(الصفحة 59)
كما لو عدل بالعصر إلى الظهر ، ثم بان له أنّه صلاّها ، فالأقوى صحتها عصراً ، والأحوط الاستئناف(1) .
هذا ، ولكن الظاهر هو الوجه الأول ، لعدم استدامة نية العصر بعد العدول عنها إلى الظهر ، ولو بزعم عدم الإتيان بها ، ولم يدلّ دليل على كفاية النية بعد التذكّر ، فالظاهر البطلان ووجوب الإعادة .
ثم إنّ مقتضى الأدلة المتقدّمة ، جواز العدول من الفريضة اللاحقة الحاضرة ، إلى الفريضة السابقة الفائتة ، وأمّا العدول من الفريضة السابقة إلى اللاحقة ، كما إذا شرع في الصلاة بنية الظهر بزعم أنّه لم يصلّها بعد ، فبان له في الأثناء أنّه صلاّها ، فعدل عنها إلى العصر ، فلا يجوز بعد عدم دلالة الدليل عليه ، وكون العدول مخالفاً للقاعدة كما عرفت في صدر المسألة ، كما أنّ مقتضى الأدلة جواز العدول من الفريضة إلى فريضة اُخرى .
وأمّا العدول من النافلة إلى النافلة ، أو إلى الفريضة فلا يجوز .
نعم يجوز العدول من الفريضة إلى النافلة في موضعين:
أحدهما : ما إذا شرع في الصلاة منفرداً ثم انعقدت الجماعة ، فإنّه يجوز له العدول إلى النافلة ، واتمامها ركعتين ، أو قطعها كما هو الشأن في جميع النوافل لإدراك فضيلة الجماعة .
ثانيهما : ما إذا قرأ في صلاة الجمعة التوحيد أو غيرها من السور ما عدى سورتها ، فإنّه يجوز له العدول منها إلى النافلة ، ثم استئنافها ، وفي غير هذين الموضعين لا يجوز العدول أصلا .
- (1) نجاة العباد : 113 ، أحكام النية .
(الصفحة 60)
(الصفحة 61)
الثاني من أفعال الصلاة : القيام
اعتباره في الفرائض مع القدرة ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف(1) ، بل هو ضروري بين المسلمين ، كأصل وجوب الصلاة ، ويمكن استفادته من بعض الآيات كقوله تعالى :
{وقوموا لله قانتين}(2) أي مطيعين . وقوله تعالى :
{فاذكُرُوا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم}(3) ، وقد ورد في تفسيرها أنّه يجب ذكر الله في حال القيام مع القدرة ، وفي حال القعود مع عدم القدرة عليه ، وعلى الجنب مع عدم القدرة عليهما(4) .
وبالجملة: فاعتبار القيام وجزئيته للصلاة ممّا لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ،
- (1) المعتبر 2: 158; شرائع الإسلام 1: 70; جواهر الكلام 9 : 238; مستند الشيعة 5 : 36; كشف اللثام 3 : 397; تذكرة الفقهاء 3: 89 .
- (2) البقرة : 238 .
- (3) النساء: 103 .
- (4) رسالة المحكم والمتشابه : 35; تفسير الصافي 1: 408; مجمع البيان 2: 472; جامع البيان 4: 352; الوسائل 5: 487. أبواب القيام ب1 ح22 ، وروايات اُخرى في الباب .
(الصفحة 62)
بعدما علم منه أنّ الصلاة في أوّل تشريعها كانت مع هذه الكيفية الراجعة إلى تحقق اضافة خاصّة بين أجزاء البدن ، بعضها بالنسبة إلى بعض ، والمجموع بالنسبة إلى الخارج(1) .
نعم يقع الكلام بعد الفراغ عن اعتباره في الصلاة في الجملة ، في أنّه هل يكون من الأركان أم لا ؟
فاعلم أنّه قد يفسّر الركن ـ كما عن الأكثر ـ بأنّه عبارة عمّا تبطل الصلاة بالاخلال به عمداً أو سهواً ، وزاد بعض بطلان الصلاة بزيادته كذلك أيضاً(2) ، ولا يخفى أنّ المناسب للمعنى اللغوي هو المعنى الأول ، إذ ركنية شيء لشيء هي شدّة احتياجه إليه ، ومرجعه إلى عدم إمكان تحقّقه بدونه ، وأمّا كون زيادته كنقيصته مضرّاً ومانعاً عن تحقّقه ، فلا يستفاد من مجرّد كونه ركناً ، بل يحتاج إلى دليل يدلّ على اعتبار عدم الزيادة أيضاً .
ثم إنّ التعبير بالركن إنما شاع من زمان المحقّق(قدس سره) إلى زماننا(3) ، وأمّا القدماء من الأصحاب فلا يوجد لهذا التعبير في كلامهم عين ولا أثر على ما تتبّعنا ، نعم يظهر هذا التعبير من الشيخ في كتاب المبسوط(4) ، وكذا من ابن حمزة في الوسيلة(5) . وأمّا الكتب الموضوعة لنقل فتاوى الأئمة(عليهم السلام) بعين ألفاظها الصادرة عنهم(عليهم السلام) ، فخالية من هذا التعبير(6) ، كالنصوص التي بأيدينا .
- (1) راجع الوسائل 4: 459. أبواب أفعال الصلاة ب1 .
- (2) المبسوط 1: 100; مختلف الشيعة 2: 139; جواهر الكلام 9 : 239; كشف اللثام 3 : 397; مستند الشيعة 5 : 17 و37; رياض المسائل 3: 349; جامع المقاصد 2: 199.
- (3) المعتبر 2 : 158; شرائع الإسلام 1: 68 و 69; الذكرى 3: 254; مفتاح الكرامة 2 : 302; مدارك الاحكام 3 : 326 ; كشف اللثام 3: 397; مستند الشيعة 5: 17 و37.
- (4) المبسوط 1 : 100 .
- (5) الوسيلة: 93 .
- (6) كالمقنعة والنهاية والمراسم والغنية والمهذّب.
(الصفحة 63)
وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في كون القيام ركناً في الجملة ، إنما الإشكال في أنّ الركن هل نفس القيام حال تكبيرة الاحرام فقط أو هو مضافاً إلى القيام المتّصل بالركوع ، أو القيام المستمرّ من أوّل الشروع في الصلاة إلى الركوع ، أو هو مضافاً إلى القيام بعد الركوع(1)؟
وجوهٌ ، الظاهر عدم كون القيام بعد الركوع ركناً ، لدلالة الأخبار الكثيرة على صحة الصلاة ، لو نسيه وسجد بعد الركوع ، من غير أن يقوم بينهما ، وكذا الظاهر عدم كون القيام حال القراءة كذلك ، لدلالة النصوص على أنّه لو نسي القراءة فلا يجب عليه إعادة الصلاة ، ولو كان القيام حالها ركناً ، لما كان وجه للحكم بالصحة ، بعد استلزام نسيان القراءة للاخلال بالقيام حالها سهواً .
وأمّا القيام في حال التكبير ، فمقتضى الأخبار الكثيرة أنّ الاخلال به يوجب بطلان الصلاة ، سواء كان عن عمد أو عن سهو ، فيكون ركناً ، وكذا القيام المتّصل بالركوع ، إلاّ أنّ المتأخّرين لم يستندوا في ركنيته إلاّ إلى الاجماع(2) ، مع أنّه يمكن استفادته من الأخبار(3) أيضاً ، فإنّ التعبير فيها في مقام حكاية فعل الإمام(عليه السلام) أو في مقام بيان كيفية الصلاة ، أو لأجل ترتيب بعض الأحكام والآثار بالقيام إلى الركعة الثانية ، أو الركعة الثالثة ، أو الركعة الرابعة ، ممّا يمكن اصطياد هذا المعنى منه .
فإنّ الركعة وإن كانت في نظرنا عبارة عن مجموع الركعة الواحدة المشتملة على القراءة ، والتسبيحات ، والركوع ، والسجود ، والتشهّد ، والتسليم ، إلاّ أنّ معناها بحسب اللغة ، وما هو المتفاهم عند العرب هو الركوع مرّة ، فإنّها على وزن
- (1) مفاتيح الشرائع 1: 120; رياض المسائل 3: 368; مستند الشيعة 5: 36 ـ 37; الحدائق 8 : 57 .
- (2) المعتبر 2: 158; المنتهى 1: 265; مفتاح الكرامة 2 : 302; جواهر الكلام 9 : 238; مستند الشيعة 5 : 36 ; رياض المسائل 3: 367 .
- (3) الوسائل 5 : 459. أبواب أفعال الصلاة ب1.