(الصفحة 53)
وتوهّم كون المراد بوجوب إتمام صلاته هو وجوب إتمامها مغرباً بإضافة ركعة إليهما ، وبوجوب القضاء قضاء العشاء ، بأن تكون كلمة بعد مضافة إلى المغرب ، فلاتكون الرواية منافية للروايات المتقدّمة التي يدلّ أكثرها على العدول من العشاء إلى المغرب ، فيما لو ذكر في الأثناء أنّه فاتته منه صلاة المغرب .
يدفعه ـ مضافاً إلى أنّ الظاهر من قوله : «فليتمّ صلاته» هو إتمامها بالنية التي شرع فيها بتلك النية لا إتمامها بنية اُخرى ـ إنّه لا يكون حينئذ وجه لاعتراض السائل على الإمام(عليه السلام)، بأنّه ما الفرق بين المسألتين من حيث جواز العدول وعدمه ، كما هو غير خفيّ؟! وتوهّم كون مقصود السائل هو الاعتراض بأنّه ما الفرق بين العصر والعشاء حيث عبّرت في الأولى بالاستئناف ، وفي الثانية بالقضاء ؟، ممّا لا يخطر ببال أحد أصلا .
وكيف كان، فلو كان المراد من الرواية ما ذكرنا في معناها الذي مرجعه إلى التفصيل بين العصر والعشاء ، من حيث أنّه يجوز العدول من الأولى إلى الظهر ، ولايجوز العدول في الثانية إلى المغرب، تكون الرواية معرضاً عنها ، لعدم ذهاب أحد من الأصحاب إلى هذا التفصيل كما يظهر بمراجعة فتاويهم .
هذه مجموع النصوص الواردة في هذا المقام ، وقد ظهر لك أنّ مقتضى رواية زرارة جواز العدول من العصر إلى الظهر ، ومن العشاء إلى المغرب ، ومن الغداة إلى العشاء ، ومقتضى إطلاق رواية عبدالرحمان بن أبي عبدالله البصري الجواز في جميع هذه الصور ، بل أوسع منها بناءً على ثاني الاحتمالين المتقدمين ، وقد صرّح فيها أيضاً بالجواز في غير الصورة الأولى والأخيرة .
ورواية عبيدالله الحلبي تدلّ على جواز العدول في الصورة الأولى ، ومقتضى رواية الصيقل أيضاً كذلك ، وأمّا رواية محمّد بن علي الحلبي ، فهي ظاهرة في العدول بعد الفراغ من المعدول عنه ، وهكذا روايتا زرارة ، ولكن قد عرفت أنّ
(الصفحة 54)
القول بالجواز ولو بعد الفراغ في غاية الشذوذ، بل لا إعتناء به أصلا ، لكون القائل به من المتأخّرين(1) ، فظهر لك أنّ صحيحة زرارة الطويلة متفرّدة بالتصريح بجواز العدول في جميع الصور المتقدّمة .
إذا عرفت جميع ذلك ، فاعلم أنّه لا محيص عن الأخذ بمقتضى الروايات ، والحكم بجواز العدول ، ويؤيده ذهاب جمع كثير من قدماء الأصحاب كالشيخ في النهاية وغيره من الأكابر إلى الجواز(2) . وأمّا المفيد والمرتضى وبعض آخر ، فلم يتعرّضوا هذه المسألة أصلا .
وأمّا المتأخّرين فقد استقر الفتوى بذلك من زمان المحقّق(قدس سره) إلى زمانهم من غير خلاف(3) ، وحينئذ فلا إشكال في جواز العدول في الجملة .
نعم وقع الإشكال في أنّه هل يكون ذلك في خصوص مورد الروايات ، وهو ما إذا فاتته الفريضة السابقة على الفريضة المعدول عنها المتصلة بها بحيث توجّه التكليف بها إليه بعد توجّهه إلى المعدول إليها من دون أن يقع في الوسط تكليف متوجّه إليه متعلّق بالصلاة ، أو يتعدّى إلى ما كان بينهما بعض التكاليف الاُخر الذي امتثله ، كالعدول من المغرب إلى الظهر ، أو من العشاء إليه ، أو إلى العصر ، أو من الغداة إليهما ، أو إلى المغرب ، بل يتعدّى إلى ما كان المعدول إليه فائتاً قبل هذا اليوم بيوم أو أيّام ، بل ولو بشهر أو سنة أو أزيد؟ وجهان ، والظاهر هو الأول ، لما عرفت في صدر المسألة من كون جواز العدول على خلاف القاعدة ، ولا يجوز التعدّي عن موارد الترخيص أصلا .
- (1) راجع 2 : 50 .
- (2) النهاية: 125 ـ 126; المهذّب 1: 126; الكافي في الفقه: 150; السرائر 1: 239.
- (3) شرائع الاسلام 1: 54; المنتهى 1: 422; الروضة 1: 356; مدارك الأحكام 3: 116; مفاتيح الشرائع 1: 96; كشف اللثام 3: 85 ; مستند الشيعة 4: 143; مسالك الافهام 1: 148; جواهر الكلام 7: 315 ـ 317.
(الصفحة 55)
ثم إنّ مقتضى الروايات المتقدّمة الدالة على جواز العدول هل يكون جوازه في خصوص ما إذا شرع في المعدول عنه في الوقت المشترك بينه وبين المعدول إليه ، أو يعمّ ما إذا شرع في الأول ، ولو في الوقت المختصّ بالثاني؟ كأن نوى العصر بتخيل الإتيان بالظهر في الوقت المختصّ بها بناءً على القول باختصاص أوّل الوقت بها ، كما هو المشهور(1) ، وأمّا بناءً على الاشتراك في جميع الوقت من أوّله إلى آخره ، كما يقول به الصدوقان(2) ، فلا إشكال في جواز العدول ، لعدم الفرق بين أجزاء الوقت .
قد يقال بالاختصاص ، بما إذا وقع في الوقت المشترك نظراً إلى أنّ مقتضى الأخبار أنّ العدول إلى الفريضة السابقة إنما يصحّح خصوصية الترتيب المعتبر في صحة الصلاة اللاحقة كالعصر مثلا ، وبعبارة اُخرى ، إنّ الترتيب معتبر في صحة الصلاة اللاحقة ، واعتباره إنما هو في حال الذكر فقط ، ولذا لو تذكّر بعد الفراغ عن العصر تكون صلاته صحيحة ، ويجب عليه الإتيان بالظهر بعدها .
وحينئذ فالروايات الدالة على جواز العدول في الأثناء تدلّ على أنّه لو تذكّر في الأثناء يمكن له مراعاة هذا الشرط بجعلها الصلاة الأولى ثم الإتيان بالثانية ، فالعدول إنما يؤثر في مراعاة هذا القيد فقط ، وأمّا لو كانت صلاة العصر مثلا فاقدة لبعض الشرائط الاُخر أيضاً ، كوقوعها في غير وقتها ، فلا يؤثر العدول أصلا ، كما إذا كانت فاقدة للطهارة ، أو للقبلة ، أو لغيرهما من الشرائط .
وبالجملة : فمقتضى إطلاق أدلة العدول جوازه ، فيما لو تحقق لوقعت الصلاة التي عدل إليها واجدة للشرائط المعتبرة فيها ، وأمّا وقوع المعدول عنها فاقدة لبعض
- (1) الخلاف 1: 257. مسألة 4; المبسوط 1: 72; الغنية: 69; السرائر 1: 195; المعتبر 2: 27; كشف اللثام 3: 69; مستند الشيعة 4: 22; مسالك الأفهام 1: 138; رياض المسائل 3: 33.
- (2) المقنع : 106 ـ 107; الهداية: 127; وحكاه عن الصدوقين في رياض المسائل 3: 35،
- ولكن في المختلف حكاه عن أبي جعفر ابن بابويه فقط.
(الصفحة 56)
الشرائط المعتبرة في خصوصها ، فلا يضرّ أصلا بعد فرض أنّ العدول يؤثر في صيرورة الصلاة من أولها إلى آخرها ، الصلاة الأولى كما عرفت .
إن قلت : لا مجال لإنكار ظهور أدلة العدول بأنه لولا التذكّر في الأثناء المجوّز للعدول ، لوقعت المعدول عنها صحيحة ، وذلك يقتضي كونها واجدة للشرائط المعتبرة فيها مطلقاً في حال الذكر والنسيان ، والوقت من جملتها ، وإن شئت قلت : إنّ الأدلة متضمنة لجواز العدول من العصر إلى الظهر مثلا ، فاللاّزم أن تكون الصلاة صلاة العصر حتّى يجوز العدول عنها إلى الظهر ، ومن المعلوم أنّ مجرّد نية العصر لا تؤثر ما لم تكن واجدة لسائر الشرائط التي من جملتها الوقت ، إلاّ بناءً على قول الأعمّي كما لا يخفى ، مضافاً إلى ضعف التمسّك بالإطلاق مع كون الفرض من الفروض النادرة، خصوصاً مع كون المعروف بين المسلمين في وقت صلاة العصر هو الإتيان بها في أواسط الوقت ، فالإتيان بها في الوقت المختصّ بالظهر في غاية الندرة.
قلت : وقوع صلاة العصر في الوقت المختصّ بالظهر إنما يؤثر في بطلانها لو لم يعدل في أثنائها إلى السابقة التي تكون واقعة في وقتها ، وإلاّ فمع العدول لا دليل على بطلانها من الأول . وبعبارة اُخرى عروض البطلان للصلاة اللاحقة الواقعة في غير وقتها إنما يكون مراعى ببقائها إلى آخرها بعنوانها ، وأمّا لو عدل عنها في الأثناء إلى غيرها السابق عليها فلا دليل على البطلان أصلا . نعم ما ذكره من منع الإطلاق لكون الفرض من الفروض النادرة ممّا لا بأس به ، بل الظاهر ذلك كما لا يخفى .
ثم إنّ هذا كلّه فيما لو تذكّر في الأثناء ولم يتجاوز محل العدول ، وأمّا لو تجاوزه كأن تذكّر في العشاء بعد الركوع الأخير ، أو بعد السجدتين الأخيرتين ، إنّه فاتت منه صلاة المغرب ، قال صاحب الجواهر في رسالة نجاة العباد بوجوب الاتمام
(الصفحة 57)
والاتيان بالسابقة بعدها(1) ، وذكر السيد(قدس سره) في حاشية تلك الرسالة أنّ الأحوط إعادة اللاحقة أيضاً(2) .
هذا، والظاهر إنّه لم يقل أحد ببطلان اللاحقة ووجوب الإتيان بها بعد السابقة ، وتحقيق المسألة أن يقال : إنّ مقتضى بعض الأخبار المتقدّمة(3) ، أنّه لو نسي المغرب حتّى صلّى العشاء وفرغ منها ، يأتي بالمغرب بعدها ولا يجب إعادة العشاء ، كما يدلّ عليه أيضاً صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) الواردة في الخلل الدالة على أنّه «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود»(4) والشرط المفقود في المقام ليس من الخمس المذكور فيها .
فالمستفاد منهما أنّ اعتبار الترتيب الذي يستفاد من قوله(عليه السلام) : «إذا زالت الشمس . فقد دخل وقت الصلاتين، إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(5) ، مختصّ بحال الذكر ، ويسقط فيما لو ذهل عن الواقع وأتى بالعشاء قبل المغرب ، وحينئذ فلا إشكال في سقوط شرطية الترتيب مع الغفلة عن الواقع ، حتّى فرغ من صلاة العشاء .
وإنما الإشكال فيما لو تذكّر في الأثناء ، فنقول : لو فرض أنّه لم يدلّ دليل على جواز العدول ، وقلنا بعدم جوازه كما عرفت أنّه مقتضى القاعدة ، فهل يستفاد من صحيحة زرارة الدالة على السقوط لو تذكّر بعد الفراغ ، وكذا من حديث لا تعاد عدم وجوب الإعادة ، لو زالت غفلته في الأثناء ، وسقوط شرطية الترتيب مع التذكر قبل الفراغ؟
الظاهر نعم ، فإنّه لا يختصّ حديث لا تعاد بالتذكّر بعد الفراغ ، فإنّه لو تذكّر في
- (1 و 2) نجاة العباد : 112 ، أحكام النية .
- (3) الوسائل 4 : 289. أبواب المواقيت ب62 ح6 .
- (4) الفقيه 1 : 181 ح857 ; التهذيب 2 : 152 ح597; الوسائل 4 : 312. أبواب القبلة ب9 ح1.
- (5) التهذيب 2 : 27 ح78; الاستبصار 1 : 262 ح941; الوسائل 4 : 181. أبواب المواقيت ب16 ح24 .