(الصفحة 254)
واجدتين لجميع شرائطهما ، لفقدانهما للترتيب المعتبر فيهما . هذا ما تقتضيه القواعد .
وأمّا الأخبار :
فمنها: رواية رفاعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد ويقوم؟ قال : «يستقبل»(1) . والظاهر أنّ موردها ما إذا تذكّر بعد الإتيان بالسجدتين ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد بقوله : «يستقبل» هو استئناف الصلاة ، والإتيان بها من رأس ، لا التدارك ثم الاتمام .
ومنها : رواية إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم(عليه السلام) عن رجل ينسى أن يركع؟ قال : «يستقبل حتّى يضع كلّ شيء من ذلك موضعه»(2) . واطلاقها يشمل ما إذا تذكّر بعد الإتيان بالسجدة الواحدة ، وتعليل وجوب الاستقبال ، بأن يضع كلّ شيء موضعه ، دليل على أنّ المراد بالاستقبال هو الاستئناف والإتيان بها من رأس ، لا الرجوع للتدارك فتدبّر .
ومنها : رواية صفوان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة» . وروى صفوان عن منصور، عن أبي بصير مثله(3) .
والظاهر أنّ في الطريق الأول إرسالا ، لأنّه لا يمكن لصفوان النقل عن أبي بصير من دون واسطة .
وكيف كان، فمقتضى الرواية باعتبار تقييد الموضوع بما إذا سجد سجدتين ، هو
- (1) الكافي 3: 348 ح2; التهذيب 2 : 148 ح581 ; والاستبصار 1 : 355 ح1344 و1345; الوسائل 6 : 312 . أبواب الركوع ب10 ح1.
- (2) التهذيب 2: 149 ح583 ; الإستبصار 1: 356 ح1347; الوسائل 6: 313. أبواب الركوع ب10 ح2.
- (3) التهذيب 2: 148 و149 ح580 و587; الإستبصار 1: 355 و356 ح1343 و1349; الوسائل 6: 313. أبواب الركوع ب10 ح3 .
(الصفحة 255)
اختصاص وجوب استئناف الصلاة لأجل ترك الركوع نسياناً بهذه الصورة ، فتصلح الرواية لأن تصير مقيّدة لمثل الرواية المتقدمة التي تدلّ بإطلاقها على الوجوب في غير هذه الصورة ، مثل ما رواه ابن مسكان عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل نسي أن يركع؟ قال : «عليه الإعادة»(1) . فإنّ اطلاقها يقيد بما إذا تذكر بعد السجدتين .
وأمّا رواية رفاعة المتقدمة فلا تصلح للتقييد لكون القيد فيها مذكوراً في كلام الراوي دون الإمام(عليه السلام) .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع، قال : «فإن استيقن فليلق السجدتين اللّتين لا ركعة لهما، فيبني على صلاته على التمام، وإن كان لم يستيقن إلاّ بعدما فرغ وانصرف فليقم فليصلّ ركعة وسجدتين ولا شيء عليه» . ورواه الصدوق في الفقيه هكذا : «في رجل شكّ بعدما سجد أنّه لم يركع، فقال : يمضي في صلاته حتّى يستيقن أنّه لم يركع، فإن استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين . . .»(2) .
وحينئذ فلا يبقى مجال للإشكال في الرواية باضطراب المتن ، من حيث كون السؤال عن حكم صورة الشكّ والجواب متعرّض لبيان حكم صورة الاستيقان كما هو ظاهر ، وهذه الرواية التي استند إليها الشيخ(3) ، لما ذهب إليه من التفصيل بعد حملها على الركعتين الأخيرتين ، جمعاً بينها وبين الأخبار المتقدمة .
والإشكال على الاستدلال بها باشتمالها على ما لا يقول به أحد من وجوب
- (1) التهذيب 2 : 149 ح584; الإستبصار1 : 356 ح1346; الوسائل 6 : 313 . أبواب الركوع ب10 ح4 .
- (2) الفقيه 1: 228 ح1006; التهذيب 2: 149 ح585; الإستبصار 1: 356 ح1348; السرائر 3: 592; الوسائل 6: 314. أبواب الركوع ب11 ح2.
- (3) المبسوط 1 : 119 .
(الصفحة 256)
صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع ، كما هو المحكيّ عن الرياض(1) .
مندفع بأنّ القائل بعدم بطلان الصلاة فيما إذا أيقن ترك الركوع بعد السجدتين في الركعة الثالثة أو الرابعة ، ووجوب الرجوع للتدارك يلزمه القول بذلك ، لصيرورة الركعة الثالثة حينئذ ثانية ، والرابعة ثالثة ، فتكون الفريضة ناقصة ركعة ، فإذا ركعها بعد التمام جاء بها على وفق القاعدة .
نعم يرد عليه عدم الشاهد على هذا الجمع ، فيمكن حملها على النافلة ، كما في الوسائل(2) ، ولعلّه يجىء الكلام حول هذا المقام في مبحث الخلل إن شاء الله تعالى .
المسألة الرابعة : وجوب رفع الرأس من الركوع
قد عُدّ من واجبات الركوع رفع الرأس منه ، بمعنى أنّه لا يجوز أن يهوي للسجود قبل رفع الرأس من الركوع ، وكذلك الطمأنينة في الانتصاب ، بمعنى أن يعتدل قائماً ويسكن ولو يسيراً ، واعتبارهما وإن كان ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم(3) ، إلاّ أنّ عدّهما من واجبات الركوع غير خال عن المسامحة ، لأنّهما متأخّران عن الركوع كما هو واضح .
- (1) رياض المسائل 4 : 206 .
- (2) الوسائل 6: 315. أبواب الركوع ب11 ذيل الحديث 3 .
- (3) الخلاف 1: 351; الغنية: 79 ; المعتبر 2: 197; مدارك الأحكام 3: 389; جامع المقاصد 2: 288; مفاتيح الشرائع 1: 139; مستند الشيعة 5: 201; جواهر الكلام 10: 87 ; كشف اللثام 4: 73; مفتاح الكرامة 2: 420.
(الصفحة 257)
السادس من أفعال الصلاة : السجود
اعتبار السجود في الصلاة وجزئيته لها ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف(1) ، بل ربما يعد من الضروريات ، كوجوب أصل الصلاة ، ويجب أن يكون على سبعة أعظم ، للروايات الكثيرة التي رواها العامة والخاصة .
فمن طريق العامة ما رواه عمرو بن دينار عن طاووس، عن ابن عبّاس، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : «اُمرنا أن نسجد على سبعة أعظم»(2) . وما رواه عبدالله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس قال : قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «اُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين»(3) .
ومن طريق الخاصة ما رواه زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) : قال
- (1) المقنعة: 105; النهاية: 82 ; الغنية: 79; الوسيلة: 93; المراسم: 69; تذكرة الفقهاء 3: 184; المنتهى 1 : 286; مستند الشيعة 5 : 231; جواهر الكلام 10: 127 .
- (2 و 3) سنن البيهقي 2 : 101 و 103 .
(الصفحة 258)
رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «السجود على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، والابهامين من الرجلين، وترغم بأنفك ارغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة، وأمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي(صلى الله عليه وآله) »(1) .
وما رواه عبدالله بن جعفر في قرب الإسناد عن محمّد بن عيسى، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) قال : «يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه ورجليه، وركبتيه، وجبهته»(2) .
وبالجملة: لا خلاف عندنا في أنّه يجب أن يكون السجود على الأعضاء السبعة المذكورة في الروايات ، وعن أبي حنيفة ومالك : عدم وجوب السجدة على غير الجبهة(3) ، لقول النبي(صلى الله عليه وآله) : «سجد وجهي»(4) ، ولو ساواه غيره لما خصّه بالذكر ، ولأنّ وضع الجبهة يسمى سجوداً، ولا كذا غيره فينصرف الأمر المطلق إلى ما به يحصل مسمّاه ، ولأنّه لو وجب على غير الجبهة لوجب كشفه كالجبهة .
وأجاب عنه المحقّق في المعتبر: لا نسلّم أنّ اختصاصها بالذكر يدلّ على عدم الوجوب عن غيرها ، لجواز أن يكون الاختصاص بالذكر لما يختصّ به سجوداً ، من مزية الخضوع الذي يحصل بها ، وقوله : «وضع الجبهة يسمى سجوداً» ، قلنا : حقّ، وكذا ما ينضمّ إليها، وقد قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «سجد لحمي وعظمي وما أقلّته قدماي»(5). وقوله : «لو وجب على غير الجبهة لوجب كشفه»، قلنا : لو نسلّم فما
- (1) التهذيب 2 : 299 ح1204; الإستبصار1 : 327 ح1224; الخصال: 349; الوسائل : 6/343 . أبواب السجود ب4 ح2 .
- (2) قرب الاسناد : 36 ح69; الوسائل 6 : 345 . أبواب السجود ب4 ح8 .
- (3) المجموع 3: 423 و 427; المغني لابن قدامة 1: 591; الشرح الكبير 1: 591; تذكرة الفقهاء 3: 185 مسألة 256 .
- (4) و(5) صحيح مسلم 6 : ص48 ح201; سنن ابن ماجة 1: 335 ح1054; سنن البيهقي 2 : 109 .