(الصفحة 487)
سجدتي السهو»(1) .
ومنها : رواية زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) في حديث قال : قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال : «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه»(2) .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتين هي أو أربع؟ قال : «يسلّم ثم يقوم فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهّد وينصرف وليس عليه شيء»(3) . إلى غير ذلك من الروايات الدالة عليه .
وبالجملة : فلا إشكال في أنّ حكمة وجوب البناء على الأربع بمعنى وجوب المعاملة مع الركعة المردّدة بين الثانية والرابعة معاملة الركعة الرابعة ، بأن يتشهّد ويسلّم بعدها ، لا البناء القلبي على الأربع الذي هو أحد طرفي الشكّ ، وهذا الحكم من متفردات الإمامية ولا يقول به سائر فرق المسلمين ، بل الحكم عندهم هو البناء على الأقلّ على ما هو مقتضى أصالة عدم الإتيان بالزائد عليه(4) .
ولكن الإمامية رضوان الله عليهم لأجل اعتقادهم بحجّة أُخرى التي يجب التمسّك بها كما يجب التمسّك بالكتاب العزيز على ما يقتضيه حديث الثقلين المرويّ
- (1) الكافي 3 : 352 ح 4; التهذيب 2 : 86 1 ح 739; الاستبصار 1 : 372 ح 1315; الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح2 .
- (2) الكافي 3 : 351 ح 3; التهذيب 2 : 186 ح 740 ; الاستبصار1 : 373 ح1416; الوسائل 8 : 220 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح3 .
- (3) التهذيب 2 : 185 ح 837 ; الاستبصار1 : 372 ح1414; الوسائل 8 : 221 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح6 .
- (4) بداية المجتهد 1 : 273; المغنى لابن قدامة 1 : 674; الشرح الكبير 1 : 727; المجموع 4 : 113; الانتصار : 156; تذكرة الفقهاء 3 : 343 ـ 344 مسألة 356 .
(الصفحة 488)
بطرق الفريقين(1) ، تسالموا على عدم جواز الأخذ بمقتضى الاستصحاب هنا ، ولزوم البناء على الأكثر الذي هو مفاد النصوص الكثيرة ، فالإشكال في ذلك ، وكذا في لزوم الإتيان بركعتين بعنوان صلاة الاحتياط ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه .
هل صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة أم لا؟
يقع الكلام في حال صلاة الاحتياط ، وأنّها هل هي صلاة مستقلّة بحيث لا يضرّ بهاتخلّل الحدث بينها وبين أصل الصلاة الواقعة قبلها ، أو أنّها من توابع الصلاة المأمور بها ومتمّماتها ، فكأنّه جزء لها ، فلا يجوز الإتيان بالمنافي بينهما؟ وجهان :
من ظهور التعبير بوجوب الصلاة ركعتين في الروايات المتقدّمة في كونها صلاة مستقلّة خصوصاً مع وجوب أن تكون مشتملة على النية وتكبيرة الاحرام في إفتتاحها ، وعلى التسليم في إختتامها وخصوصاً مع تعيّن قراءة الفاتحة فيهما ، على ما هو ظاهر قوله(عليه السلام) : تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ، بناءً على أن لا يكون الغرض منه لزوم خصوص قراءة الفاتحة في مقابل ضمّ السورة إليها أيضاً .
ومن أنّ التأمّل في الروايات يعطي كونها من متممّات الصلاة السابقة ، وتوضيحه أنّه قد ورد في الروايات الكثيرة ، التعبير بكون صلاة الاحتياط في صورة نقص الصلاة السابقة تمام ما نقص .
فمنها : رواية عمّار الواردة في مطلق الشكوك المشتملة على قوله(عليه السلام) : «وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(2) .
- (1) المراجعات : 26 ، المراجعة 8 .
- (2) التهذيب 2 : 349 ح 8 144; الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 .
(الصفحة 489)
ومنها : رواية الحلبي المتقدّمة التي قال الصادق(عليه السلام) فيها : «فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع»(1) .
ومنها : رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة الدالة على هذا المضمون أيضاً(2) .
ومنها : مرسلة ابن أبي عمير الواردة فيمن شكّ بين الثنتين والثلاث والأربع المشتملة على قول الصادق(عليه السلام) بعد الأمر بوجوب صلاة ركعتين من قيام ثم ركعتين من جلوس : «فان كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلاّ تمّت الأربع»(3) .
ومنها : ما رواه الصدوق في المقنع عن أبي بصير الوارد فيمن لم يدر صلّى ثلاثاً أم أربعاً وذهب وهمه إلى الرابعة المشتمل على قوله(عليه السلام) : «فإن كنت صلّيت ثلاثاً كانتا هاتان تمام صلاتك»(4) .
وبالجملة : فالتعبير بكون صلاة الاحتياط تمام الصلاة على فرض نقصها ، يدلّ على أنّ وظيفة المصلّي مع الشكّ في غير الأوليين مع عدد ركعات الصلاة لم ينقلب من الصلاة أربع ركعات ، بل وظيفة المصلّي الشاك كغيره إنّما هي الصلاة أربع ركعات . غاية الأمر أنّه حيث لم يدر اشتمال صلاته على أربع ركعات ، لأنّه يحتمل النقص فيها ، فلذا حكم عليه بحكم ظاهري وهو وجوب صلاة الاحتياط ، لأنّها على تقدير النقص تحسب جزءً متمّماً لها حقيقة حتّى تتمّ الأربع التي هي المأمور بها ، ولا يكون تشريعها لمجرّدكونها جابرة لنقصان المصلحة التي يجب استيفاؤها ، كما أنّ النوافل الراتبة تكون جابرة لنقصان المصلحة المحتمل في الفرائض ، فإنّ الظاهر أنّ الجبران في النوافل الراتبة إنّما هو بحسب مقام الكمال ، وفي المقام تكون
- (1) الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح 1 .
- (2) الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح2 .
- (3) الكافي 3 : 353 ح 6; الوسائل 8 : 223 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح4 .
- (4) المقنع : 104 ; الوسائل 8 : 218 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10ح 8 .
(الصفحة 490)
صلاة الاحتياط جزءً حقيقة ومتمّمة واقعاً . هذا ما تقتضيه النصوص .
وأمّا الفتاوى فالظاهر أنّ فتاوى القدماء إلى زمان ابن إدريس كانت موافقة لما ذكرنا(1) ، لأنّهم عبّروا في كتبهم الفقهية بوجوب المبادرة إلى الإتيان بصلاة الاحتياط من غير تعرض لكونها هل هي صلاة مستقلّة أو جزء ، وذلك يدلّ على كون المتسالم عليه بينهم هو عدم كونها صلاة مستقلّة ، وأنّ المتبادر والمنسبق إلى أذهانهم من النصوص الواردة هو ما يدلّ عليه ظاهرها من كونها تمام ما نقص على تقدير النقص .
وبالجملة : فعدم تعرّضهم لهذه الجهة يكشف عن التسالم على ما هو ظاهر الروايات وأمّا ابن إدريس فقد ذهب إلى كونها صلاة مستقلّة بحيالها ، ولا يضرّ تخلّل الحدث بينها وبين الصلاة ، وهذا الفتوى منه صار منشأ لثبوت الاختلاف بين من تأخّر عنه من الفقهاء ، فبعضهم رجّح ما اخترناه ، وبعضهم تبع ابن إدريس(2) .
نعم ، قال فخر المحقّقين في محكيّ الإيضاح : إنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة :
أحدها : إنّه صلاة برأسه ،
وثانيها : إنّه تمام ،
وثالثها : إنّه تمام من وجه وصلاة منفردة من وجه ، ثم قال : وهو اختيار والدي المصنّف ذكره لي مذاكرة جمعاً بين الأدلة ، وهو الأقوى(3) .
ولكنّ لم يعلم المراد من القول الثالث ، فانّه إن كان المراد أنّه تمام على تقدير نقص الصلاة وصلاة منفردة على تقدير تماميتها بحيث كان مرجعه إلى ما ذكر في الروايات من كونها تماماً على تقدير النقص ونافلة على تقدير عدمه ، فيرد عليه
- (1) المقنعة : 146 الانتصار : 156; النهاية : 91 ; الخلاف 1 : 445 مسألة 192; الكافي في الفقه : 148; المهذّب 1 : 155; الوسيلة : 102; المراسم : 89 .
- (2) السرائر1 : 256; الارشاد 1 : 270; التحرير 1 : 50; مستند الشيعة 7 : 255 .
- (3) إيضاح الفوائد 1 : 142 .
(الصفحة 491)
عدم المغايرة بينه وبين القول الثاني ، لوضوح أنّ الحكم بكونها متمّمة إنّما هو فيما إذا كانت الصلاة ناقصة ، لأنّه لا معنى للحكم بأنّ الاحتياط تمام مع فرض عدم نقصانها كما هو واضح .
وإن كان المراد أنّ الاحتياط في خصوص صورة النقص تمام من وجه وصلاة منفردة من وجه فلا معنى له أصلاً ، لأنّ الحكم بكونه تماماً إنّما هو لأنّ وظيفة المصلّي مع الشكّ في عدد الركعة لم ينقلب من الإتيان بالصلاة المشتملة على أربع ركعات ، بل لابدّ من الإتيان بها ، إمّا متّصلة وإمّا منفصلة ، ولا يلائم ذلك مع الحكم بكونه صلاة منفردة أيضاً من وجه كما لا يخفى .
فانقدح أنّ الأقوى ـ كما هو مقتضى النصوص وفتاوى القدماء ـ كون صلاة الاحتياط جزءً وتماماً ، وتخلّل الحدث بينها وبين الصلاة إنّما هو كتخلّله بين شيء من أجزائهما .
ثانيها : الشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع
المشهور أنّه يجب عليه البناء على الأكثر وإتمام الصلاة ثم الإتيان بركعتين قائماً وركعتين جالساً(1) ، وحكي عن الصدوق أنّه حكم بثبوت التخيير بينه وبين الإتيان بركعة قائماً وركعتين جالساً(2) .
أمّا الروايات الواردة :
فمنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن
- (1) المقنعة : 146; الانتصار : 156; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3 : 37; المبسوط 1 : 123; الخلاف 1 : 445; السرائر 1 : 254; المعتبر 2 : 393; تذكرة الفقهاء 3 : 343 مسألة 356; الدروس 1 : 203; مسالك الأفهام 1 : 294 .
- (2) الفقيه 1 : 231 ذح1021; وحكاه عن والد الصدوق أيضاً في مختلف الشيعة 2 : 384 .