(الصفحة 439)
الطبقات الرجالية التي رتبناها، وصفوان من الطبقة السادسة ولا يمكن له النقل عنه من دون واسطة.
ويمكن أن يقال في مقام الجمع: بأنّ المراد بقوله(عليه السلام) في رواية رفاعة: «يستقبل»، هو الرجوع للتدارك ثم الإتمام، لا الاستئناف والإتيان بها من رأس حتى تعارض الصحيحة. وأمّا قوله(عليه السلام) في رواية إسحاق بن عمّار: «يستقبل»، فهو وإن كان ظاهراً في الاستئناف باعتبار التعليل بقوله: «حتى يضع كلّ شيء من ذلك موضعه»، إلاّ أنّ موردها هو ما إذا نسي الركوع ، ومن المعلوم بمقتضى الصحيحة أنّ نسيان الركوع بحيث فات محلّ تداركه لا يتحقق بمجرّد الإتيان بالسجدتين; فالصحيحة واردة عليها.
نعم، يبقى في البين رواية أبي بصير، فإنّها ظاهرة في وجوب الاستئناف، ويمكن أن يقال: بأنّ الظاهر من قوله(عليه السلام) : «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة» هو ما إذا أيقن الرجل ذلك بعد الفراغ من الصلاة لأنّ هذا النحو من التعبير إنّما يلائم بعد الفراغ كما لا يخفى.
وحينئذ فقوله: «وقد سجد سجدتين وترك الركوع» يحتمل أن يكون المراد به هو الإتيان بالسجدتين من الركعة التي أيقن أنّه تركها، فترك الركعة حينئذ إنّما تحقق بترك ركوعها فقط، ويحتمل أن يكون المراد به هو الإتيان بالسجدتين وترك الركوع من ركعة اُخرى غير الركعة التي أيقن أنّه تركها، والظاهر هو الإحتمال الأوّل.
وعليه فحاصل مورد الرواية يرجع إلى ترك الركوع من ركعة واحدة مع كون العلم بذلك بعد الفراغ من الصلاة ، فيتّحد مع ما وقع التعرّض له في ذيل صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة بقوله(عليه السلام) : «وإن كان لم يستيقن إلاّ بعدما فرغ وانصرف...»، ولكنّ الظاهر من الصحيحة هي صورة عدم الإتيان بشيء من المنافيات، فلابدّ من
(الصفحة 440)
أن يكون المراد من رواية أبي بصير هي صورة الإتيان بالمنافي المانع من ضمّ ركعة وسجدتين فتدبّر.
وبالجملة: فمقتضى الجمع بين الروايات المختلفة الواردة في هذا الباب هو الأخذ بظاهر الصحيحة والحكم بعدم بطلان الصلاة فيما إذا نسي الركوع وتذكّر بعد السجدتين، كما عرفت أنّه مقتضى القاعدة أيضاً; لكن حيث إنّ الصحيحة ساقطة عن الاعتبار لإعراض الأصحاب عنها، فلا تصلح أن تعارض لسائر الأخبار، فلابدّ من طرحها والأخذ بغيرها ممّا يدلّ على وجوب الاستئناف، أو الاستقبال الظاهر في حدّ ذاته في الاستئناف.
ثمّ إنّ الشيخ أبا جعفر الطوسي(قدس سره) ذهب في كتبه إلى التفصيل بين ما لو أخلّ بالركوع في الأوّلتين مطلقاً أو به في ثالثة المغرب فتبطل صلاته، وبين ما لوكان في الأخيرتين من الرباعية وترك الركوع ناسياً وسجد السجدتين أو واحدة منهما، فإنّه يسقط السجدة ويقوم ويركع ويتمّ(1).
والظاهر أنّ مستنده في ذلك هو الجمع بين صحيحة محمد بن مسلم وغيرها من الأخبار الواردة في هذا الباب، وبين ما دلّ على عدم تحمّل الركعتين الأوّلتين من الرباعية للسهو، بخلاف الأخيرتين.
وبالجملة: فيظهر منه أنّه اعتمد على الصحيحة وجمع بينها وبين غيرها من الأخبار الاُخر بالنحو الذي اختاره.
تتميم: حول حقيقة الركوع وزيادته
قد عرفت أنّ زيادة الركوع سهواً قد دلّت الشهرة العظيمة بل الإجماع على
- (1) المبسوط 1: 109; التهذيب 2: 149; الاستبصار 1: 356.
(الصفحة 441)
مبطليّتها، وإن كانت استفادتها من النصوص لا تخلو عن النظر بل المنع.
فاعلم أنّ موردها ما إذا تذكّر ذلك بعد رفع الرأس من الركوع الزائد، كما إذا شكّ في الركوع فركع ثمّ ذكر بعد رفع الرأس منه أنّه كان قد ركع، وأمّا إذا تذكّر في الركوع قبل أن يرفع رأسه منه، فالمحكيّ عن جماعة من قدماء الأصحاب رضوان الله عليهم، كالشيخ، والكليني، وعلم الهدى، وابن إدريس، أنّهم قالوا: يرسل نفسه(1).
بل حكي عن الغنية دعوى الاجماع عليه(2)، وقوّاه الشهيد في محكيّ الذكرى. قال: وهو قوي لأنّ ذلك وإن كان بصورة الركوع ومنويّاً به الركوع إلاّ انّه في الحقيقة ليس بركوع لتبيّن خلافه، والهوي إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب، فيتأدّى الهوي إلى السجود به فلا تتحقق الزيادة حينئذ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع، فإنّ الزيادة حينئذ متحققة، لافتقاره إلى هويّ إلى السجود(3). انتهى .
وحكي عن المدارك أنّه بعد نقل عبارة الذكرى، قال: ولا يخفى ضعف هذا التوجيه، نعم يمكن توجيهه بأنّ هذه الزيادة لم تقتض تغييراً لهيئة الصلاة ولا خروجاً من الترتيب الموظّف، فلا تكون مبطلة وإن تحقق مسمى الركوع، لانتفاء ما يدلّ على بطلان الصلاة بزيادته على هذا الوجه من نصّ أو إجماع(4)، انتهى.
وكيف كان، ففي المسألة وجهان: من أنّ حقيقة الركوع التي هي عبارة عن
- (1) المبسوط 1: 122. جمل العمل والعمل (رسائل المرتضى) 3: 35; الكافي3: 360; السرائر 1: 251; مدارك الاحكام4 : 223.
- (2) الغنية : 113 .
- (3) الذكرى 4 : 51 .
- (4) مدارك الاحكام4: 224.
(الصفحة 442)
الإنحناء إلى حدّ مخصوص قد تحققت بمجرد الوصول إلى ذلك الحدّ، والمفروض أيضاً تحقق القصد المعتبر في انصراف صورة الركوع المشتركة بين الركوع الصلاتي وغيره.
وبالجملة: فلا فرق بين هذا الركوع والركوع الأوّل إلاّ في مجرّد عدم إمكان كونه جزءً للصلاة، وهذا المعنى موجود في كلّ زيادة، ومن أنّه حيث يكون الهوي إلى السجود واجباً ومقدّمة للسجود، وهو يشتمل على هذا الانحناء الذي به يتحقق الركوع، خصوصاً فيما لو تذكر بمجرد وصوله إلى حدّ الراكع قبل أن تتحقق الطمأنينة المعتبرة فيه الراجعة إلى لزوم البقاء على حاله بقدر الذكر الواجب، فلم يتحقق منه فعل زائد، ومجرّد القصد لا يضرّ بعد كون الهوي إلى السجود من مقدّمات أفعال الصلاة، ولا يحتاج إلى القصد.
وبالجملة: فلم يتحقق هنا شيء زائد على أفعال الصلاة، ولا دليل على كون مجرّد القصد خصوصاً بعد انكشاف الخلاف مضرّاً، مضافاً إلى ما أفاده في المدارك في عبارته المتقدّمة من عدم الدليل على بطلان الصلاة بمثل هذه الزيادة، لأنّ العمدة كما عرفت في مستند مبطلية زيادة الركوع هو الإجماع، وهو لا يشمل مثل المقام خصوصاً مع دعوى الإجماع على خلافه كما عرفت من الغنية.
ولا يخفى ضعف هذا الوجه ، لأنّ ذلك لو لم يكن موجباً لزيادة الركوع لكان اللاّزم عدم تحققها فيما لو رفع الرأس منه أيضاً، ضرورة أنّ رفع الرأس لا مدخلية له في تحقق الركوع، بل إنّما هو أمر قد يتحقق متأخّراً عن الركوع.
وبالجملة: الركوع ليس إلاّ عبارة عن مجرّد الانحناء إلى الحدّ المعتبر فيه شرعاً، ورفع الرأس منه وعدمه خارجان عن حقيقته، فإذا سلّم تحقق الزيادة فيما لو رفع الرأس منه كما هو المتسالم فيه بينهم على الظاهر، فلابدّ من القول بتحققها أيضاً فيما لو لم يرفع رأسه منه، خصوصاً إذا كان مشتملاً على الطمأنينة المعتبرة فيه.
(الصفحة 443)
ومن هنا ينقدح الخلل في الوجهين المتقدّمين المذكورين: أحدهما في كلام الشهيد، والآخر في كلام صاحب المدارك، فإنّه يقال عليهما أنّ المقام إمّا أن يكون من قبيل زيادة الركوع أم لا.
فعلى الأوّل لا وجه لعدم كونها مبطلة بعد كون القاعدة الأولية في باب الركوع زيادة الركوع هو الإبطال.
وعلى الثاني لا فرق بينه وبين ما إذا رفع الرأس من الركوع، فإذا صدقت الزيادة في الثاني صدقت في الأوّل أيضاً.
وعلى ذلك، فتطبيق الحكم على القاعدة ممّا لا يمكن، نعم الظاهر أنّ مستند الشيخ وعلم الهدى وغيرهما من القدماء ـ الذين أفتوا بذلك ـ وجود نصّ دالّ على عدم البطلان، ووجوب إرسال النفس إلى السجود وكونه مخصّصاً للقاعدة الأولية الدالة على بطلان الصلاة بزيادة الركوع.
ويؤيّد فتوى الكليني بذلك، مع أنّه لم يكن من أهل الإفتاء والاجتهاد والاستنباط، وكذلك دعوى ابن زهرة في الغنية الاجماع عليه(1)، فإنّ الظاهر أنّ مراده من الاجماع هو النصّ المعتبر كما نبّهنا على ذلك مراراً، لا الإجماع المصطلح بين المتأخّرين.
ويؤيّده أيضاً أنّ المحقّق في الشرائع بعد حكاية هذا القول، قال: إنّ القول الأوّل وهو البطلان ، ووجوب الإعادة أشبه(2)، ومراده أنّ هذا القول أشبه بالقواعد، والوجه في عدم اختياره للقول الآخر إمّا عدم كون تلك الفتاوى بنظره كاشفة عن وجود النص، وإمّا عدم ثبوت كون النصّ المستكشف واجداً لشرائط الحجية.
- (1) الكافي 3: 360; الغنية: 113 .
- (2) شرائع الاسلام 1: 104 .