(الصفحة 249)
يمكن أن يكون مستنده هذه الرواية ونظائرها ، فالاعتراض عليه كما عن المتأخّرين بخلوّه عن الدليل(1) غير وارد عليه .
الجهة الثالثة:
إنّ القول الواجب أو المستحبّ في الركوع والسجود، هل هو مطلق الذكر ، بحيث لا يكون للتسبيح خصوصية ، بل كان الاجتزاء به من باب أنّه بعض مصاديق الذكر ، أو أنّه يتعيّن التسبيح؟ وجهان، بل قولان(2) .
ولا يخفى أنّ الخلاف في ذلك إنما وقع بين أصحابنا القائلين بوجوب قول في الركوع والسجود ، وأمّا عامّة مخالفينا القائلون بالاستحباب ، فالظاهر اتّفاقهم على تعيّن التسبيح(3) ، وأنّه هو المستحب ، نظراً إلى استمرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) .
وكيف كان، فظاهر أكثر الروايات المتقدمة هو تعيّن التسبيح ، ولكن مقتضى رواية مسمع المتقدمة الدالة على كفاية ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ(4) هو الاكتفاء بغير التسبيح ، لأنّ المراد بقوله : «أو قدرهنّ» هو مقدار ثلاث تسبيحات ، وإن لم يكن تسبيحاً ، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أكبر؟ قال : «نعم كلّ هذا ذكر الله» . ورواه في الكافي عن
- (1) مدارك الأحكام 3: 337; الذكرى 3: 300; مستند الشيعة: 71 ; جواهر الكلام 9: 286; الحدائق 8 : 94 .
- (2) أمّا القائلين بكفاية مطلق الذكر فهم كصاحب المبسوط 1: 111; والسرائر 1: 224; وتذكرة الفقهاء 3: 169; وإيضاح الفوائد 1: 112; وجامع المقاصد 2: 286; ومدارك الأحكام 3: 392; ومسالك الأفهام 1: 215; ومستند الشيعة 5: 203.
- وأمّا القائلين بتعيّن التسبيح فهم كصاحب المقنعة: 105; والإنتصار: 149; والمقنع: 93; والخلاف 1: 348; والتهذيب 2: 81 ; والكافي في الفقه: 142; والمهذّب 1: 97; والمراسم: 69; والوسيلة: 93; وشرائع الإسلام 1: 85; والدروس 1: 177 .
- (3) راجع 2 : 243 .
- (4) الوسائل 6: 303 . أبواب الركوع ب5 ح4 .
(الصفحة 250)
ابن المغيرة، عن هشام بن الحكم نحوه(1) .
وروى الشيخ بإسناده عن سعد، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد بن عثمان، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته يجزي عنّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله إلاّ الله والله أكبر؟ قال : «نعم»(2) . والروايتان صريحتان في أنّ القول الواجب في الركوع والسجود هو مطلق الذكر ، وعليه فالتخيير بين التسبيح وغيره من الأذكار تخيير عقليّ لا شرعيّ ، لأنّ متعلّق الوجوب أمر واحد ، وهو مطلق الذكر ، والعقل يحكم بكون المكلّف مخيّراً بين مصاديقه .
وقد يستشكل في الأخذ بمقتضى الروايتين من جهة استمرار العمل من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) إلى زمان صدورهما ، ومن ذلك الزمان إلى زماننا هذا ، على قراءة التسبيح في الركوع والسجود ، وهذا ممّا لا وجه له ، بعد كون الروايتين تامّتين من حيث الدلالة والسند .
ولا يخفى أنّ كفاية مطلق الذكر والاجتزاء بغير التسبيح مكانه لا ينافي ما ذكرنا في الجهة الثانية من وجوب الثلاث ، وعدم إجزاء الواحدة ، لأنّ السؤال في هاتين الروايتين إنما هو عن إجزاء قول آخر مكان التسبيح ، وظاهره أنّه هل يكون للتسبيح خصوصية أم لا؟ فلا يكون فيهما تعرّض لبيان الكميّة .
وحينئذ فلا يضرّ بذلك الاقتصار في ذيل رواية هشام بن سالم على مجرّد التهليل والتكبير ، مضافاً إلى احتمال أن يكون السقط مستنداً إلى الناسخ . وكيف كان، فلا شبهة في أنّ مفاد الروايتين هو كفاية مطلق الذكر ، ولا تعرّض فيهما لبيان الكمية أصلا .
- (1) التهذيب 2: 302 ح1217; الكافي 3: 329 ح5 ; السرائر 3: 603; الوسائل 6: 307. أبواب الركوع ب7 ح1.
- (2) التهذيب 2: 302 ح1218; الكافي 3: 321 ح8 ; الوسائل 6: 307. أبواب الركوع ب7 ح2.
(الصفحة 251)
المسألة الثالثة : السهو عن الركوع
لا إشكال ولا خلاف في كون الركوع ركناً تبطل الصلاة بالإخلال به عمداً أو سهواً ، وكذا بزيادته(1) ، واعتبار عدم الزيادة وإن لم يكن مستفاداً من مجرّد كونه ركناً ، لما عرفت في مبحث القيام; من أنّ معنى ركنية شيء لشيء هو شدّة احتياجه إليه; بحيث لا يكاد يمكن أن يتحقّق بدونه ، وأمّا كون الزيادة أيضاً كالنقيصة مانعة عن تحقّقه ، فلا يستفاد من مجرد الركنية ، بل لابدّ من دليل آخر يدلّ على مانعية وجوده الثانوي ، إلاّ أنّه لا إشكال في المقام في أنّ الزيادة مبطلة أيضاً .
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه لو سهى عن الركوع حتّى فرغ من الصلاة ، فلا إشكال ولا خلاف في وجوب الاستئناف ، كما أنّه لا خلاف في أنّه لو سهى عنه قبل أن تتحقّق منه السجدة ، يجب عليه أن ينتصب قائماً ، ويركع ويتمّ الصلاة(2) .
إنما الخلاف فيما لو ذكر ذلك بعد السجدتين أو بعد السجدة الواحدة ، فالمحكيّ عن المبسوط إنّه قال : وفي أصحابنا من يسقط السجود ويعيد الركوع ، ثم يعيد السجود ، واختار هو إنّه إن أخلّ به في الاُوليين مطلقاً أو في ثالثة المغرب بطلت صلاته ، وإن كان في الأخيرتين من الرباعيّة وتركه ناسياً وسجد السجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة وقام وركع وأتمّ . انتهى .
والمحكيّ عن ابن الجنيد وعليّ بن بابويه أنّهما ذهبا إلى أنّه لو نسي الركوع
- (1) المعتبر 2: 192; تذكرة الفقهاء 3: 165 مسألة 246; الدروس 1: 176; جامع المقاصد 2: 283; الذكرى 3: 364; مستند الشيعة 5 : 192; جواهر الكلام 10 : 69; مفتاح الكرامة 2 : 414 .
- (2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 36; المراسم: 90; الوسيلة: 99; المهذّب 1: 156; السرائر 1: 240; جامع المقاصد 2: 488; مفاتيح الشرائع 1: 138; شرائع الاسلام 1: 106; المعتبر 2: 377.
(الصفحة 252)
بعدما سجد في الركعة الأولى تبطل الصلاة وتجب الإعادة ، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة ، فيجب حذف السجدتين ، وجعل الثالثة ثانية والرابعة ثالثة(1) .
هذا ، ولكنّ المشهور هو البطلان مطلقاً ، سواء ذكر بعد السجدة الأولى أو بعد السجدتين(2) ، وذهب جماعة من المتأخّرين إلى عدم البطلان فيما لو ذكر بعد السجدة الأولى ، ووجوب التدارك بالانتصاب قائماً ، ثم الركوع ، ثم السجود إلى آخر الصلاة(3) ، نظراً إلى أنّ السجدة التي لم تكن مسبوقة بالركوع لا تكون جزءً من الصلاة ، فتكون فعلا خارجاً عنها ، وحينئذ فلا وجه لأن يقال بفوات محلّ الركوع ، بعد عدم قابلية السجدة المأتيّ بها ، لوقوعها جزءً من الصلاة .
وفيه: أنّ ذلك مبنيّ على كون الترتيب بين الأجزاء شرطاً في صحتها التأهلية ، وقابليتها لوقوعها جزءً من الصلاة ، مع أنّه يحتمل أن يكون شرطاً لأصل الصلاة .
وتوضيح ذلك : إذا تعلّق الأمر بمركّب ذي أجزاء ، بحيث كان التدرّج والترتّب بين الأجزاء ووقوع بعضها عقيب بعض معتبراً أيضاً ، فلا إشكال في أنّ اتّصاف كلّ جزء منها بصفة الجزئية الفعلية يتوقّف على تحقق الكلّ ، ضرورة أنّ الكلية والجزئية من الاُمور المتضايفة التي لا يعقل تحقق واحد منها بدون صاحبه ، فما دام لم يتحقّق الكلّ في الخارج ولم يوجد ، يستحيل أن تكون الأجزاء جزءً فعلياً له ، وهذا واضح جدّاً .
وحينئذ فللأجزاء المتحققة في الخارج قبل حصول الكلّ صحة تأهلية ،
- (1) حكاه عنهما في مختلف الشيعة 2: 363 .
- (2) المقنعة: 138; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 35; المراسم: 89 ; السرائر 1: 245; الكافي في الفقه: 118; المهذّب 1: 153 ; المبسوط 1: 109 .
- (3) منهم: صاحب المدارك 4: 218 وكشف اللثام 4: 421 والعروة الوثقى 1: 644 مسألة 14.
(الصفحة 253)
وقابلية للحوق الأجزاء الاُخر إليها ، حتّى يلتئم من جميعها الكلّ .
فيقع الكلام في أنّ التدرّج والترتّب المعتبر في تحقق المركّب هل يكون معتبراً في نفس المركب، بحيث لو لم يتدرّج الأجزاء على النحو الذي اعتبره الآمر ، يكون عدم تحقق المركّب مستنداً إليه ومعلولا عنه فقط ، ولا ارتباط له بالأجزاء المأتيّ بها ، لوقوعها صحيحة بالصحة التأهلية ، أو أنّه معتبر في صيرورة الجزء جزءً وقابلا للحوق باقي الأجزاء إليها ، بحيث يكون عدم تحقق المركب في صورة الاخلال به مستنداً إلى الاخلال بأجزائه ؟ ، مثلا لو سجد في محلّ الركوع عمداً أو نسياناً ، وركع في محلّ السجود ، وأتمّ الصلاة ، فهل يكون بطلانها مسبّباً عن فقدها للترتيب المعتبر في تحقّقها ، أو أنّه يكون مستنداً إلى فقدها لكثير من أجزائها كالركوع والسجود وغيرهما ؟ .
إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ القول بعدم بطلان الصلاة في مفروض المسألة إنما يبتني على أن يكون الترتيب معتبراً في صحة الأجزاء ، وقابليتها لاتّصافها بالجزئية الفعلية المساوق لتحقّق الكلّ ، فيكون تأخّر السجود عن الركوع شرطاً في تحقّقه ، كوقوعه على المحلّ الطاهر ، وغيره ممّا يعتبر في تحقق السجود المعتبر في الصلاة ، وحينئذ فمع نسيانه لا تكون السجدة صالحة للجزئية أصلا ، فتكون لغواً ، فيمكن تدارك الركوع .
وهذا المبنى ممّا لم يقم عليه دليل ، لو لم نقل بظهور الأدلة على خلافه ، لأنّ مفادها هو اعتبار الترتيب في نفس الصلاة ، كاعتبار سائر الأجزاء والشرائط المعتبرة فيها .
هذا ، ولا يخفى أنّ مقتضى هذا الوجه امكان التدارك بعد السجدتين أيضاً ، والفرق بين الصورتين ـ بأنّ التدارك بعد السجدتين يستلزم زيادة الركن ، بخلافه بعد السجدة الواحدة ـ ممّا لا يتمّ ، بعد ملاحظة كون السجدتين المأتيّ بهما غير