(الصفحة 375)
السجود(1) ، وهذا الاحتمال في نفسه معقول متصوّر ، ولكن لابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام ، وأنّها هل تنطبق عليه أم لا؟
ثالثها :
ما احتملناه في رواية محمّد بن مسلم من متابعة الإمام في السجود من غير افتتاح بالتكبير ثمّ الاستئناف من رأس(2) .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّه لا مانع من نيّة الصلاة والإتيان بتكبيرة الافتتاح برجاء إدراك فضل الجماعة . ثمّ القيام على حاله حتّى يرفع الإمام رأسه من السجود ، ثمّ يتمّ المأموم صلاته من غير إعادة التكبير ، ولاتجب المتابعة في السجود كما أفتى به الشهيد الثاني ، نظراً إلى رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله البصري عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «إذا وجدت الإمام ساجداً فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه ، وإن كان قاعداً قعدت ، وإن كان قائماً قمت»(3) ، لظهورها في عدم لزوم المتابعة فتصير قرينة على حمل الروايات المتقدّمة على الاستحباب ، كما أنّ الاحتياط يحصل بنيّة الصلاة والإتيان بتكبيرة برجاء ذلك ، ومتابعة الإمام في السجود ، وإتمام الصلاة ثمّ إعادتها كما لايخفى .
هذا كلّه فيما لو أدرك الإمام في حال السجود ، وأمّا لو أدركه في حال التشهّد فمقتضى رواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهّد وليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه؟ قال : «لا يتقدّم الإمام ولايتأخّر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته»(4) إنّه يستفتح الصلاة ويتابع الإمام في حال التشهّد ، ثمّ يقوم
- (1) منها : المسالك 1 : 323 ; الروضة 1 : 383 ـ 384 ; روض الجنان : 292 .
- (2) راجع 3 : 370 .
- (3) التهذيب 3 : 271 ح780; الكافي 3 : 381 ح4; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح5 .
- (4) الكافي 3 : 386 ح7; التهذيب 3 : 272 ح788 ; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح3 .
(الصفحة 376)
فيتمّ صلاته من غير إعادة التكبير .
ولا استبعاد في الفرق بين إدراك الإمام في السجود وإدراكه في التشهّد من هذه الجهة ، وهي لزوم استفتاح الصلاة فيما بعد في الأوّل وعدم لزومه في الثاني ، بل تكفي التكبيرة السابقة على التشهد ، فإنّ التشهّد ليس من أركان الصلاة ولا تكون زيادته مبطلة ، وهذا بخلاف السجدتين .
مضافاً إلى أنّه لا دلالة للرواية على أزيد من وجوب القعود خلف الإمام في حال التشهّد ، ولا دلالة فيها على لزوم المتابعة في التشهّد أيضاً . هذا ، مضافاً إلى أنّه لم ينقل الخلاف هنا في عدم الاحتياج إلى استئناف تكبيرة الإحرام ، وقال بذلك من قال بلزوم تكبير مستأنف فيما لو أدركه في السجود كالمحقّق في الشرائع(1) .
ثمّ إنّ هنا رواية اُخرى لعمّار قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال : يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتّى يقوم»(2)وظاهرها النهي عن القعود مع الإمام ، كما أنّ ظاهر روايته المتقدّمة الأمر بالقعود خلفه ، والجمع بينهما أنّ روايته الاُولى ظاهرة في التشهد الأخير ، وهذه في التشهد الأوّل الذي يمكن معه إدراك الإمام فيما بعد من الركعة الثالثة ، أو هي مع الركعة الرابعة ، وبذلك يرتفع التدافع بين الروايتين .
إعادة المنفرد صلاته جماعةً
تستحبّ إعادة المنفرد صلاته إذا وجد جماعة يصلّون تلك الصلاة جماعة ، إماماً كان أو مأموماً ، وللمسألة صور :
- (1) شرائع الإسلام 1 : 116 .
- (2) التهذيب 3 : 274 ح793 ; الوسائل 8 : 393 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح4 .
(الصفحة 377)
1 ـ
ما ذكر وهو الإتيان بالصلاة الأدائيّة منفرداً ، ثمّ وجدان جماعة يصلّون تلك الصلاة كذلك جماعة ، وهذه الصورة هي القدر المتيقّن من الفتاوى والنصوص الواردة في هذا الباب(1) .
2 ـ
الإتيان بها منفرداً ثمّ وجدان جماعة يصلّون صلاة اُخرى ، كما إذا صلّي صلاة الظهر ، ثمّ وجد جماعة يصلّون العصر جماعة أو يصلّون صلاة الظهر القضائيّة لا الأدائيّة .
3 ـ
ما إذا أتى بصلاته جماعة ، ثمّ أراد الإتيان بها ثانياً كذلك . وهو تارة يكون إماماً في كلتيهما ، واُخرى مأموماً كذلك ، وثالثةً إماماً في الاُولى ومأموماً في الثانية ، ورابعةً عكس ذلك .
وعلى التقادير تارة تكون الجماعة الثانية هي الجماعة الاُولى ، واُخرى جماعة اُخرى . وما عدا الصورة الاُولى من هذه الصور يشكل استفادة استحباب الإعادة فيه من الروايات الواردة في المسألة التي جمعها في ا لوسائل في باب ـ 54 ـ من أبواب الجماعة ، فاللاّزم ملاحظة كلّ واحدة منها فنقول :
منها :
رواية هشام المتّحدة تقريباً مع رواية حفص بن البختري(2) من حيث المتن عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمّ يجد جماعة قال : «يصلّي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء»(3) ، والظاهر أنّ موردها هو الرجل الذي صلّى وحده ، ثمّ وجد جماعة يصلّون تلك الصلاة التي صلاّها منفرداً ، فلا تشمل ما عدى الصورة الاُولى .
- (1) المعتبر 2 : 428 ; تذكرة الفقهاء 4 : 275 مسألة 559; المنتهى 1 : 379; مدارك الأحكام 4 : 341; رياض المسائل 4 : 325; مستند الشيعة 8 : 168 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 .
- (2) الكافي 3 : 379 ح1; التهذيب 3 : 50 ح176; الوسائل 8 : 403 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح11 .
- (3) الفقيه 1 : 251 و262 ح1132 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح1 .
(الصفحة 378)
ثمّ إنّ التعبير بأنّه(عليه السلام) «قال في الرجل يصلّي . . .» ، يحتمل لأن يكون الموضوع ـ وهو الرجل الموصوف بالوصف المذكور ـ مورداً لسؤال الراوي ، والصادر من الإمام(عليه السلام) إنّما هو الحكم المترتّب عليه ، ويحتمل لأن يكون الموضوع مذكوراً في كلام الإمام(عليه السلام) .
ونظير هذه الرواية في عدم الشمول ما رواه زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «لاينبغي للرجل أن يدخل معهم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، بل ينبغي له أن ينويها وإن كان قد صلّى ، فإنّ له صلاة اُخرى»(1) .
فإنّ الظاهر أنّ الصلاة التي يدخل الرجل معهم فيها وينبغي له أن ينويها صلاة ويحسب له صلاة اُخرى ، هي نفس تلك الصلاة التي صلاّها منفرداً ، والمراد بأنّ له صلاة اُخرى أنّه يثاب عليها أيضاً ، كما يثاب على ما صلاّها وحده ، فله ضعف ثواب صلاة الظهر مثلاً إذا أتى بها كذلك ، فلا دلالة لهذه الرواية أيضاً على حكم ما عدى الصورة الاُولى ، وهكذا الروايات الاُخر المذكورة في هذا الباب ، فإنّها أيضاً لا تشمل غيرها ، بل بعضها صريح في الورود في خصوص صورة الاُولى ، وهي رواية إسماعيل بن بزيع قال :
كتبت إلى أبي الحسن(عليه السلام) : إنّي أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمروني بالصلاة بهم وقد صلّيت قبل أن آتيهم ، وربّما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل ، فأكره أن أتقدّم وقد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت لك ، فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل به إن شاء الله فكتب(عليه السلام) : «صلّ بهم»(2) .
والمراد بالمستضعف من ليس له تمييز حتّى يميّز بين الشيعي وغيره ، وبالجاهل
- (1) الفقيه 1 : 262 ح1195; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح2 .
- (2) التهذيب 3 : 50 ح174 ; الكافي 3 : 380 ح5; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح5 .
(الصفحة 379)
من كان جاهلاً بأمر الولاية; غير عارف به .
وهكذا رواية يعقوب بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن(عليه السلام) : جعلت فداك تحضر صلاة الظهر فلا نقدر أن ننزل في الوقت حتّى ينزلوا فننزل معهم فنصلّي ، ثم يقومون فيسرعون فنقوم ونصلّي العصر ونريهم كأنّا نركع ثمّ ينزلون للعصر فيقدّمونا ، فنصلّي بهم؟ فقال : «صلّ بهم لا صلّى الله عليهم»(1) ، وكذا غيرها من الروايات الاُخر المذكورة في ذلك الباب ، فإنّه لا يستفاد من شيء منها مشروعيّة الإعادة في غير الصورة الاُولى .
نعم ، يستفاد من بعضها جواز الإعادة ولو منفرداً مع العامة والاقتصار على صورة الجماعة .
ثمّ إنّ الصلاة الثانية المعادة جماعة التي اُستفيد استحبابها من الأخبار ، قد اختلف في شأنها الروايات الواردة في المقام ، حيث إنّ مقتضى بعضها أنّه يحسب له الأفضل منها ومن الصلاة الاُولى وأتمّهما ، أو أنّه يختار الله أحبّهما إليه ، وبعضها يدلّ على أنّه يجعلها الفريضة كما في رواية حفص أو يجعلها الفريضة إن شاء كما في رواية هشام بن سالم .
ومن المعلوم اختلاف مفاد هذه التعبيرات ، فإنّ مقتضى قوله : «يحسب له أفضلهما وأتمّهما»(2) أو أنّه يختار الله أحبّهما إليه(3) ، أنّ الاختيار في ذلك إلى الله تعالى ، وأنّه لايختار إلاّ ما هو أحبّ إليه ، ومعنى كونه أحبّ إليه ليس إلاّ ما هو أكمل وأتمّ من حيث الاشتمال على الاُمور المعتبرة في العبادة فرضاً ونفلاً ، ومن جهة الاشتمال على ما هو حقيقة العبادة وروحها .
- (1) الكافي 3 : 379 ح4 ; التهذيب 3 : 270 ح777 ; الوسائل 8 : 402 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح6 .
- (2) الفقيه 1 : 251 ح1133 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح4 .
- (3) التهذيب 3 : 270 ح776; الكافي 3 : 379 ح2; الوسائل 8 : 403 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح10 .