(الصفحة 447)
عند المشهور(1)، وأمّا عند الشيخ فلابدّ من إلغاء الجزء الذي دخل فيه، ركناً كان أو غيره، والإتيان بما سهى عنه(2)، عملاً بصحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الدالة على إلغاء السجدتين، والعود لتدارك الركوع.
وأمّا السهو المستتبع للشك المتعلّق بأفعال الركعتين الأوّلتين فهو أيضاً محلّ خلاف بين الشيخ والمشهور، فذهب الشيخ(قدس سره) على ما حكي عنه إلى بطلانها بمجرّد الشكّ فيها، وأمّا المشهور فهم قائلون بعدم البطلان ولزوم الرجوع للتدارك مع عدم تجاوز المحل، وعدم الاعتناء به مع التجاوز مطلقاً بلا فرق بين الأوّلتين والأخيرتين كالشيخ فيهما.
وأمّا في السهو غير المستتبع للشك المتعلّق بعدد الركعات، فقد اختار الشيخ في المبسوط أنّه لا تجب عليه إعادة الصلاة، سواء كان ذلك في صلاة الغداة أو المغرب أو صلاة السفر أو غيرها من الرباعيّات، وحكى عن بعض أصحابنا القول بوجوب إستئناف الصلاة في الصلوات التي ليست برباعيّات(3).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أكثر الروايات المتقدّمة الدالة على نفي السهو في الركعتين الأوّلتين تختصّ بالشكّ، وهو المراد من السهو المذكور فيها، ويؤيّده تفريع صورة الشكّ على الحكم المذكور في الصدر كما في رواية عبدالله بن سليمان المتقدّمة، وجه الاختصاص أنّ المنفي إنّما هو الأحكام المترتّبة على السهو بلسان نفي السهو، بداهة أنّه ليس المراد نفي السهو حقيقة، وحينئذ فبعد ملاحظة أنّ الساهي غير
- (1) المقنعة : 137 ـ 138; الإنتصار : 156; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 35; المراسم: 89 ـ 90; الوسيلة: 99 ـ 101; المهذّب 1 : 153; السرائر : 242 ـ 254; المعتبر 2: 377 ـ 378; شرائع الاسلام 1 : 104 ـ 106; نهاية الأحكام 1 : 528 ـ 529; الدروس 1: 199 ـ 200; الحدائق 9 : 168; مستند الشيعة 7: 165 ـ 166.
- (2) المبسوط 1 : 109; التهذيب 2 : 149; الإستبصار 1 : 356; مستند الشيعة 7: 167.
- (3) المبسوط 1: 121 .
(الصفحة 448)
المتوجّه إلى سهوه الغافل عنه لاعتقاده خلاف الواقع، لا يمكن الحكم عليه في حال سهوه، ولا يجوز توجيه الخطاب إليه بأنّه يجب عليك الإعادة مثلاً.
نعم، بعد زوال السهو وعروض التذكّر والالتفات يجوز الحكم عليه وتوجيه الخطاب نحوه، ولكن هذا الحكم إنّما يكون موضوعه تارك الجزء أو فاعل المانع لا عنوان الساهي، فلابدّ من حمل السهو على الشكّ، لأنّه الذي يمكن الحكم عليه في حال شكّه وتردّده في الواقع.
وبالجملة: السهو المصطلح لا يكون مترتّباً عليه حكم حتى يرتفع ذلك الحكم في خصوص الركعتين الاوّلتين، لأنّ الساهي في حال سهوه لايمكن توجيه الخطاب إليه بعنوان الساهي، وبعد زوال سهوه يكون الأثر مترتّباً على ما صار السهو سبباً له من ترك جزء أو فعل مانع. وأمّا السهو المستتبع للشك فهو يترتّب عليه الحكم في حاله، فهو المنفي بالنسبة إلى الاوّلتين.
فانقدح بذلك أنّ الروايات على كثرتها لا يكون المراد بالسهو المذكور فيها إلاّ السهو المقارن للشكّ، وحينئذ فاستفادة حكم السهو المصطلح منها كما صنعه الشيخ(قدس سره)(1) ممّا لا وجه لها.
ودعوى أنّه ربّما يكون للسهو المصطلح دخل في الحكم، كما إذا ترك شيئاً من الأجزاء غير الركنية سهواً، أو فعل شيئاً من القواطع المبطلة عمداً كذلك، فإنّ عدم وجوب الإعادة بسببه إنّما هو لوقوع ذلك سهواً، فيمكن الخطاب والحكم على ساهي الجزء غير الركني مثلاً بعد زوال سهوه، بعدم وجوب الإعادة وصحة الصلاة.
مدفوعة بأنّ الحكم بعدم وجوب الإعادة لا يكون متوجّهاً إلى الساهي بما أنّه
(الصفحة 449)
ساه، بل يتوجّه إليه بما أنّ سهوه لم يصر سبباً لترك جزء معتبر في الصلاة مطلقاً عمداً وسهواً، فصحّة صلاته إنّما هي لتماميّتها وعدم كونها فاقدة للأجزاء المعتبرة فيها، وخلوّها عن بعض الأجزاء لا يضرّ بعد كون اعتباره مختصّاً بحال العمد.
وبالجملة: كما أنّ الحكم بوجوب الإعادة فيما لو سهى عن جزء ركنيٍّ يتوجّه إلى الساهي لا بما أنّه ساه، بل بما أنّه ترك ما هو معتبر فيها مطلقاً، كذلك الحكم بعدم وجوب الإعادة فيما لو سهى عن جزء غير ركنيّ يتوجّه إليه بما أنّه لم يترك شيئاً من الأجزاء المعتبرة مطلقاً وكانت صلاته صحيحة تامّة، وخلوّها عن الأجزاء المعتبرة في خصوص حال العمد لا يقدح في صحّتها بعد عدم كون تركها مستنداً إلى التعمّد.
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الأخبار النافية للسهو في الاوّلتين ظاهرة في نفي الأحكام المترتّبة على السهو في حاله، والسهو الذي يترتّب عليه الحكم في حاله هو السهو المستتبع للشكّ، لما عرفت من أنّ الساهي بالسهو المصطلح لا يكون الحكم متوجّهاً إليه بما أنّه ساه، لا في حال سهوه ولا بعد زواله وانعدامه، فلا مجال للمناقشة فيما ذكرنا.
نعم، يبقى الكلام بعد ذلك في أنّ الأخبار هل تختص بخصوص الشكّ في عدد الركعتين الأوّلتين أو يعمّ ذلك؟ والشكّ في أجزائهما كما عرفت أنّه المحكيّ عن الشيخ(قدس سره)والظاهر هو الاحتمال الثاني، لأنّ الأخبار بظاهرها تعمّ الصورتين، وليس فيها ما يدلّ أو يشعر بالاختصاص بالصورة الاُولى.
لكن تقع المعارضة حينئذ بينها وبين الأخبار الواردة في الشكّ في الأجزاء الدالة على عدم الاعتناء بالشك مع تجاوز المحل، ووجوب الرجوع والتدارك مع عدم التجاوز، والمعارضة إنّما هي بالعموم والخصوص من وجه، لأنّ هذه الأخبار تشمل الشكّ في عدد الركعتين وفي الأجزاء معاً، وتلك الأخبار تشمل الشكّ في الأجزاء مطلقاً سواء كان في الركعتين الأوّلتين أو في الأخيرتين.
(الصفحة 450)
ومورد الاجتماع هو الشكّ في الأجزاء في خصوص الركعتين الأوّلتين، فهذه الأخبار ظاهرة في البطلان بمجرّد الشكّ فيها، وتلك ظاهرة في التفصيل المتقدّم، ولكن حيث يكون في تلك الأخبار، روايات صريحة في جريان هذا التفصيل في الركعتين الأوّلتين، فلابدّ من تقديمها وتقييد الأخبار النافية للسهو في الأوّلتين بما إذا شكّ في عددهما لا في أجزائهما.
ومن جملة الروايات الدالة صريحاً على ذلك، رواية زرارة قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة؟ قال: يمضي. قلت: رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر؟ قال: يمضي ـ إلى أن قال: ـ ثم قال: «يازرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء»(1).
وبالجملة: لابدّ من تقييد الأخبار النافية للسهو في الأوّلتين بما إذا شكّ في عددهما لما عرفت من نصوصيّة كثير من تلك الأخبار بالنسبة إلى الركعتين الأوّلتين.
ودعوى أنّه يمكن الجمع بين الطائفتين بحمل الأخبار النافية للسهو بعد عدم رفع اليد عن ظاهرها والالتزام بشمولها للشك في أجزاء الركعتين الأوّلتين أيضاً، على الشكّ في الأجزاء قبل تجاوز المحل، وحمل الأخبار الواردة في الشكّ; على الشكّ بعد التجاوز، ومقتضاه حينئذ الالتزام بأنّ الشكّ في الأوّلتين قبل التجاوز يوجب البطلان وبعد التجاوز لا يعتنى به.
مدفوعة مضافاً إلى خلوّها عن الشاهد وعدم كونه من الجمع المقبول عند العقلاء بأنّه قول ثالث مخالف للشيخ والمشهور معاً كما لا يخفى.
فالإنصاف أنّ ما ذكرنا في مقام الجمع هو الموافق للذوق السليم، ومقتضاه
- (1) التهذيب 2: 352 ح 1459 ; الوسائل 8 : 237. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب23 ح1.
(الصفحة 451)
اختصاص مورد الأخبار النافية للسهو في الأوّلتين بخصوص الشكّ في عددهما فيصير مدلولها أنّ الشكّ في الأوّلتين في عددهما يوجب الإعادة، فإنّ اللاّزم باعتبار كونهما فرض الله إحراز سلامتهما، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون متلوّ كلمة ـ في ـ وهو الركعتان الاُولتان، ظرفاً لنفس صفة الشكّ بحيث كانت هذه الصفة واقعة فيهما، أو تكون الركعتان الاُولتان متعلّقتين للشكّ، بحيث تعلق الشكّ بهما وصارتا مشكوكتين، لأنّه على التقدير الأول أيضاً يكون متعلّق الشكّ هو الركعتان الاُولتان كما في التقدير الثاني.
ولكن ذلك كلّه إنّما هو بعد عدم تماميّة الركعة الثانية، وإلاّ فلو فرض تماميّتها بما ستعرف تحقيقه لا يكون الشكّ فيهما حينئذ، بل الشكّ في تحقق الركعة الثالثة وعدمه، ضرورة مفروغيّة تحقق الأوّلتين، فإطلاق الشكّ بين الاثنتين والثلاث إنّما هو فيما لو فرغ عن الإثنتين قطعاً، وشكّ في تحقق الثالثة وعدمه.
ولذا اعترضنا في حاشية العروة على القول بأنّه يجب في الشكّ بين الأربع والخمس في حال القيام الجلوس لينقلب شكّه إلى الشكّ بين الثلاث والأربع فيعمل عمله(1)، بأنّه لم يدلّ دليل على وجوب هذا الجلوس ليتحقق الانقلاب، بل ذكرنا أنّ الوجه في ذلك هو أنّ هذا الشاك حيث يكون في حال القيام وهو ابتداء الركعة فلم يحرز الركعة الرابعة بعد، بل هو بالنسبة إلى الركعات التامّة في ذلك الحال شاك بين الثلاث والأربع، لأنّه لا يدري ثلاثاً صلّى أم أربعاً.
فاللاّزم بمقتضى وجوب البناء على الأكثر الذي مرجعه في المقام إلى لزوم البناء عملاً على أنّه صلّى أربعاً، هدم القيام لكونه زيادة، كما إذا علم مثلاً بكونه صلّى أربعاً والقيام زيادة، فمنشأ هدم القيام ما ذكرنا لا ما ذكروه، فإنّه يرد عليهم أنّه لا موجب له ولا مصحّح كما هو واضح.
- (1) العروة الوثقى في احكام الشكّ : 289، فصل في الشك في الركعات مسألة 2، الشكّ بين الأربع والخمس.