(الصفحة 517)
يرتفع بالنسبة إلى الصلاة الرابعة وما بعدها من الصلوات ، كما أنّه يستفاد من رواية عمّار المتقدّمة أنّ الكثرة تتحقق أيضاً بالشكّ في الأفعال ، لأنّ المفروض فيها هو الشكّ في الركوع والسجود ونحوهما .
والظاهر أنّ المراد بالشكّ في الركوع المذكور فيه ليس الشكّ الذي دخل في تحقق موضوع الكثرة ، إذ حينئذ لا يكون وجه لعدم ترتيب الأثر عليه ما دام لم يتحقق ، كما هو المذكور في الرواية ، حيث وقع النهي فيها عن السجود والركوع والأمر بالمضيّ في الصلاة حتى يستيقن يقيناً .
ثمّ إنّ الشكّ مع قطع النظر عن الكثرة قد يترتّب عليه وجوب إعادة أصل الصلاة ، وقد يترتّب عليه وجوب تدارك الفعل المشكوك في حال الصلاة ، وقد يترتّب عليه وجوب سجدتي السهو بعد الصلاة كما في الشكّ بين الأربع والخمس على ما عرفت ، وقد لا يترتّب عليه شيء كما إذا كان بعد تجاوز المحل .
لا إشكال في تحقق موضوع الكثرة المؤثّر في رفع الحكم المترتّب على الشكّ عدا الصورة الأخيرة من هذه الصور الأربعة ، وأمّا فيها فيشكل ذلك نظراً إلى أنّ الشكّ فيها لا يترتب عليه حكم حتّى يرتفع مع الكثرة ، فلو تكرّر منه الشكّ في السجود مثلاً بعد التجاوز عن محله لا يصير بذلك كثير الشكّ ، فلو شكّ فيه بعد ذلك قبل التجاوز يعمل عمل الشاك ويرجع لتداركه ، كما أنّه لو كان شكّه المتكرّر بالنسبة إلى فعل خاصّ ، فالظاهر أنّه لا يعامل مع الأفعال الاُخر أيضاً معاملة كثير الشكّ ، بل يعمل معها عمل الشاكّ كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه هل يلحق بكثير الشكّ ـ في عدم ترتّب حكم الشكّ عليه ـ كثير الظنّ ، فلا يترتّب على ظنّه الكثير ما يترتّب على الظنّ مع قطع النظر عن الكثرة ، أو أنّ ارتفاع الحكم بسبب الكثرة إنّما هو في خصوص الشكّ؟ وجهان :
الظاهر هو الوجه الأوّل فيما لو تعلّق ظنّه بالبطلان أو بعدم الإتيان بما يجب
(الصفحة 518)
عليه الإتيان به ، وذلك لما يستفاد من التعليل الوارد في بعض الأخبار المتقدّمة من أنّ منشأ ذلك هو الشيطان(1) ، وهو يريد أن يطاع ، والاعتناء به إطاعة له ، وحينئذ فلا يبعد الإلحاق من جهة تنقيح المناط .
ثمّ إنّه هل يتعيّن على كثير الشكّ المضيّ في الصلاة وعدم الاعتناء بشكّه ، أو أنّ الأمر بالمضي مجرّد ترخيص من الشارع ، فيتخيّر بين عدم الاعتناء وبين الاعتناء ، والعمل بمقتضى شكّه إن فاسداً ففاسدٌ ، وإن احتياطاً فاحتياطٌ ، وإن تداركاً فتداركٌ ، كما ربّما ينسب إلى بعض الأعاظم(2)؟ وجهان :
الظاهر من الروايات هو الوجه الأوّل ، وعليه فلو اعتنى بشكّه وأتى بالمشكوك مع عدم التجاوز عن المحل ، وكان ركناً كالركوع ونحوه ، بطلت صلاته من جهة زيادة الركن ، لأنّ مرجع الأمر بالمضيّ مع كثرة الشكّ إلى رفع اليد عن جزئية الركوع ، وكون الصلاة في حق كثير الشكّ هي الصلاة ، ولو كانت فاقدة للركوع ، فالاتيان بالمشكوك مع ذلك إتيان بما هو زائد على الصلاة المأمور بها في حقّه ، وزيادة الركن مبطلة ، نعم لو لم يكن المشكوك من الأجزاء الركنية وأتى به بقصد القربة كالقراءة ، فالظاهر صحّة صلاته .
شكّ الإمام مع حفظ المأموم وبالعكس
هذا النوع من الشك; من جملة الشكوك التي لا اعتبار بها أو قامت الأمارة على أحد طرفيها ، ولا يخفى أنّه لم يوجد بعد التتبع في كتب القدماء من الأصحاب رضوان الله عليهم التعرّض لهذه المسألة أصلاً . نعم ذكره الشيخ الطوسي(رحمه الله) في
- (1) الوسائل 8 : 228 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح2 .
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 418 .
(الصفحة 519)
كتابي النهاية والمبسوط .
قال في المبسوط فيما إذا سهى الإمام بما يوجب سجدتي السهو : فإن كان المأموم ذاكراً ذكّر الإمام ونبّهه عليه ، ووجب على الإمام الرجوع إليه(1) .
فإنّ وجوب الرجوع إلى المأموم إنّما هو في صورة الشكّ والتردّد ، لا التذكّر والعلم بالواقع ، فمفاده أنّ الإمام مع الشكّ يرجع إلى المأموم إذا كان ذاكراً .
وقال في النهاية : ولا سهو على من صلّى خلف إمام يقتدى به ، وكذلك لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه ، فإن سهى الامام والمأمومون كلّهم أو أكثرهم أعادوا الصلاة احتياطاً(2) .
وهذه العبارة وإن كان لها ظهور في المقام ، إلاّ أنّ ذيلها لا يخلو من النظر ، لأنّه لم يعلم وجه الإعادة فيما إذا سهى الإمام والمأمومون ، كما أنّ عبارة المبسوط لا تكون وافية بجميع المدّعى كما هو غير خفيّ .
نعم قال الشيخ في الاقتصاد : ومن سهى في صلاة خلف إمام يقتدى به لا سهو عليه ، وكذا لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه(3) . وهذه العبارة تدلّ بتمامها على المدّعى في المقام .
وأمّا المتأخّرون فقد تعرّضوا للمسألة ، وهم بين من نسب إلى الأصحاب القطع بذلك ، كما في المحكي عن المدارك والذخيرة(4) ، وبين من نسب هذا الحكم إلى الأصحاب كما في محكيّ كشف الالتباس(5) ، وبين من نفى الخلاف فيه كما فيما حكي
- (1) المبسوط1 : 124 .
- (2) النهاية : 93 ـ 94 .
- (3) الاقتصاد : 266 .
- (4) مدارك الاحكام 4 : 269; ذخيرة المعاد : 369; مستند الشيعة 7 : 213 .
- (5) مفتاح الكرامة 3 : 341; حكاه عنه .
(الصفحة 520)
عن المفاتيح والرياض(1) .
وليعلم أنّ ذلك إنّما هو فيما يتعلّق الشك بكلّ من الإمام أو المأموم مع حفظ الآخر ، وأمّا مسألة صدور موجب سجدة السهو من واحد منهما دون الآخر فقد كانت مبحوثاً عنها بين القدماء(2) أيضاً ، وحكي عن فقهاء الجمهور أنّه يجب على المأموم متابعة الإمام في سجود السهو ، وإن لم يعرض له السبب(3) .
ولا يجب على المأموم سجود السهو لو اختصّ بعروض السبب على خلاف فيه من مكحول الشامي حيث حكي عنه أنّه قال : إن قام مع قعود إمامه سجد للسهو(4) . كما أنّه وقع الخلاف فيما لو عرض السهو لكلّ منهما ، وكذا بالنسبة إلى المأموم فيما لو عرض السهو للإمام فيما بقي من صلاته ، مع كون المأموم مسبوقاً بأن لحق المأموم مع الإمام ركعة أو ما زاد عليها ثمّ سهى الإمام فيما بقي عليه .
وقد تعرّض الشيخ أكثر هذه الفروع في كتاب الخلاف ، ولكنّ تعليله لعدم وجوب المتابعة في الفرع الأخير لا يخلو من إجمال بل اضطراب ، ولكنّه تعرّض لها في المبسوط بنحو أحسن وأصحّ ، ولا بأس بنقل عبارته في الكتابين فنقول :
قال الشيخ في الخلاف : إذا لحق المأموم مع الإمام ركعة أو ما زاد عليها ثمّ سهى الإمام فيما بقي عليه ، فإذا سلّم الإمام وسجد سجدتي السهو لا يلزمه أن يتبعه ، وكذلك إن تركه متعمّداً أو ساهياً لا يلزمه ذلك ، وبه قال ابن سيرين . وقال باقي الفقهاء : إنّه يتبعه في ذلك .
- (1) مفاتيح الشرائع 1 : 179; رياض المسائل 4 : 255; مستند الشيعة 7 : 213; الحدائق 9 : 268 .
- (2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3 : 35; الخلاف 1 : 463 مسألة 206; المبسوط 1 : 123; المعتبر 2 : 394 ـ 395; الذكرى 4 : 57 ـ 61 .
- (3) المجموع 4 : 146; المغني لابن قدامة 1 : 731; الشرح الكبير 1 : 730; بداية المجتهد 1 : 200; تذكرة الفقهاء 3 : 326 .
- (4) بداية المجتهد 1 : 271 .
(الصفحة 521)
دليلنا : انّه قد ثبت أنّ سجدتي السهو لا تكونان إلاّ بعد التسليم ، فإذا سلّم الإمام خرج المأموم فيما بقي من أن يكون مقتدياً به ، فلا يلزمه أن يسجد بسجوده(1) .
وقال في المبسوط ـ فيما إذا دخل المأموم على الإمام في أثناء صلاته ، فيه مسئلتان; إحداهما : إذا سهى الإمام فيما بقي من الصلاة . والثانية : وهي إذا كان قد سهى فيما مضى قبل دخول المأموم في صلاته معه ـ ما هذا لفظه في المسألة الاُولى : فإذا سلّم الإمام وسجد للسهو لم يتّبعه المأموم في هذه الحالة ، ويؤخّر حتّى تمّم صلاته ، ويأتي بسجدتي السهو ، لأنّ سجدتي السهو لا تكونان إلاّ بعد التسليم ، وهو لم يسلّم بعد ، لأنّ عليه فائتاً من الصلاة يحتاج أن يتمّمه ، فإن أخلّ الإمام بسجدتي السهو عامداً أو ساهياً أتى بهما المأموم إذا فرغ من الصلاة ، لأنّهما جبران للصلاة ، ولا يجوز تركهما(2) .
ولنرجع إلى ما كنّا فيه ونقول : إنّ الدليل في المقام هي الروايات الصادرة عن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وهي :
1 ـ ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل أبا عبدالله(عليه السلام) عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس فيسبّح إثنان على أنّهم صلّوا ثلاثاً ، ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعاً ، يقولون هؤلاء : قوموا ، ويقولون هؤلاء : اُقعدوا ، والإمام مائل مع أحدهما ، أو معتدل الوهم ، فما يجب عليهم؟ قال : ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق (بايقان خ ل) منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب سهو ، ولا في الفجر سهو ، ولا في
- (1) الخلاف 1 : 464 مسألة 208 .
- (2) المبسوط1 : 124 .