(الصفحة 99)
قال: «إنّي لأشبهكم صلاة برسول الله(صلى الله عليه وآله) »(1) ، وما روي عن عمران بن حصين ، من أنّه صلّى خلف علي(عليه السلام) وهو يكبّر كذلك ، ثم أخذ بيده بعد الفراغ فقال : قد ذكَّرني هذا صلاةَ محمّد(صلى الله عليه وآله) (2).
وما رواه الطبرسي عن مقاتل بن حيّان، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في تفسير قوله تعالى :
{فصلِّ لربِّك وانحر} أنّ جبرئيل ذكر في جواب سؤال النبي(صلى الله عليه وآله) عن النحيرة التي أمر بها أنّه ليست بنحيرة ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت . . .»(3) . بناءً على أن يكون قوله : إذا ركعت وكذا المعطوفان بعده ، عطفاً على قوله : إذا تحرّمت للصلاة ، لا على قوله : إذا كبّرت .
وقد يستدلّ أيضاً بمرسلة الحميري عن المهدي(عليه السلام) في حديث قال : إذا انتقل من حالة إلى اُخرى فعليه التكبير»(4) . وبرواية معاوية بن عمّار قال : «رأيت أباعبدالله(عليه السلام) يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود، وإذا أراد أن يسجد الثانية»(5) .
ورواية ابن مسكان عنه(عليه السلام) قال : في الرجل يرفع يديه كلّما أهوى للركوع والسجود، وكلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود، قال : «هي العبودية»(6) ، ورواية علقمة بن وائل عن أبيه قال : صلّيت خلف النبي(صلى الله عليه وآله) «فكبّر حين افتتح الصلاة ورفع يديه حين أراد الركوع وبعد الركوع»(7) .
- (1 و 2) صحيح البخاري 1 : 214 ب115 ، ح785 و ب116 ، 786 .
- (3) تفسير مجمع البيان 10 : 550 .
- (4) الاحتجاج 2 : 304; غيبة الطوسي: 378; الوسائل 6 : 362. أبواب السجود ب13 ح8 .
- (5) التهذيب : 2 / 75 ح279; الوسائل 6: 296. أبواب الركوع ب2 ح2.
- (6) التهذيب 2: 75 ح280 ; الوسائل 6: 297. أبواب الركوع ب2 ح3.
- (7) أمالي الطوسي 1 : 394; الوسائل 6 : 29. أبواب تكبيرة الاحرام ب9 ح12 .
(الصفحة 100)
ولكن لا يخفى إنّه لا ينهض شيء من الأخبار لإثبات التكبير عند رفع الرأس من الركوع ، لكون أكثرها عاميّاً ضعيفاً من حيث السند ، كما أنّ كثيراً منها خال عن الدلالة في المقام ، لكونه دالاًّ على ثبوت رفع اليدين عند رفع الرأس من الركوع ، والكلام إنما هو في ثبوت التكبير عنده، ولم يثبت الملازمة بينهما ، وإنّ كلّ ما يثبت عنده الرفع يثبت عنده التكبير أيضاً وبالعكس .
نعم مرسلة الحميري المتقدّمة تدلّ بالعموم على ثبوت التكبير عند الانتقال من حالة إلى اُخرى ، ولكنّها ـ مضافاً إلى كونها مرسلة على الأصح، وإلى أنّ مضمون الرواية لا يناسب الصدور من الإمام(عليه السلام) ـ بعمومها قابلة للتخصيص بالأخبار المتقدّمة التي تدلّ على عدم ثبوت التكبير عنده ، كما أنّها قد خصّصت جزماً بغير هذا المورد أيضاً ، فإنّه لا إشكال في عدم ثبوت التكبير عند النهوض إلى القيام مع أنّه انتقال من حالة إلى حالة اُخرى كما هو واضح .
ثم إنّك قد عرفت أنّ هنا مسألتين لا ارتباط لإحداهما بالاُخرى ، إحداهما : استحباب التكبير عند رفع الرأس من الركوع . والاُخرى : استحباب رفع اليدين عند ذلك ، وقد ظهر لك إنّه لا دليل على استحباب الأول ، بل الظاهر وجود الدليل على عدمه كما عرفت ، مضافاً إلى كونه موافقاً لسيرة المتشرّعة المستمرّة إلى هذه الأزمنة ، فإنّه لم يعهد من أحد منهم أن يكبّر عند رفع الرأس من الركوع قبل قول : سمع الله لمن حمده كما هو ظاهر .
وأمّا مسألة استحباب رفع اليدين عند رفع الرأس من الركوع ، فلم يتعرّض لها أكثر الأصحاب ، نعم ظاهر عدم تعرّض بعضهم عند ذكر المستحبات في كتبهم كالنفلية ، والجمل ، والوسيلة(1) في مندوبات الأفعال ، عدم الاستحباب .
- (1) الوسيلة: 94; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 32.
(الصفحة 101)
والمتعرّضون بين مصرح بالاستحباب ، كالمحكيّ في المفتاح عن صاحب الفقيه(1) ، وعن الذكرى، وقرّبه فيها لصحة الخبرين(2) ، وعدم انكار الشيخ لشيء منهما في التهذيب(3) ، وأصالة الجواز ، وعموم أنّ الرفع زينة الصلاة ، واستكانة من المصلّي . وعن صاحبي المدارك ومجمع البرهان الميل إليه(4) .
وبين مصرح بعدم الاستحباب ، كالمحقّق في المعتبر حيث قال في محكيه : رفع اليدين بالتكبير مستحبّ في كلّ رفع ووضع إلاّ في الرفع من الركوع، فانّه يقول: سمع الله لمن حمده من غير تكبير ولا رفع يديه، وهو مذهب علمائنا(5) ، وفي المحكي عن منتهى العلاّمة ، أنّه قال : لا يرفع يديه وقت قيامه من الركوع(6) . وعن البحار : المشهور عدم استحبابه(7) . وعن الذكرى : لم أقف على قائل باستحبابه إلاّ ابني بابويه ، وصاحب الفاخر(8) .
هذا ، والمراد بالخبرين اللّذين حكم بصحتهما في محكي الذكرى هو خبر معاوية بن عمّار وابن مسكان المتقدّمين ، ولكن لا يخفى أنّ التمسّك بأصالة الجواز في غير محلّه ، لأنّ الكلام إنما هو في الاستحباب ، لا في الجواز بمعنى الاباحة . وكيف كان فيدلّ على عدم استحباب الرفع صحيحتا زرارة وحمّاد الواردتان في كيفية الصلاة المستجمعة للآداب والمستحبات ، من حيث خلوهما عن هذا الرفع رأساً .
- (1) الفقيه 1: 197; الهداية: 163 .
- (2) الذكرى 3: 380.
- (3) التهذيب 2: 75 ح279 و280 .
- (4) مدارك الأحكام 3: 396; مجمع الفائدة والبرهان 2: 259; مفتاح الكرامة 2: 424 ـ 425.
- (5) المعتبر 2: 199 .
- (6) المنتهى 1 : 269 .
- (7) البحار 28: 114 .
- (8) الذكرى 3: 380 .
(الصفحة 102)
مضافاً إلى أنّ عمل المتشرعة وسيرتهم على خلاف ذلك ، حيث إنّه لم يعهد من أحد منهم هذا الفعل كما لا يخفى ، وحينئذ فيقوى في النظر أن يكون الخبران اللّذان أشار إليهما الشهيد في محكى عبارته المتقدّمة ، صادرين تقية .
وبالجملة: فلا يمكن إثبات الاستحباب بهما ، بعدما عرفت ممّا يدلّ على عدمه ، نعم لا بأس بالعمل به رجاءً ومحلّه على تقدير الاستحباب إنما هو عند رفع الرأس من الركوع قبل قول : سمع الله لمن حمده .
بقيّة مستحبات التكبير
1 ـ إنّك عرفت اختلاف الأخبار ظاهراً في مقدار الرفع وحده(1) ، فمن بعضها يظهر أنّ حدّه الرفع حتّى يكاد يبلغ الاُذن ، ومن بعضها الآخر الرفع أسفل من الوجه قليلا ، ومن أكثرها الرفع حيال الوجه أو حذائه ، ومن رابع الرفع إلى النحر .
والمراد بالرفع حيال الوجه ليس أن يكون أوّل الزند محاذياً لصدر الوجه ، ورؤوس الأصابع محاذية لأسفله ، بل المراد هي المحاذاة العرفية التي تتحقّق ولو بكون اليد أسفل من الوجه وحينئذ فيمكن الجمع بين الروايات المختلفة ظاهراً ، ولعلّ التعبير بمحاذاة شحمتي الاذن ـ كما وقع في كلام الأصحاب(2)ـ انّما هو باعتبار تحقق الجمع بينها بذلك .
2 ـ إنّه يستحب أن تكون الأصابع مضمومة في حال الرفع ، وقال الشافعي : يستحب أن يفرجها(3) ، وربما يستدلّ لاستحباب الضم بصحيحة حمّاد(4) الواردة
- (1) راجع الوسائل 6 : 26 . أبواب تكبيرة الإحرام ب9 .
- (2) المبسوط 1: 103; النهاية: 69; المقنعة: 103; الوسيلة: 94; المهذّب 1: 92.
- (3) المجموع 3: 307; المغني لابن قدامة 1: 47; الخلاف 1: 321 مسألة 73.
- (4) الوسائل 5 : 459 أبواب أفعال الصلاة ب1 ح1.
(الصفحة 103)
في كيفية الصلاة الجامعة للآداب والمستحبات ، الدالة على أنّه(عليه السلام) قد ضم أصابعه قبل الشروع فيها ، بضميمة أنّ مقتضى الاستحباب بقاؤه بهذه الكيفية في حالة الرفع عند التكبير ، ولكن لا يخفى أنّ جريان الاستصحاب مبنيّ على أن يكون المستصحب ذا أثر شرعيّ في الزمان اللاحق ، مع أنّه مورد للنزاع كما هو واضح .
3 ـ نسب إلى علمائنا كما في محكيّ المعتبر والمنتهى ، أنّ ابتداء التكبير عند ابتداء الرفع ، وانتهائه عند انتهائه(1) ، نظراً إلى أنّ ذلك هو معنى الرفع عند التكبير .
4 ـ مقتضى بعض الأخبار(2) الدالة على استحباب الرفع عند التكبير استحباب استقبال القبلة ببطن الكفّين ، ولا معارض له .
5 ـ أنّ العبارة الواردة في كيفية التكبير إنما هي قول: الله أكبر ، وقال الشافعي : ويجوز أن يقول : الله الأكبر(3) . وقال أبو حنيفة : تنعقد بكلّ إسم من أسماء الله تعالى على وجه التعظيم ، مثل قول : الله العظيم ، الله الجليل ، وما أشبههما(4) ، والدليل على ما ذكرنا مضافاً إلى تغيّر المعنى بذلك كما هو واضح ، أنّ الصلاة عبادة خاصّة لا يجوز التخطي عمّا ورد من الشارع في كيفيتها .
6 ـ مقتضى الأخبار الكثيرة بطلان الصلاة عند نسيان التكبير(5) ، وبعض ما يدلّ على خلافه(6) ، مضافاً إلى احتمال صدوره تقية ، متناقض من حيث المدلول ، وعلى تقدير عدمه فلا يقاوم تلك الأخبار الكثيرة ، وأمّا زيادته فبطلان الصلاة
- (1) المعتبر 2: 200; المنتهى 1: 269.
- (2) التهذيب 2 : 66 ح240; الوسائل 6 : 27 أبواب تكبيرة الاحرام ، ب9 ح6 .
- (3) المغني 1: 540; المجموع 3: 292; المنتهى 1: 268.
- (4) بداية المجتهد 1: 178; المغني لابن قدامة 1: 460.
- (5) اُنظر الوسائل 6 : 12 . أبواب تكبيرة الاحرام ب2 .
- (6) الوسائل 6: 15. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح9 و10 .