(الصفحة 412)
وكيف كان، فالكلام في الصحيحة في هذاالمقام تارة يتعلّق بالعقد السلبي المشتمل على المستثنى منه المحذوف، واُخرى بالعقد الايجابي المشتمل على المستثنى المذكور.
أمّا الكلام فيها من الحيثية الاُولى فيقع من جهات:
الاُولى: الظاهر كما مرّ غير مرّة اختصاص عدم وجوب الإعادة بخصوص صورة السهو الشاملة للقسمين المتقدّمين ، وأمّا العامد الملتفت فهو خارج عن مورده قطعاً، لأنّه لا يناسبه الحكم بلزوم الإعادة أو عدمه، بل المناسب له هو الحكم عليه بلزوم الاتيان بأصل الصلاة، وأمّا الجاهل بالحكم فإن كان جهله بسيطاً فهو أيضاً خارج عن مصبّ الحديث ; وإن كان مركّباً فقد عرفت أنّه يمكن ـ على بعد ـ القول بشمول الحديث له فيما إذا كان قاصراً.
الثانية: قد عرفت أنّ الخلل الواقع في الصلاة قد يكون مسبّباً عن الاخلال ببعض ما يعتبر وجوده فيها شطراً أو شرطاً، وقد يكون ناشئاً عن إيجاد شيء ممّا يكون وجوده مانعاً ومخرّباً كالموانع، وحينئذ فهل الحديث يشمل كلتا الصورتين أو يختصّ بالصورة الاُولى؟ وجهان:
من أنّه حيث يكون المستثنى منه محذوفاً والإستثناء مفرغاً والحذف دليل العموم، فلابدّ من التعميم.
ومن أنّه حيث أنّ الظاهر كون المستثنى منه من سنخ المستثنى، والاُمور الخمسة المذكورة في الحديث لا تخلو ممّا اعتبر وجوده بنحو الجزئية أو الشرطية، فالظاهر أنّ المستثنى منه المحذوف من سنخ تلك الاُمور.
وما ذكر من أنّ الحذف دليل العموم إنّما يصحّ في خصوص لزوم الاجمال إن لم يحمل على العموم، بخلاف مثل المقام.
وبالجملة: فحيث لا يكون في البين لفظ حتى يتمسك بإطلاقه فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن.
(الصفحة 413)
الثالثة: لا ريب في شمول الحديث لما إذا لم يتذكّر الإخلال إلى أن فرغ من الصلاة، وأمّا شموله لما إذا تذكّر في الأثناء فربّما يمنع نظراً إلى أنّ الحكم بعدم وجوب الإعادة إنّما يناسب بعد الفراغ، لأنّ المصلّي في الأثناء إمّا أن يكون مكلّفاً بالإتمام وإمّا أن تكون وظيفته الاستئناف والإتيان بها من رأس.
وعلى أيّ تقدير فلا يلائمه الحكم بلزوم الإعادة أو بعدم لزومها. هذا، ولكن الظاهر هو الشمول، لأنّ المتفاهم من الحكم بعدم لزوم الإعادة عند العرف والمنسبق إلى الذهن منه هو نفي جزئيّة الجزء، وكذا شرطيّة الشرط المنسيّين، ومرجع ذلك إلى اختصاص الجزئية والشرطية بحال الالتفات وعدم الغفلة وحيئنذ فلا فرق بين أن يتذكّر بعد الفراغ أو في الأثناء، بعد عدم كون المنسيّ جزءً أو شرطاً بالنسبة إليه. هذا في صورة عدم إمكان التدارك، وأمّا إذا أمكن ذلك فلا ريب في وجوبه وعدم سقوط المنسيّ عن الجزئية والشرطية، وحينئذ فلابدّ من التكلّم فيما هو الملاك في إمكان التدارك وعدمه.
ونقول: قد يقال : بأنّ المناط في إمكان التدارك هو أن لا يكون الرجوع للتدارك والعود إليه مستلزماً لزيادة مبطلة، وفي عدم الإمكان هو استلزام العود للتدارك لتلك الزيادة، فلو نسي ذكر الركوع حتى رفع رأسه منه فلا يمكن التدارك، لأنّ العود إلى الركوع للإتيان بالذكر يوجب زيادة الركوع وهي مبطلة مطلقاً، بخلاف ما إذا نسي القراءة وتذكّر بعد السورة، فإنّ العود لتدارك القراءة لا يستلزم زيادة كذلك.
والتحقيق أنّ الملاك في إمكان التدارك وعدمه هو أنّ الجزء المنسيّ لو كان اعتباره في الكلّ الذي هو الصلاة على نحو لا يمكن الاتيان به بذلك النحو بعد نسيانه في محلّه، فهو لا يمكن تداركه ولو مع قطع النظر عن لزوم الزيادة المبطلة، فعدم إمكان التدارك في المثال المتقدّم ـ وهو نسيان ذكر الركوع إلى أنّ رفع الرأس
(الصفحة 414)
منه ـ ليس لأجل استلزام العود للتدارك لزيادة الركوع وهي مبطلة مطلقاً، بل لأجل أنّ ذكر الركوع الذي يكون معتبراً في الصلاة إنّما يكون اعتباره فيها وجزئيته لها، إذا وقع في ضمن الركوع الذي هو موصوف بوصف الجزئية لها، ومع نسيانه لا يمكن تداركه بهذا النحو.
ضرورة أنّ الذكر المأتيّ به في ضمن الركوع الثاني لا يكون جزءاً للصلاة ومعتبراً فيها لعدم قابلية الركوع الثاني، لوقوعه جزءً لها بعد صحّة الركوع الأوّل بالصحّة التأهلية، لعدم اعتبار الذكر في حقيقة الركوع حتّى لا تتحقق بدونه، فالركوع بوجوده الأوّل صار متّصفاً بوصف الصحة التأهلية، ومع خلوّه عن الذكر نسياناً لا يمكن تداركه، لاستحالة تغيّر الشيء عمّا وقع عليه. وهكذا الكلام في الطمأنينة المنسية في الركوع، وكذا في الذكر والطمأنينة المنسيتين في السجود، والملاك في الجميع هو عدم إمكان تدارك المنسيّ بالكيفية المعتبرة في الصلاة.
ثمّ إنّه يتفرّع على الخلاف في معنى إمكان التدارك وعدمه، مسألة نسيان الركوع والتذكّر بعد تحقق السجدة الاُولى، فإن قلنا: بأنّ المناط في ذلك هو استلزام العود لتدارك الزيادة المبطلة، فاللاّزم صحّة الصلاة في مفروض المسألة ووجوب الرجوع للتدارك.
وإن قلنا بما عرفت إنّه مقتضى التحقيق، فاللاّزم ملاحظة حال السجود، وأنّ السجود المعتبر في الصلاة القابل لأن يقع جزءً منها ومتّصفاً بوصف الصحة التأهلية، هل هي طبيعة السجود ـ والترتيب بينه وبين الركوع لا يكون معتبراً فيه بل في أصل الصلاة ـ أو أنّ السجود الذي هو من أجزائها هو السجود الذي وقع عقيب الركوع ومترتّباً عليه؟
فعلى الأوّل: لا يكون التدارك ممكناً لوقوع السجود قابلاً للجزئيّة للصلاة صحيحاً فتبطل الصلاة من جهة خلوّها عن الركن.
(الصفحة 415)
وعلى الثاني: يمكن التدارك،لعدم تحقق السجود الذي هو جزء للصلاة بعد عدم ترتّبه على الركوع وعدم وقوعه عقيبه، فتصحّ الصلاة ويجب العود لتدارك الركوع.
وأمّا الكلام في الصحيحة من الحيثية الثانية فنقول:
إنّ هنا بعض ما تبطل الصلاة بالاخلال به مطلقاً عمداً أو سهواً، ولم يكن مذكوراً في الصحيحة في عداد الاُمور الخمسة المستثناة كتكبيرة الافتتاح .
لو نسي تكبيرة الإحرام
إنّ الإخلال بها عمداً أو سهواً يوجب البطلان والإعادة بلا خلاف(1)، بل ذكر المحقّق في المعتبر أنّه قول علماء الإسلام عدا الزهري والأوزاعي، فإنّهما أبطلا الصلاة بتركه عمداً لا سهواً، وقالا: لو نسيها أجزأه تكبيرة الركوع(2).
هذا، والروايات الواردة في هذا الباب مختلفة: فطائفة منها تدلّ على لزوم الإعادة مع الإخلال بها نسياناً، وطائفة أُخرى على عدم لزوم الإعادة وإن اختلفت مضامينها.
أمّا الطائفة الاُولى: فمثل صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح؟ قال: «يعيد»(3) .
وما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته فقال: «إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد، ولكن كيف يستيقن؟!»(4).
ورواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أقام الصلاة فنسي
- (1) المقنعة: 137; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 35; المراسم: 89 ; الكافي في الفقه: 119; المهذّب 1 : 153; السرائر 1 : 242; وحكاه عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة 2 : 371.
- (2) المعتبر 2: 151; المغني لابن قدامة 1 : 541; المجموع 3 : 291.
- (3) الكافي 3: 347 ح1; التهذيب 2: 143 ح557; الإستبصار 1: 351 ح1326; الوسائل 6: 12. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح1.
- (4) التهذيب 2: 143 ح558; الاستبصار 1: 351 ح1327; الوسائل6: 13. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح2 .
(الصفحة 416)
أن يكبّر حتّى افتتح الصلاة؟ قال: «يعيد الصلاة»(1).
ورواية ذريح بن محمّد المحاربي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينسى أن يكبّر حتّى قرأ؟ قال: «يكبر»(2) بناءً على أن يكون المراد بها أن يكبّر تكبيرة الافتتاح ثم يقرأ أيضاً.
ورواية عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتّى يركع؟ قال: «يعيد الصلاة»(3).
ورواية محمّد بن سهل عن الرضا(عليه السلام) قال: «الإمام يحمل أوهام من خلفه إلاّ تكبيرة الافتتاح»(4). ومن المعلوم عدم الفصل بين المأموم وغيره كما هو واضح.
وأمّا الطائفة الثانية:
فمنها: رواية عبيد الله بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة؟ فقال: أليس كان من نيته أن يكبّر؟ قلت: نعم، قال: «فليمض في صلاته»(5). بناءً على أن يكون المراد بالجواب كفاية مجرد نية التكبير وإجزاؤها عنه، ويحتمل أن يكون المراد به أنّه مع كون نيته التكبير لا يتركه بحسب العادة بعد كونه افتتاحاً للصلاة، فالنية تكون أمارة على تحقق الفعل، وحينئذ فلا تكون الرواية متعرّضة لحال الاستيقان بالترك بل لحال الشكّ، لعدم انفكاك النية عن الفعل عادة.
ويؤيّده قوله(عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم المتقدّمة: «ولكن كيف يستيقن؟!»،
- (1) التهذيب 2: 142 ح 556 ; الوسائل 6: 13. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح3.
- (2) التهذيب 2: 143 ح559 و561; الاستبصار1: 351 ح1328; الوسائل6: 13. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح4.
- (3) التهذيب 2 : 143 ح 560 ; الاستبصار 1: 351 ح1329; الوسائل 6: 13. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح5.
- (4) الفقيه 1: 264 ح1205; التهذيب3: 277 ح812 ; الوسائل 6: 14. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح6.
- (5) الفقيه 1 : 226 ح999; التهذيب 2: 144 ح565 ; الاستبصار 1: 352 ح1330 ; الوسائل 6: 15. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح9.