(الصفحة 152)
نعم قد تعرّض للمسألة الحلّي في السرائر ، ومن تأخّر عنه كالمحقّق والعلاّمة والشهيد قدّس الله أسرارهم(1) .
قال في السرائر : فإن كان قراءَته لها ناسياً ، لا على طريق التعمّد ، فالواجب عليه المضيّ في صلاته ، فإذا سلّم قضى السجود ولا شيء عليه ، لأنّه ما تعمّد بطلان صلاته ، فاختلف الحال بين العمد والنسيان(2) ، إنتهى .
أقول : لا يخفى أنّ القول المحكيّ عن كاشف الغطاء مبنيّ على عدم كون السجود زيادة مبطلة ، مع أنّه خلاف ما هو ظاهر رواية زرارة(3) المتقدمة بل صريحها ، لأنّ مفادها أنّ السجود زيادة تخلّ بالصلاة ، نعم ربما يستشعر من بعض الأخبار خلافه ، مثل رواية سماعة المتقدمة المشتملة على قوله(عليه السلام) :
«إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الايماء والركوع»(4) .
وخبر أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام :
{إقرأ باسم ربّك الذي خلق} أو شيئاً من العزائم وفرغ من قراءته ولم يسجد فأوم إيماءً والحائض تسجد إذا سمعت السجدة»(5) . فانّهما يشعران بأنّه لو سجد الإمام فعليه أن يسجد ، ولا تبطل صلاته ، غاية الأمر أنّ المانع من سجوده هو عدم سجود الإمام .
ولكن لا يخفى أنّ المراد بهما كما في المصباح(6) بيان الحكم عند ابتلائه بالصلاة ،
- (1) شرائع الاسلام : 1 / 72; تذكرة الفقهاء : 2/146 مسألة 231; الذكرى 3: 324; مسالك الافهام 1: 206 .
- (2) السرائر 1 : 218.
- (3) الوسائل 6: 105. أبواب القراءة في الصلاة ب40 ح1.
- (4) الوسائل 6 : 105. أبواب القراءة في الصلاة ب40 ح2 .
- (5) الكافي 3: 318 ح4; التهذيب 2: 291 ح1168; الإستبصار 1: 320 ح1192; الوسائل 6: 103. أبواب القراءة في الصلاة ب38 ح1.
- (6) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 294 .
(الصفحة 153)
مع من يأتمّ به تقية ، فلا مانع من الالتزام بوجوب السجود لو سجد الإمام في موردهما من باب المماشاة ، ولا يفهم من ذلك جوازه اختياراً ، فهذا القول ممّا لايمكن الالتزام به .
وأمّا القول الثالث : فهو مبنيّ على عدم استفادة الحكم من الدليل الاجتهادي ، ووجوب الرجوع إلى القاعدة التي تقتضي الاشتغال هنا ، لأنّ التكليف مردّد بين مراعاة الفورية والانتقال إلى الايماء ، لأنّ السجود مبطل ، وبين مراعاة الأصل ، وهو السجود وعدم الانتقال إلى بدله ، والاخلال بالفورية .
وأمّا القول الأول : فمستنده استصحاب وجوب المضيّ في الصلاة ، وحرمة قطعها ، أو أصالة براءة الذمّة عن وجوب السجدة فوراً ، عقيب قراءة آيتها ، ولا مجال لهذا القول ، لو ثبت بدليّة الايماء عن السجدة .
وأمّا القول الثاني : فمستنده ما رواه عليّ بن جعفر في كتابه عن أخيه(عليه السلام)قال : سألته عن الرجل يكون في صلاة جماعة فيقرأ إنسان السجدة، كيف يصنع؟ قال : «يؤمي برأسه». قال : وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة؟ فقال : «يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع، ثم يقوم فيتمّ صلاته إلاّ أن يكون في فريضة فيؤمي برأسه ايماءً»(1) .
ودلالتها على هذا القول ممّا لاريب فيها .
ودعوى بطلان الفريضة بالايماء أيضاً لمساواة البدل للمبدّل في كونه زيادة في الفريضة كما ربما حكي عن منظومة العلاّمة الطباطبائي(2) .
مدفوعة بأنّ الأمر بالبدل إنما هو للفرار عن حكم مبدله ، مضافاً إلى أنّ ظاهر الرواية أنّه يؤمي فيتمّ صلاته كما أنّها ظاهرة في وجوب مراعاة الفورية ، وفي بدليّة
- (1) مسائل عليّ بن جعفر : 172 ، 173 ح300 و303; الوسائل 6 : 243. أبواب قراءة القرآن ب43 ح3 و4 .
- (2) الدرّة النجفية : 138 .
(الصفحة 154)
الايماء عن السجود ، فالرواية من حيث الدلالة تامّة ، لا مجال للمناقشة فيها أصلا .
وأمّا من حيث الحجية والاعتبار ، فيمكن الخدشة فيها من حيث إنّه لم يحرز سماع كتاب عليّ بن جعفر منه ، أو قراءته عليه ، وإن كان يمكن دفعها برواية الشيخ وجماعة عنه بواسطة موسى بن القاسم ، أو أبي قتادة ، أو عمركي بن عليّ البوفكي ، إلاّ أنّه لم يحرز كون النسخة التي بيد المتأخّرين مطابقة لنسخة الأصل ، وكيف كان فلو لم نقل باعتبار الرواية ، فلا دليل على بدلية الايماء عن السجود .
وتوهّم دلالة روايتي سماعة وأبي بصير المتقدّمتين(1) على ذلك ، يدفع بأنّ بدليته في موردهما لا توجب ثبوت البدلية في المقام ، لأنّ السجود في موردهما خلاف التقية كما لا يخفى ، فيدور الأمر بين مراعاة فوريّة وجوب السجود وإبطال الصلاة ، وبين تأخيره إلى الفراغ وإتمام الصلاة .
وقد يقال: بانصراف أدلة وجوب السجود فوراً ، عن مثل المقام الذي يوجب بطلان الصلاة ، ولكنّه مردود بدلالة رواية زرارة المتقدمة على عدم الانصراف ، إذ معه لا يبقى وجه لتعليل النهي عن القراءة بأنّ السجود زيادة في المكتوبة ، إذ ظاهره استلزام قراءة آية السجدة ، لوجوبها فوراً ، كما هو ظاهر ، فيدور الأمر بين التكليفين المتزاحمين : وجوب السجود فوراً ، وحرمة إبطال الصلاة .
وقد يقال: بأهمية التكليف بالسجود ، بمقتضى رواية زرارة ، إذ التعليل باستلزام قراءة آية السجدة لها ظاهر في الأهمية ، وإلاّ لما كان يستلزم ذلك ، ولكنّه لا يخفى أنّ التعليل إنما هو بلحاظ أنّ قراءة السورة تستلزم لمخالفة أحد التكليفين المتزاحمين ، ولا ينافي ذلك أهمية الآخر أو مساواته أصلا ، والقاعدة في مثله تقتضي التخيير ، فيتخيّر في المقام بين السجود والإبطال ، وبين المضيّ وتأخير السجود إلى الفراغ .
- (1) الوسائل 6: 105. أبواب القراءة في الصلاة ب40 ح2 وص103 ب38 ح1.
(الصفحة 155)
نعم استصحاب بقاء حرمة الإبطال الثابتة قبل الشروع في السورة ، ربما يوجب ترجيح التكليف بوجوب المضيّ ، وهذا هو المراد من الأصل الذي استند إليه العلاّمة الطباطبائي في منظومته حيث قال :
- والأصل بالتأخير فيه يقضي
والأصل بالتأخير فيه يقضي
-
إذ منع البدار حقّ الفرض(1)
إذ منع البدار حقّ الفرض(1)
بقي في المقام ذكر بعض الأخبار التي يستفاد منها جواز قراءة سورة السجدة في الصلاة .
منها : حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة؟ قال : «يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد»(2) .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد؟ قال: «يسجد إذا ذكر، إذا كانت من العزائم»(3).
ومنها : خبر وهب بن وهب عن أبي عبدالله، عن عليّ(عليهما السلام) قال : «إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها»(4) .
إلى غير ذلك ممّا ظاهره الجواز ، ومقتضى الجمع بين هذه الروايات ، وبين الأخبار المتقدمة التي ورد فيها النهي عن قراءتها في الفريضة دون النافلة ، حمل هذه الأخبار على النافلة ، مضافاً إلى أنّها ليست مسوقة لبيان أصل الجواز ، حتى يستفاد منها الاطلاق ، بل كلّها مسوقة لبيان حكم آخر ، فلا يجوز التمسّك بها لإثبات الجواز في الفرائض كما هو ظاهر .
- (1) الدرّة النجفية : 138 .
- (2) الكافي 3 : 318 ح5; التهذيب 2: 291 ح1167; الإستبصار 1: 319 ح1189; الوسائل 6 : 102. أبواب القراءة في الصلاة ب37 ح1.
- (3) التهذيب 2 : 292 ح1176; السرائر 3: 558; الوسائل 6 : 104. أبواب القراءة في الصلاة ب39 ح1 .
- (4) التهذيب 2: 292 ح1173; الاستبصار1: 319 ح1190; الوسائل6: 102. أبواب القراءة في الصلاة ب37 ح3.
(الصفحة 156)
المسألة الخامسة :
عدم جواز قراءة سورة يفوت الوقت إن قرأها
المعروف بين الأصحاب إنّه لا يجوز أن يقرأ من السور ما يفوت الوقت بقراءَته(1) ، واستدلّ له برواية سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا تقرأ في الفجر شيئاً من أل حم»(2) ، بتقريب أنّ الظاهر كون النهي لفوات الوقت ، كما أنّه أفصح من ذلك ما رواه سيف بن عميرة عن عامر بن عبدالله قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : «من قرأ شيئاً من أل حم في صلاة الفجر فاته الوقت»(3) .
وقد يناقش بأنّ المراد بالوقت في هذه الرواية ، هو وقت الفضيلة ، ضرورة أنّ وقت الإجزاء أوسع من قراءة شيء من «أل حم» ، لأنّ أطولها هي «حم تنزيل» ، والوقت أوسع منه كما هو واضح ، فلابدّ من حمل النهي على الكراهة ، ولكنّه أجاب عنه في المصباح بما حاصله :
إنّ هذا لا ينفي دلالة النهي على التحريم ، فيما هو محلّ الكلام ، ولكن لا يخفى أنّ الروايتين لا ترتبطان بالمقام ، لأنّ الرواية الأولى الدالة على عدم الجواز ، خالية من التعليل ، والرواية الثانية خالية عن النهي .
نعم قد يستدلّ له كما في المصباح بوجه آخر ، وهو أنّ الواجب عليه مع ضيق
- (1) النهاية: 78; المهذّب 1: 97; المعتبر 2: 175; تذكرة الفقهاء 3: 147 مسألة 232; الذكرى 3: 325; مسالك الأفهام 1: 206; مدارك الأحكام 3: 354; كشف اللثام 4: 11; جواهر الكلام 9 : 351; مفتاح الكرامة 2 : 359; الحدائق 8 : 125; مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 294 .
- (2) التهذيب 3: 276 ح803 ; الوسائل : 6 / 111. أبواب القراءة في الصلاة ب44 ح2 .
- (3) التهذيب 2: 295 ح1189; الوسائل 6: 111. أبواب القراءة في الصلاة ب44 ح1.