(الصفحة 205)
الله الرحمن الرحيم، وأخفى ما سوى ذلك(1) .
ورواه في الوسائل عن الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، ولكن لابدّ حينئذ من الالتزام بأنّ السند مقلوب ، لأنّ عبدالرحمن من صغار الطبقة السادسة ، وهو من كبارها ، ولا يروي هو عنه ، والدليل على ذلك أنّ السند على ما في التهذيب موافق لما ذكرنا ، كما أنّه رواه في الوسائل أيضاً بهذا النحو في غير هذا الباب(2) .
وروى في الوسائل نظير هذه الرواية عن الكليني بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن صفوان الجمال قال : «صلّيت خلف أبي عبدالله(عليه السلام)أيّاماً، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان يجهر في السورتين جميعاً»(3). ولكن المراد بصفوان في الرواية الأولى هو صفوان بن يحيى وفي هذه الرواية هو صفوان بن مهران ، وكيف كان فمدلول الروايتين هو أنّ الإمام جهر بالبسملة في الصلوات الاخفاتية ، ولكن لا يستفاد منهما أنّ ذلك هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ ، لأنّ الفعل يحتملهما ، كما أنّه لا يستفاد منهما الاطلاق بالنسبة إلى غير إمام الجماعة ، لأنّ موردهما هذه الصورة .
ومنها : رواية حنّان بن سدير قال : صلّيت خلف أبي عبدالله(عليه السلام)، فتعوّذ بإجهار ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم(4) .
هذا، ولا يستفاد منها الاطلاق بالنسبة إلى الصلوات الاخفاتية ، لإمكان اختصاص ذلك بالصلوات الجهرية ، كما أنّه لا دلالة لها على الإطلاق بالنسبة إلى
- (1) التهذيب 2: 68 ح246; الاستبصار 1 : 310 ح1154; الوسائل 6: 134. أبواب القراءة في الصلاة ب57 ح2 .
- (2) الوسائل : 6 / 57. أبواب القراءة في الصلاة ب11 ح1.
- (3) الكافي 3 : 315 ح20; الوسائل 6 : 74 . أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح1.
- (4) التهذيب 2: 289 ح1158; قرب الإسناد: 115 ح423; الوسائل 6: 75. أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح3.
(الصفحة 206)
غير إمام الجماعة .
ومنها : رواية أبي حمزة قال : قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): «يا ثمالي إنّ الصلاة إذا أُقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول : هل ذكر ربّه؟ فإن قال : نعم، ذهب وإن قال : لا ، ركب على كتفيه، فكان إمام القوم حتّى ينصرفوا»، قال : فقلت : جُعلت فداك أليس يقرؤون القرآن؟ قال : «بلى، ليس حيث تذهب يا ثمالي، إنما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(1) . ولكنّها مضافاً إلى اشتمال سندها على الارسال بإبهام الواسطة لا دلالة فيها على غير إمام الجماعة ، مع أنّ شمولها للصلوات الاخفاتية محلّ نظر بل منع ، لما سيجيء .
ومنها : ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال : «والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب»(2) . واطلاقها بالنسبة إلى الصلوات الاخفاتية غير ثابت ، لاحتمال الاختصاص بالصلوات الجهرية .
وتوهّم أنّ الاجهار بالبسملة فيها لم يكن يحتاج إلى البيان لوضوحه ، مندفع بالاختلاف فيه أيضاً من كثير من علماء العامة ، ولا بأس بنقل عبارة الخلاف هنا ليظهر ثبوت الاختلاف في الصلوات الجهرية أيضاً بين المسلمين .
قال في الخلاف : يجب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الحمد وفي كلّ سورة بعدها ، كما يجب بالقراءة ، هذا فيما يجب الجهر فيه ، فإن كانت الصلاة لا يجهر فيها استحبّ أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وإن جمع في النوافل بين سور كثيرة وجب أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع كلّ سورة ، وهو مذهب الشافعي ، إلاّ أنّه لم يذكر استحباب الجهر فيما يسرّ فيه بالقراءة ، ذكر ذلك في البويطي وفي اختلاف
- (1) التهذيب 2: 290 ح1162; الوسائل 6: 75 . أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح4.
- (2) الخصال : 604 ; الوسائل 6: 75. أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح5.
(الصفحة 207)
العراقيين، وذكر ابن المنذر عن عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير ، إنّهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وروي مثل ذلك عن ابن عمر أنّه كان لايدع الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في أُمّ القرآن ، والسورة التي بعدها .
وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي وأبو عبيدة وأحمد إلى أنّه يسرّ بها ، وقال مالك : المستحبّ أن لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ويفتتح القراءة بالحمد لله ربّ العالمين(1). ثم قال : دليلنا إجماع الفرقة، فإنّهم لا يختلفون في ذلك. ثم نقل رواية صفوان .
أقول : هذه العبارة كما ترى صريحة في وقوع الاختلاف في الجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية أيضاً ، وأنّ القائل بالوجوب من العامة هو الشافعي فقط ، نعم كان عمل بعضهم أيضاً على الجهر ، كما حكاه ابن المنذر، وروي عن ابن عمر، وأمّا أبو حنيفة وسفيان والأوزاعي وأبو عبيدة فكلّهم قائلون بالاسرار بها في جميع الصلوات ، وقال مالك باستحباب تركها رأساً ، ومع ثبوت هذا الاختلاف خصوصاً مع ذهاب جلّهم إلى الاسرار في الصلوات الجهرية أيضاً ، لا يبقى مجال للاطمئنان باطلاق مثل الرواية ، لو لم نقل بأنّ ذلك يوجب الانصراف إلى خصوص الصلوات الجهرية ، إذ هي التي كان الجهر بالبسملة فيها واجباً عند الأئمة(عليهم السلام) ، وكانوا بصدد بيانها نوعاً ، في قبال العامة الذين ذهب أكثرهم إلى نفي الوجوب ، بل إلى وجوب الاسرار .
ومنها : رواية رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا(عليه السلام) أنّه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار(2) . وهذه الرواية وإن كانت صريحة في الجهر بالبسملة في الصلوات الاخفاتية أيضاً ، إلاّ أنّه حيث كانت حكاية لفعل
- (1) الخلاف1: 331 ـ 332 مسألة83; المجموع3: 341 ـ 342; المغني لابن قدامة1: 341 ـ 478; المحلّى3: 252.
- (2) عيون اخبار الرضا(عليه السلام) 2 : 182; الوسائل 6: 76. أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح7 .
(الصفحة 208)
الإمام(عليه السلام) ، ومن المعلوم أنّ الفعل لا يكون له اطلاق كالقول ، إذ لا يقع إلاّ على وجه واحد ، فاطلاقها بالنسبة إلى غير إمام الجماعة كما توهّم باطل ، لا مجال لدعواه ، فلا يستفاد منها الاجهار حتّى بالنسبة إلى المنفرد ، إذ لعلّه كان يصلّي جماعة .
ومنها : رواية سليم بن قيس المروية في روضة الكافي عن أمير المؤمنين(عليه السلام)في خطبة طويلة مشتملة على أحداث الولاة الذين كانوا قبله إلى أن قال : «وأمرت [الناس] بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(1) . والظاهر اختصاصها بحال الصلاة إلاّ أنّه بملاحظة ما ذكرنا يظهر اختصاصها بالصلوات الجهرية التي كان بناؤهم على الاسرار فيها .
ومنها : ما ورد من أنّ الجهر بالبسملة من علائم المؤمن(2) ، ودلالته على الجهر بها في الصلوات الاخفاتية ممنوعة كما عرفت .
ومنها : خبر فضل بن شاذان المرويّ في محكيّ العيون عن الرضا(عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال : «والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنّة»(3) . وهذه الرواية ظاهرة بل صريحة في عدم الاختصاص بالصلوات الجهرية ، ولكنّ المراد بالسّنة هي المطابقة لعمل النبي(صلى الله عليه وآله) ، فلا ينافي الاستحباب في خصوص الصلوات الاخفاتية ، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين المنفرد والإمام ، وقد عرفت أنّ ما كان من الروايات مشتملة على حكاية فعل الإمام(عليه السلام) لا إطلاق لها بالنسبة إلى المنفرد ، بل مورد بعضها هو الاجهار في الجماعة ، ولكن لا يستفاد منها الاختصاص بهذه الصورة ، فالأظهر ما ذهب إليه المشهور .
ثم إنّ ذلك فيما لو وجب الاخفات بالأصالة ، وأمّا لو وجب لعارض الجماعة
- (1) روضة الكافي : 61 ح21; الوسائل 1: 458. أبواب الوضوء ب38 ح3.
- (2) مصباح المتهجّد : 551; بحار الأنوار 82 : 75 .
- (3) عيون اخبار الرضا(عليه السلام) 2 : 123; الوسائل 6 : 76 . أبواب القراءة في الصلاة ب21 ح6 .
(الصفحة 209)
كالمأموم المسبوق ، فهل يستحبّ له الجهر بالبسملة أيضاً؟ الظاهر العدم ، لعدم ثبوت اطلاق للرواية بالنسبة إلى هذه الجهة ، بل المقصود منها بيان ما هو وظيفة المصلّي مع قطع النظر عن حال الايتمام المؤثر في اختلاف تكليفه ، مضافاً إلى عموم قوله(عليه السلام) : «لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعوه شيئاً ممّا يقول»(1) ، وإلى أنّ وضع الجماعة التي بناؤها على متابعة الإمام الذي هو بمنزلة الرئيس للمأمومين ، وعدم المزاحمة معه ، يقتضي ذلك ، وإلى أنّ سقوط الجهر في موارد وجوبه يقتضي سقوطه في موارد ندبه بطريق أولى كما لا يخفى .
المسألة الرابعة : عدم وجوب الجهر على النساء
قد تقدّمت الإشارة إلى أنّ وجوب الجهر في مواضعه إنما يختصّ بالرجال ، وأمّا النساء فليس عليهنّ جهر ، والدليل على ذلك ـ مضافاً إلى أنّ ما هو العمدة في إثبات وجوب الجهر ، وهو سيرة المسلمين من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) على ذلك ، لا يشمل النساء كما هو واضح ـ صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) المروية في قرب الإسناد لعبدالله بن جعفر قال : وسألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال : «لا إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها»(2) .
وكلمة «تسمع» إمّا من باب الإفعال فيصير معناه حينئذ بقدر إسماعها قراءتها ، وإمّا مبنيّ للمفعول، والظاهر سماع المأمومات قراءتها ، وأمّا احتمال أن يكون مبنياً للفاعل بحيث يكون معناه سماع نفسها قراءتها ، كما حكي عن
- (1) التهذيب 3 : 49 ح170; الوسائل 8 : 396 . أبواب صلاة الجماعة ب52 ح3.
- (2) قرب الاسناد : 186 ح853 ; الوسائل 6: 95. أبواب القراءة في الصلاة ب31 ذ ح3.