(الصفحة 289)
مسوقة لبيان حكم آخر ، وهو صحة الصلاة إذا وقع الحدث بعد التشهد ، وبطلانها إذا وقع قبله ، فلا يستفاد منها كفاية مجرّد الشهادة بالوحدانية ، والشهادة بالرسالة .
ويؤيد عدم الاجتزاء بذلك صحيحة محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : التشهد في الصلاة؟ قال : مرتين. قال : قلت : وكيف مرتين؟ قال : «إذا استويت جالساً فقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، ثم تنصرف»(1) .
ولكن الرواية في غاية الاضطراب ، لأنّه لا يكون السؤال عن مجرد التشهد في الصلاة سؤالا تامّاً ، بل يحتاج إلى ضميمة ، فيحتمل أن يكون مقصوده السؤال عن أصل وجوب التشهد في الصلاة ، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن كيفية التشهد ، وإنّه هل تكفي شهادة واحدة ، أو أنّه تجب الشهادتان؟ كما أنّه يحتمل أن يكون غرضه السؤال عن وجوبه مرّة أو مرتين .
ولايخفى أنّ ظاهر كلمة مرتين الواردة في الجواب هو الدفعتان في مقابل دفعة واحدة ، فينطبق على السؤال على النحو الأخير ، ويبعد أن يكون المقصود بها الشهادتين في مقابل شهادة واحدة ، حتى ينطبق على السؤال على النحو الثاني .
ثم إنّ سؤاله ثانياً المشتمل على قوله : «وكيف مرتين» مضطرب أيضاً ، فإنّ الجمع بين كلمة مرتين وكلمة كيف ممّا لا وجه له ، إلاّ أن يكون غرضه أنّ التشهد الذي حكم بوجوبه مرتين ما كيفيته؟ فينطبق الجواب عليه بعد حمله على التشهد الأخير بقرينة قوله : «ثم تنصرف» .
وكيف كان، فالرواية مضطربة جدّاً ، والانصاف أنّ رفع اليد عن ظاهر الأخبار الدالة على الاجتزاء بمطلق الشهادتين مشكل ، خصوصاً بعدما عرفت من
- (1) التهذيب 2 : 101 ح379; الاستبصار1 : 342 ح1289; الوسائل 6 : 397 . أبواب التشهد ب4 ح4 .
(الصفحة 290)
عدم مدخلية الزيادتين في حقيقة الشهادة بالوحدانية ، والشهادة بالرسالة ، كما أنّ الفتوى بكفايتهما مطلقاً أيضاً كذلك ، فالأحوط الذي لا يجوز تركه هو مراعاة النحو المتعارف بين الناس في كيفية التشهد .
ويجب بعد الشهادتين الصلاة على النبي وآله ، والظاهر أنّه لا خلاف فيه ، بل حكي عن غير واحد دعوى الاجماع عليه(1) ، ولكن خالفنا في ذلك جمهور العامة ، فإنّ المحكيّ عن أبي حنيفة ومالك أنّهما استحبّا الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله) ، ولكن ذهب الشافعي إلى وجوبه في خصوص التشهد الأخير(2)، هذا في الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله) ، وأمّا الصلاة على آله فلم يقل بوجوبها من العامة إلاّ البويحي من أصحاب الشافعي ، وأحمد في إحدى الروايتين ، وقال الشافعي : إنّه يستحبّ(3) .
ويدلّ على ما ذكرنا ـ مضافاً إلى الإجماع والأخبار الواردة من طرق الإمامية(4) ـ ما ذكره في المعتبر ، من أنّهم رووا عن عائشة قالت : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : «لا تقبل صلاة إلاّ بطهور وبالصلاة عليّ» . . ورووه عن فضالة بن عبيد الأنصاري عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : «إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد ربّه عزّوجلّ والثناء عليه، ثم ليصلّ على النبي(صلى الله عليه وآله) »(5) ، وروى كعب بن عجرة قال : كان
- (1) الغنية: 80 ; الخلاف1 : 373 مسألة 132; المسائل الناصريات: 228 ـ 229; تذكرة الفقهاء 3 : 232 مسألة 293; المنتهى 1 : 293; جامع المقاصد 2: 319; مستند الشيعة 5 : 329; جواهر الكلام 10: 253; المعتبر 2 : 226; كشف اللثام 4 : 119; الذكرى 3: 406 .
- (2) المجموع 3: 465 و467; المغني لابن قدامة 1: 614; الشرح الكبير 1: 613 ـ 614; تذكرة الفقهاء 3: 232 مسألة 293.
- (3) المجموع 3: 465; المغني لابن قدامة 1: 616; الشرح الكبير 1: 616; المعتبر 2: 227; تذكرة الفقهاء 3: 233 مسألة 294 .
- (4) راجع الوسائل 6 : 407 أبواب التشهد ب10 .
- (5) سنن البيهقي 2: 147.
(الصفحة 291)
رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول في صلاته : «اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد»(1) ، وروى جابر الجعفي عن أبي جعفر، عن ابن مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه»(2) .(3)
ويدلّ على وجوب الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله) الآية الشريفة الآمرة(4) بالصلاة عليه ، بضميمة الإجماع على عدم وجوب الصلاة عليه في غير حال الصلاة ، وعلى عدم وجوبها في حالها في غير التشهد أيضاً ، فالاجماع يكون مقيّداً للآية لا أنّه يوجب صرف الأمر الظاهر في الوجوب عن ظاهره ، والحمل على الاستحباب ، إذ لا وجه للحمل عليه مع عدم الدليل على جواز الترك في حال الصلاة أيضاً ، مضافاً إلى وجود الدليل على الوجوب كالإجماع ، والأخبار التي منها موثّقة عبدالملك بن عمرو الأحول عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «التشهد في الركعتين الأوّلتين ألحمد لله أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، أللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، وتقبّل شفاعته وارفع درجته»(5) . واشتمالها على ما قام الدليل على عدم وجوبه لا يضرّ بالاستدلال بها على الوجوب ، بالنسبة إلى ما لم يقم الدليل على عدم وجوبه كما هو واضح .
وبالجملة: فالإشكال في وجوب الصلاة على النبي وآله ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه .
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الواجب بعد الركعة الثانية والأخيرة ، هو
- (1) سنن البيهقي 2 : 147; سنن أبي داود 1: 257 ح976 و 978.
- (2) سنن الدارقطني 1 : 281 ح1328.
- (3) المعتبر 2: 226 ـ 227 .
- (4) الأحزاب : 56 .
- (5) التهذيب 2 : 92 ح344 ، الوسائل 6 : 393. أبواب التشهد ب3 ح1 .
(الصفحة 292)
الشهادتان والصلاة على النبي وآله ، وأمّا باقي الأذكار فهي مستحبة ، وأكملها ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)(1) ، وأمّا السلام على النبي(صلى الله عليه وآله) ، وعلى الأنفس ، والعباد الصالحين ، كما في التحيّات المنقولة عن العامة(2) على اختلافها ، فلا يجوز أصلا ، لأنّه يوجب الخروج عن الصلاة كلّما تحقق فلا يجوز تقديمه على التشهد .
نسيان التشهّد
لو نسي التشهد الأول ، ولم يتذكّر إلاّ بعد القيام ، فإن كان ذلك قبل الركوع يجب عليه أن يرجع للتشهد ، فيجلس ويتشهد ثم يأتي بما يترتب عليه من الأفعال ولا شيء عليه ، وإن كان ذلك بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة ، فليس له أن يرجع بل يتمّ الصلاة ، وعليه قضاء التشهد وسجدتا السهو .
ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى تطابق الفتاوى عليه(3) ، الروايات الكثيرة الواردة في المسألة .
منها : رواية فضيل بن يسار عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة ثم ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال : «فليجلس ما لم يركع وقد تمّت صلاته، وإن لم يذكر حتّى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين وهو جالس»(4) .
- (1) الوسائل 6 : 393. أبواب التشهد ب3 ح2 .
- (2) راجع 2 : 286.
- (3) الغنية: 113; المهذّب 1: 156; الخلاف 1 : 366 مسألة 124 وص452 مسألة 197; الكافي في الفقه: 149; السرائر 1: 257; تذكرة الفقهاء 3: 339; جواهر الكلام 11 : 284; كشف اللثام 4 : 433.
- (4) الكافي 3 : 356 ح2; التهذيب 2 : 345 ح1431; الوسائل : 6/405 . أبواب التشهد ب9 ح1 .
(الصفحة 293)
ومنها : رواية عليّ بن أبي حمزة البطائني الكوفي الواقفي قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا قمت في الركعتين الأوّلتين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهد، وإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثم تشهد التشهد الذي فاتك»(1) .
ومنها : رواية محمّد بن عليّ الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد؟ قال : «يرجع فيتشهد»، قلت : أيسجد سجدتي السهو؟ فقال : لا ، ليس في هذا سجدتا السهو»(2) . ولكنّها محمولة بقرينة سائر الروايات على ما إذا تذكّر قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة .
ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها فلم تتشهد فيهما، فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس فتشهد وقم فأتمّ صلاتك، فإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(3) .
ومنها : رواية ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع؟ فقال : «يتمّ صلاته ثم يسلّم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلّم»(4) .
ومنها : رواية أبي بصير قال : سألته عن الرجل ينسى أن يتشهد؟ قال : «يسجد سجدتين يتشهد فيهما»(5) . هذا ، ولكنّها محمولة على ما إذا تذكّر ذلك بعد
- (1) الكافي 3: 357 ح7; التهذيب 2 : 344 ح1430; الوسائل 8 : 244 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب26 ح2 .
- (2) التهذيب 2 : 158 ح622; الاستبصار1 : 363 ح1376; الوسائل 6 : 406 . أبواب التشهد ب9 ح4 .
- (3) الكافي 3: 357 ح8 ; التهذيب 2: 344 ح1429; الوسائل 6: 406. أبواب التشهد ب9 ح3.
- (4) التهذيب 2 : 158 ح620 وج2 : 159 ح624; الاستبصار 1 : 363 ح1375; الوسائل 6 : 402 . أبواب التشهد ب7 ح4.
- (5) التهذيب 2: 158 ح621; الوسائل 6: 403. أبواب التشهد ب7 ح6 .