(الصفحة 360)
«إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة» .
ومنها :
ما رواه علاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» .
ومنها :
رواية محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة(1)» وقد انقدح أنّ الراوي في جميعها هو محمّد بن مسلم ، والمرويّ عنه هو أبو جعفر الباقر(عليه السلام) ، نعم واحدة منها مرويّة عن الإمام الصادق(عليه السلام) .
وأمّا ما يدلّ على المذهب المشهور فهو ما جمعه في الوسائل في باب 45 من أبواب الجماعة .
منها :
رواية سليمان بن خالد عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع وكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه : «فقد أدرك الركعة» .
ومنها :
رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا ادركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة»(2) .
ومنها :
رواية أبي أسامة زيد الشحام أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل انتهى إلى الإمام وهو راكع؟ قال : «إذا كبّر وأقام صلبه ثم ركع فقد أدرك» .
ومنها :
رواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا جاء الرجل
- (1) الكافي 3 : 381 ح 2; التهذيب 3 : 43 ح149 ـ 151; الإستبصار 1 : 434 ـ 435 ح1676ـ 1678; الوسائل 8 : 381 . أبواب صلاة الجماعة ب44 ح1 ـ 4 .
- (2) الكافي3 : 382 ح6 و5 ; الفقيه1 : 254 ح 1149; التهذيب3 : 43 و271 ح 152 و153 و781; الاستبصار 1 : 435 ح 1679 و 1680; الوسائل 8 : 382 . أبواب صلاة الجماعة ب45 ح1 و2 .
(الصفحة 361)
مبادراً والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع»(1) وغير ذلك .
هذا ، والظاهر أنّ الجمع بين الطائفتين ـ بحمل الطائفة الاُولى على كراهيّة الاقتداء في تلك الركعة واستحباب التأخير إلى الركعة الآتية فلا منافاة بينها وبين الطائفة الثانية الظاهرة في جواز الاقتداء وتحقّقه في تلك الركعة ـ مستبعد جدّاً ، لأنـّه بعد إمكان إدراك فضيلة الجماعة في هذه الركعة لا تتصوّر كراهيّة الاقتداء واستحباب التأخير إلى الركعة الآتية كما لا يخفى ، فهذا النحو من الجمع ممّا لا سبيل إليه .
والظاهر لزوم الأخذ بالطائفة الثانية الموافقة للمشهور ، إمّا لكون الطائفة الاُولى مرويّة عن الإمام الباقر(عليه السلام) والثانية عن الإمام الصادق(عليه السلام) ، وهو يدلّ على كون الحكم الصادر عن الإمام السابق صادراً لمانع ـ كما قد قرّر في باب التعادل والترجيح من مباحث الأصول ـ ، وإمّا لكون الطائفة الاُولى لا تتجاوز عن رواية واحدة ، لكون الراوي في جميعها محمّد بن مسلم ، والطائفة الثانية روايات متعدّدة متكثّرة .
وإن أبيت عن وقوع التعارض بينهما وعدم كون شيء ممّا ذكر من المرجّحات بمرجّح ، فلا محيص عن ترجيح الطائفة الثانية لكونها موافقة لفتوى المشهور ، والشهرة في الفتوى من المرجّحات بلا ريب ، بل هي أوّلها ، كما اخترناه وحقّقناه في محلّه(2) ، بل هذه المسألة إجماعيّة كما في محكيّ خلاف الشيخ(قدس سره)(3) .
- (1) الفقيه1 : 254 و265 ح 1150و 1214; التهذيب 3 : 45 ح157; الوسائل 8 : 383 . أبواب صلاة الجماعة ب45 ح 3و4 .
- (2) نهاية الاُصول : 543 .
- (3) الخلاف 1 : 622 مسألة 392 .
(الصفحة 362)
ويؤيّد ما ذكرنا ، الروايات الواردة في أنّ من خاف أن يرفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يصل إلى الصفوف جاز له أن يركع مكانه ويمشي راكعاً أو بعد السجود ، وتكفي تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع(1) ، وكذا الروايات الواردة في استحباب تطويل الإمام الركوع ليلحق به المأموم(2) .
هذا ولكنّ الظاهر أنه لو قطعنا النظر عن الشهرة التي هي أوّل المرجّحات ، لما كان محيص عن الأخذ بمقتضى الطائفة الاُولى ، لكونها مخالفة لفتاوى العامّة ، حيث إنّهم متّفقون ظاهراً على تحقّق درك الجماعة بإدراك الإمام في الركوع ، ولا يتوقّف على إدراك تكبيرته(3) .
ثمّ إنّه ليس المراد بإدراك الإمام في الركوع إدراكه فيه مع الطمأنينة المعتبرة فيه التي هي عبارة عن الاستمرار على ذلك الوضع ، وتلك الكيفية بمقدار الذكر الواجب ، بل الظاهر كفاية إدراكه في الركوع ولو كان متّصلا بقيام الإمام عنه بلا فصل . هذا كلّه فيما يتعلّق بالاقتداء في الركوع .
وأمّا الاقتداء بالإمام بعد الركوع في حال القيام أو السجود فلم يقع مورداً للنصّ إلاّ في الركعة الأخيرة ، حيث ورد النصّ فيها على جواز التكبير ومتابعة الإمام في السجود أو في التشهّد ، ثمّ استئناف الصلاة من رأس من غير احتياج إلى إعادة التكبير(4) ، ويمكن أن يستفاد من ذلك النصّ جواز الاقتداء في حال السجود في غير الركعة الأخيرة ولكن لا يعدّها ركعة وسيأتي .
وأمّا المأموم المسبوق بركعتين أو أزيد ، فلا إشكال عند علمائنا الإمامية في أنه
- (1) راجع الوسائل 8 : 384 . أبواب صلاة الجماعة ب46 .
- (2) راجع الوسائل 8 : 394 . أبواب صلاة الجماعة ب50 .
- (3) المجموع 4: 556 و558; المغني لابن قدامة 2: 158; الشرح الكبير 2: 177; تذكرة الفقهاء 4: 42 مسألة 397.
- (4) راجع الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 .
(الصفحة 363)
يجب عليه أن يجعل ما أدركه أوّل صلاته ، بأن يقرأ فيما يدركه من ركعة أو ركعتين فاتحة الكتاب وسورة(1) ، خلافاً للعامّة حيث إنّهم متفقون في أنه يجعل آخر صلاته أوّله وأوّل صلاته آخره ، ويصير ما لم يدركه من أوّل صلاته قضاءً .
نعم ، ظاهر الشافعي الحكم بمثل مقالة الإمامية وإن اختلف معنا في بعض الفروع ، كما أنّ ما عداه من أئمّتهم مختلفون في بعض الفروع ، وإن اتّفقوا في جعل الأوّل آخراً وبالعكس(2) ، وعليه فيجوز للمأموم التسبيح في الركعة أو الركعتين بناءً على القول بوجوبه ، بل لا يجب عليه شيء من القراءة والتسبيح بناءً على القول بعدم وجوب شيء في الأخيرتين ، كما ذهب إليه أبو حنيفة(3) .
هذا ، والأخبار الواردة من العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين ، الظاهرة بل الصريحة في إنكار ما عليه العامّة ، من جعل الأوّل آخراً وبالعكس كثيرة ، وقد جمعها في الوسائل في باب 47 من أبواب الجماعة ، ولا بأس بنقل بعضها فنقول :
منها :
رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا فاتك شيء مع الإمام فاجعل أوّل صلاتك ما استقبلت منها ، ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها»(4) .
ومنها :
رواية عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الاُولى ، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال : «يتجافى ولايتمكّن من القعود ، فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له
- (1) المعتبر2 : 446; المنتهى 1 : 383; تذكرة الفقهاء4 : 321; نهاية الأحكام 2 : 134; روض الجنان : 376; رياض المسائل 4 : 365 .
- (2) المغني لابن قدامة 2 : 260; الشرح الكبير 2 : 11; المجموع 4 : 220; تذكرة الفقهاء 4 : 321 مسألة 594 ; وليس بينهم في المسألة اتّفاق ، بل هم على قولين; راجع تذكرة الفقهاء في هذه المسألة .
- (3) المجموع 3 : 361; المغني لابن قدامة 1 : 561; الشرح الكبير 1 : 560; تذكرة الفقهاء 3 : 144 .
- (4) الفقيه 1 : 263 ح1198; الوسائل 8 : 386 .أبواب صلاة الجماعة ب47 ح1 .
(الصفحة 364)
الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهّد ثمّ يلحق بالإمام» قال : وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : «إقرأ فيهما فإنّهما لك الأوّلتان ، ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها»(1) .
ومنها :
رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف الإمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل أوّل ماأدرك أوّل صلاته ، إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته اُمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين في كلّ ركعة باُمّ الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، إنّما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة ، وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأُمّ الكتاب وسورة ثم قعد فنشهّد ، ثمّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة»(2) ، إلى غير ذلك ممّا يدلّ على أنّه يجب أن يجعل ما أدرك أوّل صلاته .
وعليه فيجب على المأموم قراءة الفاتحة والسورة فيما يدركه مع الإمام ، حيث إنّ ما أدركه يكون أوّل صلاته ويجب في الأوّلتين الفاتحة والسورة معاً ، خلافاً لصاحب المدارك حيث إنّه بعد إيراد صحيحتي زرارة وعبدالرحمن بن الحجّاج المتقدّمتين قال ما لفظه :
ومقتضى الروايتين أنّ المأموم يقرأ خلف الإمام إذا أدركه في الركعتين
- (1) الكافي 3 : 381 ح1; التهذيب 3 : 46 ح159; الاستبصار 1 : 437 ح 1684; الوسائل 8 : 387 .أبواب صلاة الجماعة ب47 ح2 .
- (2) التهذيب 3 : 45 ح158; الاستبصار1 : 436 ح1683; الفقيه1 : 256 ح 1162; الوسائل 8 : 388 . أبواب صلاة الجماعة ب47 ح4 .