(الصفحة 294)
الدخول في الركوع . إلى غير ذلك من الأخبار(1) .
ثم إنّك عرفت أنّ الفتاوى متطابقة على وجوب قضاء التشهد ، والإتيان بسجدتي السهو معاً ، فيما لو تذكّر بعد الركوع ، مع أنّ الروايات المتقدمة خالية عن الدلالة على وجوب القضاء ، نعم يمكن أن يقال بدلالة رواية أبي بصير على ذلك ، بناءً على أن يكون المراد بقوله : «يتشهد فيهما» هو قضاء التشهد المنسي ، لا التشهد الذي هو جزء من سجدتي السهو .
ولكنّها بعد ذلك تخالف الفتاوى أيضاً ، من حيث أنّ مقتضى الرواية وجوب الإتيان بقضاء التشهد المنسي بعد السجدتين للسهو ، ومقتضى الفتاوى العكس ، وإنّه يجب أولاً بعد الفراغ من الصلاة قضاء التشهد ، ثم الإتيان بالسجدتين ، فالرواية مخالفة للفتاوى على أيّ تقدير .
ومن هنا يظهر الإشكال في دلالة رواية عليّ بن أبي حمزة المتقدمة على وجوب قضاء التشهد ، فاللازم أن يكون المراد بقوله : «ثم تشهد . . .» ، هو تشهد السجدتين ، غاية الأمر أنّه ينوي به التشهد الذي فاته ، وعليه فتكون أيضاً مخالفة للمشهور .
وكيف كان، فيستكشف من الفتاوى وجود نص معتبر مذكور في الجوامع الأول يّة ، دالّ على هذا الحكم ، غاية الأمر أنّه لم يضبط في الجوامع الثانوية التي بأيدينا ، والاستدلال على ذلك بإطلاق قوله(عليه السلام) في صحيحة ابن سنان : «إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثم ذكرت فاقض الذي فاتك سهواً»(2) وقوله(عليه السلام) في صحيحة حكم بن حكيم قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن
- (1) راجع الوسائل 6 : 401 الباب 7 .
- (2) الفقيه 1: 228 ح1007; التهذيب 2 : 350 ح1450; الوسائل 8 : 238 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب23 ح7 وص244 ب26 ح1 .
(الصفحة 295)
رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها ثم يذكر بعد ذلك؟ قال : «يقضي ذلك بعينه»، فقلت : أيعيد الصلاة؟ فقال : «لا»(1). ممّا لا يتمّ بعد وضوح عدم إمكان الالتزام بهذا العموم ، خصوصاً بعد عدم إمكان الالتزام به في موردهما كما لايخفى ، هذا كلّه في التشهد الأول .
وأمّا لو نسي التشهد الأخير ، فيمكن أن يستفاد حكمه من بعض الروايات :
منها : رواية محمّد بن عليّ الحلبي المتقدمة الشاملة باطلاقها لما إذا نسي التشهد الأخير .
ومنها : إطلاق رواية أبي بصير المتقدمة .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)، في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال : «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهد وإلاّ طلب مكاناً نظيفاً فتشهد فيه» وقال : «إنما التشهد سنّة في الصلاة»(2) .
هذا ، والمراد من السنة هو ما ثبت وجوبه بالسنّة مقابل الفرض ، وهو ما ثبت وجوبه بالكتاب ، لا السنّة في مقابل الوجوب ، وذكره إنما هو بملاحظة أنّه حيث يكون التشهد سنّة ، فلا يلزم من الاخلال به سهواً بطلان الصلاة ، ويمكن أن يقال: بدلالة هذه الرواية على وجوب قضاء التشهد ، فيما إذا نسي التشهد الأول لإطلاقها من حيث نسيان التشهد .
ومنها : رواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنّه قال : بسم الله فقط فقد جازت صلاته، وإن لم يذكر شيئاً من التشهد أعاد الصلاة»(3) . ولكن هذه الرواية بمعناها الظاهر غير معمول بها ، فلا اعتبار بها ، وأمّا
- (1) التهذيب 2 : 150 ح588; الوسائل 8 : 200 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح6 .
- (2) التهذيب 2 : 157 ح617; الوسائل 6 : 401 . أبواب التشهد ب7 ح2.
- (3) الإستبصار 1: 343 ح1293 وص379 ح1437; التهذيب 2: 192 ح758 ; الوسائل 6: 403. أبواب التشهد ب7 ح7 .
(الصفحة 296)
الروايات المتقدمة فيستفاد من أكثرها الرجوع إلى التشهد ثم إعادة السلام ، إذ لا يصدق نسيانه إلاّ مع الإتيان بالسلام .
وحينئذ فمرجع ذلك إلى أنّ السلام لا يكون مفوّتاً لمحلّ التشهد ، ولا يكون كالركن ، حيث عرفت أنّه لا مجال للعود مع الدخول فيه ، فالأظهر وجوب الرجوع للتشهد ، ويظهر ذلك من الشيخ في المبسوط ، حيث قال : التشهد في الصلاة فرض واجب للأول والثاني في الثلاثية والرباعيات ، وفي كلّ ركعتين في باقي الصلوات ، فمن تركهما أو واحداً منهما متعمّداً فلا صلاة له ، ومن تركهما أو واحداً منهما ناسياً حتّى فرغ من الصلاة قضاهما بعد التسليم ، وأعاد التسليم بعد التشهد الأخير ، فإن ترك التشهد الأول قضاه، وليس عليه تسليم بعده(1) . انتهى .
والمراد بقوله : «قضاهما» ليس هو القضاء المصطلح ، حتّى لا يناسب مع إعادة التسليم بعد التشهد الأخير ، بل المراد به هو مجرّد الاتيان به ، لكنّه ينافي ذلك ما ذكره في موضع آخر من المبسوط حيث قال : ومن نسي التشهد الأخير حتّى يسلّم قضاه بعد التسليم أيّ وقت كان(2) . انتهى .
وحينئذ فمقتضى الاحتياط الإتيان بالتشهد ، لا بنية الأداء ، ولا القضاء ، ثم التسليم ، وإن كان يظهر من غيره كالسيّد في جمل العلم والعمل ، وابن البرّاج في شرحه ، وجوب الرجوع والإعادة(3) .
- (1) المبسوط 1 : 115 .
- (2) المبسوط 1 : 122 .
- (3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 36; المهذّب 1: 156 .
(الصفحة 297)
الثامن من أفعال الصلاة : التسليم
وفيه جهات من الكلام :
الجهة الأولى : التسليم في آخر الصلاة
لا إشكال في استمرار عمل المسلمين على التسليم في آخر الصلاة ، ولا فرق في ذلك بين الإمامية وغيرهم ، كما يستشعر بل يستظهر ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرّقة ، كبعض الأخبار الواردة في حكم الشكّ في الركعتين الأخيرتين(1) ، وفي نسيان التشهد(2) كما عرفت ، وفي قضاء الصلوات الفائتة(3) ، وفي تقديم سجود السهو عليه أو تأخيره عنه(4) ،وفي غير ذلك من الموارد الكثيرة
- (1 و 2) راجع الوسائل 8 : 212. أبواب الخلل . ب8 ح1 و3 وص245 ب26 ح4 و5; وج6 ص402 ـ 403، 404. أبواب التشهد ب7 ح3 و4 و 8 .
- (3) الوسائل 4: 290. أبواب المواقيت ب63 ح1.
- (4) راجع الوسائل 8 : 207 أبواب الخلل ب5 .
(الصفحة 298)
التي لا يبقى للناظر فيها الارتياب في كون التسليم في آخر الصلاة أمراً مفروغاً عنه بين الإمامية في مقام العمل .
ومن المعلوم أنّ هذا النحو من الاستمرار ، أي استمرار المسلمين في مقام العمل ، يكشف عن مداومة النبي(صلى الله عليه وآله) على ذلك .
وبالجملة: فاستقرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) والمسلمين بعده ممّا لا يكاد يمكن إنكاره .
الجهة الثانية : صيغة التسليم
إنّ لكيفية التسليم ثلاث صيغ معروفة بين العامة والخاصة ، وقد عرفت أنّ الأوليين منها داخلتان في تحيّات التشهد عندهم ، بل عن الشافعي وجوبهما كوجوب قول التحيّات لله(1) ، ولكن ظاهرهم الاتّفاق على الإتيان بهما قبل الشهادتين ، والصلاة على النبي وآله(2) ، وقد ظهر لك(3) أنّ ذلك يوجب الخروج عن الصلاة عند الإمامية .
والظاهر أنّ التسليم عندهم(4) هي الصيغة الأخيرة المعروفة ، كما أنّه ربما يستفاد ذلك من رواية أبي بصير الطويلة المشتملة على تحيّات التشهد ، على النحو الأكمل ، حيث إنّه قال فيها بعد ذكر التحيّات المتضمّنة لقول السلام عليك أيّها النبي . . . ، والسلام علينا وعلى . . . ، : «ثم تسلّم»(5) ، فإنّ ظاهرها أنّ التسليم ليس
- (1 ـ 3) راجع 2 : 286 .
- (4) المجموع 3: 475 ـ 476; المغني لابن قدامة 1: 626; الشرح الكبير 1: 626; تذكرة الفقهاء 3: 245 مسألة 301 .
- (5) التهذيب 2: 99 ح373; الوسائل 6: 393. أبواب التشهد ب3 ح2.