نصّ في المسألة، ولا ما يمكن أن يستكشف منه، فالأولى كما عرفت التمسّك لذلك بأنّ المغروس في أذهان المتشرّعة أنّه يعتبر في الصلاة التوجّه إلى الخالق المعبود بحيث ينافيه الاشتغال
- (1) قرب الاسناد: 177 ح795; الوسائل 7: 266. أبواب قواطع الصلاة ب15 ح4.
- (2) المراسم : 87 .
- (3) الوسيلة : 97 .
- (4) المبسوط 1: 117.
- (5) النهاية: 93 .
(الصفحة 392)
بالأعمال الخارجية التي لا تكون من سنخ أجزاء الصلاة. نعم لا بأس بالاشتغال بالأفعال الجزئية غير المنافية للتوجّه فتدبّر.
قاطعيّة الأكل والشرب
لا يخفى أنّه ليس هنا أيضاً ما يدلّ من النصوص على ذلك، نعم ربّما يستدلّ له بالرواية الواردة في جواز شرب الماء في صلاة الوتر لمن أصابه عطش، وهو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة، بشرط أن لا يكون موجباً للاستدبار(1)، نظراً إلى أنّ المستفاد منها أنّ هذا إنّما يكون على سبيل الإستثناء، فيدلّ على قاطعية الشرب في غير هذا المورد، ولكنّه كما ترى.
فالأولى الاستدلال له أيضاً بما عرفت في الفعل الكثير من مغروسية التنافي بين حقيقة الصلاة التي هي التوجّه ، وبين الاشتغال بغيرها من الأفعال الخارجية، ولكن هذا الاستدلال يقتضي بطلان الصلاة بهما إذا كانا منافيين للتوجّه، فلا بأس بما لا يكون منهما منافياً له، كأكل شيء صغير وبلع ما بقي بين الأسنان، وإن كان هذا يوجب البطلان في باب الصوم.
ثمّ إنّ قاطعية الأكل والشرب إنّما تكون مذكورة في كتب المحقّق والعلاّمة ومَن بعدهما من الفقهاء المتأخّرين(2)، وليس في كلمات القدماء منهم ـ خصوصاً في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة ـ تعرّض لها أصلاً.
- (1) التهذيب 2: 329 ح 1354;الفقيه 1 : 313 ح1424; الوسائل 7: 279. أبواب قواطع الصلاة ب23 ح1 ، 2 .
- (2) المعتبر 2: 259; قواعد الأحكام 1: 281; نهاية الاحكام 1: 522; الدروس 1: 185; مسالك الأفهام 1 : 228; كفاية الاحكام: 24; رياض المسائل 3: 518; مجمع الفائدة والبرهان 3: 77; جامع المقاصد 2: 351; مدارك الأحكام 3: 467; كشف اللثام 4: 178; مستند الشيعة 7: 49; جواهر الكلام 11: 77; الحدائق 9: 55.