(الصفحة 365)
الأخيرتين ، وكلام أكثر الأصحاب خال من التعرّض لذلك ، وقال العلاّمة(رحمه الله) في المنتهى : الأقرب عندي القراءة مستحبّة . ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب لئلاّ تخلو الصلاة عن قراءة ، إذ هو مخيّر في التسبيح في الأخيرتين وليس بشيء ، فان احتجّ بحديث زرارة وعبدالرحمن حملنا الأمر فيهما على الندب ، لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم(1) .
هذا كلامه(رحمه الله) ولا يخلو من نظر ، لأنّ ما تضمّن سقوط القراءة باطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصّلين ، لوجوب حمل الاطلاق عليهما ، وإن كان ما ذكره من الحمل لا يخلو من قرب ، لأنّ النهي في الرواية الاُولى عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعاً ، وكذا الأمر بالتجافي وعدم التمكّن من القعود في الرواية الثانية محمول على الاستحباب ، ومع اشتمال الرواية على استعمال الأمر في الندب أو النهي في الكراهة يضعف الاستدلال بما وقع فيهما من الأوامر على الوجوب أو المناهي على التحريم ، مع أنّ مقتضى الرواية الاُولى كون القراءة في النفس ، وهو لايدلّ صريحاً على وجوب التلفظ بها . وكيف كان ، فالروايتان قاصرتان عن إثبات الوجوب(2) . انتهى كلام صاحب المدارك .
قال في المصباح بعد نقل هذا الكلام : وقد أكثر في الجواهر من ذكر المؤيّدات لهذا القول ، ثمّ اعترف في ذيل كلامه بأنّ شيئاً منها ليس بشي يلتفت إليه في مقابل ما سمعت ، كما أنه لا ينبغي الالتفات إلى ما ذكره في المدارك وجهاً للخدشة في دلالة الصحيحتين على الوجوب ، بعد وضوح عدم كون إرادة الكراهة من النهي عن القراءة في الاخيرتين بعد تسليمها .
والغضّ عمّا ذكرناه في محلّه في توجيه النهي ، موهن لإرادة الوجوب من الامر
- (1) المنتهى 1 : 384 .
- (2) مدارك الاحكام 4 : 383 .
(الصفحة 366)
الواردة في الفقرة السابقة عليه أو اللاحقة به ، وكذا عدم صلاحيّة إرادة الاستحباب من الأمر بالتجافي في صحيحة ابن الحجّاج ، قرينة لإرادة الاستحباب من الأمر الآخر الوارد في الجواب عن مسألة اُخرى ، لا ربط لها بالاُولى كما هو واضح(1) . إنتهى كلامه .
وبملاحظته ينقدح أنه لا مجال للإشكال في وجوب قراءة الفاتحة والسورة ، كما قد حكي عن جماعة من أعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين والنهاية والسيّد والحلبي والصدوق والكليني(2) وكثير من المتأخّرين(3) .
ثمّ إن أمهله الإمام أن يقرأهما فلا إشكال في الوجوب ، وإن أمهله أن يقرأ الفاتحة فقط فمقتضى صيحة زرارة المتقدّمة سقوط وجوب السورة ، وإن لم يمهله أن يتمّ الفاتحة أيضاً بحيث كان إتمامها موجباً للخوف من عدم إدراك الإمام في الركوع واللحوق به فيه .
فهل الحكم بطلان القدوة وصيرورة الصلاة فرادى ، أو أنّ الجماعة باقية بعد ، ويجب عليه إتمام الفاتحة واللحوق بالإمام فيما يمكنه أن يدركه معه ولو في حال السجود أو بعده ، أو أنه يجب عليه متابعة الإمام في الركوع ويسقط ما لم يمهله الإمام من الفاتحة؟
وعلى الأخير فهل يجوز له أن يتابع الإمام في الركوع فوراً ، أو أنّه يجب عليه إدامة القراءة إلى حدّ يمكنه إدراك الإمام في بقاء الركوع ، فلو كان ركوعه طويلا لا يجوز للمأموم أن يرفع اليد عن القراءة بمجرّد إحداث الإمام الركوع؟ وجوه
- (1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 697 .
- (2) التهذيب3 : 46; الاستبصار 1 : 437; النهاية : 115; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3 : 41; الكافي في الفقه : 145; الفقيه 1 : 263; الكافي3 : 381 .
- (3) منهم : صاحب الحدائق 11 : 247 والبهباني في شرح المفاتيح 7 : 219 ـ 221; رياض المسائل 4 : 367 .
(الصفحة 367)
واحتمالات :
أمّا الوجه الأوّل فيبتني على أنّ الصلاة تحتاج إلى فاتحة الكتاب بمقتضى قول : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» ، غاية الأمر أنّ قراءة الإمام في الأوّلتين تسقطها عن المأموم ، لأنـّه ضامن له ، وأمّا فيما لو اقتدى بالإمام في الثالثة أو الرابعة فلا دليل على سقوط القراءة ، وحيث إنّه لا يمكن الإتيان بها ثمّ إدرك الإمام في الركوع ـ والمفروض أنه تجب المتابعة في الأفعال ـ فلا محيص عن الذهاب إلى بطلان الجماعة ، وصيرورة الصلاة فرادى فيما لو لم يعلم ذلك من أوّل الشروع ، وإلاّ فلم تصر صلاته جماعة حتى تصير فرادى كما لا يخفى .
ويردّ هذا الوجه الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّ إدراك الركعة يتحقّق بإدراك الركوع ، فضلا عن إدراك تكبيرة الركوع أيضاً ، فإنه إذا كان الاقتداء بالإمام في الركوع وإدراكه معه موجباً لتحقّق الجماعة في تلك الركعة ، فإدراكه في حال القيام يوجب ذلك بطريق أولى .
ومن هذا يظهر بطلان الوجه الثاني ، فإنّه إذا كانت القراءة بأسرها ساقطة عن المأموم فيما لو أدرك الإمام في الركوع ، فسقوط بعضها عنه فيما لو أدركه في حال القيام بطريق أولى .
وحينئذ فلا مجال لملاحظة حال دليل وجوب المتابعة مع دليل وجوب الفاتحة في الصلاة وعدم تماميّتها بدونها ، فإنّه يكون حال المسألة بعينها حال مالو أدرك الإمام في تكبيرة الركوع في الركعة الثالثة أو الرابعة .
ودعوى الفرق بين المسألتين بأنّه هناك لا يتمكّن من قراءة شيء من الفاتحة ، فلا يتوجّه إليه الأمر المتعلّق بها أصلا ، وهذا بخلاف المقام فإنّه قد توجّه إليه الأمر بالفاتحة بعد الاقتداء كما هو المفروض ، لأنّ الكلام إنما هو على تقدير وجوب قراءتها في الأخيرتين اللتين هما أوّلتان للمأموم ، فالمزاحم لدليل وجوب الفاتحة
(الصفحة 368)
إنما هو وجوب الإتمام لا وجوب أصل قراءة الفاتحة ، ولا دليل لترجيح وجوب المتابعة .
مدفوعة بأنّه لا يرى العرف فرقاً بين المسألتين من هذه الجهة ، بل يستكشف حال المقام من الأخبار الواردة في تلك المسألة ، بمفهوم الموافقة الذي هو عبارة اُخرى عن الغاء الخصوصيّة ، كما نبّهنا عليه مراراً ، ومرجع ذلك إلى أنّ الأمر بالفاتحة ينحلّ إلى أوامر متعدّدة حسب تعدّد أجزاء الفاتحة ، فإذا كانت الأوامر المتعلّقة بأجزائها ساقطة بأسرها فيما لو أدرك الإمام في الركوع فسقوط بعضها عنه فيما لو أدركه في حال القيام بطريق أولى .
والذي يستفاد من تلك الاخبار أنّ المعتبر في إدراك الجماعة في الركعة إدراك الإمام في الركوع ، وإلاّ فلا وجه لإيجاب متابعته في الركوع فيما لو أدركه فيه ، بل كان اللازم هناك قراءة الفاتحة واللحوق بالإمام في السجود ، فرفع اليد عن قراءة الفاتحة وإيجاب متابعة الإمام في الركوع دليل على مدخليّة المتابعة في الركوع في تحقّق الجماعة في الركعة .
ولعلّ السرّ فيه أنّ معنى الركعة هو الركوع مرّة كما نبّهنا عليه في مسألة الركوع وحزئيته للصلاة ، فلا معنى لتحقّق الجماعة في الركعة مع عدم إدراك ركوع الإمام .
هذا ، ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى ما ذكر ، رواية معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أوّل صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال : «نعم»(1) .
فإنّه يستفاد منها أنه مع عدم إمهال الإمام حتى يقرأ المأموم لا مجال لرفع اليد عن متابعته بإتمام القراءة ، بل لابدّ من متابعة الإمام في الركوع ، بل يستفاد منها أنّ
- (1) التهذيب 3 : 47 ح 162 وص274 ح797; الاستبصار 1 : 438 ح 1687; الوسائل 8 : 388 . أبواب صلاة الجماعة ب47 ح5 .
(الصفحة 369)
ذلك كان مفروغاً عنه عند السائل ، ولذا لم يسأل عنه ، بل إنّما سأل عن أمر آخر وهو قضاء القراءة في آخر صلاته أي في الركعتين الأخيرتين ، وظاهر الجواب وإن كان وجوب ذلك ـ وهو ممّا لم يقل به أحد ـ إلاّ أنّ ذلك لا يقدح في الاستدلال بالرواية لما نحن بصدده كما هو واضح .
ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً مرسلتا دعائم الاسلام :
1 ـ
ما أرسله في محكيّها عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال : «وليقرأ فيما بينه وبين نفسه إن أمهله الإمام»(1) فإنّها بمفهومها تدلّ على عدم وجوب القراءة مع عدم إمهال الإمام .
2 ـ
مرسلتها أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : «فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة إن أمهلك الإمام ، أو ما أدركت أن تقرأ»(2) فإذاً ينقدح أنّ الظاهر عدم وجوب قراءة ما بقي من الفاتحة ممّا يزاحم المتابعة مع الإمام في الركوع(3) .
وأمّا حكم التشهّد فإن كان واجباً على الإمام دون المأموم كما في المأموم المسبوق بركعة ، حيث إنّه لا يجب عليه التشهّد في الركعة الثانية للإمام التي هي الركعة الاُولى له ، فالظاهر أنّه يجب عليه المتابعة للإمام في الجلوس فقط ، بناءً على اختصاص وجوب المتابعة بالأفعال ، وفي التشهّد بناءً على عدم الاختصاص ووجوب المتابعة في الأقوال أيضاً .
والظاهر استحباب كون القعود على نحو التجافي ، وإن نسب إلى الصدوق الوجوب ، بل استظهر من جملة من القدماء(4) ، وقوّاه جماعة من متأخّري
- (1) دعائم الاسلام1: 191; بحار الانوار 85 : 113; مستدرك الوسائل 6 : 489 . أبواب صلاة الجماعة ب38 ح1 .
- (2) دعائم الاسلام 1 : 192; مستدرك الوسائل 6 : 490 . أبواب صلاة الجماعة ب38 ح4 .
- (3) وان كان سيّدنا العلاّمة الأستاذ ـ دام ظله الوارف ـ استقرب في حاشية العروة : 61 ، إتمام الفاتحة واللحوق بالإمام في السجود ، إلاّ أنه قد عدل عنه واستظهر عدم وجوب الاتمام لما ذكر (المقرّر) .
- (4) الفقيه 1 : 263; الكافي 3 : 381 ح1 ; الكافي في الفقه : 145; الغنية : 89 ; السرائر 1 : 287 .