(الصفحة 437)
اعتبارهما في الصلاة على نحو يفوت محلّهما بالدخول في ركوع الركعة اللاّحقة، كما مرّ في بيان ملاك إمكان التدارك وعدمه ; فراجع.
ثمّ إنّه لو قلنا بكون زيادة الركوع وكذا السجدتين يوجب البطلان، إمّا للإجماع وإمّا لدلالة الروايتين(1)، فلا إشكال في تحققها فيما إذا كانت الزيادة من أوّل وجودها متّصفة بهذا الوصف، كما إذا سجد سجدتين واجدتين لجميع الشرائط، ثمّ زاد عليهما سجدتين اُخريين كذلك، فهما أي السجدتان الأخيرتان من أوّل وجودهما موصوفتان بوصف الزيادة، لوقوع ما قبلهما من السجدتين جزءً للصلاة موصوفاً بوصف الصحة التأهلية، والقابلية للحوق باقي الأجزاء اليه.
وأمّا لو لم تكن كذلك بأن لم تكن من أوّل وجودها كذلك، كما إذا سجد سجدتين غير واجدتين لجميع الشرائط ثمّ أضاف إليهما سجدتين اُخريين واجدتين لجميعها، فإنّ الأوّلتين من أوّل وجودهما لم تكونا معروضتين لوصف الزيادة ، لعدم الإتيان بالسجدة الصحيحة بعد، وإنّما تتّصفان بها بعد إيجاد السجدة الصحيحة القابلة للوقوع جزءً من الصلاة، فالظاهر عدم كونها مبطلة، لأنّ الاجماع لا يشملها والروايتان ظاهرتان في خصوص الصورة الاُولى كما هو ظاهر.
ويتفرّع على ما ذكر صحّة الصلاة فيما لو نسي الركوع، وتذكّر بعد الإتيان بالسجدتين، ووجوب الرجوع لتدارك الركوع لو قلنا باعتبار الترتيب في الصحة التأهلية للأجزاء لا في أصل الصلاة، لأنّ المفروض أنّ السجدتين اللّتين أتى بهما كانتا فاقدتين للترتيب المعتبر في قابلية وقوعهما جزءً للصلاة، فلا يلزم من الرجوع لتدارك الركوع ثمّ الإتيان بالسجدتين زيادة مبطلة.
لأنّ اتّصاف الأوليين بوصف الزيادة لم يكن من أوّل وجودهما وقد عرفت أنّه
- (1) وهما روايتا منصور بن حازم وعبيد بن زرارة; الوسائل 6: 319. أبواب الركوع ب14 ح2 و3.
(الصفحة 438)
لا دليل على مبطلية هذا القسم من الزيادة.
فمقتضى القاعدة بناءً على ذلك صحّة الصلاة ووجوب العود للتدارك ، ويوافقها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) في رجل شكّ بعدما سجد أنّه لم يركع قال: «فإن استيقن فليلق السجدتين اللّتين لا ركعة لهما، فيبني على صلاته على التمام وإن كان لم يستيقن إلاّ بعدما فرغ وانصرف فليقم فليصلِّ ركعة وسجدتين ولا شيء عليه». ورواه الصدوق في الفقيه هكذا: في رجل شكّ بعدما سجد أنّه لم يركع فقال: «يمضي في صلاته حتى يستيقن أنّه لم يركع، فإن استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين...»(1).
ويعارضها بحسب الظاهر رواية رفاعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن رجل ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال: «يستقبل»(2).
ورواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم(عليه السلام) عن رجل ينسى أن يركع؟ قال: «يستقبل حتّى يضع كلّ شيء من ذلك موضعه»(3).
ورواية صفوان عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع إستأنف الصلاة». وروى صفوان عن منصور، عن أبي بصير مثله(4).
والظاهر أنّ في الطريق الأوّل إرسالاً ، لأنّ أبا بصير من الطبقة الرابعة من
- (1) التهذيب 2: 149ح 85 5; الاستبصار 1: 356 ح1348; الفقيه 1 : 228 ح1006; السرائر 3: 592; الوسائل 6: 314. أبواب الركوع ب11 ح2.
- (2) الكافي 3: 348 ح2; التهذيب 2: 148 ح581 ; الاستبصار 1: 355 ح1344 و1345; الوسائل 6: 312. أبواب الركوع ب10 ح1.
- (3) التهذيب 2: 149 ح583 ; الاستبصار 1: 356 ح 1347 ; الوسائل 6: 313. أبواب الركوع ب10 ح2.
- (4) التهذيب 2 : 148 و 149 ح580 و 587 ; الاستبصار 1 : 355 و 356 ح1343 و 1349; الوسائل 6: 313. أبواب الركوع ب10 ح3.
(الصفحة 439)
الطبقات الرجالية التي رتبناها، وصفوان من الطبقة السادسة ولا يمكن له النقل عنه من دون واسطة.
ويمكن أن يقال في مقام الجمع: بأنّ المراد بقوله(عليه السلام) في رواية رفاعة: «يستقبل»، هو الرجوع للتدارك ثم الإتمام، لا الاستئناف والإتيان بها من رأس حتى تعارض الصحيحة. وأمّا قوله(عليه السلام) في رواية إسحاق بن عمّار: «يستقبل»، فهو وإن كان ظاهراً في الاستئناف باعتبار التعليل بقوله: «حتى يضع كلّ شيء من ذلك موضعه»، إلاّ أنّ موردها هو ما إذا نسي الركوع ، ومن المعلوم بمقتضى الصحيحة أنّ نسيان الركوع بحيث فات محلّ تداركه لا يتحقق بمجرّد الإتيان بالسجدتين; فالصحيحة واردة عليها.
نعم، يبقى في البين رواية أبي بصير، فإنّها ظاهرة في وجوب الاستئناف، ويمكن أن يقال: بأنّ الظاهر من قوله(عليه السلام) : «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة» هو ما إذا أيقن الرجل ذلك بعد الفراغ من الصلاة لأنّ هذا النحو من التعبير إنّما يلائم بعد الفراغ كما لا يخفى.
وحينئذ فقوله: «وقد سجد سجدتين وترك الركوع» يحتمل أن يكون المراد به هو الإتيان بالسجدتين من الركعة التي أيقن أنّه تركها، فترك الركعة حينئذ إنّما تحقق بترك ركوعها فقط، ويحتمل أن يكون المراد به هو الإتيان بالسجدتين وترك الركوع من ركعة اُخرى غير الركعة التي أيقن أنّه تركها، والظاهر هو الإحتمال الأوّل.
وعليه فحاصل مورد الرواية يرجع إلى ترك الركوع من ركعة واحدة مع كون العلم بذلك بعد الفراغ من الصلاة ، فيتّحد مع ما وقع التعرّض له في ذيل صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة بقوله(عليه السلام) : «وإن كان لم يستيقن إلاّ بعدما فرغ وانصرف...»، ولكنّ الظاهر من الصحيحة هي صورة عدم الإتيان بشيء من المنافيات، فلابدّ من
(الصفحة 440)
أن يكون المراد من رواية أبي بصير هي صورة الإتيان بالمنافي المانع من ضمّ ركعة وسجدتين فتدبّر.
وبالجملة: فمقتضى الجمع بين الروايات المختلفة الواردة في هذا الباب هو الأخذ بظاهر الصحيحة والحكم بعدم بطلان الصلاة فيما إذا نسي الركوع وتذكّر بعد السجدتين، كما عرفت أنّه مقتضى القاعدة أيضاً; لكن حيث إنّ الصحيحة ساقطة عن الاعتبار لإعراض الأصحاب عنها، فلا تصلح أن تعارض لسائر الأخبار، فلابدّ من طرحها والأخذ بغيرها ممّا يدلّ على وجوب الاستئناف، أو الاستقبال الظاهر في حدّ ذاته في الاستئناف.
ثمّ إنّ الشيخ أبا جعفر الطوسي(قدس سره) ذهب في كتبه إلى التفصيل بين ما لو أخلّ بالركوع في الأوّلتين مطلقاً أو به في ثالثة المغرب فتبطل صلاته، وبين ما لوكان في الأخيرتين من الرباعية وترك الركوع ناسياً وسجد السجدتين أو واحدة منهما، فإنّه يسقط السجدة ويقوم ويركع ويتمّ(1).
والظاهر أنّ مستنده في ذلك هو الجمع بين صحيحة محمد بن مسلم وغيرها من الأخبار الواردة في هذا الباب، وبين ما دلّ على عدم تحمّل الركعتين الأوّلتين من الرباعية للسهو، بخلاف الأخيرتين.
وبالجملة: فيظهر منه أنّه اعتمد على الصحيحة وجمع بينها وبين غيرها من الأخبار الاُخر بالنحو الذي اختاره.
تتميم: حول حقيقة الركوع وزيادته
قد عرفت أنّ زيادة الركوع سهواً قد دلّت الشهرة العظيمة بل الإجماع على
- (1) المبسوط 1: 109; التهذيب 2: 149; الاستبصار 1: 356.
(الصفحة 441)
مبطليّتها، وإن كانت استفادتها من النصوص لا تخلو عن النظر بل المنع.
فاعلم أنّ موردها ما إذا تذكّر ذلك بعد رفع الرأس من الركوع الزائد، كما إذا شكّ في الركوع فركع ثمّ ذكر بعد رفع الرأس منه أنّه كان قد ركع، وأمّا إذا تذكّر في الركوع قبل أن يرفع رأسه منه، فالمحكيّ عن جماعة من قدماء الأصحاب رضوان الله عليهم، كالشيخ، والكليني، وعلم الهدى، وابن إدريس، أنّهم قالوا: يرسل نفسه(1).
بل حكي عن الغنية دعوى الاجماع عليه(2)، وقوّاه الشهيد في محكيّ الذكرى. قال: وهو قوي لأنّ ذلك وإن كان بصورة الركوع ومنويّاً به الركوع إلاّ انّه في الحقيقة ليس بركوع لتبيّن خلافه، والهوي إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب، فيتأدّى الهوي إلى السجود به فلا تتحقق الزيادة حينئذ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع، فإنّ الزيادة حينئذ متحققة، لافتقاره إلى هويّ إلى السجود(3). انتهى .
وحكي عن المدارك أنّه بعد نقل عبارة الذكرى، قال: ولا يخفى ضعف هذا التوجيه، نعم يمكن توجيهه بأنّ هذه الزيادة لم تقتض تغييراً لهيئة الصلاة ولا خروجاً من الترتيب الموظّف، فلا تكون مبطلة وإن تحقق مسمى الركوع، لانتفاء ما يدلّ على بطلان الصلاة بزيادته على هذا الوجه من نصّ أو إجماع(4)، انتهى.
وكيف كان، ففي المسألة وجهان: من أنّ حقيقة الركوع التي هي عبارة عن
- (1) المبسوط 1: 122. جمل العمل والعمل (رسائل المرتضى) 3: 35; الكافي3: 360; السرائر 1: 251; مدارك الاحكام4 : 223.
- (2) الغنية : 113 .
- (3) الذكرى 4 : 51 .
- (4) مدارك الاحكام4: 224.