(الصفحة 476)
الشكّ بالنسبة إلى الظهر شكّاً بعد الوقت، بناءً على القول المشهور، وهو اختصاص مقدار أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر وخروج وقت الظهر بذلك(1)، وأمّا بناءً على ما يقول به ابن بابويه(2) من الاشتراك في الوقت يكون الشكّ بالنسبة إلى كليهما شكّاً في الوقت.
وعلى الثاني فالمسألة مبتنية على ملاحظة الحكم فيما إذا علم بعدم الإتيان بشيء منهما، وقد بقي من الوقت مقدار خمس ركعات، فإن قلنا بأنّ الواجب عليه هناك، الإتيان بكلتا الصلاتين، فاللازم هنا أيضاً الجمع بينهما. وإن قلنا: بأنّ الواجب هناك الإتيان بصلاة العصر فقط في وقتها وعدم مزاحمة الظهر معها فالحكم هنا أيضاً كذلك بطريق أولى كما لا يخفى.
وقال بعض الأعاظم من المعاصرين ـ بعد تقسيمه هذه الصورة إلى قسمين لأنّه تارة يعلم بعدم التفكيك بينهما، واُخرى يحتمل التفكيك ـ ما ملخّصه في القسم الأوّل: إنّ الشكّ في الظهر يكون شكّاً بعد الوقت، فإنّ المفروض عدم بقاء أربع ركعات للظهر وأمّا الشكّ في العصر فيكون شكّاً فيها في وقتها ومقتضى ذلك الحكم بوجود الظهر وعدم الاتيان بالعصر، إلاّ أنّ الإشكال القطع بلغويّة العصر، لأنّه يعلم إجمالاً إمّا بوجودها سابقاً، وإمّا ببطلانها فعلاً من جهة الاخلال بالترتيب.
وحينئذ فهل يمكن أن يقال ببراءة الذمّة منهما ـ أمّا الظهر فلقاعدة الشكّ بعد الوقت وأمّاالعصر فللقطع باللغويّة ـ أويجب عليه العصر على نحو يقطع بفراغ ذمّته، وهو أن يأتي بالظهر مراعياً للترتيب المعتبر؟ والأظهر الثاني، لأنّه لو كانت ذمّته
- (1) المبسوط 1 : 72; المسائل الناصريات: 189; السرائر 1 : 195; المهذّب 1: 71; الغنية: 69; المراسم: 62; شرائع الاسلام 1: 50; رياض المسائل 3: 33; مدارك الاحكام 3: 35; مستند الشيعة 4: 22; جواهر الكلام 7: 75; كشف اللثام 3: 24; جامع المقاصد 2 : 24.
- (2) المقنع: 91 ; الهداية: 127; الفقيه 1 : 216 ح647.
(الصفحة 477)
مشغولة بالعصر واقعاً فلاتفرغ إلاّ بإتيان العصر مرتباً على الظهر، والمفروض اشتغال ذمّته بحكم القاعدة، فيجب عليه إتيان الظهر رجاءً مقدّمة لحصول الترتيب.
نعم، يجوز على المبنى المتقدّم، التأخير إلى أن لا يبقى إلاّ مقدار أربع ركعات من الوقت، لفراغ ذمّته من الظهر بحكم القاعدة وعدم تضيّق الوقت بمقدار تأخيرها ركعة واحدة(1). انتهى .
هذا كلّه مبني على عدم جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت، فيما لو بقي من الوقت مقدار ركعة واحدة، وأمّا بناءً على ما حقّقناه آنفاً من الجريان لبقاء الوقت حقيقة، فالشكّ وقع في الوقت لا في خارجه، فلامجال لما أفاده(قدس سره)، لأنّه يجب عليه في الصورة المفروضة الإتيان بكلتا الصلاتين كما هو واضح.
ثمّ هذا كلّه فيما إذا شكّ في الظهرين معاً، وأمّا إذا شكّ في أحدهما مع العلم بإتيان الآخر، فتارة يشكّ في الوقت المشترك، واُخرى في الوقت المختصّ بالعصر، ففي الأوّل يكفي الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، من غير أن يعيّن كونه ظهراً أو عصراً، وفي الثاني يكون الشكّ بالنسبة إلى الظهر شكّاً بعد الوقت وبالنسبة إلى العصر شكّاً فيه، فيجب الإتيان بأربع ركعات بعنوان العصر. وممّا ذكرنا يظهر حكم باقي الصور فتدبّر.
إعتبار الظنّ في الصلاة
ومن القواعد الأصليّة المستفادة من النصوص المذكورة في باب الخلل، قاعدة اعتبار الظن في الصلاة في الجملة وعدم ترتب أحكام الشكّ عليه، ووجوب البناء عليه وكونه كاليقين، وهي بنحو الاجمال ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال.
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 346.
(الصفحة 478)
نعم، قد وقع الخلاف في موضعين:
أحدهما: اعتباره في غير الركعتين الأخيرتين.
ثانيهما: اعتباره في الأفعال التي هي مقابل الركعات ومن أجزائها.
أمّا اعتباره في الركعتين الأوّلتين، فذهب إليه السيّد المرتضى(رحمه الله) حيث قال فيما حكي عنه: كلّ سهو يعرض والظنّ غالب فيه بشيء فالعمل بما غلب على الظنّ(1). وتبعه الشيخ(رحمه الله) في كثير من كتبه(2) وجماعة ممّن تأخّر عنه(3)، وربّما يترائى من كلمات جمع من القدماء، إختصاص اعتبار الوهم بالركعتين الأخيرتين(4).
والذي يشكل الأمر أنّه ليس في شيء من كلمات القدماء إشعار بأنّ المسألة ذات قولين فضلاً عن الدلالة، بل الظاهر من كلّ من الطائفتين أنّه لا يكون فيها إلاّ قول واحد، ويؤيّده أنّ ابن إدريس في كتاب السرائر جمع بين العبارتين، حيث صدّر باب السهو في كتابه بمثل ما حكى عن السيّد من العبارة المتقدّمة وقال في الضرب الثالث من السهو ما لفظه:
وأمّا الضرب الثالث من السهو وهو الذي يعمل فيه على غالب الظنّ، فهو كمن سها فلم يدر صلّى إثنتين أم ثلاثاً؟ وغلب على ظنّه أحد الأمرين، فالواجب العمل على ما غلب في ظنّه وإطراح الأمر الآخر، وكذلك إن كان شكّه بين الثلاث والأربع، أو الاثنين والأربع، أو غير ذلك من الأعداد، بعد أن يكون اليقين حاصلاً بالأوّلتين، فالواجب في جميع هذه الشكوك العمل على ما هو أقوى وأغلب في ظنّه وأرجح عنده(5). انتهى .
- (1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 35.
- (2) المبسوط 1: 123; النهاية: 90 ـ 91; الخلاف 1 : 445 مسألة 192.
- (3) الكافي في الفقه: 148; المهذّب 1 : 155; السرائر 1: 250; الجامع للشرائع: 84 .
- (4) الكافي 3: 359; الفقيه 1: 225; المقنعة: 145; الانتصار: 156، المختصر النافع: 44; المنتهى 1: 410.
- (5) السرائر 1: 250 .
(الصفحة 479)
فإنّ هذا القول منه يوهم أنّ غلبة الظنّ تعتبر في الأخيرتين خاصّة دون الأوّلتين، ولذا اعترض عليه العلاّمة في المختلف بأنّه نسي ما أخذه من كلام السيّد وصدّر به كتابه(1).
وبالجملة: لا مجال للاعتماد على الفتاوى بعد اختلافها بهذا النحو، بل لابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة في هذا الباب.
فنقول: الروايات ـ الظاهرة في اعتبار الظنّ في الصلاة ـ التي لا تخالف الفتاوى المشهورة كثيرة:
منها : رواية عبدالرحمن بن سيّابة وأبي العباس جميعاً، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ووقع رأيك على الثلاث، فابن على الثلاث وإن وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع فسلّم وانصرف، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس»(2).
ومنها : رواية حسين بن أبي العلاء عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلّم و صلّى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصّر في التشهّد»(3).
ومنها : مرسلة جميل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال فيمن لا يدري أثلاثاً صلّى أم أربعاً؟ ووهمه في ذلك سواء، قال: فقال: «إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار، إن شاء صلّى ركعة وهو قائم، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس...»(4).
- (1) مختلف الشيعة 2: 402 .
- (2) الكافي3: 353 ح7; التهذيب 2: 184 ح733; الوسائل 8 : 211. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب7 ح1.
- (3) الكافي 3: 351 ح 2 ; التهذيب 2: 185 ح 736 ; الوسائل 8 : 218. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح 6.
- (4) الكافي 3: 353 ح9 ; التهذيب 2: 184 ح 734; الوسائل 8 : 216. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح2.
(الصفحة 480)
ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: «إذا لم تدر إثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شيء فتشهّد وسلّم ثمّ صلِّ ركعتين وأربع سجدات، تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ثمّ تشهّد وتسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، وإن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(1).
ومنها : موثّقة صفوان عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة»(2).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ما يمكن الاستدلال به لاعتبار الظنّ في الأوّلتين أيضاً من هذه الروايات، موثّقة صفوان، لأنّ مورد غيرها من سائر الروايات يختص بغير الأوّلتين كما هو ظاهر، فلابدّ حينئذ من ملاحظة مدلولها.
فنقول: ربّما يقال : بأنّ رواية صفوان لأجل احتمال كون المراد به هو خصوص صورة التردّد بين الاحتمالات الكثيرة الذي هو ما اصطلح عليه الفقهاء، تكون النسبة بينها وبين الأدلة الدالة على اعتبار العلم في الأوليين عموماً من وجه، لأنّ التردّد بين احتمالات كثيرة أعم من أن يكن في البين قدر متيقّن أو لا، فمن موارده ما إذا حفظ الأُوليين ثمّ تردّد بين احتمالات شتّى، وحينئذ فيشكل تقديمها على تلك الأدلة، نعم لو استفيد كون اعتبار الظنّ من حيث الطريقيّة يتم المقصود، فإنّه يكون دليل اعتباره حاكماً على أدلّة اعتبار العلم في الأوليين ولكنّه في غاية الاشكال.
ولا يخفى أنّ الظاهر من الرواية بعد عدم إمكان حملها على ما إذا فاتت منه صلوات لا يدري مقدارها، ولم يقع وهمه على شيء، لأنّ الحكم بوجوب الإعادة ينافي ذلك أنّ المراد به ما إذا كان عدد الركعات مجهولاً، سواء كان قدر متيقّن في
- (1) الفقيه1: 229 ح 1015; الكافي 3: 353 ح8 ; الوسائل 8 : 219 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح1.
- (2) الكافي 3: 8 35 ح1; التهذيب 2: 87 1 ح 744; الاستبصار 1: 373 ح 1419; الوسائل 8 : 225 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب15 ح1.