(الصفحة 85)
بالنسبة إلى الروايات الواردة في سائر الشكوك ، كالشكّ بين الإثنتين والأربع ، أو بين الثلاث والأربع ، أو غيرهما من الشكوك .
وحينئذ فمرجع شكّه في المقام إلى أنّ شكّه السابق هل كان هو الشكّ بين الواحدة والإثنتين حتّى يوجب بطلان الصلاة ، أو الشكّ بين الإثنتين والثلاث حتّى تصحّ الصلاة ، ويجب عليه البناء على الأكثر والإتيان بالنقص المحتمل بعد الصلاة ، ، والتمسّك بقاعدة التجاوز لاثبات الصحّة قد عرفت ما فيه ، من أنّ تحقّق المبطل في الأثناء يوجب عدم تحقّق عنوان الصلاة ، ولا يخرج الأجزاء السابقة عن الصحّة التأهلية التي مرجعها إلى قابلية وقوعها جزءً فعلياً ، مع انضمام سائر الأجزاء إليها بشرائطها ، وعدم شيء من موانعها ، فالشكّ في عروض المبطل لا يرجع إلى الشكّ في صحة ما وقع قبله من الأجزاء حتّى تجري فيه قاعدة التجاوز ، بناءً على عدم اختصاص مجراها بخصوص ما إذا شكّ في وجود الجزء ، بل يعمّ ما إذا شكّ في صحة الجزء الموجود أيضاً .
هذا ، ولكن الظاهر أنه لا مانع من جريان القاعدة ، بتقريب أنّ مفاد الأدلّة الدالّة على اعتبار حفظ الركعتين الأوليين شرطاً لكونهما فرض الله ، أو على مانعية السهو فيهما ليس أنّ إحراز تحقّقهما والإتيان بهما شرط في صحة الصلاة ، بحيث كان اللازم فيها مجرّد إحراز الإتيان بهما ، كيف ، ولازم ذلك عدم بطلان الصلاة مع الشكّ قبل إكمال الركعة الثانية ، لأنه بعد الإتيان بباقي الأجزاء منها يتحقّق إحراز الإتيان بالركعتين الأوليين ، فلا مجال لبطلان الصلاة بعد حصول شرط صحّتها .
وبالجملة:
فلا يكاد يتّفق عدم إحرازهما إلاّ نادراً ، وذلك لأنّ النقص المحتمل بالآخرة هو نقص الركعة الأخيرة أو أزيد ، نعم لو شكّ بين الواحدة والأربع مثلا ثمّ أتمّ الصلاة لا يكون بذلك محرزاً للأوليين ، وأمّا في غير هذا المورد ممّا لم يكن شيء من طرفي الشكّ أو أطرافه احتمال الركعة الواحدة ، فلا يكاد يتحقّق عدم الاحراز
(الصفحة 86)
كما هو واضح .
فليس المراد من الروايات الواردة بهذا المضمون اعتبار حفظ الاُوليين شرطاً في صحة الصلاة أو السهو عنهما مانعاً عنها ، بل الذي يقتضيه النظر أنّ مفاد تلك الروايات هو اعتبار حفظ الاُوليين شرطاً لصحتهما أو السهو مانعاً عنها ، بحيث كان الاخلال به مضرّاً بوقوعهما على ما يجب أن تقعا عليه ، فيترتّب عليه بطلان الصلاة لا لفقدها لشرط صحتها ، أو وجود المانع عنها ، بل لفقدانها للركعتين اللتين هما فرض الله ، وهو لا يحتمل السهو ولا يقبل لأن يقع ظرفاً للشكّ والذهول عن الواقع .
وحينئذ فالشكّ في الصلاة وأنه هل صلّى واحدة أو ثنتين ، يبطلها لأجل خلّوها عن الركعتين الاُوليين ، فمرجع الشكّ في أنّ شكّه السابق هل كان شكاً بين الواحدة والإثنتين أو بين الإثنتين والثلاث إلى أنّ الركعتين الاُوليين هل وقعتا صحيحتين جامعتين للشرط المعتبر فيهما ، أو خاليتين عن المانع المخل بهما ، فلا مانع حينئذ من اجراء القاعدة بناءً على عموم موردها للشكّ في الصحّة أيضاً كما هو الظاهر ، فالتحقيق يوافق ما ذهب إليه السيّد(قدس سره) صاحب العروة ، ولا موقع للاشكال فيه .
الثانية:
إذا شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر ، فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده ، وإن كان لم يصلّها أو شكّ في أنه صلاّها أو لا ، عدل به إليها(1) . لأنه إن كان الشروع بنيّة الظهر فجعلها بعد الشك بالنية كذلك لا يكون عدولا ، بل هذه النية استدامة للنية التي كانت عند الشروع ، وان كان الشروع بنيّة العصر فالحكم بمقتضى النصّ والفتوى العدول منها إلى الظهر لو تذكّر في الأثناء أنه لم يأت بالظهر بعد ، أو شكّ في
- (1) العروة الوثقى 1 : 687 المسألة الاُولى والثانية .
(الصفحة 87)
أنه صلاّها .
ومثله في الحكم ما لو شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء ، ولم يكن صلّى المغرب أو شكّ في أنه صلاّها ، فإنه يعدل بالنية إلى المغرب ما دام لم يأخذ في القيام إلى الركعة الرابعة(1) ، بناءً على مااختاره العلاّمة وتبعه صاحب الجواهر(قدس سرهما) ، أو مادام لم يدخل في ركوع الركعة الرابعة بناءً على ما هو المشهور(2) .
الثالثة:
إذا شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع وتذكّر أنه سهى عن المغرب ، قال في العروة : بطلت صلاته وإن كان الأحوط إتمامها عشاءً والإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب(3) .
أقول :
هذه المسألة مبتنية على مسألة اُخرى معنونة في باب العدول ، وهو أنه قد وقع الخلاف في أنه لو تجاوز محلّ العدول فيما إذا كان في العشاء وقد سهى عن المغرب وتذكّر أنه لم يأت بها بعد ، بأن دخل في ركوع الركعة الرابعة ، فهل اللازم عليه الاتمام عشاءً ثمّ الإتيان بالمغرب ، كما لو تذكّر بعد الفراغ عن العشاء أنه لم يكن صلّى المغرب ، أو أنه تبطل الصلاة لعدم إمكان العدول إلى المغرب بعد التجاوز عن محلّه ، كما هو المفروض ؟ .
ولا دليل على سقوط شرطية الترتيب المستفاد من قوله(عليه السلام) : «إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(4) ومن أدلّة العدول كما مرّ مراراً ، لأنّ القدر المتيقّن من السقوط ما إذا تذكّر بعد الفراغ من اللاحقة أنه فاتت منه السابقة ولم يكن صلاّها ، وأمّا إذا تذكّر قبل
- (1) العروة الوثقى 1 : 687 المسألة الاُولى والثانية .
- (2) المنتهى 1: 422; جواهر الكلام 7: 316 .
- (3) العروة الوثقى 1: 689; المسألة السادسة .
- (4) الوسائل 4: 1256 و 130 . أبواب المواقيت ب4 ح5 و20 و 21 .
(الصفحة 88)
الفراغ فلا دليل عليه .
فإن قلنا بالأوّل الذي مرجعه إلى سقوط اعتبار الترتيب لو تذكّر في الأثناء أيضاً مع عدم إمكان العدول ، فالحكم في المقام أيضاً إتمام الصلاة عشاءً ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط ثمّ بالمغرب ، لأنه لا فرق بين المسألتين من حيث عدم امكان العدول ، غاية الأمر أنه هناك لأجل استلزام العدول زيادة ركوع في صلاة المغرب وهي مبطلة ، وهنا لأجل استلزامه وقوع الشكّ في عدد الركعات في صلاة المغرب وهو أيضاً مبطل; وإن قلنا بالثاني فالحكم البطلان والإتيان بالمغرب ثمّ بالعشاء .
والظاهر هو الوجه الأول ، لالغاء الخصوصية من الدليل الدال على سقوط اعتبار الترتيب فيما إذا تذكّر بعد الفراغ من صلاة العشاء ، بدعوى عدم اختصاصه بخصوص هذه الصور ، بل يعمّ ما إذا تذكّر قبل الفراغ فيما إذا تجاوز عن محلّ العدول أيضاً فتدبر .
الرابعة:
إذا صلّى الظهرين ، وقبل أن يسلّم للعصر علم إجمالا أنه إما نقص من ظهره ركعة والركعة التي بيده رابعة العصر ، وإمّا أنه أتى بالظهر تامّة وهذه الركعة التي بيده ثالثة العصر ، فالاحتمالان اللذان هما طرفا العلم الإجمالي مع قطع النظر عن كونهما طرفين له ، يكون أحدهما مجرى قاعدة الفراغ ، والآخر مورد أدلّة البناء على الأكثر .
وذلك لانّ الشكّ بالنسبة إلى صلاة الظهر شكّ بعد الفراغ فتجري قاعدته وبالنسبة إلى صلاة العصر شكّ بين الثلاث والأربع ، وحكمه البناء على الأكثر والتسليم ، ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط . وأمّا بملاحظة العلم الإجمالي وكون الاحتمالين طرفين له فذكر سيّد الأساطين في العروة: أنه لا يمكن إعمال القاعدتين معاً ، لأنّ الظهر إن كانت تامّة فلا يكون ما بيده رابعة ، وإن كان ما بيده رابعة فلا
(الصفحة 89)
يكون الظهر تامّة ، فتجب إعادة الصلاتين لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين . نعم ، الأحوط الإتيان بركعة اُخرى للعصر ثمّ إعادة الصلاتين لاحتمال كون قاعدة الفراغ من باب الأمارات(1) ، انتهى (2) .
والوجه فيه أن مقتضى قاعدة الفراغ الجارية بالنسبة إلى صلاة الظهر ليس الحكم بوقوعها تامّة واقعاً ، بل غايته الحكم بتماميتها ظاهراً ، الذي مرجعه إلى عدم الاعتناء بهذا الشكّ الحادث بعد الفراغ ، لأنه على تقدير وقوعها ناقصة واقعاً كانت مقبولة عند الشارع ، كما إذا صلّى صلاة تامّة فليس مقتضى هذا الحكم الحكم بنقص العصر .
كما أنّ الحكم بالبناء على الأكثر مع الشكّ بين الثلاث والأربع ليس مرجعه إلى الالتزام بكون ما بيده هي الركعة الرابعة التي آخر الركعات ، وأنّها لا تكون ناقصة بوجه ، بل غايته الحكم بالمعاملة مع مابيده معاملة الرابعة ، وإن كان شاكّاً فيها مع جبر النقص المحتمل بصلاة الإحتياط ، فلا تدافع بين نفس القاعدتين بوجه .
وأمّا عدم التدافع بينهما وبين العلم الإجمالي ، فلأنّ مقتضى التحقيق ـ تبعاً لما أفاده الشيخ المحقّق الأنصاري(قدس سره)(3) ـ أنّ عدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي ليس لأجل المناقصة بين الأصلين ، أو الاُصول والعلم الإجمالي ، حتّى ترجع هذه المناقضة إلى التناقض في أدلّة الاُصول ، بل عدم الجريان إنّما هو لأجل
- (1) العروة الوثقى 1: 697 المسألة السادسة والعشرون .
- (2) وأورد عليه سيّدنا العلاّمة الاستاذ (ادام الله أظلاله على رؤوس المسلمين) في تعليقته المباركة ما لفظه : الحكم بتماميّة الظهر ظاهراً لا يستلزم الحكم بنقص العصر ، وأنّ ما بيده ثالثتها ، وليس الواجب عند الشكّ في الثلاث والأربع هو الالتزام بعدم النقص وأنّها أربع ، بل إتمامها على ما بيده كائناً ما كان مع جبر النقص المحتمل فيها بصلاة الإحتياط ، فلا تدافع بين القاعدتين ولا بينهما وبين العلم الإجمالي ، والعمل بهما متعيّن . انتهى تعليقة السيّد البروجردي(رحمه الله) على العروة الوثقى: 71 . «المقرّر» .
- (3) فرائد الاصول: 19 .