(الصفحة 82)
المفيد(1) ، وصرّح به العلاّمة في التذكرة(2) .
هذا ، ولكن الانصاف أنّ حمل الرواية على هذا المعنى بعيد جدّاً ، بحسب ظاهر اللفظ كما لا يخفى ، فلا يجوز الفتوى بذلك استناداً إليها ، نعم يمكن الاستدلال له بأنّ ظاهر الأدلة أنّ الانتقال إلى القعود إنما هو مع العجز عن الصلاة قائماً ، والمفروض في المقام القدرة عليها ، لأنّ الاستقرار الذي يرتفع بسبب المشي لا يعتبر في حقيقة الصلاة وماهيتها ، ولا في حقيقة القيام ، أمّا الثاني فواضح ، وأمّا الأول فلجواز الإتيان بالنافلة في حال المشي اتّفاقاً ، فلو كان المشي ماحياً لصورة الصلاة وموجباً لسلب اسمها عند المتشرعة ، كما ربما يتوهّم ، لما كان وجه لجواز النافلة في حال المشي كما هو واضح .
ثم إنّه ذكر في الجواهر أنّ المراد بالقيام المأخوذ في الأخبار هو الوقوف ، بمعنى السكون الذي ينافيه الحركة ، فضلا عن المشي ، لأنّ أكثر الأصحاب لم يذكروا اشتراط الاستقرار والاطمئنان في مبحث القيام ، مع ذكرهم في الركوع والسجود وغيرهما ، مع أنّه معتبر في جميع حالات الصلاة إجماعاً ، وليس ذلك إلاّ لإرادتهم منه الوقوف بمعنى السكون(3) .
هذا ، ولكن لا يخفى أنّ ذكره في الركوع والسجود إنما هو لتوقّفهما على الحركة الوضعية ، وهي الهويّ إليهما والنهوض منهما ، فذكرهم ذلك فيهما إنما هو لدفع توهّم الاكتفاءبمجرّد البلوغ إلى حدّالركوع أو السجود ، ورفع الرأس منهما بلا فصل ، ولذا يقيدون الطمأنينة فيهما بمقدار الذكر الواجب فيهما ، وهذا بخلاف القيام ، فإنّه حيث لايكون مستلزماًللحركة الوضعية، لايكون ذكراعتبارالقرار فيه لازماً، كما لا يخفى.
- (1) المقنعة : 215 .
- (2) تذكرة الفقهاء 3 : 92 .
- (3) جواهر الكلام 9: 259 ـ 260 .
(الصفحة 83)فرعٌ:
لو علم المصلّي بأنّه لو قام في حال التكبير والقراءة ، لا يتمكّن من القيام المتّصل بالركوع ، وأمّا لو قعد في حالهما يتمكّن منه ، فالمشهور وجوب القيام في حال التكبير والقراءة(1) .
ويظهر من السيد(قدس سره) في العروة ، وفي حاشية نجاة العباد وجوب القعود في الحالين ، ليتمكّن من القيام المتّصل بالركوع(2) ، والأقوى هو الأول ، لأنّه لا وجه للحكم بوجوب القعود عليه في الحالين ، بعد كونه متمكّناً من القيام ، والعجز عنه في الاستقبال لو قام في الحال ، لا يؤثر في الانتقال إلى القعود فعلا كما هو ظاهر .
- (1) الذكرى 3: 267; رياض المسائل 3: 371; مدارك الأحكام 3: 328; جواهر الكلام 9: 254; كشف اللثام 3: 399; مستند الشيعة 5: 49; الحدائق 8 : 66 .
- (2) العروة الوثقى 1: 489 مسألة 20، نجاة العباد : 118 ، أحكام القيام .
(الصفحة 84)
(الصفحة 85)
الثالث من أفعال الصلاة : تكبيرة الإحرام
وهي التي يقال لها تكبيرة الافتتاح أيضاً ، واعتبارها فيها ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف(1) ، والأخبار في ركنيتها متعارضة ، وسيجيء الكلام فيها .
استحباب الافتتاح بسبع تكبيرات
إنّ ممّا انفردت به الإمامية في هذا المقام أنّه يستحب أن يفتتح الصلاة بسبع تكبيرات(2) ، ولا خلاف في ذلك بينهم نصاً وفتوى . نعم وقع الخلاف في تعيين تكبيرة الاحرام من بين السبع ، فعن المشهور إنّ المصلّي بالخيار في التكبيرات السبع أيّتها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح ، ولكن الأفضل أن يجعلها الأخيرة(3) .
وحكي عن جماعة من القدماء ، كالسيّد أبي المكارم ، وأبي الصلاح ، وسلاّر ،
- (1 و 2) المبسوط 1: 100; الإنتصار: 139; الوسيلة: 93; مستند الشيعة 5 : 17; تذكرة الفقهاء : 3 / 111; مختلف الشيعة 2: 139; جواهر الكلام 9 : 201; مفتاح الكرامة 2 : 336; الحدائق 8 : 18; كشف اللثام 3: 417; مدارك الأحكام 3: 317.
- (3) المقنعة: 103 ـ 139; السرائر 1: 216; الوسيلة: 94; المهذّب 1: 92; المبسوط 1 : 104; الاقتصاد: 261; مصباح المتهجد: 33; الذكرى 3 : 262; الروضة البهيّة 1 : 281; جامع المقاصد 2 : 239; نهاية الأحكام 1: 458.
(الصفحة 86)
القول بتعيّن الأخيرة(1) ، وعن جماعة من المتأخرين ، كشيخنا البهائي ، والسيد نعمة الله الجزائري ، وصاحب الحدائق ، القول بتعيّن الأولى(2) ، وعن والد المجلسي(قدس سره) ، القول بوقوع الافتتاح بمجموع ما يختاره المكلّف من السبع ، أو الخمس ، أو الثلاث(3) .
ثم إنّ ظاهر المشهور القائلين بالتخيير إنّه يشترط في صيرورة واحدة منها تكبيرة الاحرام ، أن ينويها بها ، فلو فرض أنّ المصلّي افتتح صلاته بالسبع ، من دون أن يجعل واحدة منها تكبيرة الاحرام بسب القصد ، فلازمهم القول ببطلان صلاته لكونها فاقدة لتكبيرة الاحرام .
كما أنّ مقتضى كلام القائلين بتعيّن الأولى والأخيرة ، البطلان في الفرض المزبور ، بناءً على أن يكون مرادهم بوجوب تعيين الأولى أو الأخيرة ، وجوب جعلها كذلك بالقصد والنية ، لأنّه في الفرض لم يقصد المصلّي تكبيرة الاحرام بشيء من السبع .
وأمّا لو كان مرادهم من ذلك إنّه تتعيّن الأخيرة أو الأولى لتكبيرة الافتتاح ، ولو لم يقصدها بها ، فاللاّزم الحكم بالصحة كما هو ظاهر ، كما أنّ ظاهر ما حكي عن والد المجلسي ، من القول بوقوع الافتتاح بالمجموع ، إنّه لو قصد الافتتاح بواحدة منها دون السبع ، لم يتحقّق امتثال الأمر الاستحبابي المتعلّق بالافتتاح بالسبع ، لأنّ المستحبّ إنما هو الافتتاح بمجموع السبع لا بواحدة منها ، وعليه فتكون الست الباقية مستحبة من باب ذكر الله تعالى ، فإنّه حسن على كلّ حال .
- (1) الغنية: 83 ; الكافي في الفقه: 122; المراسم: 70 .
- (2) الحدائق 8: 21، ونقله فيه (عنهما (رحمهما الله)) أيضاً.
- (3) روضة المتّقين 2: 280 ـ 284 .