(الصفحة 484)
أولوية، ولكنّه في الأصل كان عبارة عن مطلق ما إذا لم يكن للخصوصية المذكورة في المنطوق مدخلية في ترتب الحكم، سواء كانت أولوية في البين أم لم تكن.
وبالجملة: لا مجال للإشكال في دلالة ما يدلّ على اعتبار الظنّ بالركعة على اعتبار الظنّ بالأفعال لا بالأولوية بل بإلغاء الخصوصية.
ويؤيّد ما ذكرنا قوله(عليه السلام) فيمن شكّ في الركوع وقد أهوى إلى السجود: «قد ركع»(1)، فإنّ هذا التعبير لا يكون إخباراً عن الواقع بأنّه قد تحقق منه الركوع، بل الظاهر أنّه بملاحظة أنّ التجاوز عن المحل أمارة مفيدة للظنّ النوعي بتحقق المشكوك في محلّه، فمرجعه إلى اعتبار الظنّ النوعي المتعلّق بإتيانه في محلّه، فمرجعه إلى اعتبار الظنّ النوعي المتعلّق بإتيانه في محلّه ، فإذا ظنّ ذلك بالظن الشخصي فلا محالة يكون حجّة، كما أنّه لو ظنّ بعدم الاتيان به في محلّه لا مجال حينئذ لاعتبار الظنّ النوعي على الخلاف.
وبالجملة: يستفاد من مثل هذا التعبير كفاية الظنّ ولو نوعاً في الإتيان بالشيء في محله، ونظير هذا التعبير ما ورد في تكبيرة الإحرام، وأنّه كيف يتركها المصلّي، فإنّ مرجعه أيضاً إلى ثبوت الأمارة الظنّية على الإتيان بها وكونها حجّة معتبرة كما هو غير خفيّ.
ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً أنّ الظنّ إذا كان قويّاً يكون معتبراً عند العقلاء بلا ريب، حيث إنّهم يجعلونه بمنزلة العلم في العمل على طبقه وترتيب آثار الواقع عليه، فلا مجال لدعوى عدم اعتباره، وحينئذ فبضميمة عدم القول بالفصل بينه وبين الظنّ الضعيف هنا قطعاً يتمّ المطلوب; فانقدح من جميع ما ذكرنا إعتبار الظنّ في الصلاة مطلقاً.
- (1) الوسائل 6: 318. أبواب الركوع ب13 ح6 .
(الصفحة 485)
أحكام الشكوك
قد عرفت في أوّل مبحث الخلل أنّ الشكّ لا يكون مغايراً لعنوان السهو ، بل هو من أفراده ومصاديقه ، لأنّ السهو عبارة عن الغفلة والذهول عن الواقع وخفائه وعزوبه عن الذهن ، غاية الأمر أنّه قد تكون الغفلة مقارنة للالتفات والتوجّه إليها ، ولا محالة يكون الشخص متردّداً حينئذ ، وقد لا تكون مقارنة له بل يكون غافلاً عن غفلته عن الواقع وخفائه عنه أيضاً ، والأوّل هو الشكّ ، والثاني هو الذي يسمّى في الاصطلاح بالسهو .
وكيف كان ، فالشكّ قد يتعلّق بأصل الاتيان بالصلاة ، وقد يتعلّق بأعداد الركعات ، وقد يتعلّق بالأفعال ، والصورة الاُولى قد يكون الشكّ فيها في الوقت وقد يكون في خارجه ، ففي الأوّل يجب الإتيان بالصلاة على ما هو مقتضى قاعدة الاشتغال ، وفي الثاني لا يجب القضاء لقاعدة عدم الاعتناء بالشكّ بعد الوقت .
وفي الصورة الثالثة قد يكون الشكّ بعد التجاوز عن المشكوك ، وقد يكون قبله ، ففي الأوّل لا يعتنى به نظراً إلى قاعدة التجاوز المتقدّمة ، كما أنّه لو كان الشكّ
(الصفحة 486)
بعد الفراغ لا يترتّب عليه أثر بمقتضى قاعدة الفراغ المتقدّمة أيضاً ، وفي الثاني يجب الإتيان بالمشكوك على ما هو مقتضى أصالة عدم الإتيان به .
وفي الصورة الثانية قد يكون الشكّ في الأوليين وقد يكون في الأخيرتين من الرباعيّة ، ففي الأوّل تبطل الصلاة لأجل الشكّ ، لما تقدّم من قاعدة عدم احتمال الركعتين الأوليين للسهو ، وقد عرفت أنّ القدر المتيقّن منها ما إذا كان ظرف الشكّ أيضاً هو الركعتين الأوليين ، وفي الثاني تتحقق صور كثيرة وأقسام عديدة ، أكثرها منصوص وبعضها غير منصوص .
الشكوك المنصوصة خمسة :
أحدها : الشكّ بين الإثنتين والأربع
يدلّ على حكمه روايات :
منها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا لم تدر أثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شيء فتشهّد وسلّم ثمّ صلِّ ركعتين وأربع سجدات ، تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ثم تشهّد وتسلّم ، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(1) .
ومنها : رواية ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً؟ قال : «يتشهّد ويسلّم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهّد ويسلّم ، وإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة ، وإن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة ، وإن تكلّم فليسجد
- (1) الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح1 .
(الصفحة 487)
سجدتي السهو»(1) .
ومنها : رواية زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) في حديث قال : قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال : «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه»(2) .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتين هي أو أربع؟ قال : «يسلّم ثم يقوم فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهّد وينصرف وليس عليه شيء»(3) . إلى غير ذلك من الروايات الدالة عليه .
وبالجملة : فلا إشكال في أنّ حكمة وجوب البناء على الأربع بمعنى وجوب المعاملة مع الركعة المردّدة بين الثانية والرابعة معاملة الركعة الرابعة ، بأن يتشهّد ويسلّم بعدها ، لا البناء القلبي على الأربع الذي هو أحد طرفي الشكّ ، وهذا الحكم من متفردات الإمامية ولا يقول به سائر فرق المسلمين ، بل الحكم عندهم هو البناء على الأقلّ على ما هو مقتضى أصالة عدم الإتيان بالزائد عليه(4) .
ولكن الإمامية رضوان الله عليهم لأجل اعتقادهم بحجّة أُخرى التي يجب التمسّك بها كما يجب التمسّك بالكتاب العزيز على ما يقتضيه حديث الثقلين المرويّ
- (1) الكافي 3 : 352 ح 4; التهذيب 2 : 86 1 ح 739; الاستبصار 1 : 372 ح 1315; الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح2 .
- (2) الكافي 3 : 351 ح 3; التهذيب 2 : 186 ح 740 ; الاستبصار1 : 373 ح1416; الوسائل 8 : 220 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح3 .
- (3) التهذيب 2 : 185 ح 837 ; الاستبصار1 : 372 ح1414; الوسائل 8 : 221 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح6 .
- (4) بداية المجتهد 1 : 273; المغنى لابن قدامة 1 : 674; الشرح الكبير 1 : 727; المجموع 4 : 113; الانتصار : 156; تذكرة الفقهاء 3 : 343 ـ 344 مسألة 356 .
(الصفحة 488)
بطرق الفريقين(1) ، تسالموا على عدم جواز الأخذ بمقتضى الاستصحاب هنا ، ولزوم البناء على الأكثر الذي هو مفاد النصوص الكثيرة ، فالإشكال في ذلك ، وكذا في لزوم الإتيان بركعتين بعنوان صلاة الاحتياط ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه .
هل صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة أم لا؟
يقع الكلام في حال صلاة الاحتياط ، وأنّها هل هي صلاة مستقلّة بحيث لا يضرّ بهاتخلّل الحدث بينها وبين أصل الصلاة الواقعة قبلها ، أو أنّها من توابع الصلاة المأمور بها ومتمّماتها ، فكأنّه جزء لها ، فلا يجوز الإتيان بالمنافي بينهما؟ وجهان :
من ظهور التعبير بوجوب الصلاة ركعتين في الروايات المتقدّمة في كونها صلاة مستقلّة خصوصاً مع وجوب أن تكون مشتملة على النية وتكبيرة الاحرام في إفتتاحها ، وعلى التسليم في إختتامها وخصوصاً مع تعيّن قراءة الفاتحة فيهما ، على ما هو ظاهر قوله(عليه السلام) : تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ، بناءً على أن لا يكون الغرض منه لزوم خصوص قراءة الفاتحة في مقابل ضمّ السورة إليها أيضاً .
ومن أنّ التأمّل في الروايات يعطي كونها من متممّات الصلاة السابقة ، وتوضيحه أنّه قد ورد في الروايات الكثيرة ، التعبير بكون صلاة الاحتياط في صورة نقص الصلاة السابقة تمام ما نقص .
فمنها : رواية عمّار الواردة في مطلق الشكوك المشتملة على قوله(عليه السلام) : «وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(2) .
- (1) المراجعات : 26 ، المراجعة 8 .
- (2) التهذيب 2 : 349 ح 8 144; الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 .