(الصفحة 80)
يصلّي قاعداً إذا صار بالحال التي لايقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائماً»(1) .
والمراد بالمشي مقدار الصلاة قائماً ليس المشي مقدار القيام المعتبر فيها ، كما قد يتوهم ، بل المراد المشي مقدار مجموع الصلاة قائماً ، من التكبيرة إلى التسليم كما هو واضح ، وحينئذ فنقول : إنّ مقتضى هذه الرواية أنّ الصلاة قاعداً إنما تجوز إذا لم يقدر المصلّي على المشي مقدار الصلاة قائماً .
ومقتضى الأخبار الكثيرة التي تقدّم بعضها أن مجوّز الصلاة قاعداً إنما هو العجز عنها قائماً ، والظاهر أنّ بين العجزين وكذا بين القدرتين عموماً من وجه ، فإنّ المريض قد لا يقدر على الصلاة قائماً ، لمشقّة القيام من غير مشي عليه ، أو لمشقة النهوض من القعود إلى القيام ، أو لغيرهما ممّا يعتبر في الصلاة قائماً ، ولكن يقدر على المشي مقدار الصلاة كذلك ، وقد يكون الأمر بالعكس ، وقد يتحقّق الأمران معاً في مورد واحد .
وحينئذ فنقول : إن كان المراد من الرواية أنّ تمام الملاك في انتقال الفرض من القيام إلى القعود هو العجز عن المشي مقدار الصلاة قائماً ، بحيث لا مدخلية لغيره في ذلك أصلا كما هو ظاهر التحديد بذلك ، فاللاّزم جواز الصلاة قاعداً لمن يعجز عن مشي ذلك المقدار ، وإن كان قادراً على الصلاة قائماً ، بل ولا يشقّ عليه أصلا ، مع أنّه خلاف الاجماع والضرورة كما هو واضح .
وإن كان المراد منها نفي استقلال غيره في الملاكية ، بمعنى أنّ تمام الملاك ليس العجز عن الصلاة قائماً ، بل هو مع العجز عن المشي كذلك ، فباجتماع العجزين تجوز الصلاة قاعداً ، وأمّا مع انفرادهما فلا تجوز ، فيلزم أن يكون التكليف بالنسبة إلى
- (1) التهذيب 3 : 178 ح402; الوسائل 5 : 495. أبواب القيام ب6 ح4.
(الصفحة 81)
من يتعسّر عليه الصلاة قائماً بل يتعذّر عليه ذلك هي الصلاة قائماً ، لو كان قادراً على المشي كذلك ، وهو أيضاً خلاف الاجماع بل الضرورة(1) .
وإن كان المراد منها نفي اختصاص الغير بالملاكية ، بمعنى أنّه كما يكون العجز عن الصلاة قائماً مجوزاً للصلاة قاعداً ، كذلك العجز عن المشي مقدار الصلاة ، يوجب انتقال الفرض من القيام إلى القعود ، ففي الحقيقة تكون الرواية مسوقة لبيان التوسعة على الناس ، فيلزم على هذا جواز الصلاة قاعداً في الفرض الأول ، وقد عرفت مخالفته للاجماع بل الضرورة ، فالاحتمالات المذكورة كلّها فاسدة .
واحتمال أن يكون المجوّز للصلاة قاعداً هو خصوص العجز عن الصلاة قائماً ، وذكر العجز عن المشي كذلك في مقام التحديد إنما هو للملازمة العادية بين العجزين وكذا بين القدرتين .
مندفع مضافاً إلى ما عرفت ـ من منع الملازمة وأنّ الظاهر كون النسبة بينهما عموماً من وجه ـ بأنّ ذكر ما يكون إحرازه مشكلا في مقام التحديد مع إمكان التعبير بالملازم الذي يكون أسهل احرازاً ، مستبعد جدّاً كما لايخفى .
فالأقرب من الجميع أن يقال : بأنّ المراد من الرواية ، هو أنّ الانتقال إلى القعود إنما هو فيما لو عجز عن الصلاة قائماً مطلقاً، واقفاً أو ماشياً ، بمعنى أنّه مع التمكّن من الصلاة ماشياً لا تجوز الصلاة قاعداً ، ففي الحقيقة تكون الرواية مفسّرة ومبينة للمراد من الصلاة قائماً ، التي يكون العجز عنها معتبراً في انتقال الفرض إلى القعود ، وأنّها أعمّ من الصلاة قائماً واقفاً ، ومن الصلاة ماشياً ، فتدلّ الرواية على تقدّم الصلاة ماشياً على الصلاة قاعداً كما يظهر الفتوى بذلك من المحكيّ عن
- (1) المعتبر 2: 159; المنتهى 1: 265; كشف اللثام 3: 400; الحدائق 8 : 67; مستند الشيعة 5: 49; جواهر الكلام 9: 257.
(الصفحة 82)
المفيد(1) ، وصرّح به العلاّمة في التذكرة(2) .
هذا ، ولكن الانصاف أنّ حمل الرواية على هذا المعنى بعيد جدّاً ، بحسب ظاهر اللفظ كما لا يخفى ، فلا يجوز الفتوى بذلك استناداً إليها ، نعم يمكن الاستدلال له بأنّ ظاهر الأدلة أنّ الانتقال إلى القعود إنما هو مع العجز عن الصلاة قائماً ، والمفروض في المقام القدرة عليها ، لأنّ الاستقرار الذي يرتفع بسبب المشي لا يعتبر في حقيقة الصلاة وماهيتها ، ولا في حقيقة القيام ، أمّا الثاني فواضح ، وأمّا الأول فلجواز الإتيان بالنافلة في حال المشي اتّفاقاً ، فلو كان المشي ماحياً لصورة الصلاة وموجباً لسلب اسمها عند المتشرعة ، كما ربما يتوهّم ، لما كان وجه لجواز النافلة في حال المشي كما هو واضح .
ثم إنّه ذكر في الجواهر أنّ المراد بالقيام المأخوذ في الأخبار هو الوقوف ، بمعنى السكون الذي ينافيه الحركة ، فضلا عن المشي ، لأنّ أكثر الأصحاب لم يذكروا اشتراط الاستقرار والاطمئنان في مبحث القيام ، مع ذكرهم في الركوع والسجود وغيرهما ، مع أنّه معتبر في جميع حالات الصلاة إجماعاً ، وليس ذلك إلاّ لإرادتهم منه الوقوف بمعنى السكون(3) .
هذا ، ولكن لا يخفى أنّ ذكره في الركوع والسجود إنما هو لتوقّفهما على الحركة الوضعية ، وهي الهويّ إليهما والنهوض منهما ، فذكرهم ذلك فيهما إنما هو لدفع توهّم الاكتفاءبمجرّد البلوغ إلى حدّالركوع أو السجود ، ورفع الرأس منهما بلا فصل ، ولذا يقيدون الطمأنينة فيهما بمقدار الذكر الواجب فيهما ، وهذا بخلاف القيام ، فإنّه حيث لايكون مستلزماًللحركة الوضعية، لايكون ذكراعتبارالقرار فيه لازماً، كما لا يخفى.
- (1) المقنعة : 215 .
- (2) تذكرة الفقهاء 3 : 92 .
- (3) جواهر الكلام 9: 259 ـ 260 .
(الصفحة 83)فرعٌ:
لو علم المصلّي بأنّه لو قام في حال التكبير والقراءة ، لا يتمكّن من القيام المتّصل بالركوع ، وأمّا لو قعد في حالهما يتمكّن منه ، فالمشهور وجوب القيام في حال التكبير والقراءة(1) .
ويظهر من السيد(قدس سره) في العروة ، وفي حاشية نجاة العباد وجوب القعود في الحالين ، ليتمكّن من القيام المتّصل بالركوع(2) ، والأقوى هو الأول ، لأنّه لا وجه للحكم بوجوب القعود عليه في الحالين ، بعد كونه متمكّناً من القيام ، والعجز عنه في الاستقبال لو قام في الحال ، لا يؤثر في الانتقال إلى القعود فعلا كما هو ظاهر .
- (1) الذكرى 3: 267; رياض المسائل 3: 371; مدارك الأحكام 3: 328; جواهر الكلام 9: 254; كشف اللثام 3: 399; مستند الشيعة 5: 49; الحدائق 8 : 66 .
- (2) العروة الوثقى 1: 489 مسألة 20، نجاة العباد : 118 ، أحكام القيام .
(الصفحة 84)