(الصفحة 502)
الواردة في الشكّ بين الثلاث والأربع مسوقة لتدارك النقص لا الزيادة .
اللّهمّ إلاّ أن يقال : تلك النصوص وإن كانت في مقام بيان جبر النقيصة ، إلاّ أنّ الزيادة المحتملة تندفع مانعيتها بسجدتي السهو ، لدلالة الأخبار الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس على ذلك بمفهوم الموافقة ، لأنّه إذا كانت مانعية زيادة ركعة تامّة محتملة مندفعة بسجدتي السهو ، فاندفاع مانعية زيادة بعض الركعة إحتمالاً بهما بطريق أولى .
ولكنّ لا يخفى أنّ هذا إنّما يتمّ على تقدير كون سجود السهو دافعاً لزيادة الركعة التي هي مورد تلك الروايات ، وقد عرفت أنّ الظاهر كون الزيادة في موردها مندفعة بالأصل; وإيجاب سجود السهو إنّما هو لأجل عدم تحفّظ أعداد الركعات ، ولذا لا يضرّ الإخلال به عمداً أو سهواً بصحة الصلاة أصلاً ، فلا يمكن استفادة حكم المقام منها .
ثمّ إنّه قد يقرّر البطلان في المقام بوجه آخر ، وهو أنّه لا شكّ في أنّ مورد الأخبار الواردة في الشكوك الصحيحة يختصّ بما إذا كان أحد طرفي الاحتمال أو أطرافه صحّة الصلاة ، سواء كان الطرف الآخر أو الطرفان الآخران ، البطلان أو الصحة ، وأمّا إذا كان كلّ من الطرفين أو الأطراف البطلان ، فلا إشكال في عدم شمول تلك الأخبار له ، والمقام من هذا القبيل ، لأنّه يعلم إجمالاً ببطلان صلاته إمّا من جهة زيادة الركوع أو من جهة نقص السجدتين فلا يكون مشمولاً لشيء منها .
أقول : إن كان المراد أنّ الشاك بين الأربع والخمس في الركوع عالم ببطلان صلاته حين الشكّ ، بمعنى أنّه بمجرّد طروّ صفة الشكّ له يعلم ببطلان صلاته ، فلا خفاء في وضوح خلافه ، ضرورة أنّه يحتمل أن تكون الركعة التي بيده ركعة رابعة وكان الركوع الذي هو فيه ركوعها ، وعلى هذا التقدير لا تكون صلاته باطلة بوجه ، فلا يكون كلّ من طرفي الاحتمال هو البطلان .
(الصفحة 503)
وإن كان المراد أنّه بعد معاملته كالشاك بين الثلاث والأربع بإلغاء الركوع ، يعلم إجمالاً ببطلان صلاته ، إما من جهة زيادة الركوع ، وإمّا من جهة نقص السجدتين .
فيرد عليه أنّ مقتضى معاملة الشاك بين الثلاث والأربع هو البناء على كون الركعة السابقة ركعة رابعة ، ومرجعها إلى عدم كون الركوع الزائد مبطلاً على تقدير زيادته . فإجراء تلك الأخبار يستلزم إلغاء مانعية الركوع فتأمّل .
رابعها : الشكّ بين الثلاث والأربع
حكمه في جميع فروضه هو البناء على الأربع ثمّ الاتيان بعد الفراغ بركعة قائماً ، أو ركعتين جالساً; والنصّ والفتوى(1) متطابقان فيه ، والنصوص الواردة في هذا الباب الخالية من الاضطراب والاشكال ثلاثة :
1 ـ رواية عبدالرحمن بن سيّابة وأبي العباس جميعاً عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ـ إلى أن قال : ـ وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلِّ ركعتين وأنت جالس»(2) .
2 ـ مرسلة جميل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال فيمن لا يدري أثلاثاً صلّى أم أربعاً ووهمه في ذلك سواء قال : فقال : «إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ، إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس . . .»(3) .
- (1) الانتصار : 156; الخلاف 1 : 445; الكافي في الفقه : 148; المهذّب 1 : 155; الوسيلة : 102 ; المراسم : 89 ; السرائر 1 : 254; الجامع للشرائع : 87 ; المعتبر 2 : 392 ، تذكرة الفقهاء ، 3 : 343 مسألة 356 .
- (2) الكافي 3 : 353 ح 7 ; التهذيب 2 : 84 1 ح733 ; الوسائل 8 : 216 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح1 .
- (3) الكافي 3 : 353 ح9; التهذيب 2 : 184 ح734; الوسائل 8 : 216 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح2 .
(الصفحة 504)
3 ـ رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «إذا كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلّم ثم صلِّ ركعتين وأنت جالس ، تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب . . .»(1) .
ويظهر من جماعة من القدماء والمتأخّرين في هذه الصورة عدم تعيّن البناء على الأكثر ، بل هو مخيّر بينه وبين البناء على الأقلّ(2) ، كما يقول به سائر فرق المسلمين(3) غير الإمامية . وحكي هذا القول عن ابن بابويه والعماني(4) وفي محكيّ المدارك : أنّه لا يخلو من رجحان(5) ، وفي الكفاية : أنّه أقرب ، وفي الذخيرة : هو متّجه(6) .
ويرد عليه ـ مضافاً الى أنّ مرجع تجويز البناء على الأقلّ إلى اعتبار استصحاب عدم الزيادة في المقام ، ومعه لا وجه للإتيان بالركعة المحتملة مفصولة ـ إنّه مخالف للروايات الدالة صريحاً على وجوب البناء على الأكثر مع كونها موافقة للمشهور ومخالفة للعامّة ، فالأحوط بل الأقوى تعيّن البناء على الأكثر كما عليه المشهور .
ثمّ إنّه وقع الاختلاف في كيفية صلاة الاحتياط هنا ، وأنّه هل تجب الركعتان من جلوس أو تتعيّن الركعة من قيام ، أو يتخيّر بين الأمرين؟ وجوه بل أقوال ، فحكي عن المفيد وصاحب المراسم تعيين الركعة من قيام(7) ، وعن العماني والجعفي
- (1) الكافي 3 : 353 ح8 ; الوسائل 8 : 217 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح5 .
- (2) المقنع : 104; الفقيه 1 : 230 ح1022 ونقله عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة 2 : 382 .
- (3) المجموع 4 : 111; المغني لابن قدامة 1 : 703; الشرح الكبير 1 : 727 .
- (4) مختلف الشيعة 2 : 382 عن ابن الجنيد والصدوق; ولعلّ العمّاني مصحف اسكافي ; إذ ليس عن العماني في هذه المسألة عين ولا أثر.
- (5) مدارك الاحكام 4 : 259 .
- (6) ذخيرة المعاد : 377; كفاية الاحكام : 26 .
- (7) المقنعة : 146 ; المراسم : 87 .
(الصفحة 505)
وثقة الإسلام الكليني ووالد الصدوق تعيين الركعتين من جلوس(1) ، وفي محكيّ المفاتيح إنّه أحوط(2) .
ولكنّ المشهور هو التخيير بين الأمرين(3) ، ويدلّ عليه صريحاً مرسلة جميل المتقدّمة ، وبها يرفع اليد عن ظهور سائر الأخبار في التعيّن ، والإرسال فيها لا يقدح بعد كون المرسل هو الجميل ، كما أنّ المناقشة في سندها من جهة عليّ بن حديد بن حكيم مدفوعة بكونه ثقة مورداً للاعتماد في نقل الرواية .
ثمّ إنّك عرفت أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين صور المسألة التي هي عبارة عمّا لو كان الشكّ في حال القيام أو في الركوع أو بعده أو في السجدتين أو بينهما أو بعدهما ، وذلك لأنّ اعتبار تمامية الركعة إنّما كان بلحاظ لزوم إحراز الركعتين الأوليين ، لأنّهما لا تحتملان للسهو كما في الشكّ بين الإثنتين والثلاث في حال القيام مثلاً أو بلحاظ احتمال الزيادة كما في الشكّ بين الأربع والخمس قبل تمامية الركعة ، وأمّا في غير هذين الموردين فلا فرق بين الفروض أصلاً .
خامسها : الشكّ بين الإثنتين والثلاث بعد إكمال الركعة
المشهور أنّه يبني على الثلاث ، ويتمّ بإضافة ركعة اُخرى ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط التي هي ركعة من قيام أو ركعتان من جلوس .
- (1) الكافي 3 : 351 باب (السهو في الثلاث والأربع); وحكاه عن العمّاني ووالد الصدوق في مختلف الشيعة 2 : 384; وعن العمّاني والجعفي في الذكرى 4 : 79 ومفتاح الكرامة 3 : 350 ـ 351 .
- (2) مفاتيح الشرائع 1 : 179 .
- (3) الإنتصار : 156; الخلاف 1 : 445 مسألة 192; الغنية : 112; الجامع للشرائع : 87 ; الكافي في الفقه : 148; المهذّب 1 : 155; المراسم : 89 ; الوسيلة : 102; المعتبر 2 : 392; مختلف الشيعة 2 : 386; الدروس 1 : 202; مسالك الافهام 1 : 293 .
(الصفحة 506)
وهنا أقوال أُخر :
منها : ما حكي عن الصدوق في الفقيه ، من تجويزه البناء على الأقلّ أيضاً(1) .
ومنها : ما حكي عن والد الصدوق(رحمه الله) ، من التخيير بين البناء على الأقلّ والتشهّد في كلّ ركعة ، وبين البناء على الأكثر والعمل بمقتضاه(2) .
ومنها : ما عن المقنع إنّه قال : سئل الصادق(عليه السلام) عمّن لا يدري أثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال : «يعيد الصلاة ، قيل : وأين ما روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال : «إنّما ذاك في الثلاث والأربع»(3) .
وكيف كان ، فالأخبار الواردة في هذا الباب سبعة ، مع أنّه لا يظهر من شيء من تلك الأخبار الموافقة لمذهب المشهور ، ولذا حكي عن الذكرى أنّه قال : وأمّا الشكّ بين الإثنتين والثلاث فأجراه معظم الأصحاب مجرى الشكّ بين الثلاث والأربع ، ولم نقف فيه على رواية صريحة(4) .
أما الأخبار :
1 ـ ما رواه زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) ـ في حديث ـ قال : قلت له : رجل لايدري أثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ فقال : إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلّى الاُخرى ولا شيء عليه ويسلّم»(5) . والمراد من قوله : «مضى في الثالثة» يحتمل أن يكون هو المضيّ فيها ، بجعل الركعة التي بيده هي الركعة الرابعة ،
- (1) الفقيه 1 : 230 .
- (2) مفتاح الكرامة 3 : 352; مختلف الشيعة 2 : 384 .
- (3) المقنع : 101 .
- (4) الذكرى 4 : 78 .
- (5) الكافي 3 : 350 ح3; التهذيب 2 : 192 ح759; الإستبصار 1 : 375 ح1423; الوسائل 8 : 214 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب9 ح1 .