(الصفحة 281)
أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى، عن عمّار، عن جعفر، عن أبيه قال : قال عليّ(عليه السلام) : «لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين»(1) .
وبما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عمّن سمع أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : «لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه»(2) . هذا ولكن الثانية مرسلة ، والأولى يكون الراوي فيها عامياً على الظاهر ، فلايصحّ الاعتماد على روايته .
ويدلّ على الاستحباب صحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «السجود على سبعة أعظم : الجبهة، واليدين، والركبتين، والابهامين من الرجلين، وترغم بأنفك إرغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة، وأمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي(صلى الله عليه وآله) »(3) .
وما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي عبدالله البرقي، عن محمد بن مصادف(4) قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : «إنما السجود على الجبهة وليس على الأنف سجود»(5) . فإنّ الظاهر أنّ المراد بالسنة في الصحيحة ما يقابل الوجوب ، كما تدلّ عليه الرواية الثانية النافية للسجود على الأنف .
- (1) التهذيب 2 : 298 ح1202; الاستبصار1 : 327 ح1223; الوسائل 6 : 344 . أبواب السجود ب4 ح4 .
- (2) الكافي 3: 333 ح2، الوسائل 6: 345. أبواب السجود ب4 ح7.
- (3) التهذيب 2 : 299 ح1204 ; الاستبصار1 : 327 ح1224; الخصال: 349; الوسائل 6 : 343 . أبواب السجود ب4 ح2.
- (4) الظاهر أنّ الصواب محمد بن مضارب ، فإنّه هو الذي يروي عن الصادق(عليه السلام)، وأمّا محمد بن مصادف فلم يوجد في الرواة ، نعم يوجد فيهم مصادف الذي كان مولى الصادق(عليه السلام) ، وقد روي عنه كثيراً . هذا ، ولكن سند الرواية غير خال عن الإرسال ظاهراً ، لأنّ أبا عبدالله البرقي من الطبقة السابعة ، وأصحاب الصادق(عليه السلام)من الطبقة الخامسة ، فكان بينهما واسطة من الطبقة السادسة (منه) .
- (5) التهذيب 2 : 298 ح 1200; الإستبصار 1 : 326 ح1220; الوسائل 6 : 343 . أبواب السجود ب4 ح1 .
(الصفحة 282)
وتوهّم إنّه لا منافاة بينهما ، بتقريب أنّ ظاهر قوله : «وترغم بأنفك إرغاماً» هو الوجوب ، وعليه فالمراد من السنة هي ما ثبت وجوبها بقول النبي(صلى الله عليه وآله) ، أو فعله ، مقابل الفرض الذي هو عبارة عمّا ثبت وجوبه بالكتاب ، وأمّا قوله : «ليس على الأنف سجود» فظاهره نفي وجوب السجود على الأنف ، وهو لا ينافي كون الارغام واجباً مستقلاً غير مرتبط بالسجود .
مندفع بأنّ ظاهر الصحيحة أنّ الفرق بين الأنف وسائر الأعظم السبعة هو شيء واحد ، وهو كونها فرضاً وهو سنّة ، ولو كان المراد من السنة هو ما ذكر ، يلزم ثبوت الفرق بينهما من وجهين كما هو واضح ، فالظاهر أنّ المراد بالسنة هو الاستحباب مقابل الوجوب ، ويدلّ عليه مضافاً إلى ما عرفت أنّه لو كان الارغام واجباً في الصلاة ، أو في السجود ، لكان اللازم مع عموم الابتلاء به لكلّ أحد ، أن يكون وجوبه ضرورياً فضلا عن أن تكون السيرة على خلافه ، والشهرة الفتوائية أيضاً قائمة على الخلاف ، فالأقوى ما ذهب إليه المشهور .
ثم إنّ ظاهر الأخبار يقتضي حصول الاستحباب بإصابة أيّ جزء من الأنف ، ولكن المحكيّ عن المرتضى في جمل العلم والعمل; اعتبار إصابة الطرف الأعلى الذي يلي الحاجبين(1) ، وعن ابن الجنيد أنّه قال : يماسّ الأرض بطرف الأنف وخديه(2) ، وقد عرفت أنّ الظاهر هو الإطلاق .
ثم إنّ الارغام عبارة عن إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب ، فمقتضى الجمود على هذا الظهور ، أن يكون المعتبر في السنّة هو وضع الأنف على التراب فقط ، ولكن الظاهر كفاية مطلق الأرض ، بل مطلق ما يصح السجود عليه ، كما يدلّ على
- (1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3 : 32 .
- (2) الحدائق 8 : 297 .
(الصفحة 283)
ذلك ما ورد في مرسلة ابن المغيرة ورواية عمّار المتقدمتين(1) ، ممّا ظاهره كفاية ما يكفي في وضع الجبهة عليه ، والتعبير بالارغام إنما هو بملاحظة أنّ الغالب فيما يسجد عليه هو التراب كما لا يخفى .
وحينئذ فيظهر أنّ السجود على الأنف والارغام به ليسا أمرين ، خلافاً لما حكي عن بعض من التغاير بينهما(2) ، نظراً إلى اعتبار الوضع على التراب في تحقق الارغام ، ولو كان سجوداً لكان يكفي فيه كلّ ما يصحّ السجود عليه فتدبّر .
ثم إنّ العامة أيضاً اختلفوا في وجوب الارغام وعدمه(3) ، ولكنّ الظاهر أنّ الوجه في ذلك هو أنّ الواجب عندهم هي السجدة على الوجه لا الجبهة ، فوقع الاختلاف بينهم في أنّ الواجب من السجدة على الوجه هي السجدة على الجبهة ، أو على الأنف ، أو على كليهما معاً ، أو أنّه يتخيّر المصلّي بينهما ، وأمّا النزاع بين الإمامية ، فهو بعد الفراغ عن وجوب السجدة على الجبهة تعييناً كما هو واضح .
- (1) الوسائل 6: 344 ـ 345. أبواب السجود ب4 ح4 و 7 .
- (2) كتاب الأربعين للشيخ البهائي(رحمه الله): 167.
- (3) المجموع 3: 425; المغني لابن قدامة 1: 592; الشرح الكبير 1: 592; تذكرة الفقهاء 3: 188.
(الصفحة 284)
(الصفحة 285)
السابع من أفعال الصلاة : التشهّد
لا إشكال ولا خلاف في استمرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) والصحابة والتابعين على الإتيان بالتشهد في كل ثنائية مرّة ، وفي كلّ ثلاثية ورباعية مرتين(1) ، ومع ذلك فقد وقع الخلاف في وجوبه بين المسلمين ، فذهب علمائنا أجمع إلى وجوبه في الركعة الأخيرة من كلّ صلاة ، وفي الركعة الثانية من الثلاثية والرباعية ، ووافقنا على ذلك الليث بن سعد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود .
ولكن المحكيّ عن الشافعي ، ومالك ، وأبي حنيفة ، أنّ التشهد الأول سنة ، كما أنّ المحكيّ عن الأخيرين والثوري ، استحباب التشهّد الأخير أيضاً ، إلاّ أنّ أبا حنيفة يقول : الجلوس في الثاني قدر التشهد واجب ، وأمّا الشافعي فيقول بوجوب التشهد الأخير، وهو الذي يتعقّبه السلام ، وبه قال عمر ، وابنه ، وأبو مسعود ، والحسن البصري ، وأحمد(2) .
- (1) سنن البيهقي 2: 142; صحيح البخاري 1: 225 ب145 ، ح828; سنن النسائي 2: 253 ح1159.
- (2) الخلاف 1: 364 مسألة 121 وص367 مسألة 126; الإنتصار: 151; المعتبر 2: 221; تذكرة الفقهاء 3: 227; المجموع 3: 449 و450 ـ 462; المغني لابن قدامة 1: 606 و613; الشرح الكبير 1: 634.