(الصفحة 51)
بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثم يصلّي العتمة بعد ذلك»(1) .
هذا ، والمراد بالسؤال هو نسيان الصلاة حتّى دخل وقت الصلاة التي بعدها ، فيشمل جميع الصور المفروضة في صحيحة زرارة المتقدّمة ، ويحتمل أن يكون المراد نسيانها حتى دخل وقت صلاة اُخرى ولو لم تكن بعدها ، بأن طال نسيانه إلى شهر أو سنة مثلا فتكون هذه الرواية أوسع دلالة من الرواية المتقدّمة .
والمراد بقوله: «حين يذكرها» هو ما عرفت في معنى قوله(عليه السلام) في رواية زرارة: «فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها» .
ومنها : رواية الحلبي(2) قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أمّ قوماً في العصر فذكر وهو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الأولى؟ قال : «فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف العصر وقد قضى القوم صلاتهم»(3) .
ومنها : رواية الحلبي أيضاً قال : سألته عن رجل نسي أن يصلّي الأولى حتّى صلّى العصر؟ قال : «فليجعل صلاته التي صلّى الأولى ثم ليستأنف العصر . . .»(4) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) في رجل دخل مع قوم ولم يكن صلّى هو الظهر والقوم يصلّون العصر يصلّي معهم؟ قال : «يجعل صلاته التي صلّى معهم الظهر ويصلّي هو بعد العصر»(5) .
ومنها : رواية حسن بن زياد الصيقل قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل
- (1) الكافي 3: 293 ح5، التهذيب 2: 269 ح1071، الوسائل 4: 291. أبواب المواقيت ب63 ح2.
- (2) المراد بالحلبي في سند الرواية هو عبيدالله بن علي الحلبي ، لرواية حمّاد عنه ، كما أنّ المراد به في سند الرواية التي بعدها هو محمد بن علي الحلبي لرواية ابن مسكان عنه، (منه) .
- (3) الكافي 3 : 294 ح7; والتهذيب 2 : 269 ح1072 وص 197 ح777; الوسائل 4 : 292. أبواب المواقيت ب63 ، ح3 .
- (4) التهذيب 2: 269 ح1074; الإستبصار 1: 287 ح1052; الوسائل 4: 292. أبواب المواقيت ب63 ح4.
- (5) التهذيب 2: 271 ح1078; الوسائل 4: 293. أبواب المواقيت ب63 ح6.
(الصفحة 52)
نسي الأولى حتى صلّى ركعتين من العصر؟ قال : «فليجعلها الأولى وليستأنف العصر». قلت : فإنّه نسي المغرب حتى صلّى ركعتين من العشاء ثم ذكر؟ قال : «فليتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب» . قال : قلت له : جعلت فداك، قلتَ ـ حين نسي الظهر ثم ذكر وهو في العصر ـ يجعلها الأولى ثم يستأنف، وقلتَ لهذا: يتمّ صلاته ثم ليقض بعد المغرب؟! فقال : «ليس هذا مثل هذا إنّ العصر ليس بعدها صلاة والعشاء بعدها صلاة»(1) .
هذا، والمراد بقوله : «فليتمّ صلاته» هو إتمامها عشاءً بإضافة الركعتين الأخيرتين إليهما ، وحينئذ فيكون مفعول قوله : «ثم ليقض» ، هو المغرب المذكور بعده ، وكلمة «بعد» مبنية على الضم والمضاف إليه محذوف ، فمعنى الرواية إنّه يجب عليه إتمام الصلاة التي شرع فيها بنية العشاء عشاءً ثم قضاء المغرب بعد العشاء ، والتعبير بالقضاء إنما هو لأنّ المعروف بين المسلمين تباين وقتي المغرب والعشاء ، وكذا الظهر والعصر ، لا كما يقول به الإمامية من الاشتراك .
وحينئذ فمرجع اعتراض السائل إلى أنّه ما الفرق بين المسألتين حيث قلت في الأولى بالعدول من العصر إلى الظهر ثم استئناف العصر ، وفي الثانية بعدم جواز العدول بل يتمّ صلاة العشاء ثم يأتي بالمغرب ؟ والمراد من الجواب ثبوت الفرق بينهما ، وهو انّه لا تجوز الصلاة بعد العصر إمّا على طريق الكراهة ، وإمّا على نحو الحرمة، بخلاف العشاء، فيرجع إلى أنّ القضاء بعد العصر إنما يكون مثل النافلة بعدها في الحرمة أو الكراهة ، بخلاف القضاء بعد العشاء .
ثم إنّ ما ذكرنا في معنى الرواية هو الذي يقتضيه ظاهرها بل صريحها كما هو واضح .
- (1) التهذيب 2: 270 ح1075; الوسائل 4: 293. أبواب المواقيت ب63 ح5.
(الصفحة 53)
وتوهّم كون المراد بوجوب إتمام صلاته هو وجوب إتمامها مغرباً بإضافة ركعة إليهما ، وبوجوب القضاء قضاء العشاء ، بأن تكون كلمة بعد مضافة إلى المغرب ، فلاتكون الرواية منافية للروايات المتقدّمة التي يدلّ أكثرها على العدول من العشاء إلى المغرب ، فيما لو ذكر في الأثناء أنّه فاتته منه صلاة المغرب .
يدفعه ـ مضافاً إلى أنّ الظاهر من قوله : «فليتمّ صلاته» هو إتمامها بالنية التي شرع فيها بتلك النية لا إتمامها بنية اُخرى ـ إنّه لا يكون حينئذ وجه لاعتراض السائل على الإمام(عليه السلام)، بأنّه ما الفرق بين المسألتين من حيث جواز العدول وعدمه ، كما هو غير خفيّ؟! وتوهّم كون مقصود السائل هو الاعتراض بأنّه ما الفرق بين العصر والعشاء حيث عبّرت في الأولى بالاستئناف ، وفي الثانية بالقضاء ؟، ممّا لا يخطر ببال أحد أصلا .
وكيف كان، فلو كان المراد من الرواية ما ذكرنا في معناها الذي مرجعه إلى التفصيل بين العصر والعشاء ، من حيث أنّه يجوز العدول من الأولى إلى الظهر ، ولايجوز العدول في الثانية إلى المغرب، تكون الرواية معرضاً عنها ، لعدم ذهاب أحد من الأصحاب إلى هذا التفصيل كما يظهر بمراجعة فتاويهم .
هذه مجموع النصوص الواردة في هذا المقام ، وقد ظهر لك أنّ مقتضى رواية زرارة جواز العدول من العصر إلى الظهر ، ومن العشاء إلى المغرب ، ومن الغداة إلى العشاء ، ومقتضى إطلاق رواية عبدالرحمان بن أبي عبدالله البصري الجواز في جميع هذه الصور ، بل أوسع منها بناءً على ثاني الاحتمالين المتقدمين ، وقد صرّح فيها أيضاً بالجواز في غير الصورة الأولى والأخيرة .
ورواية عبيدالله الحلبي تدلّ على جواز العدول في الصورة الأولى ، ومقتضى رواية الصيقل أيضاً كذلك ، وأمّا رواية محمّد بن علي الحلبي ، فهي ظاهرة في العدول بعد الفراغ من المعدول عنه ، وهكذا روايتا زرارة ، ولكن قد عرفت أنّ
(الصفحة 54)
القول بالجواز ولو بعد الفراغ في غاية الشذوذ، بل لا إعتناء به أصلا ، لكون القائل به من المتأخّرين(1) ، فظهر لك أنّ صحيحة زرارة الطويلة متفرّدة بالتصريح بجواز العدول في جميع الصور المتقدّمة .
إذا عرفت جميع ذلك ، فاعلم أنّه لا محيص عن الأخذ بمقتضى الروايات ، والحكم بجواز العدول ، ويؤيده ذهاب جمع كثير من قدماء الأصحاب كالشيخ في النهاية وغيره من الأكابر إلى الجواز(2) . وأمّا المفيد والمرتضى وبعض آخر ، فلم يتعرّضوا هذه المسألة أصلا .
وأمّا المتأخّرين فقد استقر الفتوى بذلك من زمان المحقّق(قدس سره) إلى زمانهم من غير خلاف(3) ، وحينئذ فلا إشكال في جواز العدول في الجملة .
نعم وقع الإشكال في أنّه هل يكون ذلك في خصوص مورد الروايات ، وهو ما إذا فاتته الفريضة السابقة على الفريضة المعدول عنها المتصلة بها بحيث توجّه التكليف بها إليه بعد توجّهه إلى المعدول إليها من دون أن يقع في الوسط تكليف متوجّه إليه متعلّق بالصلاة ، أو يتعدّى إلى ما كان بينهما بعض التكاليف الاُخر الذي امتثله ، كالعدول من المغرب إلى الظهر ، أو من العشاء إليه ، أو إلى العصر ، أو من الغداة إليهما ، أو إلى المغرب ، بل يتعدّى إلى ما كان المعدول إليه فائتاً قبل هذا اليوم بيوم أو أيّام ، بل ولو بشهر أو سنة أو أزيد؟ وجهان ، والظاهر هو الأول ، لما عرفت في صدر المسألة من كون جواز العدول على خلاف القاعدة ، ولا يجوز التعدّي عن موارد الترخيص أصلا .
- (1) راجع 2 : 50 .
- (2) النهاية: 125 ـ 126; المهذّب 1: 126; الكافي في الفقه: 150; السرائر 1: 239.
- (3) شرائع الاسلام 1: 54; المنتهى 1: 422; الروضة 1: 356; مدارك الأحكام 3: 116; مفاتيح الشرائع 1: 96; كشف اللثام 3: 85 ; مستند الشيعة 4: 143; مسالك الافهام 1: 148; جواهر الكلام 7: 315 ـ 317.
(الصفحة 55)
ثم إنّ مقتضى الروايات المتقدّمة الدالة على جواز العدول هل يكون جوازه في خصوص ما إذا شرع في المعدول عنه في الوقت المشترك بينه وبين المعدول إليه ، أو يعمّ ما إذا شرع في الأول ، ولو في الوقت المختصّ بالثاني؟ كأن نوى العصر بتخيل الإتيان بالظهر في الوقت المختصّ بها بناءً على القول باختصاص أوّل الوقت بها ، كما هو المشهور(1) ، وأمّا بناءً على الاشتراك في جميع الوقت من أوّله إلى آخره ، كما يقول به الصدوقان(2) ، فلا إشكال في جواز العدول ، لعدم الفرق بين أجزاء الوقت .
قد يقال بالاختصاص ، بما إذا وقع في الوقت المشترك نظراً إلى أنّ مقتضى الأخبار أنّ العدول إلى الفريضة السابقة إنما يصحّح خصوصية الترتيب المعتبر في صحة الصلاة اللاحقة كالعصر مثلا ، وبعبارة اُخرى ، إنّ الترتيب معتبر في صحة الصلاة اللاحقة ، واعتباره إنما هو في حال الذكر فقط ، ولذا لو تذكّر بعد الفراغ عن العصر تكون صلاته صحيحة ، ويجب عليه الإتيان بالظهر بعدها .
وحينئذ فالروايات الدالة على جواز العدول في الأثناء تدلّ على أنّه لو تذكّر في الأثناء يمكن له مراعاة هذا الشرط بجعلها الصلاة الأولى ثم الإتيان بالثانية ، فالعدول إنما يؤثر في مراعاة هذا القيد فقط ، وأمّا لو كانت صلاة العصر مثلا فاقدة لبعض الشرائط الاُخر أيضاً ، كوقوعها في غير وقتها ، فلا يؤثر العدول أصلا ، كما إذا كانت فاقدة للطهارة ، أو للقبلة ، أو لغيرهما من الشرائط .
وبالجملة : فمقتضى إطلاق أدلة العدول جوازه ، فيما لو تحقق لوقعت الصلاة التي عدل إليها واجدة للشرائط المعتبرة فيها ، وأمّا وقوع المعدول عنها فاقدة لبعض
- (1) الخلاف 1: 257. مسألة 4; المبسوط 1: 72; الغنية: 69; السرائر 1: 195; المعتبر 2: 27; كشف اللثام 3: 69; مستند الشيعة 4: 22; مسالك الأفهام 1: 138; رياض المسائل 3: 33.
- (2) المقنع : 106 ـ 107; الهداية: 127; وحكاه عن الصدوقين في رياض المسائل 3: 35،
- ولكن في المختلف حكاه عن أبي جعفر ابن بابويه فقط.