(الصفحة 276)
وأمّا لو تذكّر قبل الدخول في ركوعها ، فالظاهر جواز العود بل وجوبه ، لعدم وجود مانع عن ذلك ، مضافاً إلى إمكان استفادة ذلك من الأخبار الواردة في السجدة الواحدة بطريق أولى ، لأنّ الأفعال المترتبة على السجدتين قد وقعت باطلة لنقصان الركن; وهذا بخلاف ما إذا نسي سجدة واحدة كما هو ظاهر ، هذا كلّه في غير الركعة الأخيرة .
وأمّا فيها فلا إشكال في وجوب الرجوع وتدارك السجدة الواحدة ، أو السجدتين ما لم يسلّم ، وكذا لا إشكال في بطلان الصلاة ، لو نسي السجدتين منها ، وتذكّر بعد السلام ، والإتيان بما يبطل الصلاة مطلقاً عمداً وسهواً ، كالحدث ، والاستدبار ، وكذا في صحة الصلاة ووجوب القضاء لو نسي سجدة واحدة ، وتذكّر بعدهما أو بعد السلام ، وقبل الإتيان بشيء من القواطع .
إنما الإشكال فيما لو نسي السجدتين وتذكّر بعد السلام ، وقبل فعل المنافي ، فذهب السيد(قدس سره) في العروة إلى البطلان(1) ، ولكن الظاهر الصحة ، ولزوم التدارك ، لأنّ الأفعال المترتّبة عليهما قد وقعت فاسدة ، ولأنّ الإخلال بهما معاً لا يجتمع مع صحة الصلاة ، وحينئذ فلا مانع من العود والتدارك ، ثم الإتيان بما يترتب عليهما من الأفعال .
وكون السلام محلّلا ومخرجاً للمصلّي عنها ، وموجباً لحلّية ما حرّمته تكبيرة الإحرام التي هي افتتاح للصلاة(2) ، لا يوجب المنع عن العود ، لأنّ هذا الحكم إنما هو فيما إذا وقع السلام صحيحاً لا مطلقاً ، وصحته متوقفة على وقوع السجدتين قبله ، فلا يمنع بوجوده الفاسد عن الإتيان بهما في محلّهما .
هذا ، مضافاً إلى أنّ السلام لا يكون من الصلاة حقيقة ، لأنّ معناها إنما هو
- (1) العروة الوثقى1 : 525 مسألة 16 .
- (2) الوسائل 6: 415. أبواب التسليم ب 1 .
(الصفحة 277)
الخضوع والخشوع في مقابل المعبود ، ومن المعلوم أنّ التسليم على الأنفس وعلى العباد الصالحين وعلى المأمومين مثلا خارج عن حقيقة الخضوع ، بل حقيقة التسليم كما في بعض الأخبار هو إذن الإمام للمأمومين في الخروج عن الصلاة ، وحينئذ فيبعد أن يكون مع ذلك موجباً لعدم جواز العود ، مع أنّ التشهّد الذي هو من أجزائها حقيقة ، لا يكون مانعاً عنه ، كما في التشهد في الركعة الثانية ، فالظاهر في المقام عدم البطلان ووجوب التدارك .
المسألة السابعة : جلسة الاستراحة
يستحبّ الجلوس بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة مع الطمأنينة ، ويسمّى ذلك بجلسة الاستراحة ، والقول بالاستحباب هو المشهور بين الأصحاب(1) ، وحكي عن السيد المرتضى(قدس سره) في بعض كتبه ، القول بوجوبها ، محتجّاً بالاجماع ، والاحتياط(2) ، ويلوح ذلك من كلام غير واحد من قدماء الأصحاب(3)وعن كاشف اللثام ـ من المتأخّرين ـ الميل إليه ، وحكي عن الحدائق تقويته(4) .
والمسألة بين العامة أيضاً كانت ذات قولين(5) ، والأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة ، ولابد من نقلها ليظهر مفادها فنقول :
- (1) المبسوط 1: 113; المهذّب 1: 98; السرائر 1: 227; المعتبر 2: 215; مستند الشيعة 5: 295; جواهر الكلام 10: 182; الحدائق 8 : 302 .
- (2) الانتصار : 150; المسائل الناصريّات : 223 .
- (3) المقنعة: 106; المراسم: 71; الغنية : 79; الوسيلة: 93; الخلاف 1 : 360 مسألة 117.
- (4) كشف اللثام 4: 103; الحدائق 8 : 302 .
- (5) راجع المجموع 3: 443; المغني لابن قدامة 1: 603; الشرح الكبير 1: 605; تذكرة الفقهاء 3: 199 مسألة 271.
(الصفحة 278)
منها : ما رواه عبدالحميد بن عوّاض عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتّى يطمئنّ ثم يقوم»(1) . ومن المعلوم أنّ هذه حكاية فعل ، وهو أعمّ من الوجوب .
ومنها : ما رواه أبو بصير قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا رفعت رأسك في السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالساً ثم قم»(2) . وظاهرها باعتبار الأمر بالاستواء جالساً هو الوجوب .
ومثلها ما رواه زيد النرسي في كتابه قال : سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول : «إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة ـ إلى أن قال ـ : ولا تطيش من سجودك مبادراً إلى القيام، كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم»(3) .
ومنها : ما رواه أصبغ بن نباتة قال : كان أمير المؤمنين(عليه السلام) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتّى يطمئنّ ثم يقوم، فقيل له : يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الإبل . فقال أمير المؤمنين(عليه السلام) : «إنما يفعل ذلك أهل الجفا من الناس، إنّ هذا من توقير الصلاة»(4) . هذا ، والتعليل يناسب الاستحباب كما هو غير خفيّ .
ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن زرارة قال : رأيت أبا جعفر وأبا عبدالله(عليهما السلام) إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا(5) . وهذه الرواية نصّ في جواز الترك وعدم الوجوب ، فيرفع اليد بسببها عن ظهور أكثر الأخبار المتقدمة
- (1) التهذيب 2 : 82 ح302 ; الاستبصار1 : 328 ح1228; الوسائل 6 : 346 . أبواب السجود ب5 ح1.
- (2) التهذيب 2: 82 ح303; الإستبصار 1: 328 ح1229; الوسائل 6: 346. أبواب السجود ب5 ح3.
- (3) أصل زيد النرسي : 53; البحار 82 : 184 ح10; مستدرك الوسائل 4: 456. أبواب السجود ب5 ح2.
- (4) التهذيب 2 : 314 ح1277; الوسائل 6 : 347. أبواب السجود ب5 ح5.
- (5) التهذيب 2: 83 ح305، الإستبصار 1: 328 ح1231، الوسائل 6: 346. أبواب السجود ب5 ح2.
(الصفحة 279)
في الوجوب ، مضافاً إلى أنّ كتاب زيد النرسي ممّا لا يجوز الاعتماد عليه ، لأنّه من الكتب التي ظهرت في القرون الأخيرة ولم يعلم صحة انتسابه إلى مؤلّفه .
ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن الحكم عن رحيم قال : قلت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام) : جعلت فداك أراك إذا صلّيت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الأولى والثالثة فتستوي جالساً ثم تقوم، فنصنع كما تصنع؟ فقال : «لاتنظروا إلى ما أصنع أنا، إصنعوا ما تؤمرون»(1) .
وقد يحمل هذا الخبر بملاحظة ذيله على التقية ، ولكن لا وجه له بعدما عرفت من كون المسألة بين العامة من الصحابة والتابعين اختلافية ، خصوصاً بعد حكايتهم عن النبي(صلى الله عليه وآله) إنّه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى استوى قاعداً ثم قام، وقوله(عليه السلام) : «إصنعوا ما تؤمرون» يمكن أن يكون الوجه فيه كون الراوي من زمرة العوام ، لعدم ثبوت رواية له في أبواب الفقه ، عدا هذه الرواية ، كما يظهر بملاحظة الأسانيد .
والظاهر باعتبار نقل عليّ بن الحكم عنه ، هو كونه من أهل الكوفة التي كان الشائع فيها في تلك الأعصار هي فتاوى أبي حنيفة ، ومن الواضح أنّ الرجل العامّي يعمل غالباً على طبق ما هو المتعارف بين الناس من الفتاوى ، فأمره(عليه السلام)بمتابعة ما يؤمر به ، إنما هو بملاحظة أنّه لم يشأ الإمام(عليه السلام) أن يترك الرجل سيرته المستمرّة ، ولا يلزم منه اغراء بالجهل ، لعدم كون ذلك واجباً ، فالرواية ربما يستفاد منها الاستحباب بملاحظة الذيل .
وبالجملة : فسؤال الراوي في هذه الرواية يكشف عن كون الجلوس بعد السجدتين أمراً غير معهود عند من يحشر معهم من أهل بلده ، ولكن الظاهر عدم ثبوت السيرة المستمرّة على الترك ، كيف وقد ذهب جمع من الصحابة على ما حكى
- (1) التهذيب 2 : 82 ح304; الاستبصار1 : 328 ح1230; الوسائل 6 : 347 . أبواب السجود ب5 ح6 .
(الصفحة 280)
عنهم في كتاب الخلاف(1) إلى الاستحباب .
كما أنّ الظاهر أنّ ما حكاه مالك بن الحويرث من فعل النبي(صلى الله عليه وآله) (2) ، وأنّه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى استوى قاعداً ثم قام لم يكن على سبيل الاستمرار ، وإلاّ لاستمرّ العمل من المسلمين عليه . وقد عرفت أنّ المحكيّ عن الشيخين في رواية الأصبغ هو أنّهم إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم ولم يجلسوا .
وكيف كان، فالمسألة كانت مورداً لاختلاف المسلمين ، ولذا صار الرواة بصدد حكاية قول الإمام(عليه السلام) أو فعله ، وقد عرفت أنّ رواية زرارة نصّ في جواز الترك ، ويؤيد الاستحباب أنّه لو كانت جلسة الاستراحة واجبة ، لكان اللازم أن يكون وجوبها ضرورياً ، لعموم الابتلاء بها ، فلا يبعد القول بالاستحباب ، وإن كان الأحوط بملاحظة أهمّية حال الصلاة ، وانّها إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردَّ ما سواها ، هو الإتيان ، فلا ينبغي الترك .
المسألة الثامنة : استحباب إرغام الأنف
يستحبّ إرغام الأنف حال السجود كما هو المشهور(3) ، والمحكيّ عن الصدوق في الفقيه القول بالوجوب(4) ، ويمكن أن يستدلّ له بما رواه الشيخ عن
- (1) الخلاف1 : 361 مسألة 119 .
- (2) صحيح البخاري 1: 218 ب127 ح802 وص224 ب142 ، ح823; سنن النسائي 2: 249 ح1148.
- (3) المقنعة: 105; الخلاف 1: 355; المراسم: 71; الوسيلة: 94; مستند الشيعة 5: 289; جواهر الكلام 10: 174; كشف اللثام 4: 101.
- (4) الفقيه 1: 205; الهداية: 137 .