(الصفحة 499)
بالنسبة إلى الركعات التامّة ، فلا يدري ثلاثاً صلّى أم أربعاً ، فيجب عليه هدم القيام لأجل حكم الشرع بالبناء على الأكثر فيها ، والاتمام عليه لكون القيام زيادة عليه ، بل يمكن أن يقال : إنّه شاك بين الثلاث والأربع حقيقة ، لأنّ معنى الركعة هو الركوع مرّة .
ومن المعلوم أنّه لم يتحقق منه يقيناً إلاّ ثلاثة ركوعات ، فهو شاك بين الثلاث والأربع حقيقة ، ويجب عليه البناء على الأربع بعد هدم القيام ، لأنّ هذا القيام لا يكون جزءً من الصلاة ، لأنّ القيام الواجب إنّما هو القيام للركوع لا مطلق القيام ، فمع خلوّه عن الركوع لا يكون من الصلاة كما هو ظاهر .
ومنها : ما إذا شكّ في حال الركوع أو بعده وقبل السجدتين أو فيهما أو بينهما أو بعدهما ، قبل أن يرفع الرأس من السجدة الثانية ، بناءً على اعتبار رفع الرأس في تماميّة الركعة ، وفي حكم هذه الصورة وجوه ثلاثة :
1 ـ الصحة ، ووجوب عمل الشاك بين الأربع والخمس ، بعد تمامية الركعة بالبناء على الأربع ، وإتمام ، الصلاة ثم الاتيان بسجدتي السهو .
2 ـ الصحّة ، ووجوب معاملة الشاك بين الثلاث والأربع ، لأنّ شكّه وإن كان بالنسبة إلى الركعة المتلبّس بها شكّاً بين الأربع والخمس ، إلاّ أنّه بالنسبة إلى الركعات التامّة شكّ بين الثلاث والأربع ، فيجب عليه البناء على الأربع بعد هدم الركوع والجلوس للتشهّد والتسليم ، ثم الإتيان بصلاة الاحتياط الجابرة لنقصان ركعة المحتمل .
3 ـ البطلان لعدم تمامية الوجهين المذكورين للصحة(1) .
أمّا عدم تمامية الوجه الأوّل ، فلأنّه إن كان المراد شمول النصوص الواردة
- (1) ذهب إليه العلاّمة في التحرير 1 : 50 .
(الصفحة 500)
فيمن لم يدر أربعاً صلّى أم خمساً للمقام فهو ممنوع جدّاً ، لوضوح أنّ موردها ما إذا تمّت الركعة المردّدة بين الرابعة والخامسة ، بالإتيان بالسجدتين فقط ، أو مع رفع الرأس من الثانية أيضاً ، على الخلاف المتقدّم فيما به يتحقق تماميّة الركعة ، وإن كان المراد أنّ تلك النصوص وإن كان موردها خصوص تلك الصورة إلاّ أنّه يمكن أن يستفاد منها حكم المقام بمفهوم الموافقة المعبّر عنه بإلغاء الخصوصية .
فيرد عليه ثبوت الفرق بين المقامين ، لأنّ الزيادة المحتملة هناك هي الزيادة الصادرة مع الغفلة وعدم الالتفات إليها بوجه ولو مع الترديد ، والزيادة المحتملة هنا بالنسبة إلى ما بقي من الركعة زيادة صادرة في حال الالتفات واحتمال كونها زائدة ، وأصالة عدم الزيادة وإن كانت جارية ، إلاّ أنّ مقتضاها عدم تحقق الزيادة في الصلاة ، ولا تثبت عدم اتصاف ما يأتي به من بقية الركعة بوصف الزيادة ، وأصالة عدم كونه زائداً لا تجري ، لعدم وجود الحالة السابقة كما هو واضح .
هذا ، مضافاً إلى أنّه في المقام يكون الأمر بالنسبة إلى السجدتين دائراً بين المحذورين ، لأنّه إذا كان الركوع الذي بيده هو ركوع الركعة الرابعة يجب عليه الإتيان بالسجدتين بعده حتى تتمّ الركعة وتصحّ الصلاة ، وإن كان ركوع الركعة الخامسة ، يحرم عليه الاتيان بالسجدتين بعده ، لإيجابهما بطلان الصلاة .
ودعوى أنّه على هذا التقدير لا يكون بطلان الصلاة مسبباً عن زيادة السجدتين ، بل كان بطلانها من جهة زيادة الركوع .
مدفوعة ، بأنّ المستفاد من الأخبار الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس عدم كون هذا الركوع على تقدير زيادته مبطلاً ، لأنّه إذا لم تكن زيادة الركعة مبطلة فزيادة ركوع واحد لا تكون مبطلة بطريق أولى . فعلى هذا التقدير يحرم عليه الإتيان بالسجدتين ، فيدور الأمر فيهما بين المحذورين ، وليس في البين ما يعيّن أحد
(الصفحة 501)
الأمرين .
وأصالة عدم الزيادة لا تثبت كون هذه الركعة التي بيده ركعة رابعة ، وهذا بخلاف ما هناك ، فإنّ أصالة عدم الزيادة إنّما يحتاج إليها لإثبات عدم تحقق الزيادة في الصلاة ، وأمّا عدد ركعاتها وبلوغها أربعاً فهو مقطوع به غير مشكوك فيه ، فلايمكن إلغاء الخصوصية من الأخبار الواردة فيه ، الدالة على الإتيان بسجدتي السهو لأجل عدم التحفّظ كما عرفت; من أنّ سجود السهو إنّما يكون إيجابه لأجل السهو والذهول عن أعداد الركعات ، لا لأجل دفع مانعية الزيادة على تقدير تحققها ، لأنّ الظاهر الاتكال في عدم تحققها على الأصل فتدبّر جيّداً .
وأمّا عدم تمامية الوجه الثاني ، فلأنّ شكّه بالنسبة إلى الركعات التامّة وإن كان شكّاً بين الثلاث والأربع كما عرفت في الصورة الثانية ، إلاّ أنّ الظاهر عدم شمول النصوص الواردة فيه للمقام ، لا لدعوى انصرافها عنه كما في المصباح(1) ، بل لأنّها مسوقة لبيان حكم ما لو كانت النقيصة المحتملة ركعة واحدة تامّة ، بحيث كانت صلاة الاحتياط بتمامها جابرة لها .
وهنا ليس كذلك لأنّ النقص المحتمل ليس بمقدار ركعة تامّة حتى يجبر بسبب صلاة الاحتياط بل بمقدار سجدتين أو أقلّ ، ولم يقم دليل على جبر صلاة الاحتياط للسجدتين أو أقلّ كما لا يخفى .
وإن شئت قلت : إنّ معاملة الشاكّ بين الثلاث والأربع مرجعها إلى هدم الركوع ، والبناء على كون الركعة السابقة ركعة رابعة ثم الإتمام والاتيان بصلاة الاحتياط لجبران النقص المحتمل ، مع أنّ هنا شيئاً يحتمل زيادته وهو الركوع ، وليس في البين ما يكون جابراً له على تقدير كونه زائداً ، ضرورة أنّ النصوص
- (1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 569 .
(الصفحة 502)
الواردة في الشكّ بين الثلاث والأربع مسوقة لتدارك النقص لا الزيادة .
اللّهمّ إلاّ أن يقال : تلك النصوص وإن كانت في مقام بيان جبر النقيصة ، إلاّ أنّ الزيادة المحتملة تندفع مانعيتها بسجدتي السهو ، لدلالة الأخبار الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس على ذلك بمفهوم الموافقة ، لأنّه إذا كانت مانعية زيادة ركعة تامّة محتملة مندفعة بسجدتي السهو ، فاندفاع مانعية زيادة بعض الركعة إحتمالاً بهما بطريق أولى .
ولكنّ لا يخفى أنّ هذا إنّما يتمّ على تقدير كون سجود السهو دافعاً لزيادة الركعة التي هي مورد تلك الروايات ، وقد عرفت أنّ الظاهر كون الزيادة في موردها مندفعة بالأصل; وإيجاب سجود السهو إنّما هو لأجل عدم تحفّظ أعداد الركعات ، ولذا لا يضرّ الإخلال به عمداً أو سهواً بصحة الصلاة أصلاً ، فلا يمكن استفادة حكم المقام منها .
ثمّ إنّه قد يقرّر البطلان في المقام بوجه آخر ، وهو أنّه لا شكّ في أنّ مورد الأخبار الواردة في الشكوك الصحيحة يختصّ بما إذا كان أحد طرفي الاحتمال أو أطرافه صحّة الصلاة ، سواء كان الطرف الآخر أو الطرفان الآخران ، البطلان أو الصحة ، وأمّا إذا كان كلّ من الطرفين أو الأطراف البطلان ، فلا إشكال في عدم شمول تلك الأخبار له ، والمقام من هذا القبيل ، لأنّه يعلم إجمالاً ببطلان صلاته إمّا من جهة زيادة الركوع أو من جهة نقص السجدتين فلا يكون مشمولاً لشيء منها .
أقول : إن كان المراد أنّ الشاك بين الأربع والخمس في الركوع عالم ببطلان صلاته حين الشكّ ، بمعنى أنّه بمجرّد طروّ صفة الشكّ له يعلم ببطلان صلاته ، فلا خفاء في وضوح خلافه ، ضرورة أنّه يحتمل أن تكون الركعة التي بيده ركعة رابعة وكان الركوع الذي هو فيه ركوعها ، وعلى هذا التقدير لا تكون صلاته باطلة بوجه ، فلا يكون كلّ من طرفي الاحتمال هو البطلان .
(الصفحة 503)
وإن كان المراد أنّه بعد معاملته كالشاك بين الثلاث والأربع بإلغاء الركوع ، يعلم إجمالاً ببطلان صلاته ، إما من جهة زيادة الركوع ، وإمّا من جهة نقص السجدتين .
فيرد عليه أنّ مقتضى معاملة الشاك بين الثلاث والأربع هو البناء على كون الركعة السابقة ركعة رابعة ، ومرجعها إلى عدم كون الركوع الزائد مبطلاً على تقدير زيادته . فإجراء تلك الأخبار يستلزم إلغاء مانعية الركوع فتأمّل .
رابعها : الشكّ بين الثلاث والأربع
حكمه في جميع فروضه هو البناء على الأربع ثمّ الاتيان بعد الفراغ بركعة قائماً ، أو ركعتين جالساً; والنصّ والفتوى(1) متطابقان فيه ، والنصوص الواردة في هذا الباب الخالية من الاضطراب والاشكال ثلاثة :
1 ـ رواية عبدالرحمن بن سيّابة وأبي العباس جميعاً عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ـ إلى أن قال : ـ وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلِّ ركعتين وأنت جالس»(2) .
2 ـ مرسلة جميل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال فيمن لا يدري أثلاثاً صلّى أم أربعاً ووهمه في ذلك سواء قال : فقال : «إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ، إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس . . .»(3) .
- (1) الانتصار : 156; الخلاف 1 : 445; الكافي في الفقه : 148; المهذّب 1 : 155; الوسيلة : 102 ; المراسم : 89 ; السرائر 1 : 254; الجامع للشرائع : 87 ; المعتبر 2 : 392 ، تذكرة الفقهاء ، 3 : 343 مسألة 356 .
- (2) الكافي 3 : 353 ح 7 ; التهذيب 2 : 84 1 ح733 ; الوسائل 8 : 216 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح1 .
- (3) الكافي 3 : 353 ح9; التهذيب 2 : 184 ح734; الوسائل 8 : 216 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح2 .