(الصفحة 370)
المتأخّرين(1) إستناداً إلى ظاهر صحيحتي ابن الحجّاج والحلبي المتقدّمتين(2) ، إلاّ أنّ الظاهر عدم نهوضهما دليلاً على الوجوب ، خصوصاً بعد كون هذا النحو من الجلوس لا يلائم المتابعة المرعيّة شرعاً في أفعال الصلاة كما لايخفى .
وإن كان التشهّد واجباً على المأموم دون الإمام ، كما في المأموم المسبوق بركعة أيضاً بالنسبة إلى الركعة الثالثة للإمام التي هي له ركعة ثانية ، فالظاهر أنّه يجب عليه أن يجلس للتشهّد ، غاية الأمر إنّه يقتصر فيه ثمّ يلحق بالإمام ، ويتابعه فيما يأتي به . هذا وقد جمع الروايات الواردة في حكم التشهّد في الوسائل في باب (66 و67) من أبواب صلاة الجماعة .
وأمّا إدراك الإمام بعد رفع الرأس من الركوع ، فلم يتعرّض الأصحاب لحكمه ، إلاّ في خصوص الركعة الأخيرة(3) ، كما أنّ أكثر الروايات الواردة في هذا المقام قد وردت في خصوص هذه الركعة ، نعم اطلاق بعضها يشمل غير الأخيرة أيضاً .
وكيف كان ، فلنذكر عدّة من الروايات الواردة في هذا الباب :
منها :
رواية معلّى بن خنيس عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتدّ بها»(4) .
ومنها :
رواية محمّد بن مسلم قال : قلت له : متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال : «إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك
- (1) مفاتيح الشرائع 1 : 167 ; جواهر الكلام 14 : 50; رياض المسائل 4 : 369; مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 699; العروة الوثقى 1 : 620 مسألة 19 .
- (2) الوسائل 8 : 418 . أبواب صلاة الجماعة ب67 ح1 و 2 .
- (3) شرائع الاسلام 1 : 116 ; تذكرة الفقهاء 4 : 326 مسألة 595; جامع المقاصد 2 : 502; مجمع الفائدة والبرهان 3 : 334; مدارك الأحكام 4 : 385; رياض المسائل 4 : 370 .
- (4) التهذيب 3 : 48 ح166 ; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح2 .
(الصفحة 371)
لفضل الصلاة مع الإمام»(1) ، وفي سند الرواية إرسال ، حيث إنّه لا يمكن لمحمّد بن أحمد بن يحيى أن يروي عن ابن أبي نصر من دون واسطة ، لأنّه من الطبقة السادسة من الطبقات التي رتّبناها ، وهو من الطبقة الثامنة ولابدّ أن يتوسّط بينهما واحد من الطبقة السابعة .
وكيف كان ، فهل المراد بإدراك الإمام في السجدة الأخيرة الدخول في الصلاة بالإتيان بتكبيرة الإحرام ثمّ متابعة الإمام في تلك السجدة ، أو أنّ المراد به هو إدراكه في السجدة بمتابعته فيها من غير سبق تكبيرة الإحرام؟ وعلى الأوّل هل يستفاد من الرواية كون هذا الإدراك نظير إدراك الإمام في الركوع من حيث عدم الاحتياج إلى إعادة تكبيرة الإحرام ـ وإن كان بينهما فرق من جهة كون إدراك الإمام في الركوع يوجب تحقّق الجماعة في تلك الركعة ، وإدراكه في السجود لا يحقّق ذلك ، بل لابدّ من الإتيان بجميع ركعات الصلاة ـ أو أنّه لا يستفاد منها إلاّ مجرّد كون هذا النحو من الإدراك يوجب درك فضيلة الصلاة مع الإمام؟ وهذا لا ينافي وجوب استئناف الصلاة من رأس والإتيان بجميع أجزائها حتّى تكبيرة الافتتاح .
وهنا احتمال آخر في الرواية ، وهو أن يكون المراد بإدراكه في السجدة الأخيرة هو إدراكه فيها بالتكبير في حال سجود الإمام من دون متابعته في السجدة ، إذ لا دلالة فيها على المتابعة فيها ولا يحتاج إليها أيضاً ، لما عرفت من أنّ حقيقة الائتمام ترجع إلى جعل الصلاة مرتبطة بصلاة الإمام ، ولاتكون المتابعة في الأفعال مقوّمة لحقيقة الائتمام ، بل غايتها أنّها واجبة نفساً كما عرفت .
ومنها :
رواية أبي هريرة التي رواها ابن الشيخ(رحمه الله) في محكيّ مجالسه بسند عاميّ قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن في السجود فاسجدوا ولا
- (1) التهذيب 3 : 57 ح197; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح1 .
(الصفحة 372)
تعتدّوها شيئاً ، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة»(1) ، وهل المراد من عدم الاعتداد ، عدم الاعتداد بالسجدة التي أدركها مع الإمام ، فلا ينافي الاعتداد بتكبيرة الافتتاح على تقدير وجوب الإتيان بها قبل السجود ، أو أنّ المراد به عدم الاعتداد بجميع ما أتى به حتّى التكبيرة على تقدير وجوبها؟
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ الروايات الواردة في هذه المسألة التي يمكن الاستناد إليها فيها من حيث الدلالة لا ينهض شيء منها على لزوم كون إدراك الإمام في السجود مسبوقاً بتكبيرة الافتتاح ، فضلاً عن كونها مجزية عن تكبيرة الصلاة ، بحيث لم يجب استئنافها بعد الخروج عن متابعة الإمام .
نعم ، روى معاوية بن شريح عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا جاء الرجل مبادراً والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع ، ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبّر وسجد معه ولم يعتدّ بها ، ومن أدرك الإمام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهّد فقد أدرك الجماعة ، وليس عليه أذان ولا إقامة ، ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة»(2) . وظاهرها وجوب التكبير على تقدير إرادة درك فضيلة الصلاة مع الإمام ثمّ متابعته في السجود .
هذا ، ولكن يحتمل أن لا يكون قوله : «ومن أدرك الإمام وهو ساجد . . .» ، من كلام الإمام(عليه السلام) ، بل كان من كلام الصدوق كما هو دأبه في كتاب الفقيه ، حيث إنّ بناءه على ذكر فتواه بعد نقل الرواية . ويؤيّده خلوّ ما في التهذيب(3) عن هذا الذيل .
- (1) امالي الطوسي 1 : 398; الوسائل 8 : 394 ، أبواب صلاة الجماعة ب49 ح7 .
- (2) الفقيه 1 : 265 ح1214; الوسائل 8 : 393 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح6 .
- (3) التهذيب 3 : 45 ح157 .
(الصفحة 373)
هذا ، ولكنّه على تقدير أن يكون من كلام الإمام(عليه السلام) لا دلالة للرواية على كون المراد بالتكبير هي تكبيرة الافتتاح ، وعلى تقدير كون المراد به ذلك ، لا دلالة فيها على إجزائها عن تكبيرة الصلاة ، بحيث لم يجب الاستئناف لو لم نقل بظهور قوله : «ولم يعتدّ بها» ، في عدم الاعتداد بشيء ممّا أتى به من التكبير والسجود لا عدم الاعتداد بخصوص السجود .
وأمّا فتاوى الأصحاب فقال الشيخ(قدس سره) في النهاية : ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع فليسجد معه ، غير أنّه لا يعتدّ بتلك السجدة ، فإن وقف حتّى يقوم الإمام إلى الثانية كان له ذلك ، وإن أدركه وهو في حال التشهّد جلس معه حتّى يسلّم ، فإذا سلّم الإمام قام فاستقبل صلاته(1) .
وقال في المسبوط : ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه السجدتين ولا يعتدّ بهما ، وإن وقف حتّى يقوم الإمام إلى الثانية كان له ذلك ، فإن أدركه في حال التشهّد استفتح وجلس معه ، فإذا سلّم الإمام قام واستقبل القبلة ، ولا يجب عليه إعادة تكبيرة الإحرام(2) .
وقال في التهذيب : ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع فليسجد معه ، ولا يعتدّ بذلك السجود(3) .
وقال الصدوق في الفقيه : ومن أدرك الإمام وهو ساجد إلى آخر ذيل الرواية المتقدّمة ، بناءً على أن يكون من كلام الصدوق لا تتمّة للرواية(4) .
وقال الحلّي في السرائر : ومن أدركه ساجداً جاز أن يكبّر تكبيرة الافتتاح
- (1) النهاية : 116 .
- (2) المبسوط 1 : 159 .
- (3) التهذيب 3 : 48 .
- (4) الفقيه 1 : 265 ذيل ح1214 .
(الصفحة 374)
ويسجد معه ، غير أنّه لا يعتدّ بتلك الركعة والسجدة(1) .
وقد انقدح بذلك أنّه لا دلالة لما عدى عبارة الشيخ في المبسوط والحلّي في السرائر على لزوم كون إدراك الإمام في السجدة مسبوقاً باستفتاح الصلاة بتكبيرة الإحرام فضلاً عن إجزائها عن تكبيرة الصلاة ، وعلى هذا يمكن دعوى الشهرة على خلاف الشيخ والحلّي ، مضافاً إلى أنّ فتواهما ما يوافق مع العامّة في هذا الباب .
وكيف كان ، فما يحتمل في المسألة أمور :
أحدها :
ما حكي عن العلاّمة في جملة من كتبه كالتذكرة ونهاية الأحكام من أنّه ينوي الصلاة ويكبّر تكبيرة الإحرام ويتابع الإمام في السجود وما بعده ، ثمّ يستأنف الصلاة ويفتتحها بتكبيرة ثانية ، مستدلاًّ لذلك ببطلان الصلاة بمتابعة الإمام في السجود ، لكونه ركناً وزيادة الركن مبطلة ، ولا دليل على اغتفارها هنا من نصّ أو إجماع(2) .
هذا ، ويرد عليه عدم معقوليّة ذلك ، فإنّ من يعلم بأنّه يبطل صلاته بزيادة الركن ، بل بكونه مكلّفاً بالابطال للمتابعة ، كيف يتمشّى منه نيّة الصلاة المشتملة على الركعات المعيّنة؟! ، فإنّ الإرادة وإن كانت من الاُمور الاختياريّة ، إلاّ أنّها ليست بحيث يمكن تعلّقها بكلّ شيء جزافاً ، بل لابدّ لها من مقدّمات ومبادئ ، ولايمكن تحقّقها بدونها ، ومن المعلوم عدم إمكان تعلّقها بالصلاة في المقام ، مع العلم بأنّه لا يتمّها ولا تصدر منه ، فهذا الاحتمال مردود لأجل عدم المعقوليّة .
ثانيها :
ما حكي عن الشهيد الثاني في أكثر كتبه من أنّه ينوي الصلاة ويكبّر تكبيرة الافتتاح ، ويقوم على حاله حتّى يرفع الإمام رأسه من السجود ، ثمّ يأتي المأموم بباقي صلاته من غير إعادة التكبير; والأفضل له متابعة الإمام في
- (1) السرائر 1 : 285 .
- (2) تذكرة الفقهاء 4 : 326 مسألة 595 فرع ـ ج ـ ; نهاية الأحكام 2 : 132 .