(الصفحة 435)
مفادهما عدم وجوب إعادة الصلاة من قبل زيادة السجدة وإعادتها بسبب زيادة الركعة.
وحينئذ فلو كان المراد بالركعة الواردة فيهما الركعة المصطلحة، فلا تدلّ الروايتان إلاّ على عدم بطلان الصلاة من جهة زيادة السجدة، ولا دلالة فيهما على حكم زيادة غير السجدة من أجزاء الصلاة.
نعم، لو كان المراد بالركعة الركوع الواحد في مقابل السجدة الواحدة، لكان الخبران بمنطوقهما دالّين على حكم زيادة السجدة والركوع الواحد، وأنّ الاُولى لاتوجب الإعادة دون الثانية، وليس فيهما حينئذ تعرّض لحكم زيادة غيرهما من أجزاء الصلاة، ولكن الظاهر أنّ المتبادر من الركعة عند المتشرعة هي الركعة المصطلحة التي هي عبارة عن مجموع القراءة أو التسبيحات والركوع والسجود، كما يستفاد ذلك من النصوص التي ورد فيها هذا التعبير، مثل ما ورد في صلاة جعفر ابن أبي طالب(عليه السلام) من النصّ الدالّ على اشتمال كلّ ركعة منها على خمس وسبعين تسبيحة(1).
وبالجملة: فالظاهر أنّه كان المتبادر في الأزمنة المتقدّمة من الركعة ما هو المفهوم منها في هذا الزمان في عرف المتشرّعة; وحينئذ فلا يستفاد من الروايتين بطلان الصلاة بزيادة ركوع واحد، ومقابلة الركعة بالسجدة المشعرة بكون المراد منها هو الركوع الواحد، لا تقاوم هذا الظهور كما هو غير خفي.
وأمّا زيادة السجدتين ، فإستفادة حكمها من الروايتين مبنيّة على ثبوت المفهوم لكلمة السجدة باعتبار دلالتها على الوحدة، وثبوته متفرّع على أن يكون ذلك راجعاً إلى قيد زائد كما عرفت، مع أنّه يمكن منعه نظراً إلى أنّه يمكن أن يكون ذلك لمكان كون المورد هو زيادة السجدة الواحدة، لا لمدخليّة قيد الوحدة في
- (1) الكافي 3: 465 ح1; الوسائل 8 : 49. أبواب صلاة جعفر بن ابي طالب ب1 ح1.
(الصفحة 436)
الحكم بعدم وجوب الإعادة.
ويدلّ على ذلك أنّه لو كان له مدخلية لكان اللاّزم الالتزام بذلك في كلمة الركعة المقابلة لها، مع أنّه لا مدخل للقيد في الأثر المترتّب عليها وهو وجوب الإعادة على التقديرين ، سواء كان المراد بها الركوع الواحد أو الركعة الواحدة، ضرورة أنّ زيادة الركوع وكذا الركعة تبطل الصلاة واحداً كان أو كثيراً، ولا يكون الحكم منحصراً بصورة الوحدة.
فالروايتان لا تدلان إلاّ على عدم إبطال زيادة سجدة واحدة وإبطال زيادة الركعة بالمعنى المعهود عند المتشرّعة ، وأمّا زيادة الركوع وكذا السجدتين فلا يستفاد حكمهما منها. نعم الظاهر استقرار الفتاوى قديماً وحديثاً على بطلانها بها، ولم يخالف في ذلك إلاّ نادر، وقد نقل دعوى الاجماع من غير واحد من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين.
وبالجملة: فلا إشكال في تحقق الشهرة العظيمة على ذلك(1)، وحينئذ فلابدّ من ملاحظة أنّ مستند المشهور هل هذه الروايات، أو نصوص اُخر لم تصل إلينا، فعلى الأول لا اعتبار بها بعد عدم صلاحية المستند كما عرفت، وعلى الثاني لابدّ من الاعتماد عليها لكشفها عن وجود نصّ معتبر على ذلك.
ولا يذهب عليك أنّ فوات محلّ التشهّد المنسيّ، وكذا السجدة الواحدة المنسية بالدخول في ركوع الركعة التالية ووجوب قضائهما بعد الصلاة لا يدلّ على أنّ ذلك، إنّما هو من أجل استلزام العود للتدارك لزيادة الركوع، فلابدّ من أن تكون مبطلة، وإلاّ فلا محذور فيها، لما عرفت من أنّه يمكن أن يكون الوجه فيه هو أنّ
- (1) الوسيلة : 101; المبسوط 1 : 121; المعتبر 2: 38; شرائع الإسلام 1: 104; نهاية الاحكام 1: 529; الدروس 1: 200; مسالك الافهام 1: 286; مدارك الأحكام 4: 223; مستند الشيعة 7: 123; جواهر الكلام 12: 250; الحدائق 9: 113; ذخيرة المعاد: 353.
(الصفحة 437)
اعتبارهما في الصلاة على نحو يفوت محلّهما بالدخول في ركوع الركعة اللاّحقة، كما مرّ في بيان ملاك إمكان التدارك وعدمه ; فراجع.
ثمّ إنّه لو قلنا بكون زيادة الركوع وكذا السجدتين يوجب البطلان، إمّا للإجماع وإمّا لدلالة الروايتين(1)، فلا إشكال في تحققها فيما إذا كانت الزيادة من أوّل وجودها متّصفة بهذا الوصف، كما إذا سجد سجدتين واجدتين لجميع الشرائط، ثمّ زاد عليهما سجدتين اُخريين كذلك، فهما أي السجدتان الأخيرتان من أوّل وجودهما موصوفتان بوصف الزيادة، لوقوع ما قبلهما من السجدتين جزءً للصلاة موصوفاً بوصف الصحة التأهلية، والقابلية للحوق باقي الأجزاء اليه.
وأمّا لو لم تكن كذلك بأن لم تكن من أوّل وجودها كذلك، كما إذا سجد سجدتين غير واجدتين لجميع الشرائط ثمّ أضاف إليهما سجدتين اُخريين واجدتين لجميعها، فإنّ الأوّلتين من أوّل وجودهما لم تكونا معروضتين لوصف الزيادة ، لعدم الإتيان بالسجدة الصحيحة بعد، وإنّما تتّصفان بها بعد إيجاد السجدة الصحيحة القابلة للوقوع جزءً من الصلاة، فالظاهر عدم كونها مبطلة، لأنّ الاجماع لا يشملها والروايتان ظاهرتان في خصوص الصورة الاُولى كما هو ظاهر.
ويتفرّع على ما ذكر صحّة الصلاة فيما لو نسي الركوع، وتذكّر بعد الإتيان بالسجدتين، ووجوب الرجوع لتدارك الركوع لو قلنا باعتبار الترتيب في الصحة التأهلية للأجزاء لا في أصل الصلاة، لأنّ المفروض أنّ السجدتين اللّتين أتى بهما كانتا فاقدتين للترتيب المعتبر في قابلية وقوعهما جزءً للصلاة، فلا يلزم من الرجوع لتدارك الركوع ثمّ الإتيان بالسجدتين زيادة مبطلة.
لأنّ اتّصاف الأوليين بوصف الزيادة لم يكن من أوّل وجودهما وقد عرفت أنّه
- (1) وهما روايتا منصور بن حازم وعبيد بن زرارة; الوسائل 6: 319. أبواب الركوع ب14 ح2 و3.
(الصفحة 438)
لا دليل على مبطلية هذا القسم من الزيادة.
فمقتضى القاعدة بناءً على ذلك صحّة الصلاة ووجوب العود للتدارك ، ويوافقها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) في رجل شكّ بعدما سجد أنّه لم يركع قال: «فإن استيقن فليلق السجدتين اللّتين لا ركعة لهما، فيبني على صلاته على التمام وإن كان لم يستيقن إلاّ بعدما فرغ وانصرف فليقم فليصلِّ ركعة وسجدتين ولا شيء عليه». ورواه الصدوق في الفقيه هكذا: في رجل شكّ بعدما سجد أنّه لم يركع فقال: «يمضي في صلاته حتى يستيقن أنّه لم يركع، فإن استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين...»(1).
ويعارضها بحسب الظاهر رواية رفاعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن رجل ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال: «يستقبل»(2).
ورواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم(عليه السلام) عن رجل ينسى أن يركع؟ قال: «يستقبل حتّى يضع كلّ شيء من ذلك موضعه»(3).
ورواية صفوان عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع إستأنف الصلاة». وروى صفوان عن منصور، عن أبي بصير مثله(4).
والظاهر أنّ في الطريق الأوّل إرسالاً ، لأنّ أبا بصير من الطبقة الرابعة من
- (1) التهذيب 2: 149ح 85 5; الاستبصار 1: 356 ح1348; الفقيه 1 : 228 ح1006; السرائر 3: 592; الوسائل 6: 314. أبواب الركوع ب11 ح2.
- (2) الكافي 3: 348 ح2; التهذيب 2: 148 ح581 ; الاستبصار 1: 355 ح1344 و1345; الوسائل 6: 312. أبواب الركوع ب10 ح1.
- (3) التهذيب 2: 149 ح583 ; الاستبصار 1: 356 ح 1347 ; الوسائل 6: 313. أبواب الركوع ب10 ح2.
- (4) التهذيب 2 : 148 و 149 ح580 و 587 ; الاستبصار 1 : 355 و 356 ح1343 و 1349; الوسائل 6: 313. أبواب الركوع ب10 ح3.
(الصفحة 439)
الطبقات الرجالية التي رتبناها، وصفوان من الطبقة السادسة ولا يمكن له النقل عنه من دون واسطة.
ويمكن أن يقال في مقام الجمع: بأنّ المراد بقوله(عليه السلام) في رواية رفاعة: «يستقبل»، هو الرجوع للتدارك ثم الإتمام، لا الاستئناف والإتيان بها من رأس حتى تعارض الصحيحة. وأمّا قوله(عليه السلام) في رواية إسحاق بن عمّار: «يستقبل»، فهو وإن كان ظاهراً في الاستئناف باعتبار التعليل بقوله: «حتى يضع كلّ شيء من ذلك موضعه»، إلاّ أنّ موردها هو ما إذا نسي الركوع ، ومن المعلوم بمقتضى الصحيحة أنّ نسيان الركوع بحيث فات محلّ تداركه لا يتحقق بمجرّد الإتيان بالسجدتين; فالصحيحة واردة عليها.
نعم، يبقى في البين رواية أبي بصير، فإنّها ظاهرة في وجوب الاستئناف، ويمكن أن يقال: بأنّ الظاهر من قوله(عليه السلام) : «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة» هو ما إذا أيقن الرجل ذلك بعد الفراغ من الصلاة لأنّ هذا النحو من التعبير إنّما يلائم بعد الفراغ كما لا يخفى.
وحينئذ فقوله: «وقد سجد سجدتين وترك الركوع» يحتمل أن يكون المراد به هو الإتيان بالسجدتين من الركعة التي أيقن أنّه تركها، فترك الركعة حينئذ إنّما تحقق بترك ركوعها فقط، ويحتمل أن يكون المراد به هو الإتيان بالسجدتين وترك الركوع من ركعة اُخرى غير الركعة التي أيقن أنّه تركها، والظاهر هو الإحتمال الأوّل.
وعليه فحاصل مورد الرواية يرجع إلى ترك الركوع من ركعة واحدة مع كون العلم بذلك بعد الفراغ من الصلاة ، فيتّحد مع ما وقع التعرّض له في ذيل صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة بقوله(عليه السلام) : «وإن كان لم يستيقن إلاّ بعدما فرغ وانصرف...»، ولكنّ الظاهر من الصحيحة هي صورة عدم الإتيان بشيء من المنافيات، فلابدّ من