(الصفحة 90)
استلزام جريانه لطرح تكليف منجّز عليه ، فيختصّ عدم الجريان بما إذا استلزم ذلك دون ما إذا لم يستلزم ، كما إذا علم إجمالا بطهارة واحد من الإنائين المسبوقين بالنجاسة ، فإنّ إجراء استصحاب النجاسة في كلّ منهما لا تلزم منه مخالفة تكليف منجّز كما هو واضح .
إذا ظهر لك ذلك فنقول : لابدّ من ملاحظة أنّ إعمال القاعدتين في المقام هل يستلزم نفي حكم ثابت بسبب العلم الإجمالي بوقوع النقص في إحدى الصلاتين أم لا؟ ، الظاهر عدم الاستلزام ، وذلك لأنّ مقتضى العلم الإجمالي لزوم مراعاة النقص الواقع في إحدى الصلاتين ، وإعمال القاعدتين لا ينفي ذلك ، غاية الأمر أنّ مقتضاها أنّ النقص على تقدير وقوعه في الصلاة السابقة يكون كالعدم .
لانّ الشارع بمقتضى قاعدة الفراغ ، تقبل الصلاة الناقصة مقام التامّة الكاملة ، وعلى تقدير وقوعه في هذه الصلاة التي بيده ، يكون مجبوراً بصلاة الإحتياط التي شأنها جبر النقص المحتمل ، فلا يكون النقص المحتمل في كلّ من الصلاتين غير معتنى به ، بل روعي كمال المراعات ، وكون حكمه على تقدير الوقوع في الصلاة السابقة هو عدم الاعتناء به ، وعلى تقدير الوقوع في الصلاة اللاحقة هو الجبر والتدارك بركعة مفصولة لا يوجب عدم مراعاته كما هو غير خفيّ .
هذا ، ولكن يبقى في المقام شيء ، وهو أنّ مرجع العلم الإجمالي بالنقص في إحدى الصلاتين إلى العلم التفصيلي ببطلان خصوص العصر على تقدير التسليم في هذه الركعة إمّا من جهة نقصانها وكون الركعة ثالثة العصر ، وإمّا من جهة نقصان الظهر الموجب لعدم صحة العصر من جهة فقدانها للترتيب المعتبر فيها ، ومورد أدلة البناء على الأكثر هوما إذا كانت الصلاة صحيحة من غير جهة الشكّ في الركعة .
هذا ، ولكن يدفع ذلك انّ نقصان الظهر إنّما يؤثّر في بطلان العصر من جهة
(الصفحة 91)
فقدان الترتيب إذا كان موجباً لبطلان نفسها ، ومع جريان قاعدة الفراغ المقتضية للصحة والتمامية لا يترتّب على نقصانها بطلان العصر ، كما أنّ نقصان العصر أيضاً لا يقتضي عدم تماميتها بعد كونه مجبوراً بصلاة الإحتياط كما عرفت ، فالمتعيّن في المسألة بالقاعدتين معاً فتدبّر جيّداً .
وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ في المسألة وجوهاً ثلاثة .
أحدها :
ما اختاره سيّد الأساطين في العروة من الحكم بوجوب إعادة الصلاتين ، للتدافع بين القاعدتين وعدم ترجيح في البين .
ثانيها :
إنحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي ، ببطلان خصوص صلاة العصر ، والشكّ البدوي بالنسبة إلى صلاة الظهر ، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إليها وتجب اعادة العصر .
ثالثها :
مااخترناه من إعمال القاعدتين والحكم بجريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الظهر ، وكون الشكّ بالنسبة إلى العصر مورداً لأدلّة البناء على الأكثر ، ومرجعه إلى كون صلاة الإحتياط جابرة للنقص المحتمل ، إمّا واقعاً كما ربّما يستفاد من بعض الروايات الواردة في ذلك الباب ، وإمّا كونها حكماً ظاهرياً في مورد الشكّ ، وقد حققنا في محلّه أنّ امتثال الأمر الظاهري مجز عن الواقع(1) .
الخامسة:
إذا توضّأ وصلّى ثمّ علم أنه إمّا ترك جزءً من وضوئه أو ركناً من صلاته ، قال في العروة : الأحوط إعادة الوضوء ثمّ الصلاة ، ولكن لا يبعد جريان قاعدة الشكّ بعد الفراغ في الوضوء ، لأنها لاتجري في الصلاة حتّى يحصل التعارض ، وذلك للعلم ببطلان الصلاة على كلّ حال(2) ، انتهى .
- (1) نهاية الاُصول: 125; مبحث الأجزاء .
- (2) العروة الوثقى 1: 710 ، المسألة السابعة والخمسون .
(الصفحة 92)
وهذه المسألة قريبة من المسألة السابقة ، ولكن نفى السيّد(قدس سره) البعد هنا عن جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الوضوء ، ولزوم إعادة خصوص الصلاة للعلم ببطلانها على كلّ حال ، وذلك لما أشار إليه من الفرق بين المقامين وهو ثبوت التعارض بين القاعدتين هناك ، بناءً على مذهبه وأمّا هنا فليس إلاّ قاعدة واحدة جارية بالنسبة إلى الوضوء ، بعد انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي ، فهذا الوجه هنا أقوى .
السادسة:
إذا علم أنه صلّى الظهرين ثمان ركعات وقبل السلام من العصر شكّ في أنه هل صلّى الظهر أربع ركعات فالتي بيده رابعة العصر ، أو أنه نقص من الظهر ركعة فسلّم على الثلاث وهذه التي بيده خامسة العصر ؟
فالحكم هو ما أفاده في العروة: من أنّ هذا الشكّ بالنسبة إلى الظهر شكّ بعد السلام ، وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الأربع والخمس ، فيحكم بصحّة الصلاتين ، إذ لا مانع من إجراء القاعدتين ـ لعدم التدافع بينهما بوجه ـ فبالنسبة إلى الظهر تجري قاعدة الفراغ والشكّ بعد السلام ، فيبني على أنه سلّم على الأربع ، وبالنسبة إلى العصر يجري حكم الشكّ بين الأربع والخمس ، فيبني على الأربع إذا كان بعد إكمال السجدتين ، فيتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو .
هذا بالنسبة إلى الظهرين ، وكذا الحال بالنسبة إلى العشائين إذا علم قبل السلام من العشاء أنه صلّى سبع ركعات وشكّ في أنه سلّم من المغرب على ثلاث فالتي بيده رابعة العشاء ، أو سلّم على الإثنتين فالتي بيده خامسة العشاء ، فإنّه يحكم بصحة الصلاتين واجراء القاعدتين(1) .
- (1) العروة الوثقى 1: 699; المسألة الثامنة والعشرون .
(الصفحة 93)
السابعة:
لو انعكس الفرض السابق بأن شكّ ـ بعد العلم بأنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات قبل السلام من العصر ـ في أنه صلّى الظهر أربع فالتي بيده رابعة العصر أو صلاّها خمساً فالتي بيده ثالثة العصر ، فقال في العروة : إنّه بالنسبة إلى الظهر شكّ بعد السلام وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الثلاث والأربع ، ولا وجه لإعمال قاعدة الشكّ بين الثلاث والأربع في العصر ، لأنه إن صلّى الظهر أربعاً فعصره أيضاً أربعة فلا محلّ لصلاة الإحتياط ، وإن صلّى الظهر خمساً فلا وجه للبناء على الأربع في العصر وصلاة الإحتياط ، فمقتضى القاعدة إعادة الصلاتين ، انتهى(1) .
والظاهر أنه لا مانع من جريان قاعدة الشكّ بين الثلاث والأربع ، بل اللازم العمل بها ، لانّ صحة الظهر وإن كانت مستلزمة لصحّة العصر وهي مستلزمة لعدم المورد لصلاة الإحتياط ، إلاّ أنّ هذا الاستلزام إنّما هو بحسب الواقع ، وأمّا بحسب الحكم الظاهري فالحكم بصحة الظهر لا يلازم الحكم بصحة العصر ، بل مفاده هو مجرّد الحكم بصحّة الظهر بملاحظة كون الشكّ حادثاً بعد الفراغ عنها ، وأما بالنسبة إلى صلاة العصر فلابدّ من ملاحظة أنّ موضوع صلاة الإحتياط وهو احتمال النقص له هل يكون متحقّقاً أم لا؟ ، ومن المعلوم أنه متحقق وجداناً كما هو واضح .
الثامنة:
لو علم أنه صلّى الظهرين ثمان ركعات ، ولكن لم يدر أنه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات أو نقص من إحداهما ركعة وزاد في الاُخرى .
فالحكم ما أفاده في العروة : من أنه بنى على أنه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات ، عملا بقاعدة عدم اعتبار الشكّ بعد السلام ـ الجارية بالنسبة إلى كلتا الصلاتين ،
- (1) العروة الوثقى 1: 699; المسألة التاسعة والعشرون .
(الصفحة 94)
ولا تدافع بينهما بعد احتمال أنه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات ـ ، وكذا إذا علم أنه صلّى العشائين سبع ركعات ، وشكّ بعد السلام في أنه صلّى المغرب ثلاثة والعشاء أربعة ، أو نقص من إحداهما وزاد في الاُخرى ، فيبني على صحّتهما(1) .
التاسعة:
إذا صلّى الظهرين وعلم بعد السلام بنقصان إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان العلم بعد الإتيان بالمنافي مطلقاً عمداً وسهواً أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمّة للعلم ببطلان إحدى الصلاتين وصحة الاُخرى ، فيأتي بواحدة مردّدة بينهما ويحصل به العلم ببراءة الذمّة عن التكليف ، وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية ركعة ، لاحتمال كونها هي الناقصة ، ثمّ سجد للسهو لأجل التسليم في غير المحلّ ثمّ أعاد الصلاة الاُولى ، لعدم العلم بتحقّق الفراغ عنها ، لاحتمال كونها ناقصة ، والترتيب المعتبر بين الصلاتين يحصل بذلك كما هو غير خفيّ .
وقال في العروة : إنّ الأحوط أن لا ينوي الاُولى ، بل يصلّي أربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، لاحتمال كون الثانية على فرض كونها تامّة محسوبة ظهراً(2) .
أقول :
منشأ هذا الاحتمال هي صحيحة زرارة الواردة في العدول الدالّة على العدول من العصر إلى الظهر ولو بعد الفراغ من العصر(3) ، وحيث أنّ هذا الحكم الذي تشتمل عليه الصحيحة غير مفتى به لأحد من الأصحاب ، فلا يبقى مجال لهذا الاحتمال ، وحينئذ فيأتي بأربع ركعات بقصد الصلاة الاُولى .
ثمّ إنّه قد يقال ، فيما لو كان العلم الإجمالي قبل الإتيان بالمنافي: بأنه يحصل الفراغ عن عهدة التكليفين بالإتيان باربع ركعات مردّدة بين الصلاتين . ولا
- (1) العروة الوثقى 1: 698 ، المسألة السابعة والعشرون .
- (2) العروة الوثقى 1: 697 ، المسألة الرابعة والعشرون .
- (3) الكافي 3: 291 ح1; التهذيب 3: 158 ح340; الوسائل 4: 290 . أبواب المواقيت ب63 ح1 .