(الصفحة 57)
والاتيان بالسابقة بعدها(1) ، وذكر السيد(قدس سره) في حاشية تلك الرسالة أنّ الأحوط إعادة اللاحقة أيضاً(2) .
هذا، والظاهر إنّه لم يقل أحد ببطلان اللاحقة ووجوب الإتيان بها بعد السابقة ، وتحقيق المسألة أن يقال : إنّ مقتضى بعض الأخبار المتقدّمة(3) ، أنّه لو نسي المغرب حتّى صلّى العشاء وفرغ منها ، يأتي بالمغرب بعدها ولا يجب إعادة العشاء ، كما يدلّ عليه أيضاً صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) الواردة في الخلل الدالة على أنّه «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود»(4) والشرط المفقود في المقام ليس من الخمس المذكور فيها .
فالمستفاد منهما أنّ اعتبار الترتيب الذي يستفاد من قوله(عليه السلام) : «إذا زالت الشمس . فقد دخل وقت الصلاتين، إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(5) ، مختصّ بحال الذكر ، ويسقط فيما لو ذهل عن الواقع وأتى بالعشاء قبل المغرب ، وحينئذ فلا إشكال في سقوط شرطية الترتيب مع الغفلة عن الواقع ، حتّى فرغ من صلاة العشاء .
وإنما الإشكال فيما لو تذكّر في الأثناء ، فنقول : لو فرض أنّه لم يدلّ دليل على جواز العدول ، وقلنا بعدم جوازه كما عرفت أنّه مقتضى القاعدة ، فهل يستفاد من صحيحة زرارة الدالة على السقوط لو تذكّر بعد الفراغ ، وكذا من حديث لا تعاد عدم وجوب الإعادة ، لو زالت غفلته في الأثناء ، وسقوط شرطية الترتيب مع التذكر قبل الفراغ؟
الظاهر نعم ، فإنّه لا يختصّ حديث لا تعاد بالتذكّر بعد الفراغ ، فإنّه لو تذكّر في
- (1 و 2) نجاة العباد : 112 ، أحكام النية .
- (3) الوسائل 4 : 289. أبواب المواقيت ب62 ح6 .
- (4) الفقيه 1 : 181 ح857 ; التهذيب 2 : 152 ح597; الوسائل 4 : 312. أبواب القبلة ب9 ح1.
- (5) التهذيب 2 : 27 ح78; الاستبصار 1 : 262 ح941; الوسائل 4 : 181. أبواب المواقيت ب16 ح24 .
(الصفحة 58)
الركعة الثانية مثلا أنه لم يقرأ في الركعة الأولى ، فلا إشكال في عدم وجوب الإعادة للحديث المذكور ، فكذا لو تذكّر في الأثناء أنّه فات عنه بعض الشرائط ما عدا الثلاثة المذكورة فيها ، فلا يجب عليه الإعادة .
وحيث إنّ الروايات تدلّ على جواز العدول ، ومن المعلوم أنّ مورده فيما إذا لم يتجاوز محلّه . ففي غير هذا المورد ـ وهو ما إذا تجاوز محلّ العدول ـ نقول : إنّ مقتضى حديث لا تعاد عدم وجوب الإعادة ، لما عرفت من أنّه لو لم يكن في البين ما يدلّ على جواز العدول ، لقلنا بعدم جوازه ، وعدم وجوب الإعادة في موارد إمكان العدول أيضاً ، فالحكم بالصحة وعدم وجوب الإعادة في المسألة لايخلو من قوّة .
نعم يمكن أن يقال : إنّ الأدلة الدالة على شرطية الترتيب مطلقة ، والقدر المتيقّن من التقييد الذي يدلّ عليه حديث لا تعاد ، إنما هو فيما إذا تذكّر بعد الفراغ ، وأمّا لو علم في الأثناء فلم يعلم من الحديث تقييدها به أيضاً ، فالواجب الرجوع إليها كما لا يخفى . هذا ، ولكن عرفت أنّ الصحة لا تخلو من القوّة ، لما ذكرنا في وجهها .
فرع
لو صلّى بنية العصر مثلا ، فتخيّل في الأثناء أنّه لم يأت بالظهر ، فعدل عن العصر إليها ، ثم تذكّر أنّه أتى بالظهر قبل العصر ، فهل تقع هذه الصلاة فاسدة بحيث يجب عليه إعادة العصر ، أو تقع صحيحة بعنوان العصر بعد العدول إليها أيضاً؟ وجهان :
يظهر الوجه الثاني من صاحب الجواهر(قدس سره) في رسالة نجاة العباد ، حيث قال فيها : ولو عدل بزعم تحقق موضع العدول ، فبان الخلاف بعد الفراغ ، أو في الأثناء ،
(الصفحة 59)
كما لو عدل بالعصر إلى الظهر ، ثم بان له أنّه صلاّها ، فالأقوى صحتها عصراً ، والأحوط الاستئناف(1) .
هذا ، ولكن الظاهر هو الوجه الأول ، لعدم استدامة نية العصر بعد العدول عنها إلى الظهر ، ولو بزعم عدم الإتيان بها ، ولم يدلّ دليل على كفاية النية بعد التذكّر ، فالظاهر البطلان ووجوب الإعادة .
ثم إنّ مقتضى الأدلة المتقدّمة ، جواز العدول من الفريضة اللاحقة الحاضرة ، إلى الفريضة السابقة الفائتة ، وأمّا العدول من الفريضة السابقة إلى اللاحقة ، كما إذا شرع في الصلاة بنية الظهر بزعم أنّه لم يصلّها بعد ، فبان له في الأثناء أنّه صلاّها ، فعدل عنها إلى العصر ، فلا يجوز بعد عدم دلالة الدليل عليه ، وكون العدول مخالفاً للقاعدة كما عرفت في صدر المسألة ، كما أنّ مقتضى الأدلة جواز العدول من الفريضة إلى فريضة اُخرى .
وأمّا العدول من النافلة إلى النافلة ، أو إلى الفريضة فلا يجوز .
نعم يجوز العدول من الفريضة إلى النافلة في موضعين:
أحدهما : ما إذا شرع في الصلاة منفرداً ثم انعقدت الجماعة ، فإنّه يجوز له العدول إلى النافلة ، واتمامها ركعتين ، أو قطعها كما هو الشأن في جميع النوافل لإدراك فضيلة الجماعة .
ثانيهما : ما إذا قرأ في صلاة الجمعة التوحيد أو غيرها من السور ما عدى سورتها ، فإنّه يجوز له العدول منها إلى النافلة ، ثم استئنافها ، وفي غير هذين الموضعين لا يجوز العدول أصلا .
- (1) نجاة العباد : 113 ، أحكام النية .
(الصفحة 60)
(الصفحة 61)
الثاني من أفعال الصلاة : القيام
اعتباره في الفرائض مع القدرة ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف(1) ، بل هو ضروري بين المسلمين ، كأصل وجوب الصلاة ، ويمكن استفادته من بعض الآيات كقوله تعالى :
{وقوموا لله قانتين}(2) أي مطيعين . وقوله تعالى :
{فاذكُرُوا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم}(3) ، وقد ورد في تفسيرها أنّه يجب ذكر الله في حال القيام مع القدرة ، وفي حال القعود مع عدم القدرة عليه ، وعلى الجنب مع عدم القدرة عليهما(4) .
وبالجملة: فاعتبار القيام وجزئيته للصلاة ممّا لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ،
- (1) المعتبر 2: 158; شرائع الإسلام 1: 70; جواهر الكلام 9 : 238; مستند الشيعة 5 : 36; كشف اللثام 3 : 397; تذكرة الفقهاء 3: 89 .
- (2) البقرة : 238 .
- (3) النساء: 103 .
- (4) رسالة المحكم والمتشابه : 35; تفسير الصافي 1: 408; مجمع البيان 2: 472; جامع البيان 4: 352; الوسائل 5: 487. أبواب القيام ب1 ح22 ، وروايات اُخرى في الباب .