(الصفحة 124)
بتمامها في وقتها متفرّع على عدم وجوب السورة ، ومتوقّف عليه ، فالاستدلال على العدم بوجوب إتيانها في وقتها يصير على وجه دائر كما لايخفى .
نعم يمكن أن يستدلّ عليه كما في الجواهر ، بفحوى عدم وجوبها على المستعجل ونحوه ، ضرورة أولويّة مراعاة الوقت من ذلك ، كما أنّه يمكن أن يستدلّ عليه بضميمة أدلة الاستعجال بوجه آخر ، وهو أن يقال: انّه يستكشف من سقوطها بالنسبة إلى المستعجل والمريض وأمثالهما ، أنّ ملاك وجوبها ليس من القوّة بحدّ يزاحم ملاك شرطية الوقت ، مع ملاحظة أهميته بالنسبة إلى سائر الشرائط ، بحيث لم يوجد مورد قدّم فيه بعض الشروط عليه ، كما يظهر بالتتبّع في موارد مزاحمة الوقت ، مع غيره من الشروط .
ويمكن أن يقال بناءً على ما عرفت من أنّ عمدة مستند الوجوب هو فعل النبي(صلى الله عليه وآله) : إنّه لم يثبت وجوبها في موارد الضيق ، لعدم ثبوت فعله(صلى الله عليه وآله) في تلك الموارد كما لا يخفى ، إلاّ أن يقال: إنّ مجرّد كون عمله(صلى الله عليه وآله) في سعة الوقت لا يوجب اختصاص الوجوب بها ، خصوصاً بعد صدور الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها مفروغية الوجوب كما عرفت .
ولذالم يستدلّ أحدللسقوط في موارد الاستعجال ونحوه، بعدم ثبوت الوجوب في تلك الموارد، بل السقوط إنما هولدلالة دليل خارجيّ عليه، كماهو واضح.
ثم إنّ ما ذكرنا إنما هو فيما لو ضاق الوقت عن إدراك مجموع الصلاة في وقتها ، بحيث لو قرأ السورة ، لوقع بعض أجزائها خارج الوقت ، ولكن ليس بحيث تكون قراءة السورة مانعة عن وقوع ركعة منها في الوقت ، وأمّا لو دار الأمر بين ترك السورة ووقوع ركعة منها في الوقت ، حتّى يشمله قوله(عليه السلام) : «من أدرك . . .»(1) ،
- (1) التهذيب 2 : 38 ح119; الاستبصار 1 : 275 ح999; الذكرى 2 : 355; الوسائل 4 : 217 ، 218. أبواب المواقيت ، ب30 ح2 و4 و5 ; صحيح البخاري 1: 163 ح580; صحيح مسلم 5: 86 ح161 ـ 165; سنن أبي داود 1: 112 ، ح412 .
(الصفحة 125)
فتقع الصلاة أداءً ، وبين قراءتها ووقوع الصلاة خارج الوقت ، فالأمر أوضح .
ثم إنّه قد يتمسّك لوجوب السورة في موارد الضيق باستصحاب وجوبها الثابت قبل تحققه ، ولكنّه معارض باستصحاب وجوب إتيان الصلاة في وقتها الثابت قبل تحقق الضيق ، كما هو غير خفيّ .
ومنها : النوافل ، ولا إشكال ولا خلاف في سقوط السورة فيها ، بل ربما يعد من الضروريات(1) ، ويدلّ عليه رواية عبدالله بن سنان ورواية منصور بن حازم المتقدّمتان ، وغيرهما من الأخبار(2) ، إنما الإشكال في سقوطها فيما لو عرض للنافلة وصف الفرضيّة ، أو عرض للفريضة وصف النفليّة .
ومنشأ الإشكال إنّه هل عنوان الفريضة المأخوذ في أدلة وجوب السورة يراد به ما هو واجب بالفعل ومحمول عليه هذا العنوان بالحمل الشائع ، سواء كان فرضاً بالذات أو بالعرض، أو أنّ هذا العنوان كناية وإشارة إلى العناوين التي تكون واجبة بالذات ومفروضة بحسب أصل الشرع ، كالصلوات اليومية ونظائرها؟ وجهان .
لا يبعد أن يقال: بأنّ المنسبق إلى أذهان أهل العرف إنما هو الوجه الثاني ، إذ لايفهمون من تلك الأدلة إلاّ اعتبار السورة في صلاة الظهر والعصر ونظائرهما من العناوين المفروضة بالذات ، من دون أن يكون عنوان الفرضية دخيلا في ذلك أصلا ، وعليه فتكون السورة جزءً للصلوات اليومية ، سواء كانت واجبة أو مندوبة ، كصلاة المعادة جماعة ، وصلاة الصبيّ ، بناءً على شرعيتها .
- (1) المعتبر 2: 171; مفاتيح الشرائع 1: 131; مستند الشيعة 5: 97; جواهر الكلام 9: 400; مدارك الأحكام 3: 347; بحار الأنوار 82: 12.
- (2) الوسائل 6: 122. أبواب القراءة في الصلاة ب51.
(الصفحة 126)
هنا مسائل :
المسألة الأولى : وجوب تعيين بسملة خاصّة وعدمه
لا إشكال ولا خلاف بين الإمامية في أنّ البسملة جزء لجميع سور القرآن عدا البراءة(1) ، بناءً على كونها سورة مستقلّة ، لا جزء لسورة الأنفال ، بل ربما يعد ذلك من الضرورة ، بحيث لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه .
إنما الإشكال في أنّه هل يجب أن يعيّن حين قراءة البسملة سورة معيّنة أم لا؟ وبعبارة اُخرى ، هل يجب أن يقصد حكاية بسملة خاصّة مثل بسملة التوحيد أو لا ، بل يكفي مجرّد قصد حكاية القرآن ، وصيرورتها جزءً لسورة خاصّة إنما تتحقّق بلحوق سائر أجزائها إليها؟ وجهان بل قولان .
ظاهر ا لمشهور بل صريحهم عدم وجوب التعيين(2) ، وذلك لعدم تعرّضهم
- (1) الخلاف 1: 328; السرائر 1: 218; المعتبر 2: 167; تذكرة الفقهاء 3: 132 مسألة 222; مدارك الأحكام 3: 339; مفتاح الكرامة 2: 352; مفاتيح الشرائع 1: 129; رياض المسائل 3: 379; كشف اللثام 4: 7; جواهر الكلام 9: 296; مستند الشيعة 5: 80 ; جامع المقاصد 2: 244.
- (2) مجمع الفائدة والبرهان 2 : 248; بحار الأنوار 82 : 19; الحدائق 8 : 228; مستند الشيعة 5 : 124; جواهر الكلام 10 : 52 ـ 56 .
(الصفحة 127)
للمسألة مع كونها ممّا يعم به البلوى ، ووضوح احتياج الناس إلى التنبيه ، إذ بدونه لا يكاد يخطر ببالهم هذا المعنى أصلا .
هذا ، وذهب شيخنا المرتضى(قدس سره) في كتاب صلاته إلى لزوم التعيين(1) ، وتبعه بعض المعاصرين(2) ، ويمكن أن يستدلّ للمشهور مضافاً إلى خلوّ النصوص عن التعرّض للمسألة مع شدّة الابتلاء بها ، وقد عرفت أنّ ذلك دليل على عدم الوجوب ، بأنّ الظاهر كون البسملة بطبيعتها الواحدة جعلت جزءً لجميع السور ، كالأجزاء المشتركة في المركّبات الخارجية .
فكما أنّ قصد انضمام سائر أجزاء مركّب خاصّ إلى الجزء المشترك لا يخرجه عن قابلية لحوق سائر أجزاء مركّب آخر إليه ، فيصير ذلك المركّب ، فكذلك قصد انضمام سائر أجزاء سورة التوحيد مثلا إلى البسملة لا يخرجها عن قابلية لحوق سائر أجزاء سورة الجحد إليها مثلا، فتصير تلك السورة لا سورة التوحيد ، وأولى من ذلك ما لو لم يقصد حين قراءة البسملة سورة خاصّة ، بل قصد مجرّد حكاية القرآن ، فإنّها صالحة لانضمام سائر أجزاء كلّ سورة إليها ، والسرّ فيه ما عرفت من أنّ طبيعة البسملة بوحدتها جزء لجميع السور .
هذا ولكن ذكر الشيخ في تحقيق كلامه وتوضيح مرامه ما حاصله : إنّ القرآن عبارة عن الألفاظ الخاصة النازلة من الله تعالى على قلب رسوله(صلى الله عليه وآله) ، وله قيام صدوري بالمتكلّم به، وحينئذ فمعنى قراءته ليس إيجاد تلك الألفاظ المخصوصة ، فإنّ قيامها إنما هو بالمتكلّم بها ، وقيام الألفاظ المقرؤة إنما هو بالقارئ ، فلا يعقل قراءتها ، بمعنى إيجاد نفس تلك الألفاظ المخصوصة المنزلة ، بل معنى القراءة إنما يرجع إلى إيجاد مماثل تلك الألفاظ قاصداً به حكايتها كايجاد الألفاظ المستعملة في
- (1) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري(رحمه الله) : 146 ـ 147 .
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري(رحمه الله) : 171 .
(الصفحة 128)
معانيها قاصداً به حكايتها .
وحينئذ فكما أنّه في استعمال لفظ زيد في معناه لا يلاحظ اللفظ مستقلاً ، بل كأنه مرآة لا يرى فيها إلا المعنى ، لاندكاك الحاكي في محكيّه ، والمرآة في المرئيّ فيها ، ولذا يعتبرونه وجوداً لزيد ، ويقال: إنّه وجود لفظيّ له ، مع أنّ الوجود إنما هو وصف للّفظ ، ولا ارتباط له بالمعنى ، فكذلك في مقام الحكاية لا ينظر إلاّ إلى المحكيّ ، وهي الألفاظ الخاصة الصادرة من المتلفّظ بها .
وحينئذ فقراءة القرآن عبارة عن إيجاد مماثل ألفاظه ، قاصداً به حكاية الكلام الشخصيّ المنزل على الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فبسملة سورة خاصّة عبارة عن قطعة شخصية من مجموع ذلك الكلام الشخصي ، ولا تتحقّق حكايتها إلاّ بعد إيجاد ألفاظها بقصد حكاية تلك القطعة الشخصية ، فإذا فرض إنّه قرأ البسملة حكاية عن بسملة سورة الاخلاص النازلة معها ، فلا يعقل أن يصدق عليها قراءة سورة الجحد إذا رفع اليد عن الاخلاص ، وضمّ إليها سائر أجزاء سورة الجحد .
ومن ذلك يظهر أنّ قياس السور القرآنية على المركّبات العينية الخارجية المشتركة في بعض الأجزاء قياس مع الفارق ، إذ الجزء المشترك فيها هو تمام الوجود الخارجي له ، من دون مدخل للقصد فيه أصلا ، وقصد جزئيّته لأحدها لا يخرجه عن قابلية جزئيته للآخر ، بخلاف البسملة ، فإنّها جعلت جزء لسورة الاخلاص مثلا بوجودها الشخصي ، ولسورة الجحد بوجودها الآخر ، وقصد حكاية هذا الوجود يمنع عن صيرورتها جزءً لسورة اُخرى .
ثم لا يخفى إنّ قراءة البسملة بقصد سورة لا بعينها ، وإن كان يصدق عليها قراءة القرآن ، إلاّ أنّه ليس لازم ذلك كونها قابلة لأن تصير جزءً لجميع السور ، وذلك لأنّ صدق قراءة القرآن إنما هو باعتبار كون الطبيعي أيضاً نازلا في ضمن نزول الفرد ، ولكن ذلك لا يلازم صدق قراءة بسملة خاصّة عليها ، بعد ضم سائر