(الصفحة 210)
الحدائق(1) ، فهو خلاف الظاهر كما لا يخفى .
هذا ، ويدلّ على حكم إمامة المرأة للنساء روايتان .
إحداهما : رواية عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال : «بقدر ما تسمع»(2) .
والاُخرى : صحيحة اُخرى لعليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال : «قدر ما تسمع»(3) . والمراد بالجواب في هاتين الروايتين هو ما عرفت في الرواية الأولى .
وكيف كان فمدلول الرواية الأولى عدم وجوب الجهر على النساء في الصلوات الجهرية ، ومدلول الروايات الثلاث جواز الجهر فيما إذا أمت النساء بقدر ما تسمع قراءتها المأمومات، لا جميعهنّ بل من قربت منهنّ إليها ، كما في الرجل إذا أمّ .
ثم إنّ جواز الجهر لها في موضعه ممّا لا إشكال فيه ، فيما إذا لم يسمع صوتها الأجنبيّ ، وأمّا إذا سمع صوتها مع العلم بأنّه يسمع ، فإن قلنا بحرمة إسماعها صوتها إيّاه مطلقاً، فالظاهر بطلان صلاتها، وإن قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي كما هو التحقيق(4)، لأنّ ذلك لا يصحّح العبادة كما عرفت مراراً ، وإن لم نقل بذلك فلا وجه لبطلانها .
نعم لو كان صوتها مشتملا على التلذّذ والريبة ، فالظاهر البطلان لحرمة
- (1) الحدائق 8 : 142 .
- (2) التهذيب 3 : 267 ح760 ; الوسائل 6 : 94 . أبواب القراءة في الصلاة ب31 ح1.
- (3) التهذيب 3: 267 ح761; قرب الإسناد : 186 ح852 ; الوسائل 6: 95. أبواب القراءة في الصلاة ب31 ح2.
- (4) نهاية الاُصول : 259 .
(الصفحة 211)
إسماعها حينئذ بلا إشكال. هذا كلّه في الصلوات الجهرية ، وأمّا الاخفاتية منها فالظاهر تعيّن الاخفات عليهنّ كالرجال ، لأنّ التخيير إنما هو في خصوص الجهرية كما عرفت .
المسألة الخامسة : استحباب الاستعاذة أمام القراءة
تستحب الاستعاذة أمام القراءة في خصوص الركعة الأولى ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الاجماع(1) ، وورود الأمر بها عند قراءة القرآن في الكتاب العزيز(2)الشامل لحال الصلاة وغيره ، ـ جملة من الأخبار :
منها : رواية حنان بن سدير قال : «صلّيت خلف أبي عبدالله(عليه السلام)، فتعوّذ بإجهار ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(3) .
وغير ذلك من الأخبار الدالة عليه(4) ، المختلفة في صيغة الاستعاذة ، ولكن الظاهر حصول امتثال الأمر الاستحبابي المتعلّق بها بجميعها ، بل بغيرها من الصيغ غير المذكورة فيها كما لا يخفى . هذا ، والمشهور بينهم هو استحباب الاخفات بالاستعاذة ، ولو في الصلوات الجهرية(5) ، وحكي عن الخلاف(6) دعوى الاجماع عليه ورواية حنان بن سدير حملت على الجواز ولا بأس به .
- (1) الخلاف 1: 324 مسألة 76; مجمع البيان 3: 385; الذكرى 3: 330; المنتهى 1 : 269; جامع المقاصد 2: 271; مستند الشيعة 5 : 173; جواهر الكلام 9 : 420; كشف اللثام 4 : 52 .
- (2) النحل: 98.
(
- فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرّجيم
)
- .
- (3) التهذيب 2 : 289 ح1158; الوسائل 6 : 134 . أبواب القراءة في الصلاة ب57 ح4 .
- (4) راجع الوسائل 6 : 135 بقية أحاديث الباب .
- (5) مستند الشيعة 5: 175; الحدائق 8 : 164; رياض المسائل 3: 406; مفتاح الكرامة 2 : 399 .
- (6) الخلاف 1 : 326 مسألة 79 .
(الصفحة 212)
المسألة السادسة : اعتبار الموالاة بين أجزاء القراءة
المعروف بين المتأخّرين اعتبار الموالاة في أجزاء القراءة في صحتها(1) ، بحيث لو أخلّ بها يجب عليه استئناف القراءة وإعادتها ، ولكنّ القدماء من الأصحاب لم يظهر منهم اعتبارها ، على ما يشهد به التتبّع في كتبهم الموضوعة لنقل فتاوى الأئمة(عليهم السلام)(2) .
نعم ربما يظهر ذلك من الشيخ في كتاب المبسوط الذي صنّفه لبيان الفروعات التي يستخرج حكمها من الأصول الصادرة عنهم(عليه السلام) ، على خلاف النهج المتعارف بين علماء الإمامية في ذلك الزمان في مقام التأليف والتصنيف .
قال فيه تفريعاً على وجوب الترتيب بين آيات الحمد ما هذا لفظه:
فإن قرأ من خلالها آية أو آيتين من غيرها ساهياً ، أتمّ قراءتها من حيث انتهى إليه حتى يرتّبها ، فإن وقف في خلالها ساعة ثم ذكر مضى على قراءته . ثم قال : وإن قرأ متعمّداً في خلالها من غيرها ، وجب عليه أن يستأنفها من أوّلها(3) . انتهى موضع الحاجة من كلامه(قدس سره) .
فإنّ حكمه بوجوب استئناف القراءة من أوّلها ، فيما لو قرأ عمداً في خلال القراءة من غيرها ، ليس إلاّ من جهة اعتبار التوالي بين أجزاؤها ، إذ ليس المراد هو ما إذا قرأ متعمّداً من غير القراءة بعنوان أنّه منها حتى يكون البطلان مستنداً إليه ،
- (1) نهاية الاحكام 1 : 463; الذكرى 3 : 310; مفاتيح الشرائع 1: 129; جواهر الكلام 10 : 11 ; مستند الشيعة: 125; كشف اللثام 4: 44.
- (2) مثل المقنعة والهداية والنهاية والوسيلة والمراسم والمهذّب.
- (3) المبسوط 1 : 105 .
(الصفحة 213)
لأنّه مضافاً إلى ندرة الفرض ، يكون مقتضى ذلك بطلان أصل الصلاة ، لا وجوب استئناف القراءة فقط كما لا يخفى .
وكيف كان فقد استدلّ على اعتبار التوالي في صحة القراءة بقوله(صلى الله عليه وآله) : «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي»(1) . وفيه أنّ استفادة مثل هذه الاُمور الجارية مجرى العادة من مثله ممنوعة . مضافاً إلى أنّه لو دلّ لكان مقتضاه بطلان أصل الصلاة بالاخلال به ، لا بطلان خصوص القراءة ووجوب استئنافها .
هذا ، وذكر في المصباح في وجه ذلك ، أنّ المتبادر من أوامر القراءة في الصلاة ولو بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن ، هو الإتيان بمجموع القراءة في ضمن فرد من القراءة ، بحيث يعدّ في العرف مجموعها قراءة واحدة ، مع حفظ صورتها التي بها تتقوّم ماهية القرآنية التي هي قوام المأمور به ، فالفصل الطويل المنافي لصدق وحدة القراءة عرفاً أو مزج كلمات خارجية منافية لحفظ الصورة مخلّ بصحتها(2) . انتهى .
ولا يخفى أنّ دعوى تبادر ذلك ممنوعة جدّاً ، ألا ترى أنّه لو نذر قراءة سورة ، فهل يجب عليه أن يقرأها بنحو التوالي بحيث لو قرأ نصفها مثلا ، ثم اشتغل بعمل آخر ، ثم قرأ نصفها الآخر ، لما تحقق برّ نذره ، والمعلوم خلافه على ما يشهد به مراجعة المتشرّعة في أمثال ذلك .
وبالجملة: فلزوم كون القراءة قراءة واحدة ، ممّا لم يدلّ عليه دليل .
نعم لا ننكر اعتبار التوالي بين أجزاء القراءة ، بما يعتبر بين القراءة وسائر أجزاء الصلاة ، ولكنّه معتبر في نفس الصلاة ، ولا يتحقّق الاخلال به بمثل قراءة آية قصيرة أو آيتين كذلك ، وامّا اعتباره في نفس القراءة ـ بحيث كان الاخلال به مضرّاً
- (1) صحيح البخاري : 1 / كتاب الاذان: 176; سنن الدارقطني 1 : 220 .
- (2) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 313 المسألة الثانية .
(الصفحة 214)
بصدقها ، لا بصدق أصل الصلاة ، ولا محالة تكون دائرته حينئذ أضيق من دائرة التوالي المعتبر في الصلاة ـ فلم نعلم له مستنداً ، وما تقدّم غير صالح لاثبات هذا المعنى كما عرفت .
هذا ، ولا ننكر أيضاً اعتبار التوالي بين أجزاء كلمة واحدة أو كلام واحد ، لأنّ صدق تلك الكلمة يتوقّف على التكلّم بحروفها متوالية ، إذ مع التوقّف في خلالها لاتتحقّق الكلمة ، كما أنّ صدق الكلام يتوقّف على الإتيان بكلماته متوالية ، إلاّ أنّ ذلك معتبر في نفس الكلمة والكلام .
وبالجملة: فليس هنا ما يدلّ على اعتبار التوالي في صحة القراءة مع قطع النظر عن الموالاة المعتبرة في صحة الصلاة ، ومع قطع النظر عن التوالي المعتبر في صدق الكلمة والكلام فتدبّر .
المسألة السابعة : ما يعتبر في صحّة القراءة
يجب في قراءة الحمد والسورة مراعاة ما يعتبر في صحة التكلّم بالألفاظ العربية عند العرب ، بحيث يصدق عندهم أنّه قرأ الفاتحة وحينئذ فلو أخلّ بحرف واحد عمداً بطلت صلاته ، وفي حكمه الاخلال بالتشديد ، لأنّ الإخلال به يرجع إلى الإخلال بحرف واحد ، لأنّه حادث من التقاء حرفين ، أوّلهما ساكن والآخر متحرّك ، والإخلال به يوجب اسقاط الحرف الساكن ، وكذلك تبطل الصلاة بالإخلال بالإعراب ، سواء كان مغيّراً للمعنى ، كما إذا قرأ التاء في أنعمت عليهم بالضمّ ، أو لم يكن موجباً له .
وأمّا ما ذكره علماء التجويد ، فأكثرها يعدّ من محسنات القراءة ، ولهذا سمّوا ذلك العلم باسم التجويد ، لا أنّه معتبر في صحتها ، والضابط ما عرفت من اعتبار