(الصفحة 131)
للمكلّف ، من دون أن يكون مستنداً إلى إرادته واختياره أصلا ، كما إذا كان بآفة سماوية ، لأنّه الذي يجري فيه قطعاً التعليل الوارد في جملة من أخبار الإغماء ، وهو قوله(عليه السلام): «كلّ ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر»(1) .
وكيف كان ، فهذا ممّا لاإشكال فيه ، كما أنه لا إشكال ظاهراً في عدم القضاء فيما إذا أوجد سببه إختياراً مع الالتفاف إلى سببيته وعدم الاضطرار إلى إيجاده ، ووجه عدم الإشكال وضوح عدم جريان ذلك التعليل في هذا المورد .
إنّما الإشكال فيما إذا حصل لا من فعله بل بفعل غيره ، أو حصل بفعله لكن كان مضطرّاً إلى ايجاده لأجل المرض ، سواء كان مع التوجّه والإلتفات إلى سببيته للإغماء أو مع عدم التوجّه إليها ، أو لم يكن مضطرّاً إلى ايجاده ولم يكن ملتفتاً إلى تأثيره أيضاً .
ومنشأ الإشكال الشكّ في جريان التعليل ، ومعه يشكل رفع اليد عن عمومات أدلّة ثبوت القضاء ، خصوصاً إذا كان من فعله ، سيّما إذا كان مع التوجّه والالتفات إلى السببية وأنه يوجب الإغماء ، فالأحوط لو لم يكن أقوى ثبوت القضاء وعدم سقوطه في هذه الصورة فتدبر ، هذا في المغمى عليه .
وأمّا السكران ، فالظاهر وجوب القضاء عليه ، سواء كان مع العلم أو الجهل ، وسواء كان مع الاختيار على وجه العصيان ، أو للضرورة ، أو الإكراه ، وأمّا فاقد الطهورين فوجوب القضاء عليه محلّ إشكال(2) ، لعدم كونه مكلّفاً بالأداء حتّى يصدق بالنسبة إليه عنوان الفوت الذي قد أخذ في موضوع وجوب القضاء ، لكن الأحوط الوجوب .
- (1) الوسائل 8 : 259 ـ 260 . أبواب قضاء الصلوات ب3 ح3 ، 7 ، 8 ، 13 .
- (2) المقنعة : 60; المبسوط 1: 31; الوسيلة : 71; السرائر 1: 139; المعتبر 2: 405; شرائع الإسلام 1: 110; المنتهى 1: 143; البيان : 86 ; نهاية الأحكام 1: 201; الروضة البهيّة 1: 350 .
(الصفحة 132)
الترتيب بين الفائتة والحاضرة
لا خفاء في عدم اشتراط الترتيب بين الصلوات الواقعة في أوقاتها ، بحيث كان الإتيان بالسابقة من شرائط تحقق اللاحقة ، ومجرّد تأخّر بعضها عن بعض ، تبعاً للزمان الذي هو من الموجودات التدريجيّة المتأخّرة بعض قطعاتها عن بعض بالذات ، ويكون كلّ قطعة منها وقتاً لصلاة خاصّة لا يوجب اشتراط ماهو المشروط منها بالزمان اللاحق ، بوقوع السابقة في زمانها السابق على الزمان اللاحق ذاتاً .
نعم ، قد دلّ الدليل على اشتراط وقوع الظهر والإتيان بها في صحة العصر ، وكذا المغرب بالنسبة إلى العشاء(1) ، وأمّا في غيرهما كاشتراط الإتيان بالصبح في صحة الظهرين ، أو الإتيان بهما في صحة العشائين ، فهو ممّا لم يقم عليه دليل أصلا ، بل لا خلاف في عدمه .
وكيف كان فقد وقع الخلاف في اعتبار الترتيب بين الفوائت المتعدّدة بعضها مع بعض ، وكذا في اعتبار الترتيب بين الفائتة والحاضرة .
ولنقدّم البحث في المسألة التي وقعت معنونة في كلام كثير من الفقهاء بعنوان المضايقة والمواسعة ، وصنّفوا فيها رسائل مستقلّة ، إمّا لكونها معركة عظيمة ـ على ما قال الشهيد والعلامة(2) ـ وإمّا لكونها مورداً لابتلاء العامّة ، وعلى أيّ حال ففي المسألة أقوال كثيرة وآراء متشتّتة ، ونحن نقتصر على أصولها ، فنقول:
الأول:
القول بالمضايقة المطلقة ، وقد حكي هذا القول عن ظاهر كلام القديمين
- (1) الوسائل 4 : 125 . أبواب المواقيت ب4 و ص183 ب17 .
- (2) مختلف الشيعة 3 : 8 ; غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1 : 98 .
(الصفحة 133)
والشيخين والسيّدين والقاضي والحلبي والحلّي ، وعن المعتبر نسبته إلى الديلمي ، وهذا هو المشهور بين القدماء كما حكي عن غير واحد(1) .
الثاني:
المواسعة المطلقة المحضة ، حكي ذلك عن عبيدالله بن عليّ الحلبي في أصله الذي ذكر أنه عرضه على الصادق(عليه السلام) واستحسنه ، وعن الحسين بن سعيد ، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي ، والصدوقين ، والجعفي صاحب الفاخر ، والشيخ أبي عبدالله الحسين بن أبي عبدالله المعروف بالواسطي الذي كان من مشايخ الكراجكي والمعاصر للمفيد ، وإليه ذهب عليّ بن موسى رضي الدين ابن طاووس ، وحكاه عن بعض من تقدّم كالحلبي والواسطي ، وجمع آخر وكثير من المتأخّرين(2) .
الثالث:
القول بالتضييق مع وحدة الفائتة ، وبخلافه مع تعددها ، ذهب إليه المحقّق في كتبه وتبعه صاحب المدارك ، وقوّاه الشهيد في بعض كتبه ، وحكي عن بعض آخر(3) .
الرابع:
التفصيل بين فائتة اليوم ، متعدّدة كانت أو واحدة ، وبين غيرها بالمضايقة في الاُولى ، والمواسعة في الثانية ، وهو المحكيّ عن مختلف العلاّمة(قدس سره)(4) .
الخامس:
القول بالمواسعة إذا فاتت عمداً وبالمضايقة إذا فاتت نسياناً ، حكي
- (1) المقنعة: 211; المبسوط 1: 127; جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 38; الغنية: 98 ـ 99; المهذّب 1: 126; الكافي في الفقه: 150; السرائر 1: 274; المراسم: 90; وحكاه عن العمّاني وابن الجنيد في مختلف الشيعة 3 : 4 ; مدارك الأحكام 4: 298; جواهر الكلام 13: 38 .
- (2) مفتاح الكرامة 3: 386; مستند الشيعة 7: 288 ـ 289 ; غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 99 ـ 102; رسالة عدم المضايقة ، المطبوع في مجلّة تراثنا 7 : 338 ـ 354 .
- (3) المسائل العزّيّة (الرسائل التسع): 112; المعتبر 2: 405; شرائع الإسلام 1: 110; المختصر النافع: 70; مدارك الأحكام 4: 295 ، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 116; كشف الرموز 1: 210 .
- (4) مختلف الشيعة 3: 6 .
(الصفحة 134)
ذلك عن وسيلة الشيخ عماد الدين بن حمزة(1) .
السادس:
التفصيل بين الفائتة الواحدة إذا ذكرها يوم الفوات وبين المتعدّدة والواحدة المذكورة في غير يوم الفوات ، حكي ذلك عن ابن أبي جمهور الإحسائي(2) .
والظاهر أنّ ما حكاه ابن طاووس عن بعض القدماء من الأصحاب من القول بالمواسعة المطلقة غير ثابت ، لأنّ الفوريّة كانت متّفقاً عليها بينهم ظاهراً ، وإن اختلفوا بين من يقول باستثناء دخول وقت الحاضرة مع الاشتغال بها ، وبين من يقول باستثناء وقت تضيّقها .
ثمّ إنّ عمدة المطالب التي يدور عليها القول بالمضايقة ، مطالب ثلاثة:
أحدها :
فوريّة القضاء ، وفيها احتمالان:
1 ـ
كون القضاء موقتاً بالذكر ، بمعنى أنه متى ذكر فوات الفريضة فذلك الزمان الذي هو زمان حدوث الذكر هو وقت الإتيان بها قضاءً ، بحيث لو أخّرها عن ذلك الوقت تصير كتأخير الفريضة عن وقتها الأدائي قضاء أيضاً ، وهذا هو الذي نسبه إليهم العلاّمة(قدس سره)(3) .
2 ـ
مجرّد فوريّة وجوب القضاء من دون أن يكون موقّتاً بالذكر ، بل يكون وجوبه مطلقاً غير مشروط بوقت ، غاية الأمر لزوم المبادرة إلى الإتيان بمتعلّقه ، بمعنى تعلّق الوجوب بالفوريّة بعد تعلّقه بأصل الطبيعة ، فهنا أمران تعلّق أحدهما بنفس طبيعة القضاء ، والآخر بالمبادرة إليها وفوريّة الإتيان بها .
ثانيها:
ترتّب الحاضرة على الفائتة ، وفيه احتمالان أيضاً:
- (1) الوسيلة : 84 .
- (2) نقله عنه في جواهر الكلام 13: 41 .
- (3) مختلف الشيعة 3: 3 ـ 6 ; تذكرة الفقهاء 2 : 350 مسألة 56 .
(الصفحة 135)
1 ـ
مجرّد لزوم الإتيان بالفائتة قبل الحاضرة ، لأجل كون الوجوب المتعلّق بها فوريّاً من دون أن يكون الإتيان بها شرطاً في صحة الحاضرة .
2 ـ
كون الإتيان بها من شرائط صحة الحاضرة ، كشرطيّة الإتيان بالظهر للعصر والمغرب للعشاء .
ثالثها:
العدول بالنيّة من الحاضرة إلى الفائتة ، إذا نسي الإتيان بها وذكرها في أثناء الحاضرة ، وليعلم أنّ هذا المطلب لا يستفاد من القائلين بالمضايقة من العامّة أصلا ، فانّهم يحكمون في هذا الفرض ببطلان الصلاة ولا يجوّزون العدول كالقائلين بالمواسعة منهم .
ثمّ إنّ مقتضى الأصل العملي مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة للطرفين هو القول بالمواسعة ، لأنّ كلّ واحد من المطالب الثلاثة المتقدّمة على خلاف الأصل ، ضرورة أنّ الأصل يقتضي عدم التوقيت وعدم تعلّق أمر آخر بالمبادرة والفوريّة ، وعدم كون الإتيان بالفائتة من شرائط صحة الحاضرة ، وعدم وجوب العدول منها إليها بالنية إذا ذكر فوتها في أثناء الحاضرة .
نعم ، يمكن أن يورد على جريان الأصل ، بأنّ توجّه التكليف بطبيعة القضاء عند فوت الفريضة في وقتها ممّا لاشكّ فيه ، واللازم على المكلّف الخروج عن عهدة هذا التكليف المتوجّه إليه يقيناً ، بأن أتى بمتعلّقه في أوّل أوقات الإمكان ولم يؤخّر عمداً ، وإلاّ فمع التأخير عن أوّل أوقاته إلى ثانيها وثالثها و . . . ، يحتمل أن لايبقى متمكّناً من الإتيان به في ذلك الوقت ، ومع هذا الاحتمال لا يجوز له إجراء الأصل مع كون توجّه التكليف إليه معلوماً .
ولكن ربما يتوهّم جريان الأصل الموضوعي ، وهو استصحاب بقاء المكلّف وعدم زوال تمكنه بعروض موت ونحوه . وهذا مندفع بعدم جريان مثل هذا الاستصحاب ، بعد عدم كون المستصحب حكماً شرعيّاً ، ولا مترتّباً عليه حكم