(الصفحة 220)
وائتمّ أثم وصحت صلاته ، وظاهر الجواهر اختياره(1) .
ولكن لا دليل على ذلك ، لأنّ التعلّم لا يكون واجباً إلاّ مقدّمة للإتيان بالمأمور به ، وهي الصلاة المشتملة على قراءة الفاتحة ، وحينئذ فإذا فرض سقوط وجوبها في بعض الموارد لأجل الائتمام مثلا ، فلا وجه لوجوب التعلّم عليه مطلقاً ، بل الظاهر التخيير بينه وبين الائتمام ، نعم لو عجز عن الثاني يتعيّن عليه الأول، كما هو الشأن في جميع الواجبات التخييرية، التي عجزت عن الإتيان ببعض أطرافها .
وظاهر الأصحاب وإن كان ما ذكرنا من ايجابه تعييناً ، إلاّ أنّ الظاهر كون مرادهم ذلك لعدم الدليل على وجوب التعلّم مطلقاً ، وصرّح بذلك في المصابيح حيث قال فيما حكي عنه :
وظاهر الأصحاب وجوب التعلّم ، وإن أمكنه الاقتداء والقراءة في المكتوب ، بل صرّح بعضهم بترتّبها على العجز عنه . قال : وفيه أنّ وجوب التعلّم ليس إلاّ لتوقّف العبادة عليه ، ومتى أمكن الإتيان بها بدونه لم يجب ، فإن ثبت الاجماع ، كما في المعتبر والذكرى ، وإلاّ اتّجه القول بنفي الوجوب لانتفاء ما يدلّ عليه(2) . انتهى .
هذا فيما إذا دخل الوقت ، وأمّا قبل دخوله فكذلك يجب عليه التعلّم مقدّمة لثبوت الوجوب لذيها ، بناءً على القول بثبوت الواجب المعلّق ، كما هو التحقيق ، وأمّا بناءً على العدم فيمكن القول بوجوبه ، فيما إذا لم يقدر عليه في الوقت لحكم العقل بذلك كما لا يخفى .
- (1) جواهر الكلام 9 : 300 ـ 301 .
- (2) حكاه عنه في جواهر الكلام 9: 301.
(الصفحة 221)
المسألة التاسعة : لو قدّم السورة على الفاتحة
قال المحقّق في الشرائع ، بعد الحكم بوجوب سورة كاملة بعد الحمد : ولو قدّم السورة على الحمد أعادها ، أو غيرها بعد الحمد(1) .
وهذه العبارة تتضمّن صحة الصلاة في مفروض المسألة ، وكون الوظيفة إعادة نفس تلك السورة ، أو غيرها بعد الحمد ، والقدر المتيقّن منها صورة النسيان ، وأمّا شمولها لصورة العمد أيضاً فمحل تردّد .
وكيف كان فقد اختلف الفقهاء في بطلان الصلاة لو قدّمها عليه عامداً ، فعن الفاضل والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم القول بالبطلان(2) ، وعن الأردبيلي وبعض من تبعه القول بالصحة(3) .
ولا يخفى أنّ هذا الفرض في غاية الندرة بل لا يكاد يمكن أن يتحقّق، ضرورة أنّه لو كان المكلّف قاصداً لامتثال أمر المولى المتعلّق بالصلاة ، والمفروض أنّه يعلم بكيفيتها ، وأنّه يجب تأخير السورة عن الحمد، فكيف يأتي بها بقصد الجزئية عمداً قبل الحمد ، إلاّ أن يوجّه كما في المصباح(4) بأنّه يمكن تحقق هذا النحو من القصد من العامد العالم ، بعد بنائه على المسامحة في الاحكام الشرعيّة .
فقد ترى المكلّف المتسامح في عمله يقدم الصلاة على وقتها عند مزاحمتها لما يقصده بعد الوقت من سفر ونحوه ، أو ينوي التقرب بصلاته التي يعلم إجمالا
- (1) شرائع الاسلام 1 : 72 .
- (2) القواعد : 1 / 273; المنتهى 1 : 272; تذكرة الفقهاء 3: 142; جامع المقاصد 2 : 255; الذكرى 3 : 310; المسالك1 : 205; الحدائق : 8 / 124 ; جواهر الكلام 9: 338; كشف اللثام 4: 10 .
- (3) مجمع الفائدة والبرهان 2 : 220; المدارك 3 : 351 .
- (4) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 289 ـ 290 .
(الصفحة 222)
باختلال بعض أجزائها ، أو شرائطها ، ونحو ذلك ، وكيف كان فلو فرض تحقّقه فهل يوجب البطلان أم لا؟
ربما يستدلّ للأوّل :
تارة: بأنّه إن أعاد السورة بعد الحمد فقد زاد في صلاته عمداً فيعمّه ما دلّ على أنّ «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» وإلاّ فقد نقص في صلاته .
واُخرى: بأنّ تقديم السورة تشريع ، فيندرج في الكلام المحرّم الذي يكون مبطلا إجماعاً .
وثالثة: بأنّه لا خلاف في حرمة تقديم السورة على الفاتحة ، والنهي في العبادة يستدعي فسادها ، من غير فرق بين أن يكون النهي متعلّقاً بنفسها ، أو بجزئها ، لأنّ مآل الأخير أيضاً إلى النهي عن العبادة المشتملة على هذا الجزء .
ورابعة: بحصول القران الذي يكون محرّماً ومبطلا .
وخامسة: بأنّ إتيان بعض أجزاء الصلاة على النحو المحرّم الشرعي ، ماح لصورة الصلاة عند المتشرّعة ، فيكشف أنّ الهيئة المتخذة من الشرع أمر ينافي وجود بعض الأجزاء على النحو الحرام .
وسادسة: بأنّه يعتبر في صحة العبادة أن يقصد التقرب بما هو المأمور به ، وتقديم السورة عمداً ينافي ذلك ، لأنّ مرجعه إلى قصد التقرب بغير ما يكون مقرّباً ، لأنّ المركّب من المأمور به وغيره لا يتّصف بصفة المقرّبيّة أصلا .
هذا ، وربما يورد على الوجه الأول ، بأنّه لا دليل على ابطال ما يتّصف بصفة الزيادة بعد وجوده ، وإنما المسلّم إبطال ما يوجد زائداً من أوّل الأمر ، ولكن لا يخفى أنّ السورة المقدّمة على الحمد إذا قصد بها الجزئية تتصف بصفة الزيادة من حين وجودها ، ولا يتوقّف اتصافها بها على الإتيان بسورة اُخرى بعد الحمد ، ضرورة أنّه لو لم يأت بها أيضاً تكون السورة الأولى زائدة ، لعدم صلاحيتها ، لوقوعها
(الصفحة 223)
جزءً ، فقصد الجزئية بها يوجب الزيادة بلا إشكال .
ولكن لا دليل على إبطال مطلق الزيادة وإنما المسلّم إبطال الركعة الزائدة ، لأنّه المتبادر من الروايات الدالة على إبطال الزيادة ، مضافاً إلى أنّه قد صرّح في بعضها بذلك، كما سيجيء في باب الخلل إن شاء الله تعالى .
وكيف كان
فالوجه الأول: مخدوش من وجوه :
من جهة أنّ فرض ترك السورة بعد الحمد ، والحكم ببطلان الصلاة من جهته ، خارج عن مورد البحث ، لأنّ محلّه هو بطلانها من حيث زيادة السورة قبل الحمد ، لا من حيث تركها بعده .
ومن جهة أنّ اتصاف السورة المأتيّ بها قبل الحمد بالزيادة لا يتوقّف على الإتيان بها بعده ، كما هو ظاهر الدليل ، لما عرفت من أنّها زائدة على التقديرين ، لأنّه قصد بها الجزئية للصلاة مع عدم قابليتها لها .
ومن جهة ابتنائه على مبطليّة مطلق الزيادة ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليها في غير الركعة الزائدة .
وأمّا الوجه الثاني : فيرد عليه منع كلّية الكبرى ، والاجماع المدعى عليها لا يكون واجداً لشرائط الحجية ، لأنّ معقده من المسائل الفرعية التي لا يكشف الاتفاق فيها عن وجود نصّ معتبر ، كما حقّق في محلّه ومرّت الإشارة إليه مراراً .
وأمّا الوجه الثالث : فيرد عليه أنّ نفي الخلاف لا ينافي عدم تعرّض الأكثر لأصل المسألة أصلا ، فلا يكون حجّة ، مضافاً إلى أنّ الظاهر كون مراد المتعرّضين من التعبير بمثل كلمة «لا يجوز» هو بيان الحكم الوضعي لا التكليفي .
وأمّا الوجه الرابع : فيرد عليه منع حرمة القران ، بل الظاهر كراهته كما عرفت سابقاً ، مضافاً إلى أنّ كون المقام من مصاديق القِران محلّ منع أيضاً ، لأنّ المتبادر
(الصفحة 224)
منه هو القِران بين السورتين بعد الحمد كما لا يخفى .
وأمّا الوجه الخامس: فيرد عليه أنّ كون الكلام المحرّم ماحياً لصورة الصلاة عند المتشرّعة ، هل هو لمجرّد كونه محرّماً؟ ، فمن الواضح أنّ ايجاد المحرّم في الصلاة لا يوجب بطلانها ، كالنظر إلى الأجنبيّة مثلا ، وإن كان ذلك لكونه كلاماً ، بمعنى أنّ الكلام مطلقاً يوجب ذلك ، فبطلانه أظهر من أن يخفى ، وإن كان المراد أنّ الكلام الذي إذا لم يكن محرماً لا يوجب البطلان ، فهو إذا اتّصف بالحرمة يكون ماحياً لصورتها ، فيرد عليه المنع منه ، فيما إذا كان قرآناً أو دعاءً ، لعدم الدليل عليه .
وأمّا الوجه الأخير : فالظاهر تماميته فيما إذا كان قاصداً من أوّل الأمر زيادة سورة قبل الحمد ، لأنّه حينئذ لم يقصد التقرب إلاّ بما لا يكون مقرّباً شرعاً ، لعدم كونه مأموراً به ، وأمّا إذا كان من أوّل الأمر قاصداً للتقرّب بنفس الصلاة المأمور بها ، ثم بدا له بعد التكبير أن يأتي بسورة قبل الحمد أيضاً ، فلا وجه لبطلان صلاته ، لأنّ المفروض اشتمالها على نية التقرب بخصوصها لا بها مع أمر زائد ، ونية التقرب بالسورة الزائدة كنفسها ممّا لا يضرّ أصلا لعدم الدليل عليه .
والاستدامة المعتبرة في العبادة إلى الفراغ منها إنما هو بالنسبة إلى أجزاء العبادة ، ولذا لا يضرّ قطعها في السكوتات المتخلّلة بين الأفعال ، هذا كلّه فيما لو قدم السورة على الفاتحة عمداً .
وأمّا لو قدّمها عليه سهواً ، فقد استدلّ في المصباح على عدم بطلان الصلاة بسببه ـ مضافاً إلى الاجماع ـ بوجوه :
منها : فحوى ما يدلّ عليه في العمد ، وأنت خبير بأنّه لم يقم دليل على الصحة في صورة العمد حتّى يستدلّ بفحواه على صورة السهو ، غاية الأمر عدم تمامية الوجوه التي استند إليها على البطلان ، فصار مقتضى الأصل عدم مانعية السورة المقدمة .