(الصفحة 433)
جالساً أو ركعة قائماً، وصيرورة الزائد نافلة، فإنّ مقتضاه أنّ الزائد يصير بذلك نافلة مع عدم كون افتتاحه بالتكبير، فيخالف الأدلة الدالة على أنّه لا تفتتح الصلاة إلاّ بالتكبير، وخصوصاً مع دلالة الرواية الأخيرة لمحمد بن مسلم على تمامية الصلاة مع كونها فاقدة للتشهد والتسليم.
وبالجملة: لا مجال لملاحظة روايتي محمد بن مسلم في مقابل الطائفة الاُولى لما عرفت، فيبقى في البين روايتا زرارة وجميل الدالّتان على الجلوس بقدر التشهد، والظاهر أيضاً عدم جواز الاعتماد عليهما.
ثمّ إنّ الجمع بينهما وبين الطائفة الاُولى ينعقد بأحد الوجهين المتقدمين، لأنّ الظاهر بحسب القواعد التي بأيدينا ـ المستفادة من النصوص والفتاوى ـ أنّ الجلوس بمقدار التشهد لا اعتبار به بعد عدم كونه واجباً أصلاً، وإنّما الواجب هو التشهد حال الجلوس. نعم قد عرفت أنّ ذلك يتمّ بناءً على ما ذهب إليه أبو حنيفة من كون الواجب في الركعة الرابعة هو الجلوس لا التشهد; وأمّا بناءً على ما هو المسلّم بين الإمامية من وجوب التشهد، والجلوس إنّما يجب تبعاً فلا يتمّ هذا أصلاً، وحينئذ فالتفصيل بين صورتي الزيادة بالجلوس الذي لا اعتبار به عندنا ممّا لا يساعده العقلاء.
ودعوى كون الجلوس بهذا المقدار يوجب الفصل بين الركعة الزائدة والصلاة المزيد عليها، فلا تكون الركعة الخامسة زائدة في الصلاة بل أمراً مستقلاًّ، ولذا ورد في روايتي محمد بن مسلم إضافة ركعة قائماً أو ركعتين جالساً إليها لتصير نافلة، فالمراد بهاتين الروايتين نفي كونها زيادة حينئذ.
مدفوعة، بأنّ الجلوس بهذا المقدار لا يوجب عند العرف الفصل، بحيث
(الصفحة 434)
خرجت الركعة الخامسة عن كونها زائدة، ولذا لو جلس سهواً بعد الركعة الاُولى مثلاً بهذا القدر لا يتحقق الفصل بحيث أوجب خروج الأجزاء اللاحقة عن قابلية اللحوق.
مضافاً إلى أنّ هذين الخبرين قد تحقّقت الشّهرة الفتوائية على خلافهما وقد قرّرنا في الاُصول أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة في الفتوى، وعلى تقدير كون المراد بها هي الشهرة في الرواية كما اختاره العلاّمة المحقّق الشيخ الأنصاري(قدس سره)(1)يكون الترجيح في المقام أيضاً مع الطائفة الاُولى، لأنّها مشهورة من حيث الفتوى والرواية معاً.
فانقدح أنّ مقتضى التحقيق هو القول بوجوب الإعادة فيما لو زاد ركعة سهواً مطلقاً، سواء جلس في الرابعة بقدر التشهّد أم لم يجلس ذلك القدر.
حكم زيادة غير الركعة
إعلم أنّه قد ورد النصوص على عدم بطلان الصلاة بزيادة غير الركوع والسجدتين، وأمّا زيادة الركوع أو السجدتين فلا يدلّ على بطلان الصلاة بها مثل حديث «لاتعاد»، لأنّه متضمّن لحكم النقيصة لا الزيادة، وكذا الأخبار المتقدّمة، كما أنّه لا يستفاد ذلك من الأدلة الدالة على اعتبار الأجزاء(2)، لأنّ مقتضى اعتبارها في الصلاة عدم تحقّقها بدونها، وعدم انطباقها على المأتيّ به الفاقد لشيء منها.
وأمّا زيادتها فلا تعاند تحقّقها ولا يوجب القدح فيها. نعم روايتا منصور بن حازم وعبيد بن زرارة المتقدّمتان(3) متضمّنتان لحكم الزيادة في الجملة. لأنّ
- (1) فرائد الاصول: 462 .
- (2) راجع الوسائل 5 : 459. أبواب أفعال الصلاة ب1.
- (3) الوسائل 6: 319 . أبواب الركوع ب14 ح2 و3.
(الصفحة 435)
مفادهما عدم وجوب إعادة الصلاة من قبل زيادة السجدة وإعادتها بسبب زيادة الركعة.
وحينئذ فلو كان المراد بالركعة الواردة فيهما الركعة المصطلحة، فلا تدلّ الروايتان إلاّ على عدم بطلان الصلاة من جهة زيادة السجدة، ولا دلالة فيهما على حكم زيادة غير السجدة من أجزاء الصلاة.
نعم، لو كان المراد بالركعة الركوع الواحد في مقابل السجدة الواحدة، لكان الخبران بمنطوقهما دالّين على حكم زيادة السجدة والركوع الواحد، وأنّ الاُولى لاتوجب الإعادة دون الثانية، وليس فيهما حينئذ تعرّض لحكم زيادة غيرهما من أجزاء الصلاة، ولكن الظاهر أنّ المتبادر من الركعة عند المتشرعة هي الركعة المصطلحة التي هي عبارة عن مجموع القراءة أو التسبيحات والركوع والسجود، كما يستفاد ذلك من النصوص التي ورد فيها هذا التعبير، مثل ما ورد في صلاة جعفر ابن أبي طالب(عليه السلام) من النصّ الدالّ على اشتمال كلّ ركعة منها على خمس وسبعين تسبيحة(1).
وبالجملة: فالظاهر أنّه كان المتبادر في الأزمنة المتقدّمة من الركعة ما هو المفهوم منها في هذا الزمان في عرف المتشرّعة; وحينئذ فلا يستفاد من الروايتين بطلان الصلاة بزيادة ركوع واحد، ومقابلة الركعة بالسجدة المشعرة بكون المراد منها هو الركوع الواحد، لا تقاوم هذا الظهور كما هو غير خفي.
وأمّا زيادة السجدتين ، فإستفادة حكمها من الروايتين مبنيّة على ثبوت المفهوم لكلمة السجدة باعتبار دلالتها على الوحدة، وثبوته متفرّع على أن يكون ذلك راجعاً إلى قيد زائد كما عرفت، مع أنّه يمكن منعه نظراً إلى أنّه يمكن أن يكون ذلك لمكان كون المورد هو زيادة السجدة الواحدة، لا لمدخليّة قيد الوحدة في
- (1) الكافي 3: 465 ح1; الوسائل 8 : 49. أبواب صلاة جعفر بن ابي طالب ب1 ح1.
(الصفحة 436)
الحكم بعدم وجوب الإعادة.
ويدلّ على ذلك أنّه لو كان له مدخلية لكان اللاّزم الالتزام بذلك في كلمة الركعة المقابلة لها، مع أنّه لا مدخل للقيد في الأثر المترتّب عليها وهو وجوب الإعادة على التقديرين ، سواء كان المراد بها الركوع الواحد أو الركعة الواحدة، ضرورة أنّ زيادة الركوع وكذا الركعة تبطل الصلاة واحداً كان أو كثيراً، ولا يكون الحكم منحصراً بصورة الوحدة.
فالروايتان لا تدلان إلاّ على عدم إبطال زيادة سجدة واحدة وإبطال زيادة الركعة بالمعنى المعهود عند المتشرّعة ، وأمّا زيادة الركوع وكذا السجدتين فلا يستفاد حكمهما منها. نعم الظاهر استقرار الفتاوى قديماً وحديثاً على بطلانها بها، ولم يخالف في ذلك إلاّ نادر، وقد نقل دعوى الاجماع من غير واحد من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين.
وبالجملة: فلا إشكال في تحقق الشهرة العظيمة على ذلك(1)، وحينئذ فلابدّ من ملاحظة أنّ مستند المشهور هل هذه الروايات، أو نصوص اُخر لم تصل إلينا، فعلى الأول لا اعتبار بها بعد عدم صلاحية المستند كما عرفت، وعلى الثاني لابدّ من الاعتماد عليها لكشفها عن وجود نصّ معتبر على ذلك.
ولا يذهب عليك أنّ فوات محلّ التشهّد المنسيّ، وكذا السجدة الواحدة المنسية بالدخول في ركوع الركعة التالية ووجوب قضائهما بعد الصلاة لا يدلّ على أنّ ذلك، إنّما هو من أجل استلزام العود للتدارك لزيادة الركوع، فلابدّ من أن تكون مبطلة، وإلاّ فلا محذور فيها، لما عرفت من أنّه يمكن أن يكون الوجه فيه هو أنّ
- (1) الوسيلة : 101; المبسوط 1 : 121; المعتبر 2: 38; شرائع الإسلام 1: 104; نهاية الاحكام 1: 529; الدروس 1: 200; مسالك الافهام 1: 286; مدارك الأحكام 4: 223; مستند الشيعة 7: 123; جواهر الكلام 12: 250; الحدائق 9: 113; ذخيرة المعاد: 353.
(الصفحة 437)
اعتبارهما في الصلاة على نحو يفوت محلّهما بالدخول في ركوع الركعة اللاّحقة، كما مرّ في بيان ملاك إمكان التدارك وعدمه ; فراجع.
ثمّ إنّه لو قلنا بكون زيادة الركوع وكذا السجدتين يوجب البطلان، إمّا للإجماع وإمّا لدلالة الروايتين(1)، فلا إشكال في تحققها فيما إذا كانت الزيادة من أوّل وجودها متّصفة بهذا الوصف، كما إذا سجد سجدتين واجدتين لجميع الشرائط، ثمّ زاد عليهما سجدتين اُخريين كذلك، فهما أي السجدتان الأخيرتان من أوّل وجودهما موصوفتان بوصف الزيادة، لوقوع ما قبلهما من السجدتين جزءً للصلاة موصوفاً بوصف الصحة التأهلية، والقابلية للحوق باقي الأجزاء اليه.
وأمّا لو لم تكن كذلك بأن لم تكن من أوّل وجودها كذلك، كما إذا سجد سجدتين غير واجدتين لجميع الشرائط ثمّ أضاف إليهما سجدتين اُخريين واجدتين لجميعها، فإنّ الأوّلتين من أوّل وجودهما لم تكونا معروضتين لوصف الزيادة ، لعدم الإتيان بالسجدة الصحيحة بعد، وإنّما تتّصفان بها بعد إيجاد السجدة الصحيحة القابلة للوقوع جزءً من الصلاة، فالظاهر عدم كونها مبطلة، لأنّ الاجماع لا يشملها والروايتان ظاهرتان في خصوص الصورة الاُولى كما هو ظاهر.
ويتفرّع على ما ذكر صحّة الصلاة فيما لو نسي الركوع، وتذكّر بعد الإتيان بالسجدتين، ووجوب الرجوع لتدارك الركوع لو قلنا باعتبار الترتيب في الصحة التأهلية للأجزاء لا في أصل الصلاة، لأنّ المفروض أنّ السجدتين اللّتين أتى بهما كانتا فاقدتين للترتيب المعتبر في قابلية وقوعهما جزءً للصلاة، فلا يلزم من الرجوع لتدارك الركوع ثمّ الإتيان بالسجدتين زيادة مبطلة.
لأنّ اتّصاف الأوليين بوصف الزيادة لم يكن من أوّل وجودهما وقد عرفت أنّه
- (1) وهما روايتا منصور بن حازم وعبيد بن زرارة; الوسائل 6: 319. أبواب الركوع ب14 ح2 و3.