(الصفحة 89)
وقال ابن حمزة في الوسيلة في عداد المندوبات التي يقارن حال الصلاة : والتوجه بسبع تكبيرات ، واحدة منها تكبيرة الاحرام(1) . فإنّ ظاهره كون السبع من الأفعال المندوبة للصلاة ، وهو لا ينطبق إلاّ على تحقق الافتتاح باُولاها .
وقال القاضي في المهذّب : أمّا الندب فهو افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات منها تكبيرة الاحرام(2) . فقد ظهر من هذه العبارات ، أنّ ما نسب إلى المشهور من القول بالتخيير لا يوافق عباراتهم ، بل الظاهر عدم الاختلاف بينهم وبين الشيخ البهائي ومتابعيه ، القائلين بتعين الأولى لافتتاح الصلاة بها .
ثم إنّه يظهر أيضاً من الروايات الواردة في المسألة ، أنّ الافتتاح إنما يقع بمجرّد الشروع في التكبيرات ، لأنّ التعبير فيها إنما هو باستفتاح الصلاة بها كما في صحيحة زرارة قال : رأيت أبا جعفر(عليه السلام) أو قال: سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً»(3) ، وكما في رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة، وإن شئت ثلاثاً، وإن شئت خمساً، وإن شئت سبعاً، وكلّ ذلك مجز عنك، غير أنّك إذا كنت إماماً لم تجهر إلاّ بتكبيرة»(4) .
وكما في رواية الحسن بن راشد قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن تكبيرة الافتتاح؟ فقال : «سبع» قلت : روي أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يكبّر واحدة فقال : «إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يكبّر واحدة يجهر بها ويسرّ ستّاً»(5) .
فإنّ ظاهر هذه الروايات أنّ افتتاح الصلاة إنما يقع بمجرّد الشروع في
- (1) الوسيلة: 94 .
- (2) المهذّب 1 : 92 .
- (3) التهذيب 2 : 287 ح1152 ; الخصال: 347 ح17; الوسائل 6 : 21. أبواب تكبيرة الاحرام ب7 ح2.
- (4) التهذيب 2: 66 ح239; الوسائل 6: 21. أبواب تكبيرة الإحرام ب7 ح3.
- (5) عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 1 : 278; الخصال : 347 ح16; الوسائل 6 : 33. أبواب تكبيرة الاحرام ب12 ح2 .
(الصفحة 90)
التكبيرات ، بمعنى كون المجموع داخلا فيها وجزءً أولياً لها ، إذ لا يصدق الاستفتاح بها مع كون بعضها واقعاً في خارجها ومقدمة لها ، كما هو ظاهر ، فالقول بالتخيير ـ كما نسب إلى المشهور(1) أو بتعيّن الأخيرة ، كما حكي عن بعض القدماء(2)ـ مخالف للأخبار .
نعم، يقع الكلام بعد ذلك في أنّ المستفاد منها هل هو وقوع الافتتاح بمجموع التكبيرات الثلاث أو الخمس أو السبع ، كما عن والد المجلسي(3) ، أو وقوعه بالأولى وكون الباقي من الأفعال المستحبة الواقعة في الصلاة؟ وتظهر الثمرة بين القولين في جواز الاتيان بمنافيات الصلاة بعد التكبيرة الأولى وقبل إتمام الثلاث أو الخمس أو السبع ، وعدم الجواز .
فعلى القول الأول يجوز ، لأنّه بناءً عليه لم يدخل في الصلاة بعد ، حتى يحرم عليه ما كان محلّلا له قبلها ، لأنّ نسبة التكبيرات حينئذ إليها كنسبة أجزاء تكبيرة الاحرام إليها . وهذا بخلاف القول الثاني ، فإنّه لا يجوز بناءً عليه الإتيان بالمنافيات ، لأنه دخل في الصلاة بعد التكبيرة الأولى .
وتظهر الثمرة أيضاً في جواز الاقتداء في الجماعة بعد التكبيرة الأولى بناءً على القول الثاني ، وعدم جوازه بناءً على الأول ، لما نسبه الشيخ في الخلاف إلى علمائنا الإمامية رضوان الله عليهم ، من أنّ جواز الاقتداء بالإمام إنما هو بعد فراغه من تكبيرة الافتتاح(4) ، خلافاً للعامّة القائلين بجواز الاقتداء بمجرّد الشروع الذي يتحقّق بذكر أوّل جزء من تكبيرة الاحرام .
ثم إنّ ظاهر الأخبار المتقدمة وإن كان هو حصول الافتتاح بمجموع الثلاث ،
- (1 و 2) راجع 2 : 85 ـ 86 .
- (3) روضة المتّقين 2: 280 ـ 284 .
- (4) الخلاف 1: 317 مسألة 69 .
(الصفحة 91)
أو الخمس ، أو السبع ، إلاّ أنّه ينافي ذلك ما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) من أنّ تحريم الصلاة التكبير(1) .
فإنّ ظاهره هو حصول التحريم بمجرّد تحقق طبيعة التكبير ، ومن المعلوم أنّها تتحقق بأول التكبيرات ، إذ ليست طبيعة التكبير طبيعة مشكّكة ، لها أفراد ومصاديق متفاوتة ، من حيث الزيادة والنقيصة ، أو القصر والطول ، أو الشدة والضعف ، كطبيعة الخط مثلا الصادقة على القصير منه والطويل ، ولا يكون الثاني فردين أو أفراداً منها ، بل تكون متواطية صادقة على كلّ واحدة من التكبيرات ، ولا يعقل أن تصدق على مجموع السبع ، بحيث كان فرداً واحداً منها ، وهذا واضح جدّاً .
وبالجملة : فالقول بحصول الافتتاح بالمجموع ينافيه حصول التحريم بمجرّد تحقق طبيعة التكبير ، لما عرفت من أنّ لازم هذا القول عدم تحقق التحريم إلاّ بعد الفراغ من السبع ، لأنّ نسبة كلّ واحدة منها إلى الصلاة ، كنسبة أجزاء تكبيرة واحدة إليها، كما أنّه ينافيه ما اشتهر بينهم من التعبير عمّا يفتتح به الصلاة بتكبيرة الافتتاح أو تكبيرة الاحرام(2) الظاهر في تكبيرة واحدة كما لايخفى .
فالقول المذكور وإن كان موافقاً لظاهر الأخبار المتقدّمة إلاّ أنّه مضافاً إلى كونه خلاف المشهور مناف لما عرفت ، بل يمكن أن يقال : بأنّ ذيل بعض الروايات المتقدّمة الدالّ على الإجهار بواحدة والإسرار بالست فيما لو كان المصلّي إماماً(3)ظاهر في كون الواحدة التي يجهر بها هي تكبيرة الاحرام ، إذ لا وجه للإجهار بالواحدة ، مع كون المجموع يفتتح به الصلاة .
- (1) الكافي 3: 69 ح2; الفقيه 1: 23 ح68; الوسائل 6: 11. أبواب تكبيرة الاحرام ب1 ح10.
- (2) المقنعة: 139; المبسوط 1: 104; الإنتصار: 140; الوسيلة: 94; السرائر 1: 216; المهذّب 1: 92.
- (3) الوسائل 6: 21 و33. أبواب تكبيرة الإحرام ب7 ح3 وب12 ح2.
(الصفحة 92)
هذا ، ولكن يمكن أن يقال: بأنّ الوجه في ذلك هي التقية ، لأنّك عرفت أنّ المسألة من متفرّدات الإمامية رضوان الله عليهم ، ولكن يبعد احتمال التقيّة ما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) من أنّه يفعل كذلك ، مع أنّ التقيّة لا معنى لها في عصره(صلى الله عليه وآله) ، وما ورد في بعض الأخبار المتقدّمة ، من أنّ الإجهار بواحدة إنما هو فيما لو كان المصلّي إماماً ، لأنّ ظاهره أنّه لو كان مأموماً يجوز الإجهار بالمجموع ، مع أنّه لا فرق في التقية بين الإمام والمأموم كما هو واضح .
وبالجملة : فهذا القول ممّا لا سبيل إلى الأخذ به .
وأمّا القول بتعين الأخيرة ، فمستنده وإن كان ما ورد في الفقه الرضوي(1) الذي لا يعلم له حجية ، إلاّ أنّه باعتبار ذهاب طائفة من القدماء ، كالسيّد أبي المكارم ، وأبي الصلاح وسلاّر إلى اختياره(2) ، يكون واجداً لشرائط الحجية ، خصوصاً مع ما حكي عن السيد المرتضى في الناصريات ، من نسبته إلى الإمامية(3) ، ويؤيده فتوى الشيخ في المبسوط ، وجماعة بالتخيير وأفضليّة الأخيرة(4) ، فإنّ الحكم بأفضلية الأخيرة لا محالة كان مستنداً إلى نصّ ، إذ لا سبيل للعقل في ذلك أصلا ، فيستكشف من جميع ذلك وجود نصّ معتبر عندهم .
غاية الأمر أنّ الشيخ لم يستفد منه إلاّ الأفضلية ، والقائلون بوجوب تعيين الأخيرة حملوه على ظاهره ، ويؤيده أيضاً خبر أبي بصير المحكي عن شرح الروضة للفاضل الهندي ، وهذا بخلاف القول بتعيّن الأولى ، فإنّه مضافاً إلى أنّ القائلين به من المتأخرين ، لم يعلم له مستند سوى بعض الاعتبارات ، والوجوه
- (1) فقه الرضا(عليه السلام) : 105 .
- (2) الغنية: 83 ; الكافي في الفقه: 122; المراسم: 70 .
- (3) المسائل الناصريات : 210 .
- (4) راجع 2 : 85.
(الصفحة 93)
العقلية التي لا تلائم مذاق الفقه ، فالالتزام به أيضاً ممّا لا وجه له أصلا .
فلم يبق في البين إلاّ القول بتعيّن الأخيرة ، أو التخيير ، وأفضليتها ، كما نسب إلى المشهور ، وقد يستبعد الثاني ، بأنّ لازمه ـ كما صرّح به الشيخ في محكيّ المبسوط(1)ـ إنّه لو نوى بالأخيرة تكبيرة الافتتاح ، لوقعت الست السابقة مقدّمة للصلاة وخارجة عنها ، نظير الإقامة ، ولو نواها بالأول ى لوقع غيرها جزءً للصلاة، فاصلا بين القراءة والافتتاح، كالاستعاذة ولو نواها بغيرهما لوقعت السابقة مقدّمة واللاّحقة جزءً ، مع أنّ ظاهر الروايات كون نسبة السبع إلى الصلاة على نحو واحد .
ويمكن دفع الاستبعاد ، بأنّ هذه التكبيرات لها مدخلية في تحقق الافتتاح بمرتبته الكاملة ، لا أن يكون لها مدخلية في الصلاة بلا واسطة ، حتّى يورد عليه بما ذكر ، فإنّه كما تكون للصلاة مراتب ، بعضها أكمل من بعض ، كذلك تكون للافتتاح أيضاً مراتب متفاوتة ، من حيث الكمال والنقص .
فانضمام الست إلى تكبيرة الاحرام موجب لتحقّق الافتتاح بمرتبته الكاملة ، سواء وقعت قبلها ، أو بعدها ، أو بالتفريق ، نعم مدخليتها في حصول تلك المرتبة إنما هو من قبيل مدخلية الشروط ، لا الأجزاء ، حتّى يوافق مع ما حكي عن والد المجلسي(2) .
وكيف كان ، فالأمر يدور بين تعين الأخيرة أو التخيير وأفضليتها ، والأوفق بالاحتياط هو الأول ، خصوصاً مع فتوى جماعة من القدماء على وفقه ، وهو ممّا يمكن استكشاف وجود نصّ معتبر منه لم يصل إلينا ، ومع تأيّده بما حكي عن الفقه الرضوي المتقدّمة ، وبما حكي عن شرح الروضة للفاضل الهندي ، وبما يدلّ على
- (1) المبسوط 1 : 104 .
- (2) روضة المتّقين 2: 280 ـ 284 .